شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
الشيخ الذي يعلم ماضيك ويتنبأ بمستقبلك كاذب

الشيخ الذي يعلم ماضيك ويتنبأ بمستقبلك كاذب

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الجمعة 26 نوفمبر 202108:40 ص

كتب كثير من العلماء والمفكرين والفلاسفة والأدباء عن أشياء مستقبلية حدثت في ما بعد على أرض الواقع. مقدمو فقرة الأبراج الصباحية قد يصدقون أحياناً أيضاً. أظن أن معظم البشر الذين توقعوا أشياء على صعيدهم الشخصي أو تخص أشخاصاً آخرين قد تحقق بعض ممّا توقعوه.

برأيي، أي تنبؤ أو توقع للمستقبل يصدر عن شخص ما ويحدث، لا يعني أن هذا الشخص يمتلك قوى إلهية أو قدرات خارقة، لأن الأمر يخضع أحياناً للمصادفة كما في فقرة الأبراج، أو قد يكون الشخص ذكياً ولديه مهارة في التحليل وقراءة الواقع والأحداث التاريخية، وهذا يمكّنه من معرفة بعض التغيرات التي ستحدث في المستقبل على الصعيد الاقتصادي والسياسي والاجتماعي وما شابه. أظن أنه لا يوجد شخص لديه تفكير منطقي يقتنع بأن هؤلاء الذين تصدق تنبؤاتهم المستقبلية يعلمون بالغيب.

ولكن في حال قام أحد المشايخ بالتنبؤ، سيُقال إن له كرامات وقدرات خارقة، وإنه من أولياء الله، ويعود ذلك للتربية الدينية والأسرية والاجتماعية التي كرّست فكرة أن المشايخ لهم صلة مع الله ويعلمون ما لا يعلمه كثيرٌ من البشر، حتى أننا نرى أشخاصاً متعلمين ومثقفين ومبدعين لديهم هذا الرأي.

الطبيب والشيخ

كان هناك طبيب يشغل منصب رئيس قسم في أحد المستشفيات، يأتي لزيارة والدي، وقد التقيت به عدة مرات ودارت نقاشات بيني وبينه، وكان يستغرب كيف لابن أحد المشايخ أن ينتقد المؤسسة الدينية بدل أنْ يدافع عنها ويمشي على خطى والده، وهذا ما جعله في أحد الأيام يتصل بي ويطلب رؤيتي.

كنت في الخامسة والعشرين من عمري حين التقيت به في المستشفى. أخبرني أن شيخاً سيأتي لزيارته بعد ساعة، ويريدني أن أجلس معه لأن هذا الشيخ، بحسب كلامه، لديه قدرات خارقة تجعله يعرف ماضي ومستقبل أي شخص، كما أنه يكتب حجابات لمَن لا يستطيع الإنجاب فينجب، ويتلو تعاويذ تُخرج الجن من أجساد الناس وغير ذلك الكثير.

سألته: هل صدّقته؟ أجاب: منذ حوالي خمسة أشهر زارني هذا الشيخ في المستشفى برفقة أحد أقاربي وأخبرني أنني أعاني من ضائقة مالية ومشكلة مع زوجتي بسبب عدم الإنجاب، وأن حياتي كانت قاسية في ما مضى ولم أحظَ بمعاملة جيّدة من أمي وأبي مقارنة بإخوتي. كما أخبرني أنني أعاني من ضيق في التنفس وتسارع في نبضات القلب، وذهني يبقى مشغولاً طيلة الوقت. وبعدها راح يتحدث عن أشياء مستقبلية ستحدث معي جعلتني أصاب بالهلع، ثم أخذ ورقة وقلماً وسجل عليها اسمي واسم أمي وكتب عدة أحرف وأرقام لم أفهمها، ثم قال: لا تَخَف، هناك حل لكل أمورك بما في ذلك مشكلة عدم الإنجاب.

وتابع الطبيب: كلامه أصابني بالذعر من جهة وجعلني أشعر بالراحة من جهة أخرى، لأن هناك حلاً، وهو أن أضحّي بخروف على اسم سيدنا الخضر، وأخصص زكاة أمنحها لبعض المشايخ والعارفين بالله كي يقوموا بالدعاء لي، كما وعدني بأنه سيكتب لي ولزوجتي حجاباً كي نرزق بمولود.

"أي تنبؤ أو توقع للمستقبل يصدر عن شخص ما ويحدث، لا يعني أن هذا الشخص يمتلك قوى إلهية أو قدرات خارقة، لأن الأمر يخضع أحياناً للمصادفة كما في فقرة الأبراج"

كررت سؤالي: "وهل صدقته؟". أجاب: نعم، وخاصة حين قال إن وضعي المالي ليس جيداً بحكم أنني أنفق كثيراً من المال على موضوع الإنجاب، لذا سيقوم بالاستعانة ببعض الإخوة ليجمع ثمن الخروف والزكاة التي سيوزعها على المشايخ ولن يكلفني الأمر دفع ولا ليرة واحدة.

قلت له: معرفتي وتجربتي مع المشايخ تجعلني أقول إن هذا الشيخ هو داهية وصياد ماكر.

قال: نعم إنه كذلك، فبعد أن اشترى الخروف ووزع الزكاة وكتب لي حجاباً اتصل بي بعد أسبوع وأخبرني أن هناك أخاً من إخواننا وضعه المالي سيئ وعليه نذر يجب إيفاؤه وطلب مني أن أدفع ما تسمح به نفسي، ومنذ ذلك الحين وحتى الآن، يطلب منّي، كل حوالي أسبوعين، مالاً، مرةً لإيفاء نذر وأخرى لشراء شيء ما لشخص محتاج وما شابه. وبالطبع لم أجرؤ مرة واحدة على رفض طلبه مع أن الأمر أصبح يرهقني مالياً ونفسياً، وأخاف إنْ لم أستجب لطلباته أن يكتب لي ولزوجتي حجاباً ما يؤذينا.

قلت له: هذا الشيخ لا يمكنه أن يؤذيك وكل ما قاله عن ماضيك ومستقبلك ليس دليلاً على أنه يمتلك قدرات خارقة ومعرفة بالغيب، فهو حين قال إنك في ضائقة مالية وإن لديك مشكلة مع زوجتك بسبب عدم الإنجاب قام بلمس موضوع بالغ الحساسية لديك، وبما أن الغريق يتعلق بقشة أصبحت متلهفاً لكل كلمة سيقولها على أمل أن يكون لديه حل ما. وبسبب رغبتك العميقة بالحصول على مولود إضافة إلى تأثير الموروث الديني والأسري والاجتماعي وغير ذلك من الأسباب النفسية التي تخصك، غاب عنك المنطق العقلي في تحليل الأمور، وحل مكانه الخوف من الشيخ والأمل بوجود حل لمشاكلك.

وأضفت أن معظمنا يشعر بأننا كنا جيدين مع والدينا، ورغم ذلك باقي إخوتنا نالوا الحظ الأوفر في المعاملة والاهتمام أكثر منّا، ومعظمنا يستمتع ويحبّ أن يصدّق بأن الحياة ظلمته ورغم ذلك لم يستسلم وحقق بعضاً مما يريده، فهذا يشعرنا بالثقة وبأننا لسنا فاشلين، "أما ضيق النَفَس وخفقان القلب وغيرها من الأعراض فأنت طبيب وتعلم بأن الضغط النفسي يمكنه أن يفعل بالجسد أكثر من ذلك".

أما كيف عرف أنك تعاني من ضائقة مالية ولديك مشكلة مع زوجتك بخصوص الإنجاب، فهذا الأمر يمكن ببساطة أن يعرفه بعدة طرق: كأن يكون يعرف أحد جيرانك ويسأله عنك، أو يسأل قريبك بشكل طبيعي بماذا ينادونك: أبو يوسف أو أبو سمير، فيجيب قريبك بأن هناك مشكلة لديك في إنجاب الأولاد، وغير ذلك الكثير.

لقائي بالشيخ

بينما كنت أشرح للطبيب الأساليب التي يقوم بها المشايخ لاصطياد ضحاياهم والتي يعتمد أكثرها على اختراق الضحية نفسياً وتخويفها، وصل الشيخ. ألقى التحية علينا وقام الطبيب بتقبيل يده بينما اكتفيت بمصافحته دون تقبيل يده. حينها، أخبره الطبيب باسمي الثلاثي، فأثنى على عائلتي وأخبرني بأنه التقى بوالدي في عدة مناسبات دينية.

"في حال قام أحد المشايخ بالتنبؤ، سيُقال إن له كرامات وقدرات خارقة، وإنه من أولياء الله، ويعود ذلك للتربية الدينية والأسرية والاجتماعية التي كرّست فكرة أن المشايخ لهم صلة مع الله ويعلمون ما لا يعلمه كثيرٌ من البشر"

خلال حديثي معه، تعمّدت القول إنني لا أفقه شيئاً في الدين، وأعيش خارج القرية منذ مراهقتي بسبب خلاف مع والدي وأعاني من التعب النفسي وما شابه، حينها قال: لحظة رأيتك شعرت بالحزن عليك لشدة ما تعاني من الوحدة والضغوط النفسية والاجتماعية، ولكن هذا لا شيء مقارنة بما سيصيبك في المستقبل، أسأل الله أن يرعاك بعينه التي لا تنام، ويمنحك السكينة والسلام. ثم استدرك: لا تخف هناك حل لكل ذلك بإذن الله.

حينها سألته: هل كل ما يحدث لنا مقدر من عند الله أم بعضه فقط؟ أجاب: بالطبع كله. فقلت: بناءً على ذلك ما سيصيبني مقدرٌ من عند الله، وأنت تقول إن هناك حلاً، فهل يمكنك تغيير ما قدره الله لي؟

فقال: اللهم لا أسألك رد القضاء وإنما أسألك اللطف فيه، الحل لا يعني رد القضاء يا بنيّ.

لحظتها وضعت يدي في جيبي وحركتها فصدر صوت واضح لعدد من القطع المعدنية، فسألته أسمعت الصوت؟ أجاب: نعم إنه صوت نقود أو شيء معدني، فقلت صدقْت إنها نقود! هل يمكن أن تخبرني كم قطعة نقدية في جيبي؟

أجاب: لا، فقلت له: كيف تظن أنني قد أصدق بأنك تعلم بما سيصيبني في المستقبل ولا تعلم كم قطعة نقدية في جيبي الآن مع أنني أقف أمامك؟

وبنبرة غاضبة قال: أتختبرني؟ انتبه لنفسك يا ولد! أقسم بالله إنْ لم تعتذر وتطلب السماح لأجعلك تسير في الطرقات كالمجنون.

لحظتها، قمت عن الكرسي وتناولت مقصاً صغيراً كان على الطاولة وقصصت به قطعة صغيرة من قميصي الداخلي وجزءاً من شعر رأسي، ثم كتبت على ورقة اسمي واسم أمي وتاريخ ميلادي ووضعت الورقة وما اقتطعته من قميصي وشعري أمام الشيخ وقلت: إنْ كنت تريد شيئاً آخر أخبرني لأعطيك إياه، ولكنني أظن أن هذا كافٍ لتقوم بكتابة حجاب أو سحر لي يجعلني أسير في الطرقات كالمجنون، وإنني أتحداك أن تؤثر عليّ أنت وغيرك.

قام الشيخ عن كرسيه وهددني بأنه سيفعل، ثم نظر إلى الطبيب الذي كان مذعوراً وقال: أنت حسابك سيأتي بعده، ثم غادر. فضحكت وقلت له: لقد نسيت الورقة وجزءاً من قميصي وشعري، فعاد وأخذها معه.

بقي الطبيب يتواصل معي هاتفياً لمدة شهرين تقريباً، وبما أنه لم يحدث لي شيء أخبرني في أحد الاتصالات أنه لم يعد خائفاً من هذا الشيخ.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image