"أسبوع محاكمات الرأي في المغرب"؛ هكذا يمكن تسمية الأسبوع الأخير من شهر نيسان/ أبريل، بعد الأحكام التي طالت الناشطَين ربيع الأبلق وسعيدة العلمي. أحكام وُصفت بالقاسية تجدد مطالب وقف محاكمات الرأي في المملكة.
بنبرة ملؤها الحزن والأسى، علّق الأبلق في حديثه إلى رصيف22، على الحكم الصادر في حقّه، معبّراً عن قلقه منه، ومشيراً إلى أنه كان يتوقع الحكم الصادر في حقه إلا أنه تفاجأ بالحكم الذي طال سعيدة العلمي، مشيراً إلى أنه راجع ما تكتب ولم يجد ما تستحق بسببه سنتين سجناً.
أحكام قاسية
في آخر أشواط ملف الناشطة الحقوقية والمدوّنة سعيدة العلمي، قضت المحكمة الابتدائية في مدينة الدار البيضاء، بسجن الناشطة التي كانت معروفةً بانتقادها للسلطات المغربية عبر حسابها في فيسبوك، سنتين سجناً نافداً وتدفيعها غرامةً ماليةً قدرها خمسة آلاف درهم (نحو 500 دولار أمريكي).
كانت السلطات قد قرّرت توقيف الناشطة في 25 آذار/ مارس2022، بعدما حققت معها الفرقة الوطنية للشرطة القضائية في الدار البيضاء، وكان الثامن من نيسان/ أبريل، موعد أولى جلسات محاكمتها التي توبعت فيها بتهم "إهانة هيئة نظمها القانون، وإهانة موظفين عموميين بمناسبة قيامهم بمهامهم بأقوال مست بالاحترام الواجب لسلطتهم، وتحقير مقررات قضائية، وبث وتوزيع ادّعاءات ووقائع كاذبة لأشخاص بقصد التشهير بهم".
الصحافي صلاح المعيزي، عضو لجنة التضامن مع عمر الراضي وسليمان الريسوني وكافة معتقلي الرأي وحريات التعبير، قال في تصريح لرصيف22، إن المحاكمة الجديدة لسعيدة استكمال لمسلسل التضييق على الحريات الذي بدأ ضد الأصوات الحرة المدافعة عن حقوق الإنسان والديمقراطية في المغرب.
المعيزي، قال إن الذين تطالهم هذه المحاكمات هم المتضامنون مع الصحافيَين عمر راضي وسليمان الريسوني، لأن سعيدة العلمي ممن تضامنوا معهما في الوقفات الاحتجاجية التضامنية، مشيراً إلى أنّ هناك هجمةً كبيرةً على المتضامنين مع المعتقلين، وقد بدأت هذه المضايقات خلال التضامن مع سليمان وعمر، إذ كانت هناك دينامية واحتجاجات سلمية للمطالبة بإطلاق سراحهما. "كثيرون من المتضامنين مع عمر وسليمان، هم الآن من المتابَعين في حالة سراح أو معتقلين تمت إدانتهم كالمعتقل نور الدين العواج وسعيدة العلمي وآخرين"، يقول مدير موقع الناس.
المتحدث أشار الى أن الحكم على سعيدة العلمي، كان منتظراً نظراً إلى الأحكام السابقة، فبالطريقة نفسها تمت متابعة الناشطين والصحافيين الذين يُدانون بتهم جنسية وأخلاقية.
في السياق ذاته، نبّه عضو لجنة التضامن إلى أن سقف الحرية مرتفع، وهناك رغبة كبيرة عند المواطن المغربي للتعبير عن رأيه بجرأة ووجه مكشوف حول مواضيع تهم المواطن بالرغم من اختلاف ما سيقال، مشيراً إلى أن ربيع الأبلق أو سعيدة العلمي يعبّران عن رأيهما بوجه مكشوف وبهويتهما المدنية وهي آراء جريئة في هذا الوقت، إلا أن النيابة العامة تكيّفهم بطريقة محافظة جداً وتعاقب آراءهم.
المحامية سعاد براهمة، عضوة هيئة الدفاع عن العلمي، قالت في تصريح لرصيف22، إن استدعاء هذه الأخيرة جاء على خلفية مجموعة من التدوينات التي انتقدت من خلالها مؤسسات الدولة، والتي تعبّر عن رأيها واستيائها من بعض المؤسسات، كمؤسسة القضاء والأجهزة الداخلية، والمؤسسة الملكية. وعلى خلفية هذا الاستدعاء، اتُّخذ قرار باعتقالها وتقديمها إلى وكيل الملك، وتمت متابعتها بجنح مختلفة.
المحامية أشارت إلى أنه كانت هناك مرافعة في الموضوع أثارت مجموعةً من الدفوع الشكلية (بخصوص إجراءات المتابعة القضائية)، وهي عبارة عن خروقات شابت الإجراءات المسطرية، منذ وضعها في الحراسة النظرية، حتى تقديمها لدى وكيل الملك. والتي على ضوئها طالبت الهيئة بإبطال تلك المحاضر، وإبطال إجراءات البحث ككل، موضحةً أن الجنح التي توبعت بها، ليس لها أيّ أساس وهي غير قانونية، ومنها إهانة هيئة منظمة، التي لا تثبت إلا بعدم وجود شرط العلنية، وهي قد نشرتها في فيسبوك، يعني يجب أن تكون مسألةً شخصيةً بينها وبين الهيئة بشكل شخصي، كذلك بالنسبة إلى التشهير فهي لم تشهّر أبداً بأشخاص معيّنين، فضلاً عن عدم وجود أي مشتكٍ.
سعاد براهمة، عضوة هيئة الدفاع عن العلمي، قالت في تصريح لرصيف22، إن محاكمة العلمي جاءت على خلفية تدوينات انتقدت من خلالها مؤسسة القضاء والأجهزة الداخلية، والمؤسسة الملكية
في السياق ذاته، تشير البراهمة إلى أن ما كتبته العلمي، تعبير ونقد بناء كمواطنة يحرّكها حب الوطن، انتقدت مجموعةً من المؤسسات تراها من وجهة نظرها فاسدةً وتضيّع حقوق الأشخاص، إلا أن الحكم عليها كان مجانباً للصواب وغير منصف.
وأضافت المحامية أن "المتابعات كانت في غير محلها، وتفتقر إلى ما يعززها قانونياً، ونتمنى أن تتراجع محكمة الاستئناف عن هذا الحكم، وتبرّئها من التهم المنسوبة إليها أو تتابعتها في حالة صراح على الأقل، إلى حين الحكم النهائي، والأخذ بعين الاعتبار أن المقاربات التي تعتمدها بعض الأجهزة هي مقاربات أمنية، في مقابل مقاربة المحكمة التي يجب أن تكون مبنيةً على العدل والإنصاف".
ربيع الأبلق... السجن مجدداً؟
مسلسل أحكام السجن طال الناشط في حراك الريف والمعتقل السابق ربيع الأبلق، الذي بالرغم من الفترة السجنية التي قضاها سابقاً (ثلاث سنوات)، على خلفية حراك الريف، وعلى الرغم من معاناته مع تجربة الإضراب عن الطعام التي خاضها في سجنه وبعد خروجه منه عام 2020، وقضائه فترةً طويلةً محاولاً التأقلم مع الوضع من جديد، وجد نفسه متابَعاً هو الآخر على خلفية نشاطه على فيسبوك.
في حديثه إلى رصيف22، يقول ربيع الأبلق: "كنت أسمع بتوغل السلطة وقد تعايشت مع الأحكام التي طالت ناشطي الحراك، لكن لم أكن أتخيل أن يكون توغل السلطة إلى هذه الدرجة"
المحكمة الابتدائية في مدينة الحسيمة، أدانت الناشط ربيع الأبلق يوم الإثنين 25 نيسان/ أبريل، بالسجن أربع سنوات نافذة، وغرامة قدرها 20 ألف درهم، بتهمة الإخلال بالاحترام الواجب للملك، بسبب أشرطة فيديو مباشرة بثها على حسابه في مواقع التواصل الاجتماعي.
تعود متابعة الأبلق إلى أيلول/ سبتمبر، ثم استدعته السلطات بعدها في آذار/ مارس الماضي، مرات عدة للمثول أمام الشرطة في مدينة الحسيمة، حيث تم استجوابه بشأن التصريحات الواردة في مقطعين مسجّلين كان قد بثّهما على حسابه في فيسبوك ليمثل أمام المحكمة بعدها في 11 نيسان/ أبريل الجاري.
"كأنها سنوات الرصاص!"
في حديثه إلى رصيف22، يقول ربيع الأبلق: "كنت أسمع بتوغل السلطة وقد تعايشت مع الأحكام التي طالت ناشطي الحراك، لكن لم أكن أتخيل أن يكون توغل السلطة إلى هذه الدرجة، وما حزّ في نفسي في متابعتي أن القاضي لم يسألني. أنا من أسأل عن التهم الموجهة إليّ حول شتمي المؤسسة الملكية وعن الخطأ، فحتى الفرقة الوطنية ووكيل الملك لم يُرِياني ما الخطأ الذي اقترفته مع العلم أنّي أراجع ما قمت به. صحيح أنا أنتقد لكني لم أقلل من احترام أحد".
الأبلق شدد على أن ما حدث "أكثر من ردّة حقوقية ومن الممكن أنّ سنوات الرصاص قد مضت، ولكن ربما صارت أكثر قسوةً"
الأبلق شدد على أن ما حدث "أكثر من ردّة حقوقية ومن الممكن أنّ سنوات الرصاص قد مضت، ولكن ربما صارت أكثر قسوةً"، وأضاف: "إن مهندس العمليات الأمنية يرى أن هذا الوطن مزرعة وأننا عبيد، هذا التغول هو الذي سيجعل الناس ترفع من منسوب حرية التعبير عن آرائها. أتمنى الإفراج عن كل معتقلي الرأي من صحافيين وأن يكون هناك ضمير وإنسانية عند من يسيّرون هذا البلد".
وقالت المحامية البراهمة التي هي أيضاً إحدى أعضاء هيئة الدفاع عن الناشط ربيع الأبلق، في حديثها إلى رصيف22، إنه توبع بتهم كانت معطلةً منذ 2011، ولكن للأسف قد عدنا بقوة إليها الآن. كانوا يستعملون تهمة "إهانة مؤسسات دستورية"، وهي غير موجودة في القانون، وهو ما يسيء إلى المغرب وصورته التي يروّجها للعالم كبلد متقدّم في مجال حقوق الإنسان، وقد تجاوز سنوات الجمر والرصاص والتزم بتوصيات هيئة الإنصاف والمصالحة.
وأضافت أن السلطات تابعت ربيع الأبلق، استناداً إلى الفصل 179 من القانون الجنائي المغربي، أي "المس بالتوقير الواجب لشخص الملك"، في حين أنه في العودة إلى الفيديو الذي سجّله في فيسبوك، لم يتضمن أي كلمة تحقير لشخص الملك، في حين أنه يوجه الخطاب إلى الملك كونه رئيس الدولة وكان يشكو ما يعيشه سكان الريف من استعمال بعض الأجهزة لسلطتها، ومن الإحساس بالظلم. ولا يتضمن أي كلمة مشينة بل ينتقد مؤسسةً حاكمةً مسؤولةً عن المراقبة.
وشدّدت المحامية على أن الحكم كان قاسياً، وقالت: "نتمنى أن يتم تصويبه خلال مرحلة الاستئناف. للأسف بالنظر إلى هذا المنحى فقد تمت مؤخراً مجموعة من المتابعات في حق ناشطين ومدوّنين، في الوقت الذي أُغلق فيه الفضاء العام، والاحتجاج السلمي، فلم تعد هناك وسيلة غير الفضاء الأزرق، من أجل التنفيس عن مآسيهم. يبدو أننا قد عدنا إلى السنوات التي كان يحدث فيها تراجع خطير على مستوى الحقوق والحريات، وهذا ما يظهر جلياً من اعتقال الشباب الذين وجدوهم يفطرون في رمضان وتم تفتيش البنات منهم للتحقق من وجود عذر شرعي بطريقة مهينة".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...