يسكن كاروان (38 عاماً)، في محافظة أربيل مركز إقليم كردستان العراق، ويعمل سائق أجرة، ويواجه صعوبةً في الحصول على الوقود لسيارته من المحطات الحكومية، بسبب الطوابير الطويلة للسيارات. لم يعتقد يوماً أنه سيُعاني في الحصول على الوقود ليقود طريقه إلى لقمة العيش، خاصةً وأنه يعيش في كردستان، وليس في بلاد ليس فيها أي مورد نفطي.
يقول لرصيف22: "الوقود أصبح مكلفاً جداً، ولا يتناسب مع مقومات الحياة، والدخل اليومي الذي أحصل عليه من العمل على سيارة الأجرة. نبحث عن الحلول أو نحاول معرفة ما ستقوم به الحكومة، فلا نجد شيئاً. أنا مواطن أشقى في البحث عن لقمة العيش، وأنا أيضاً أدفع ضريبة سوء إدارة المسؤولين. هذه حالنا".
ويُعد العراق ثاني أكبر مصدر في منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك)، إذ يبلغ حجم صادراته ما يزيد عن ثلاثة ملايين ونصف مليون برميل من النفط يومياً، إلا أن هذا الواقع وهذه الأرقام لم تمنع العراق من الوقوع في أزمة وقود كبيرة خلّفت طوابير طويلةً في بغداد ونينوى وكركوك ومحافظات أخرى. والسبب؟ تهريب المشتقات النفطية إلى إقليم كردستان الذي يواجه نقصاً في كمية الوقود وارتفاعاً في أسعاره.
يُعد العراق ثاني أكبر مصدر في منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك)، إذ يبلغ حجم صادراته ما يزيد عن ثلاثة ملايين ونصف مليون برميل من النفط يومياً
في الحالتين، يعاني مواطن الإقليم ومواطن محافظات الحكومة الاتحادية من تلك الأزمة، ففي كردستان ارتفعت أسعار الوقود العادي إلى 950 ديناراً (64 سنتاً أمريكياً) للّيتر الواحد، بعدما كانت بـ450 ديناراً (30 سنتاً)، في حين وصل سعر الوقود المحسّنة ذات الجودة العالية إلى 1،250 ديناراً (85 سنتاً) للّيتر الواحد، بعدما كان يوازي 950 ديناراً (64 سنتاً)، أما في محافظات العراق ضمن الحكومة الاتحادية، فما زالت أسعارها مستقرةً على 450 ديناراً (30 سنتاً) للّيتر العادي، و650 ديناراً ( 44 سنتاً) للّيتر المحسن ذي الجودة العالية.
التبرير والتهريب
الناطق باسم حكومة إقليم كردستان، جوتيار عادل، أكد في مؤتمر صحافي، أن "الحكومة تسعى إلى عدم ارتفاع سعر الوقود وإلى أن تبقي أسعاره ضمن الحد الطبيعي الذي يستطيع فيه المواطن شراءه، وأن كردستان تمتلك محطتين فقط لتكرير النفط وإنتاج الوقود، وهي لا تكفي للاستهلاك المحلي".
وأشار عادل إلى أن "الحكومة حاولت باستمرار خلال الفترة الماضية توفير الوقود للمواطنين بسعر ملائم"، لافتاً إلی أن "سعر الوقود المستورد من الخارج ارتفع بسبب تأثره بارتفاع أسعار النفط عالمياً، فضلاً عن توقف استيراد مادة البنزين عبر عدد من المنافذ، ورئيس الحكومة وجه وزير الثروات الطبيعية لزيارة بغداد لمعالجة مشكلة شح الوقود والتنسيق مع القطاع الخاص لتصدير البنزين من الخارج لحل المشكلة مستقبلاً".
لم يمنع غنى العراق بالنفط من أن ينتظر الناس لساعات أمام محطات الوقود، لماذا؟ كُل طرف يرميها على الآخر، إلا أن الواضح في كُل ذلك أن التهريب إلى إقليم كردستان تحوّل لتجارة مربحة لأصحاب المحطات الذين "أظهروا جشعهم" كما يقول العراقيون
لم يستطِع إقليم كردستان استيراد الوقود بكميات كبيرة، بعدما ارتفع سعر النفط عالمياً بسبب ما يمر به من ضائقة مالية كبيرة نتيجة توتر علاقته مع الحكومة الاتحادية، وهو ما فتح الباب أمام المهرّبين وبعض التجار لتهريب حاملات النفط في اتجاه الإقليم، والتي تخصصها الحكومة الاتحادية لمحافظاتها خصوصاً محافظتي نينوى وكركوك اللتين تملكان حدوداً مع إقليم كردستان.
كذلك، أغلقت العديد من المحطات الأهلية أبوابها بحجة عدم توفر الوقود، بينما تم بيع حصصها المستمرة إلى المهربين بسعر الحكومة العراقية المدعوم في إقليم كردستان للاستفادة من فارق السعر بينهما، الأمر الذي أنتج أزمةً في محافظتي نينوى وكركوك، وامتدت إلى جنوب العراق شاملةً بغداد العاصمة وصلاح الدين وديالى والبصرة وعدداً من المحافظات الجنوبية.
وأكد التحالف العراقي لمبادرة الشفافية في الصناعات الإستراتيجية في بيان صحافي، قيام بعض أصحاب المحطات الأهلية بتهريب الوقود إلى إقليم كردستان، ما أدى إلى حدوث أزمة تجهيز للمستهلك.
لم يستطِع إقليم كردستان استيراد الوقود بكميات كبيرة، بعدما ارتفع سعر النفط عالمياً بسبب ما يمر به من ضائقة مالية كبيرة نتيجة توتر علاقته مع الحكومة الاتحادية
وأضاف أن "الجشعين من أصحاب المحطات الأهلية، استغلوا الفارق في الأسعار لتهريب كميات من الوقود وبيعها في السوق السوداء لبعض الجهات الداخلية والخارجية، وتهريبها إلى إقليم كردستان، ما أدى إلى قلة المنتَج المعروض في المحطات، بالإضافة إلى أن بعض المحطات استغلت الفرصة في المناطق المجاورة لإقليم كردستان، وهذا انعكس أزمةً في عدد من المحافظات".
إجراءات الاتحادية
وأكد معاون مدير شركة توزيع المنتجات النفطية التابعة لوزارة النفط، إحسان موسى، لرصيف22، "عدم وجود أي أزمة حالياً في المشتقات النفطية وقال إن المشكلات الحاصلة مفتعلة"، مشيراً إلى أن لجان التفتيش، ضبطت عدداً من المحطات التي تهرب الوقود إلى إقليم كردستان".
وأوضح أنه خلال "أسبوع تم ضبط خمس محطات تمارس التهريب، وتم تشكيل لجان تفتيش ومتابعة بالتعاون مع الأجهزة الأمنية لملاحقة المهربين ومنع محطات الوقود من تهريب حصصها من الوقود، ونجحت هذه اللجان في الحد بنسبة كبيرة من التهريب وتستمر في ملاحقة المهربين والمقصّرين ومعاقبتهم".
من جهته، قال مدير عام شركة توزيع المنتجات النفطية في وزارة النفط، حسين طالب عبود، في بيان، إن "الشركة شددت الرقابة على مهرّبي الوقود وتم وضع مشرفين داخل محطات التعبئة الحكومية والأهلية ما جعل بعض الأطراف التي هددت الإجراءات مصالحها تعمد إلى افتعال أزمة لتأجيج الشارع"، مؤكداً أن قيمة المبيعات اليومية في المحطات بلغت 30 مليون ليتر في حين أنها بلغت خلال العام الماضي 23 مليون ليتر أي بمعدل زيادة قدره سبعة ملايين ليتر، وأن زيادة الطلب على المشتقات النفطية جاءت بعد ارتفاع الأسعار العالمية.
أزمة مفتعلة
الإجراءات المشددة التي اتّبعتها وزارة النفط لمنع التهريب، دفعت بالعديد من المحطات الأهلية إلى غلق أبوابها بحجة الاعتراض على سياسة وزارة النفط معها، الأمر الذي ولّد أزمةً كبيرةً في بغداد وعدد من المحافظات، نتيجة توفر الوقود بشكل محدود في عدد من المناطق، وأدى ذلك إلى طوابير من السيارات وساعات من الانتظار للحصول على الوقود، ما أثار حفيظة المواطنين ومخاوفهم من أزمة طويلة.
هددت وزارة النفط بسحب الرخص من المحطات غير الملتزمة والمغلقة، الأمر الذي دفع العديد من أصحاب محطات الوقود إلى فتح الأبواب مجدداً
يقول قاسم (35 عاماً)، وهو سائق أجرة، لرصيف22: "خرجت صباحاً في الكرخ، للتزود بالوقود قبل البدء بالعمل، وتفاجأت بأن العديد من المحطات مغلقة، إلى أن وصلت إلى محطة حكومية تزوّد بالوقود، ووجدت طوابير طويلةً من السيارات تنتظر"، مؤكداً أن الوضع لا يحتمل المزيد من الأزمات، فنحن بلد نفطي غني ولا يمكن لسوء الإدارة أن توصلنا إلى هذا الحال.
في المقابل، أكدت وزارة النفط في بيان لها، أن "الأزمة التي افتعلتها بعض محطات الوقود الأهلية جاءت نتيجة المراقبة الشديدة على التهريب والتي منعتها من الاستفادة من بيع النفط لإقليم كردستان مقابل أرباح مضاعفة"، وهددت بسحب الرخص من المحطات غير الملتزمة والمغلقة، الأمر الذي دفع العديد من أصحاب محطات الوقود إلى فتح الأبواب مجدداً خوفاً من إجراءات قانونية تنتهي بسحب الترخيص، فيما لم يُعلّق أصحاب هذه المحطات على هذه الاتهامات.
في المحصلة، لم تنتهِ أزمة التهريب بشكل كامل، خصوصاً من محافظتَي نينوى وكركوك، بالرغم من أن وزارة النفط شرعت إلى اعتماد بطاقة وقود تمكّن مواطن المحافظة حصراً من الحصول على وقود، كذلك التشديد في الإجراءات ونشر لجان التحقيق والتفتيش في عدد من المحطات الأهلية المتّهَمة بتهريب الوقود إلى خارج المحافظة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ يومينعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامرائع