شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
ديالى تواجه منفردةً قطع المياه والجفاف... نموذج

ديالى تواجه منفردةً قطع المياه والجفاف... نموذج "العراق الضعيف" أمام إيران

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الأربعاء 13 أبريل 202201:27 م
Read in English:

Diyala faces drought alone... A weak Iraq at the mercy of Iran

تواجه محافظة ديالى (57 كم شمال بغداد)، والتي يتجاوز عدد سكانها المليون ونصف المليون نسمة، جفافاً للسنة الثانية على التوالي، حرمها من دخولها ضمن الخطة الزراعية السنوية المعتادة في العراق، نتيجة قطع إيران المياه الواردة إليها، والتي تعتمد عليها بشكل كلّي، وبهذا لم تجنِ ديالى من إيران التي تحدّها على طول حدودها الشرقية، سوى نهاية زراعاتها بعد انقطاع المياه عن نهر ديالى الذي جفّ تماماً.

وكانت المياه الواردة من إيران إلى العراق تبلغ سبعة مليارات متر مكعب يومياً، ومن دون سابق إنذار تدنّت الحصة المائية الواردة إلى العراق، إلى مستوى الصفر، بعدما قطعت إيران المياه عن ثلاثة أنهار، وهي سيروان والكارون والكرخة، والتي تمدّ مناطق شرق العراق بالمياه العذبة.

كانت المياه الواردة من إيران إلى العراق تبلغ 7 مليارات متر مكعب يومياً، ومن دون سابق إنذار تدنّت هذه الحصة إلى الصفر

حجي محمود (60 عاماً)، من ناحية بهرز، مزارع فقد الأمل بعودة الزراعة إلى ديالى، يقول لرصيف22، إنه كان يزرع مختلف أنواع المحاصيل، ويعتمد في رزقه وعائلته على الزراعة: "للعام الثاني على التوالي، لم أستطِع الزراعة في أرضي بسبب عدم توافر المياه، فأصبحت قاحلةً جافةً لا حياة فيها"، مناشداً الحكومة أن تجد حلولاً سريعةً من خلال التفاوض مع إيران كي تُعيد المياه إلى المحافظة التي فقدت مقوماتها، أو السبيل الوحيد تقريباً الذي يعتاش من خلاله أهلها.

فاضل (55 عاماً)، الذي يسكن في بعقوبة، يقول إن بساتينه لم تعد تثمر مختلف أنواع الفاكهة بسبب عدم توافر المياه، وهو يحاول جاهداً أن يجد فرصة عمل غير الزراعة التي عاش عمره كله لها، وهو اليوم لا يرى بصيص أمل من الحكومة التي لم تجد بدائل بعد قطع إيران المياه، "لا بل حتى لا تحاول أن تحصّل ما هو حق لها".

التفاوض المفقود

وزارة الموارد المائية أعلنت أكثر من مرّة أن إيران ما زالت ترفض استقبال الوفد العراقي المفاوض بشأن المياه، ولم تكشف للحكومة العراقية خطتها بشأن المياه وما إذا كانت عملية القطع مؤقتةً أم مستمرةً، وغيرها من الأمور التي على إيران أن تبيّنها. وعلى الرغم من إعلان الوزارة اتجاهها نحو تدويل القضية وتقديم شكوى ضد إيران، إلا أن شهوراً مرّت على هذا التصريح من دون أي تحرك عراقي تجاه المجتمع الدولي بشأن ملف المياه مع إيران.

يقول مستشار وزارة الموارد المائية، عون ذياب، لرصيف22، إن "الأضرار التي تقع على العراق كبيرة، خصوصاً في مناطق محددة أهمها نهر ديالى الذي شهد حالة جفاف شديدةً نتيجة قطع العديد من الأفرع التي تغذيه، منها نهر شيروان المورّد الرئيسي لسد دربندخان وأربعة أنهار جنوب شيروان يغذّي قسم منها سد خانقين ونهر ديالى جنوب دربندخان وسد حمرين أيضاً".

الأنهار لها تأثير على مناطق عديدة في ديالى التي تعتمد بشكل أساسي على المياه الواصلة من إيران وأيضاً منطقة بدرة وجصان في واسط

ويضيف: "هذه الأنهار قُطعت، وتم تحويلها إلى مناطق أخرى داخل إيران، ومجموع الأنهار التي قُطعت خمسة، منها حوض كلال بدرة في محافظة واسط ونهر الكرخة المغذي لهور الحويزة الذي شارف على الجفاف بالكامل، بالإضافة إلى تحويل نهر الكارون الذي أثّر على مناطق شط العرب وهذه الأنهار لها تأثير على مناطق عديدة في ديالى التي تعتمد بشكل أساسي على المياه الواصلة من إيران وأيضاً منطقة بدرة وجصان في واسط".

يشير ذياب إلى أن "الجفاف ضرب المناطق عموماً، لكن لم نلاحظ تقاسماً للضرر من الجانب الإيراني، وكنّا نتمنى أن يكون هناك لقاء معهم لتحديد الإجراءات التي قاموا بها ومعرفة ما الذي ينوون فعله مستقبلاً".

غياب الزراعة

يقول مهدي ضمد، الوكيل السابق لوزارة الزراعة، لرصيف22، إن "أغلب إيرادات العراق المائية تأتي من دول الجوار، في الدرجة الأولى من تركيا وفي الدرجة الثانية من إيران، ومحافظة ديالى تأثرت بشكل أساس من قلّة الإمدادات المائية الداخلة من إيران، ما أثّر على بساتين ديالى في الدرجة الأولى وأخرج المحافظة من الخطة الصيفية لزراعة المحاصيل الإستراتيجية الصيفية للعام الماضي، ولهذا العام، بسبب شحّ الأمطار، وهذا التأثير امتد ليشمل المناطق الحدودية التي تشهد انخفاضاً في نسب المياه بشكل كبير، وهذا الملف يحتاج إلى دراسة وجهد من الدولة لحلّه سريعاً".

ويُضيف: "يُفترض النظر إلى الخطط الزراعية بموجب التغيرات المناخية وشحّ المياه وقلة الأمطار والتوجه إلى زراعة المحاصيل الأساسية في المحافظات التي فيها مساحات واسعة وريّ تكميلي".

وتعتمد محافظة ديالى بنسبة 90% على مياه نهر خريسان القادم من بحيرة حمرين، والتي وصل مخزونها إلى مستوى هو الأقل منذ قرابة 40 سنةً، حسب قائمقام قضاء بعقوبة عبد الله الحيالي، الذي يشير إلى أن بحيرة حمرين تحتوي على المخزون الإستراتيجي للمياه في ديالى وتستوعب أكثر من مليارين و400 مليون م3، إلا أن حجم ما هو موجود حالياً يُقارب 200 مليون م3 أو أكثر بقليل.

عام 2022 سيكون الأكثر قسوةً بسبب أزمة الجفاف، وأن أكثر من 130 ألف دونم من أراضي ديالى الأكثر خصوبةً أغلبها صارت من البساتين المهددة بالتصحر 

ويشير إلى أن 60% من مناطق ديالى، ومنها بعقوبة وضواحيها، ضربتها أزمة الجفاف بشكل حاد، لكن الأكثر تضرراً هي التحرير وبهرز وأجزاء من أحياء غرب بعقوبة مع مخاوف من فقدان 40 ألف دونم من أهم بساتين ديالى ضمن حدود القضاء بسبب وصولها إلى مرحلة ما قبل الهلاك".

ويتوقع مدير البيئة في محافظة ديالى، عبد الله هادي الشمري، أن عام 2022 سيكون الأكثر قسوةً بسبب أزمة الجفاف، وأن أكثر من 130 ألف دونم من أراضي ديالى الأكثر خصوبةً أغلبها صارت من البساتين المهددة بالتصحر في صيف 2022، بسبب الجفاف، ومناطق بلدروز وكنعان وقراهما لهما الحصة الأكبر من معدلات التضرر إذا ما تفاقمت الأزمة بشكل أكبر خلال صيف هذا العام".

ويشير في بيان إلى أن ديالى المحافظة الأكثر تضرراً من الأزمة المائية بسبب اعتمادها على الإيرادات الخارجية من دول الجوار، وانعدام الأمطار في الموسم الشتوي الماضي، إلى جانب نفاد مخزونها المائي الإستراتيجي في بحيرة حمرين ومناطق أخرى، وتعاني منذ عامين من أزمة جفاف خانقة بسبب شح الأمطار وقطع الأنهار والجداول المشتركة من قبل الجانب الإيراني وقيام الجانب التركي بتقليل حصة العراق الإقليمية في نهر دجلة".

المفاوض الضعيف

يقول الخبير في شؤون المياه تحسين الموسوي، لرصيف22، إن "ملف المياه في العراق وصل إلى هذا الحال بسبب سوء الإدارة الداخلية، لأن العراق لديه سوء استخدام للمياه وما زال يتعامل بالوسائل الكلاسيكية القديمة، بالإضافة إلى ضعف المفاوض العراقي في الدفاع عن الحصص المائية للعراق، وهذا بسبب تعدد مصادر القرار داخل العراق".

ويشير إلى أن ملف المياه في الدول المتشاطئة وأعالي المنبع، دائماً يكون في يد أعلى سلطة في الدولة، لكن في العراق ليس كذلك لأن الحكومة تديرها مجموعة أحزاب".

لم تبادر الحكومة العراقية إلى القيام بتحرّك فعّال لمحاسبة إيران على قطع المياه عن أنهر ديالى منذ حوالي السنتين، وهو ما يُنذر بجفاف كبير وبفقدان 60٪ من سكان المحافظة لمورد رزقهم الوحيد الزراعة

برأي الموسوي، "إيران خالفت كل القواعد والقوانين الدولية التي نصت على أن لا سيادة على المياه، لأنها مياه مشتركة، وبالرغم من ذلك فإن العراق لم يقدّم شكوى إلى الآن أمام المجتمع الدولي ضد إيران، ويكتفي دائماً بتقديم مذكرات احتجاج".

ويضيف: "كان على العراق أن يذهب إلى الاتحاد الأوروبي والبنك الدولي، وكان عليه أن يختار مفاوضاً قوياً، كما فعلت مصر مع إثيوبيا في شكواها لدى المجتمع الدولي، وكما حدث في عام 1987 عندما قطعت تركيا المياه عن نهر الفرات، فتدخل البنك الدولي ورفض منحها قرضاً إلا بتأمين 500 متر مكعب في الثانية لنهر الفرات، وكانت حصة العراق من تلك النسبة 58 في المئة"، وحسب الموسوي، "في حال بقي العراق بهذا المستوى من التفاوض الضعيف، فستتفاقم مشكلة المياه أكثر".

دعوة للنقاش

ودَعَت ممثلة الأمم المتحدة في العراق، جينين هينيس بلاسخارت، الدول المجاورة للعراق إلى المشاركة في نقاشات هادفة حول تقاسم المياه وإدارتها، وقالت في بيان، بمناسبة اليوم العالمي للمياه الذي صادف في الثاني والعشرين من آذار/ مارس الماضي، إن "انخفاض هطول الأمطار ونقص المياه وتملّح التربة والمياه والإدارة غير الفعّالة للموارد والنمو السكاني كلها عوامل أثّرت في جميع أنحاء البلاد، بالإضافة إلى تغيّر المناخ"، وشددت على أن التخفيض النشط لتدفقات المياه من البلدان المجاورة يمثل تهديداً خطيراً آخر.

الحكومة العراقية ليست سيّدة نفسها وتعدد القرارات في السلطة يمنعها من المبادرة لحماية سيادتها والحفاض على حياة مواطنيها بمواجهة تصرفات إيران الفردية

وكان وزير الموارد المائية العراقي، مهدي الحمداني، قد أكد في مؤتمر بغداد الثاني للمياه الذي عُقد في الخامس من آذار/ مارس الماضي، أن وزارته "تمكّنت من تفعيل مذكرة التفاهم الموقعة مع الجانب التركي المتضمنة حصول بلاده على حصة مائية عادلة، وأن الوفد التفاوضي العراقي مستمر في التواصل مع تركيا وهناك لقاءات مستقبلية لرسم خريطة واضحة للحصص المائية والعمل وفق مبدأ تقاسم الضرر".

وندد الوزير بالمشاريع الإيرانية التي تسببت بجفاف محافظة ديالى، ووصفها بأنها مخالفة صريحة للمواثيق الدولية، مؤكداً أن "طهران ما زالت ترفض التفاوض مع العراق في شأن المياه"، ودعا إلى ضرورة العودة إلى اتفاقية الجزائر الموقعة منذ عام 1975، والمتعلقة بتقاسم مياه نهر شط العرب لحل مشكلة شحّ تدفق المياه من إيران". 


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard