كثيرون من الناس والمشايخ يؤمنون بوجود التَابِعة والقَرين، وبتأثيرهما على الإنسان جسدياً ونفسياً. والبعض منهم يرى أنّه يوجد فرق بين التَابِعة والقَرين، بينما يرى آخرون أن لا فرق بينهما.
وللتَابِعة عدة أسماء منها "أم الصبيان"، وعدة أنواع كالتَابِعة من الجِنّ التي تعشق جسد إنسان ما، فتمنعه من الزواج. بالطبع، هناك مشايخ وأشخاص متدينون لا يؤمنون بوجود كل ذلك، ويعتبرون الأمر شكلاً من أشكال الدَّجل هدفه استغلال الناس.
في الطائفة العلوية، يوجد العديد من المشايخ والأشخاص ممّن يؤمنون بوجود التَابِعة وبتأثيرها على الإنسان، مع العلم أن عددهم في تناقص مستمر.
التَابِعة والقَرين كلمتان تدلان على الشيء ذاته بالنسبة إلى أغلب العلويين، إلا أنّ كلمة تَابِعة هي الأكثر تداولاً في ما بينهم، ويمكن تعريف التَابِعة بشكل عام بأنّها: كائن غير مرئي من عالم الجِنّ يَتبَع المولود منذ لحظة ولادته وحتى مماته، ويؤثر عليه جسدياً ونفسياً بشكل سلبي. وبالطبع... يمكن إلغاء هذا التأثير من خلال اللجوء إلى أحد المشايخ المختصين بعلم الحروف والأرقام والطلاسم المستند إلى الحكمة السليمانية وما شابها.
بالرغم من عدم معرفة شكل هذا الكائن وجنسه، إلا أنّ الأكثرية يُطلقون عليه اسم التَابِعة أو القَرينة بالتأنيث، ومن النادر أنْ يُقال "تَابِع أو قَرين"، وهذا ربما يعود إلى عدة أسباب منها: المعتقد السائد بأن سبب الشرور في هذا العالم هو الأنثى. فهناك كثير من المعتقدات الدينية والأسطورية التي تعتبر أنّ المرأة هي أصل الشرّ، فحواء مثلاً أغوت آدم وجعلته يأكل التفاحة متسببةً بطرده من الجنة، وأيضاً باندورا في الأسطورة اليونانية هي مَن فتحت الصندوق الذي خرَجتْ منه شرور العالم كلها.
والمَتْبوع، حسب المعتقد الشائع بين العلويين، هو كل إنسان لم يتم حَبْس تَابِعته من قبل أحد المشايخ.
ويعتقد العلويون أنّ التَابِعة بمقدورها أنْ تُسبب بعض الأمراض والإزعاجات للمولود منها: الحمى والبكاء المستمر وخاصة في الليل، وإصابته بالإسهال وفقدان الشهية. وحين يَكبر وفي حال لم تُحبَسْ "تابعته"، يصير التأثير الجسدي مختلفاً عن مرحلة الطفولة، فيصاب المَتْبوع بآلام المفاصل والصداع المزمنين، وضيق في التنفس وتشويش في الرؤية والتفكير وما شابه، وبالطبع يُمكنها أنْ تُسقط الجنين من الرحم حسب رأيهم.
أما تأثيرها النفسي فيكون شديداً للغاية، إذ يعاني المَتْبوع من الخوف والتوتر الدائمين، ويَرى منامات وكوابيس مرعبة تجعله يستيقظ مذعوراً، إضافة إلى شعوره بالإحباط والاكتئاب وما شابه.
كيف تُحبس التَابِعة عند العلويين؟
بعد خروج المولود، أنثى أو ذكر، إلى الحياة واختيار اسم له، يتم حَبْسُ تَابِعته عن طريق أحد المشايخ. يَطلب الشيخ من أهل المولود إحضار قارورة، وتراب من مكان نظيف، مثلاً قمة جبل، وجزء صغير من شَعر أو ثياب الأم ومولودها، وقطعتين معدنيتين صغيرتين، مثلاً إبرتيّ خياطة. بعد ذلك يقوم الشيخ بكتابة اسم الأم ومولودها ضمن حجاب يحتوي عدداً من الآيات القرآنية والطلاسم والرسومات، ثم يضع الحجاب وما أحضره الأهل في قارورة ويغلقها بإحكام، طالباً تعليقها على عتبة منزلهم أو عتبة غرفة نوم المولود. بهذه الطريقة تكون تَابِعتهُ قد حُبِستْ ولم يعد لها أي تأثير عليه.
"الأكثرية يُطلقون عليه اسم التَابِعة أو القَرينة بالتأنيث، ومن النادر أنْ يُقال "تَابِع أو قَرين"، وهذا ربما يعود إلى عدة أسباب منها: المعتقد السائد بأن سبب الشرور في هذا العالم هو الأنثى"
في منزلنا، لم يكن هناك في غرفة النوم الخاصة بإخوتي مُتسع لوضع سرير صغير أو حتى فراش على الأرض كي أنام عليه، وهذا ما جعلني أنام مع أمي وأبي في الغرفة ذاتها حتى عمر عشر سنوات تقريباً. وكانت تَابِعتي محبوسة في قارورة معلقة فوق باب غرفة نومي. في الصف الأول الابتدائي، سألتُ أمي عن هذه القارورة فقالت: هذه تابعتك، محبوسة داخل القنينة. وباستغراب قلت: شو يعني تابعة؟! فردت: كل بني آدام عندو تابعة من الجن، إذا ما انحبست بتهلكو من المرض وأحياناً ممكن تجننو. أرعبني ما سمعته، ولم أغفُ ليلتها.
حين سألتُ إخوتي ومَن هم أكبر سناً منّي عن التابعة، حصلتُ على أجوبة مرعبة، إلى درجة أنني بقيت عدة أشهر أتحاشى النظر إلى تلك القارورة المعلقة فوق عتبة الباب. وفي رأسي، كانت تدور أسئلة مثل: كيف يُمكن حَبْسُ كائن بقوى خارقة للطبيعة في قارورة صغيرة؟ هل سدادة القارورة هي التي تمنع هذ الكائن من الخروج؟! ماذا لو أنّ تلك السدادة فُتحت لسبب ما دون أن ينتبه إليها أحد؟ وغير ذلك من الأسئلة المخيفة.
بناءً على كل ما سمعته من أهلي وغيرهم، أصبَح لديّ تَصوّر لشكل التَابِعة، ومعرفة بما يمكن أنْ تفعله. كنتُ أتخيلها على شكل امرأة عجوز غاية في القبح بحجم شجرة كبيرة، وشعر طويل ومجعد يتحرك في الهواء بشكل مستمر ويغطي كامل جسدها تقريباً، وفي فمها ثلاثة أو أربعة أسنان فقط، ويمكنها أنْ تختفي وتظهر وتنتقل إلى أي مكان تريده بلمح البصر، وتؤذي الشخص الذي تَتبعه وتدخل إلى مناماته وترعبه.
مع الوقت، أصبحتُ أخاف البقاء في المنزل وحدي، وأستيقظ أكثر الأحيان في الليل مذعوراً، لأني كنت أرى في منامي التَابِعة تطاردني، وهذا ما جعل أبي يفتح القارورة التي فيها تَابِعتي أمامي قائلاً: لا تخف إنها محبوسة ولا يمكنها الخروج، مؤكداً لي بأنّه قادر على هزيمتها بقوته الجسدية في حال خرجت، بل وبمقدوري أنا أيضاً ذلك بما أنني أحفظ سورة الإخلاص والمعوذتين لا بل بمقدوري أن أهزم معها جيشاً من الجِنّ بمجرد تلاوة هذه السُّور. كان هدفه من ذلك إشعاري بالطمأنينة، ولكنه لم ينجح، فقد بقيت لسنوات طويلة أخاف من التَابِعة وأراها بين الحين والآخر في مناماتي تطاردني.
ماذا سيحدث لو فُتِحت سدادة القارورة؟
في الـ18 من عمري، زار أحد المشايخ والدي، ومن خلال حديثه عرفتُ أنّه من المشايخ المتخصصين بعلم الحروف والأرقام والطلاسم. سألته كثيراً من الأسئلة منها: هل فتح سدادة القارورة التي توجد في داخلها التَابِعة يُحررها؟ أجاب: لا، لأن الحجاب والتراب والمعدن والأثر المأخوذ من الأم ومولودها الموجودين داخل القارورة هم السبب في حَبْسها وتقييد قواها الشريرة المؤثرة على الإنسان. ولا يمكنها أنْ تتحرر إلا إذا تم إخراج الحجاب وفتحه ثم رميه مع محتويات القارورة في أماكن متباعدة عن بعضها البعض.
"كنتُ أتخيلها على شكل امرأة عجوز غاية في القبح بحجم شجرة كبيرة، وشعر طويل ومجعد يتحرك في الهواء بشكل مستمر ويغطي كامل جسدها تقريباً، وفي فمها ثلاثة أو أربعة أسنان فقط، ويمكنها أنْ تدخل إلى منامات الشخص وترعبه"
في أحد الأيام، كنتُ وحدي في المنزل وقررت فتح القارورة التي توجد داخلها تَابِعتي. بالطبع لم يكن الأمر سهلاً، لأن الخوف المتراكم منذ طفولتي كان لا يزال في داخلي. في ما بعد، فتحتها عدة مرات وأخرجت كل محتوياتها وتفحصتها ثم أعدتها إلى مكانها، وهذا ما جعل خوفي يتضاءل شيئاً فشيئاً، إلى أنْ جاء اليوم الذي فتحت فيه الحجاب ثم كَسرتُ القارورة ورميتُ كل محتوياتها في أماكن متباعدة، مُحرراً تَابِعتي من سجنها، ومحرراً نفسي من خوفي منها.
ما فعلته كان مواجهة على أرض الواقع لخوفٍ يسكنني منذ الطفولة بسبب أحاديث سمعتها عن التَابِعة، ولكن بالرغم من هذه المواجهة لم يكن من السهل التخلص من هذا الخوف على مستوى لاوعيي، إذ بقيت لسنوات أراها في المنام بين الحين والآخر تطاردني.
خلال الأعوام العشرة الماضية، اختفت التَابِعة من مناماتي، والسبب برأيي له علاقة بالتغيير الذي طال نواحي حياتي كلها على كافة الأصعدة، وخاصة الأمور المتعلقة بالدين، وأيضاً له علاقة بمواجهات حدثت في لاوعيي من خلال عدة منامات كنت أرى فيها التَابِعة تركض نحوي فأبقى في مكاني بدل أنْ أهرب، مما يجعلها تقف على بُعد عدة أمتار مني، وأحياناً كنتُ أهجم عليها فتختفي.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ 3 ساعات??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 23 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون