شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
بزنس وفساد في قلب سجن مغربي... مذكرات معتقل رأي سابق في

بزنس وفساد في قلب سجن مغربي... مذكرات معتقل رأي سابق في "سلا 1"

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الخميس 7 أبريل 202201:14 م

التحقيق الذي أنجزه هشام منصوري، وأخرجه في كتاب مطلع العام، عصارة تجربة فترة سجنية قضاها في سجن سلا 1، الواقع على بعد 12 كيلومتراً من الشمال الشرقي للمغرب، ويُعدّ أحد أكثر السجون اكتظاظاً في البلاد، بعد اعتقاله بتاريخ 17 آذار/ مارس 2015، لتوجَّه إليه تهمة أخلاقية تتعلق بـ"الخيانة الزوجية"، بينما كان يعكف حينئذ على إعداد تحقيق صحافي حول الرقابة الإلكترونية التي كانت تستهدف ناشطي حقوق الإنسان.

بعد إيداعه السجن، وبالرغم من ظروف الاحتجاز القاسية، فهم هشام المنصوري مبكراً أن عليه استغلال هذا الوضع الفريد إلى أقصى الدرجات، وإنجاز عمل عن الحياة والتجارة غير المشروعة في السجن، خصوصاً أنه تنقل بين خمس زنازين وثلاثة أجنحة مختلفة، وتحدث مطولاً مع سجناء من خلفيات ثقافية واجتماعية متنوعة، كما كسب ثقة بعض الحرّاس وأحد أقدم الإداريين في المؤسسة السجنية.

يخصص هشام منصوري، اللاجئ السياسي في فرنسا حالياً، مساحةً من كتابه، وهو نتاج 30 مخطوطةً، ملاحظات نجح في إخراجها من السجن، للتطرق إلى عمليات بيع القضاة الفاسدين وشرائهم

لا يكتفي هذا الكتاب الذي اختار له مؤلفه عنوان "في قلب سجن مغربي"، الصادر عن دار النشر ليبرتاليا في فرنسا، بوصف المشاعر المتضاربة التي أحس بها وهو يدخل هذه التجربة المريرة، بل يمثل شهادةً استثنائيةً عن خريطة للتجارة الممنوعة في السجون المغربية، والتي تمثّل نموذجاً مصغراً عن الفساد والرشوة المستشرية في أعلى هرم الدولة، كما يقدّم الكتاب بصوره الكثيفة وبأسلوب حكيه السلس والتشبيهات الدقيقة وروايات الفاعلين، صورةً وافيةً عن اهتراء المنظومة السجنية المغربية، خلافاً للدعاية الرسمية.

مرحبا بك أيها "الميكروب"

قبل الخوض في تفاصيل البيزنس السجني، يسرد هشام سيناريو اعتقاله السوريالي الذي دشنت به السلطات المغربية مسلسل ملاحقة الصحافيين والمدافعين عن حقوق الإنسان بتهم جنسية، ثم التحقيق المطول معه قبل إيداعه في سجن سلا 1، في الجناح دال، أحد أسوء الأجنحة على الإطلاق، وكان يطلق عليه توصيف "الزَّبَّالَة" (مكب النفايات)، لفرط اتساخه وصعوبة العيش فيه. وهذا الحي كما يحكي منصوري، كان مخصصاً لإيداع السجناء العنيفين، أصحاب حالة العود (العودة إلى الجرائم)، الذين لا يستطيعون شراء ذمة الحراس لنقلهم إلى أماكن أكثر رفاهةً أو على الأقل أكثر إنسانيةً.


ارتعب الوافد الجديد بدايةً من مطالبة عدد من السجناء برميه إليهم في زنزانتهم، قبل أن يفهم لاحقاً أن "بروفايله" لم يكن من النوعية المعتادة في مثل هذه الأجنحة، وبالنسبة إلى بقية السجناء وجوده بينهم يعني حصولهم على المزيد من التغذية والكثير من السجائر.

يسمّى النزلاء الذين يقطنون في هذا الجناح المكون من طابقين، في اللغة المتداولة داخل السجن: "الميكروب"، وتوجد فيه 15 زنزانةً تستقبل كل واحدة منها ما بين 40 و60 نزيلاً. هناك، كان معظم السجناء يفترشون الأرض، إذ عليهم انتظار دورهم قبل أن تتاح لهم فرصة الحصول على سرير حديدي، وكان هذا الدور عادةً لا يتم احترامه، لأن الإدارة السجنية لا تبالي بالأمر تاركةً إدارة العملية لـ"الكابران"، وهو سجين يقوم بدور رئيس المعقل باختياره لهذه المهمة.

هذا الجناح "مكب النفايات" كما يحكي منصوري، كان مخصصاً لإيداع السجناء العنيفين، أصحاب حالة العود (العودة إلى الجرائم)، الذين لا يستطيعون شراء ذمة الحراس لنقلهم إلى أماكن أكثر رفاهةً أو على الأقل أكثر إنسانيةً

بالنسبة إليه كضيف جديد على هذا المجتمع، لم يكن لهشام منصوري خيار آخر غير النوم على الأرض من دون غطاء بالقرب من دورة المياه، فشراء مكان للنوم هنا يكلّف ما يعادل 48 يورو. لم يستطع النوم لليالٍ عدة، بسبب الظروف الصعبة داخل زنزانة "لا تدخلها لا شمس ولا هواء. إنها أشبه بحمام تركي. أما المرحاض فهو مجرد متر مربع، غير مغلق، من دون إنارة... فهمت لاحقاً أن تعطيل الإنارة كان متعمداً، حتى يستطيع النزلاء ممارسة العادة السرية براحة".

بالإضافة إلى كون الاغتسال بالماء البارد في السجن مهمةً معقدةً، لم تكن الفسحة في هذا الجناح تتجاوز 20 دقيقةً. على السجين أن يختار بين أخذ حمام والاتصال بعائلته أو المشي. استوعب منصوري أن الهدف من حشره في هذا الجناح كان دافعه الانتقام منه، فقرر خوض إضراب عن الطعام احتجاجاً على ظروف اعتقاله، فتم نقله إلى جناح آخر أقل اكتظاظاً ويسمح بوقت أكبر للفسحة، لكنه ليس أقل سوءاً، ففي هذا الجناح "ميم 1"، وبالرغم من وجود ماء ساخن يسمح بالاستحمام بشكل آدمي، لكن درجة سخونة الماء مرتبطة بسلطة السجين ومزاج الحارس، فكثيراً ما يقوم هذا الأخير بتخفيض درجة سخونته أو رفعها، للانتقام من مجموعة من السجناء.

"لا يوجد أي تقييم للسجناء أو تمييز بينهم. هل هو أول اعتقال لهم أم أن هناك حالة عود (ارتكاب جرائم مجددا)، أو مدة العقوبة السجنية، أو خطورة السجين، أو الإصابة بأمراض، ولا فرق بين الجهادي والمثلي... هذه قنبلة موقوتة، أحد الحراس قال لي إن العملة الجيدة تؤثر على السيئة. العكس هو الذي يحصل، الأقوياء يلتهمون الضعفاء..."، يشرح منصوري في كتابه.

 

الهواتف المحمولة... تجارة برعاية المؤسسة

بمجرد فتح أبواب الزنازين، يهرع السجناء متسابقين حول من يصل أولاً إلى الهواتف الثابتة، فهي الفرصة الوحيدة لكسر عزلة الانقطاع عن العالم الخارجي، إذ زُوِّد كل حي بجهازين إلى خمسة أجهزة ثابتة، غير أن معظمها معطل، ولا يتم إصلاحها بالرغم من احتجاج السجناء. قد يستمر العطل أحياناً لنحو ستة أشهر كما حصل في الجناح "ميم1"، حيث ظلت جميع الأجهزة معطلةً، وكان على السجناء رشوة الحراس بمنحهم علبة سجائر حمراء "مارلبورو" حتى يمكنّوهم من الخروج لإجراء مكالمة هاتفية خارج الأوقات القانونية.

نظراً إلى الوقت المحدود للمكالمات الهاتفية، يبحث السجناء عن وسيلة للحصول على الهواتف النقالة الممنوعة، لكن هذا المنع ليس سوى منع نظري. "في كل حي يقوم سجين إلى أربعة سجناء بإدارة عملية توزيع الهواتف. يتقدم السجين الراغب في الحصول على هاتف بطلبه ويدفع ثم ينتظر بضعة أيام ليحصل على هاتف محمول عادي (غير ذكي)... يتراوح ثمن هذه الهواتف خارج السجن بين 200 و400 درهم (25 إلى 45 دولاراً)، وتباع بـ5 إلى 10 أضعاف داخل السجن، حسب الفترة والحي والسجن. وهكذا يتراوح السعر بين ألف وألفَي درهم في سجن سلا 1، لكنه قد يتراوح بين 3،500 و4،000 درهم في سجن سلا 2 المجاور الذي يستقبل السلفيين المتابَعين بقضايا إرهاب. وما بين 8،000 إلى عشرة آلاف درهم في سجن تولال 2"، يحكي منصوري الذي يتذكر عند وصوله إلى الجناح "ميم 1"، توزيع 30 هاتفاً نقّالاً، ثم شراءها بـ200 درهم للهاتف، وتم بيعها بثمن يتراوح ما بين 700 و1،200 درهم للهاتف".

"مرحبا بك أيها 'الميكروب" إلى السجن". حين أودع هشام منصوري سجن "سلا1" اكتشف عالما له قوانينه وأعرافه ويحكمه الفساد والبيزنس. بعد لجوئه إلى فرنسا يحكي الصحفي قصته بين أسوار السجن

تبدأ عمليات التفتيش دائماً بعد أيام أو أسابيع من عمليات البيع، ويظهر وكأن الذين يقومون بهذه العمليات على دراية تامة بالمعنيين بالأمر، وما يبحثون عنه وعن المخابئ، لكن الأمر كله لا يعدو أن يكون مجرد خدعة، فالهواتف المصادرة لا تكون مدرجةً في محاضر رسمية إلا في حالات نادرة، وحسب شهادة عدد من السجناء تحدث إليهم منصوري، فإنه تجري إعادة بيع الهواتف المصادرة.

يتعلق الأمر إذاً، حسب ما خلص إليه منصوري، بإستراتيجية واضحة تتبناها الإدارة السجنية تسمح بانتعاش هذا "البيزنس"، وتقوم هذه الإستراتيجية على ترك الهواتف الثابتة معطلةً أو سيئة الحال لدفع السجناء إلى اقتناء هواتف نقالة، ثم بيعها، والقيام بعد ذلك بعمليات تفتيش ومصادرة بعض الهواتف، قبل إعادة بيعها في أحياء أخرى. هكذا تستمر العجلة في الدوران.

إذا كانت الإدارة السجنية تتغاضى عن تجارة الهواتف النقالة الذكية، فإنها تتعامل بحساسية مفرطة مع "السمارتفون" (الهاتف الذكي)، لأن لديها فوبيا من الكاميرات، وتخشى أن تخرج الصور من داخل السجن، هذا الفضاء المتوحش، حيث يسود قانون الغاب إلى العالم الخارجي، لذلك يعمد البائعون عادةً إلى إتلاف الكاميرات قبل القيام بعملية البيع.

يمكن أن يصل ثمن الهاتف الذكي الذي تبلغ قيمته ألف درهم في الخارج إلى عشرة آلاف درهم (ألف دولار)، وهو ثمن مكلف للغاية، لكن الهاتف الذكي عملي ومثالي بالنسبة إلى السجين، كما أنه اقتصادي لأنه يمكّن من التواصل عبر التطبيقات المجانية مثل الواتساب، كما أنه يسمح بمشاهدة الأفلام. أما الهاتف المزوّد بكاميرا، فيمكن أن يصل ثمنه إلى مئة ألف درهم، إذ يضاعف الخطر الثمن، ويمكن أن يتعرض البائع أو المشتري في حال وقوعه للتعذيب والتنكيل أو النقل إلى حي تصبح فيه حياته مستحيلةً.

الحشيش... البزنس المربح

بجوار سرير الكابران، ثقب يغطّى بعناية فائقة بقطعة قماش، وهذه طريقة آمنة لتمرير الحشيش داخل السجن، يسميها السجناء هناك "الكيشية".

بالنسبة إلى كثير من النزلاء، تحوّل الحشيش إلى تجارة مربحة ومصدر للعيش، أما بالنسبة إلى البعض الآخر فلم يتغير غير المكان، إذ نقلوا أنشطتهم في الخارج إلى الداخل، بل إن الأمر في السجن مربح أكثر، كما أن ذلك لن يعرضهم إلى تمديد العقوبات الحبسية إلا في حالات نادرة جداً. "أنام طوال الصباح وأجني نحو ألف درهم يومياً. تأتيك عائلتك بسلة في كل زيارة، أما أنا فأخرج السلال"، أخبر أحد السجناء هشام.

يحظى المتاجرون الكبار في المخدرات بمعاملة تفضيلية داخل السجن، إذ يستفيدون من زيارات عائلية مطولة، وحمام مريح بعد إغلاق الزنازين، وحركة سهلة ويسيرة بين مختلف الأحياء السجنية، وما لذ وطاب من الأكل، بعكس بقية السجناء.

يتراوح سعر الـ100 غرام من القنّب الهندي في السجن بين 4،500 و7،000 درهم، أي عشرة أضعاف سعر الكمية نفسها في العالم الخارجي، وبطبيعة الحال فإن الأسعار تختلف حسب العرض والطلب، ومن حي إلى آخر، وعموماً تبقى جودة ما يباع داخل السجن أقل مما يباع خارجه. ويتم تقسيم الكيلوغرام الواحد إلى صفائح تزن كل واحدة ما بين 80 و90 غراماً (70 في المعدل)، في مقابل 97 و100 غرام لكل صفيحة خارج السجن.

تُجمع روايات التجار والمستهلكين داخل السجن على أن الحراس والموظفين يشكلون عصب رواج هذه التجارة. إذ يقوم الحراس، خارج أوقات الفسحة، وبعد الإغلاق على جمع السجناء باستثناء المتاجرين، بفتح باب الزنزانة أمام هؤلاء، وكأنهم في صدد استدعائهم لأمر مهم، ثم تتعطل كاميرات المراقبة فجأةً في السجن، بالرغم من أن الحراس يحبذون عادةً اختيار ركن بعيد عن الكاميرات لإتمام عملية تسليم البضاعة.

يمكن للحشيش أن يصل إلى السجن كما ممنوعات أخرى عبر ثلاث طرق: رميه من الخارج، عبر الحراس والموظفين، أو عن طريق العائلات في أثناء الزيارات إذ تُدسّ البضاعة في الوجبات أو المواد الغدائية التي تأتي بها العائلات للنزلاء، ويتظاهر الحراس بأنهم يقومون بالتفتيش بعناية. "تم شراء الطريق"، هكذا يصف السجناء عملية التظاهر بالتفتيش هذه، في إشارة إلى تواطؤ الحراس مع المهربين.

"يصل الحشيش كل أحد عند الساعة الرابعة، وهو الوقت الذي تنعدم فيه التحركات، فلا فسحة في نهاية الأسبوع كما أن عدد الموظفين يتقلص. تصل البضاعة إلى زنزانتنا، لكنها لا تبقى طويلاً إذ تنتقل سريعاً إلى الزنزانة المجاورة، ويتولى رجل اسمه إسماعيل إلى جانب "بابي"، وهو من دول إفريقيا جنوب الصحراء، عملية التوزيع على الطابقين. ومهمة "بابي" هي تحمّل المسؤولية كاملةً في حالة حصول مشكلة، إذ يتم الدفع له بسخاء مقابل أداء هذه المهمة".

تتم عملية البيع داخل الزنازين أو في الممرات أو في الساحة في أثناء الفسحة، وأحياناً في الحمام... وحينما يتم إغلاق الزنازين تتم الاستعانة بخدمات السجناء الذين يتولون عادةً مهمة توزيع الأكل والخبز، وتستمر عمليات البيع إلى وقت متأخر من المساء.

وروى أحد التجار داخل السجن لهشام حكايةً تؤكد تورط حتى بعض رجال الشرطة في الخارج، إذ لجأ إليه ضابط لتدبير عملية بيع 20 كيلوغراماً في مقابل توفير الحماية الضرورية له خلال مدة العملية. "استغرق الأمر شهرين، ما زلت أتذكر أنني بعت أول قطعة خلال ليلة القدر، فليسامحني الله، وتقاسمنا الأرباح: 70 ألف درهم لي، و120 ألف درهم له. هذا أفضل من راتب ربّان طائرة... أليس صحيحاً؟ كان بإمكاني التفاوض من أجل حصة أكبر، لكن الضابط قال لي إنه سيتقاسم المبلغ مع عدد من زملائه".

في السجن... كل شيء يباع ويشترى

تجارة الأدوية والأقراص التي تساعد على النوم رائجة جداً في السجن، إذ يتضاعف ثمنها بشكل خيالي؛ حبة "روزينا" (حبوب منومة) واحدة تباع بنحو 2 يورو مقابل يورو واحد للعلبة خارج السجن، أما حبة "القرقوبي" (حبوب مهلوسة) فتباع في السجن بنحو 6 يورو مقابل يورو خارج أسوار السجن.

هناك أيضاً سوق "النيبرو" وهو الورقة التي تُلفّ بها سجائر الحشيش، وكما هو شأن كل شيء في السجن، يصبح الثمن خيالياً، "الكارنيه (العلبة) التي تباع في الخارج بأربعة دراهم تكلّف 150 درهماً، ويكون الربح أكبر بالنسبة إلى البائع لو باع بالقطعة، إذ يمكن أن يكسب نحو 225 درهماً.

ماذا عن الكوكايين؟ هذا البزنس بدأ ينمو هو الآخر داخل السجون. في سجن سلا 1، ازدهر في الحي أ، المعروف أنه أكثر الأحياء رقيّاً داخل السجن. نوعية المخدر التي تباع في الخارج بـ600 و700 درهم للغرام، تباع في السجن بـ3000 درهم للغرام... ويلج الكوكايين السجن في أقلام خاصة بحراس السجن، ويكلّف قلم من هذا النوع ألفَي درهم.

"شاهدت بعيني سجيناً يبكي وهو يحدث والدته عبر الهاتف، لإقناعها ببيع قطعة أرض لتبرئته من خلال رشوة القاضي... في القضايا الكبرى مثل تجارة المخدرات، يدفع الأغنياء من المتهمين للأكثر فقراً ليتحملوا وحدهم مسؤولية هذه الجرائم

هكذا وبالرغم من رواتبهم الهزيلة، كان معظم الموظفين في السجن الغارقين في الفساد (من الاتّجار بمواعيد التطبيب إلى بزنس الحشيش)، يقودون سيارات فاخرةً بل أسسوا أعمالاً مربحةً، مثل المقاهي والمطاعم، واشتروا قطع أراضٍ وضيع، بل إن أحدهم استثمر بفضل ما جناه من الرشوة في مشروع لبيع الكلاب.

يخصص هشام منصوري، اللاجئ السياسي في فرنسا حالياً، مساحةً من كتابه، وهو نتاج 30 مخطوطةً، ملاحظات نجح في إخراجها من السجن، للتطرق إلى عمليات بيع القضاة الفاسدين وشرائهم، بغرض تخفيض الأحكام، إذ تبدأ المفاوضات قبل أيام من المحاكمات عبر الهاتف من السجن، بمساعدة عدد من الوسطاء في داخله ومن خارجه.

"شاهدت بعيني سجيناً يبكي وهو يحدث والدته عبر الهاتف، لإقناعها ببيع قطعة أرض لتبرئته من خلال رشوة القاضي... في القضايا الكبرى مثل تجارة المخدرات، يدفع الأغنياء من المتهمين للأكثر فقراً ليتحملوا وحدهم مسؤولية هذه الجرائم. عاينت بنفسي الكثير من عمليات التفاوض؛ كم يطلب؟ مئة مليون؟ هذا كثير، 65 مليون تكفي ليعيش خمس سنوات وأكثر هنا في وضع مريح".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image