شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
نعمة أم نقمة؟ السطوع الشمسي في مصر فرصة لتوليد الكهرباء ومعاناة لعمال الطاقة الشمسية

نعمة أم نقمة؟ السطوع الشمسي في مصر فرصة لتوليد الكهرباء ومعاناة لعمال الطاقة الشمسية

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

بيئة ومناخ نحن والبيئة

الخميس 14 أبريل 202202:30 م

تدهورت حالة الحديقة التي كان يرعاها محمود حسين، لأنه لم يستمر في الاعتناء بها، نتيجة إصابته بالإجهاد مع تعرضه الدائم لأشعة الشمس تحت درجة حرارة دائمة الارتفاع، إذ تتطلب طبيعة مهنته كـ"جنايني"، في حديقة في قرية الرقبة في محافظة أسوان في جنوب مصر، أن يعمل لساعات طوال منذ طلوع أول ضوء للشمس وحتى أذان العصر.

لم تُعِق محمود قدراته الخاصة عن العمل بدوام كامل، ولكن أعاقه عدم استطاعته تحمل العمل في درجة حرارة مرتفعة تصيبه بالإجهاد طوال الوقت، وفي الوقت ذاته بخيبة الأمل بأن يتحسن الطقس، وتتحسن معه ظروفه نحو الأفضل. أيقن أن بقاءه في هذا العمل، لن يجلب له ولصاحب العمل إلا خسائر لا حصر لها، فقرر أن الرحيل أفضل من البقاء.

يهدد ارتفاع درجات الحرارة الصحة المهنية لمن يعملون في مشاريع الطاقة الشمسية، ويصيبهم بالإجهاد.

ودّع محمود قرية الرقبة مُعلّقاً في رقبته عُقداً من الآمال في أن يجد فرصة عمل لائقةً في مدينة أسوان، ولكن العائق الجديد كان عدم توافر سكن مع جميع فرص العمل المتاحة، وشعر وكأن القدر يقطع عُقد آماله. وقبل أن تنفرط حبّاته، ضمّتها فرصة عمل بمبيت وراتب مجزٍ في مشروع الخلايا الشمسية في بنبان غرب محافظة أسوان.

نصف فرحة دقت في قلب محمود الحالم، ونصفها الآخر حجبته أشعة الشمس التي يعتمد عليها المشروع، فشعر الرجل بأن ارتفاع درجة الحرارة بات خطراً يهدد مستقبله ويعيقه عن تحقيق حلمه في أن يعيش حياة أفضل، ولكن قرر أن يواجه مخاوفه بالتقديم للحصول على الوظيفة.

إمكانية كبيرة للاستثمار

يهدد ارتفاع درجات الحرارة الصحة المهنية لمن يعملون في مشاريع الطاقة الشمسية، ويصيبهم بالإجهاد في العمل عند تعرضهم لدرجة حرارة تزيد عن 35 درجةً مئويةً، مما يعمل على الحد من الوظائف وقدراتهم الجسدية، ويضرّ الإنتاجية. وفي الحالات الشديدة، يمكن أن تكون ضربة شمس مميتةً.

تصوير عمرو خان - خاص رصيف22

وتُعدّ مصر إحدى دول منطقة الحزام الشمسي الأكثر سطوعاً، ومناسبةً لتطبيقات الطاقة الشمسية على مستوي العالم وإفريقيا، بمعدل سطوع شمسي يتراوح بين تسع ساعات وإحدى عشرة ساعةً يومياً. وفي إطار الاستفادة من هذه الميزة في تحقيق التنمية المستدامة، والتخلص التدريجي من الاعتماد على الوقود الأحفوري، واستخدام الطاقات المتجددة كوقود بديل كأحد الحلول لمواجهة ظاهرة الاحتباس الحراري، خصصت مصر مساحة 7،600 كيلومتر مربع لتنفيذ مشروعات الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، مع ميزانية تقارب ستة مليارات جنيه مصري (قرابة 54 مليون دولار) مخصصة للاستثمار في مشروعات الطاقة المتجددة.

ولكن كيف يمكن أن يواجه الإنسان تداعيات تغير المناخ بالاعتماد على الطاقة الشمسية، من دون التعرض لارتفاع درجة الحرارة؟ وهل السطوع الشمسي نعمة أم نقمة على حياة الإنسان؟

شدة السطوع الشمسي تثير مخاوف، وفي الوقت نفسه تجبر القائمين على المشاريع على طرح حلول بديلة لا بد من تنفيذها، ومنها تغيير الجدول الزمني لتنفيذ المشروعات، وخفض ساعات العمل نهاراً وتعويضها ليلاً

صعوبة في التأقلم

جلس محمود تحت مظلة كبيرة يحتمي أسفلها من أشعة الشمس الحارقة، وفي يده زجاجة مياه باردة شرب منها القليل، وألقى على وجهه بعض المياه ليشعر ببعض الرطوبة التي يندر وجودها في بنبان، حيث يجري تنفيذ مشروع الخلايا الشمسية الأكبر في الشرق الأوسط، بعد أن حصل على الوظيفة.

يواجه محمود وزملاؤه في العمل صعوبةً في التكيف مع ظاهرة التغير المناخي، وسط مناخ صحراوي حار، واحترار مستمر طوال أيام الصيف، وسخونة وسطوع شمسي وجفاف تبلغ مستويات قياسيةً في أسوان، ويبلغ معدل ساعات العمل اليومي في مشروع الخلايا الشمسية ثماني ساعات، تبدأ من الثامنة صباحاً وتنتهي عند الرابعة عصراً، حسب قول محمود.

تصوير علي وصفي - خاص رصيف22

وتنخفض إنتاجية العمالة البشرية مع درجة حرارة فوق 24-26 درجةً مئويةً، فيما تنخفض إلى 50% عند 33-34 درجةً مئويةً، إذ يخسر العامل قدرته على العمل، وتتأثر الأعمال بشدة، خاصةً المهن التي يتطلب تنفيذها العمل في الهواء الطلق والتعرض المباشر للشمس.

ولم يعرف محمود أن ما كان يعاني منه ويسبب له صعوبةً في العيش والتأقلم مع مناخ قريته الرقبة، سيلقاه في بنبان المترامية في حضن الصحراء الغربية، والتي فرضت جغرافيتها أن تكون مصدراً لإنتاج الكهرباء باستخدام الطاقة الشمسية.

يقول محمود لرصيف22: "اشتغلت فني تركيبات للكابلات الكهربائية لأنظمة الخلايا الشمسية، بعد أن حصلت على فترة تدريب كافية، أهلتني للانضمام كعضو ضمن فريق عمل في المشروع، وفي البداية، وجدت صعوبةً في التأقلم مع ساعات العمل اليومية، خاصةً أن درجة الحرارة في موقع المشروع مرتفعة جداً".

التحق محمود بالعمل في مشروع الخلايا الشمسية في كانون الثاني/ يناير 2021. وبعد أشهر قليلة سجلت درجات الحرارة أعلى معدلات قياسية غير مسبوقة، وتراوحت في مصر ما بين 44 و45 درجةً في جنوب البلاد، وأرجعت دراسة للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية وهيئة الأرصاد الجوية المصرية السبب في ارتفاع درجات الحرارة إلى التغيرات المناخية التي يشهدها العالم بأسره.

يواجه محمود وزملاؤه صعوبةً في التكيف مع ظاهرة التغير المناخي، وسط مناخ صحراوي حار، واحترار مستمر طوال أيام الصيف، وسخونة وسطوع شمسي وجفاف تبلغ مستويات قياسيةً في أسوان، ويبلغ معدل ساعات العمل اليومي في مشروع الخلايا الشمسية ثماني ساعات

فرص عمل مهددة

وفي السياق نفسه، قال أحمد محمد عثمان، لرصيف22: "بدأت بالعمل في تركيب الألواح الشمسية في بنبان منذ عام ونصف، ولكني واجهت صعوبةً في تحمّل درجة الحرارة المرتفعة".

ويضيف أحمد: "تعرضت للإرهاق والتعب في أيامي الأولى في العمل، لتعرّضي في ساعات النهار لأشعة الشمس في درجة حرارة مرتفعة، وقررت إدارة المشروع نقلي إلى قسم التجهيزات، وهناك أقوم بعملي أسفل مظلة للحماية من التعرض المباشر لأشعة الشمس".

وتشير توقعات منظمة العمل الدولية، إلى أن "ارتفاع درجة الحرارة بمقدار 1.5 درجة مئوية بحلول 2030، ستضيع 2.2% من إجمالي ساعات العمل عالمياً، وهي خسارة تعادل 80 مليون وظيفة بدوام كامل، وتعادل خسائر اقتصاديةً قدرها 2،400 مليار دولار".

كما يُتوقع أن يتأثر 940 مليون مزارع حول العالم بتداعيات التغير المناخي، وستمثّل خساراتهم 60% من ساعات العمل العالمية المفقودة بسبب الإجهاد الحراري بحلول عام 2030. كما سيتأثر قطاع البناء بشدة مع فقدان 19% من ساعات العمل المفقودة، بالإضافة إلى قطاعات السلع والخدمات البيئية، وجمع النفايات، والطوارئ، وأعمال الإصلاح، والنقل، والسياحة، والرياضة، وبعض أشكال العمل الصناعي.

تصوير علي وصفي - خاص رصيف22

ويرى الدكتور محمد الخياط، الرئيس التنفيذي لهيئة تنمية الطاقة الجديدة والمتجددة المصرية NREA، أن الآثار السلبية الناتجة عن ارتفاع درجات الحرارة، سوف تمتد إلى جميع قطاعات الأعمال، ولن تقتصر آثارها السلبية على تنفيذ مشروعات الطاقة الشمسية فحسب.

ويقول الخياط لرصيف22: "البعد المهم هنا هو قدرة البحث العلمي في مجال الطاقة الشمسية على التواؤم مع تغير المناخ، والقدرة على التطور تكنولوجياً لزيادة الإنتاج، والحفاظ على الوظائف والأعمال، وفي الوقت نفسه الحفاظ على البيئة". ويضيف أن "شدة السطوع الشمسي في مصر نعمة كبيرة من الله، واختلاف شدتها بين المدن المصرية مثّلت فرصةً للدولة ومرونةً في تنفيذ المشروعات في بنبان وغيرها من المدن المصرية".

نقلتني الإدارة إلى قسم التجهيزات، وهناك أعمل أسفل مظلة للحماية من التعرض المباشر لأشعة الشمس.

حلول وبدائل

يقول أحمد محمود، وهو مهندس كهرباء الطاقة الشمسية في مشروع بنبان، لرصيف22، إن شدة السطوع الشمسي تثير مخاوف، وفي الوقت نفسه تجبر القائمين على المشاريع على طرح حلول بديلة لا بد من تنفيذها، ومنها تغيير الجدول الزمني لتنفيذ المشروعات، وخفض ساعات العمل نهاراً وتعويضها ليلاً.

وضمن السياق نفسه، يقول علي وصفي، وهو مهندس الصحة والسلامة في مشروع بنبان لرصيف22: "تُعدّ مواجهة تغير المناخ في مواقع إنشاء محطات الطاقة الشمسية تحدياً كبيراً للحفاظ على صحة 20 ألف عامل وسلامتهم من تعرضهم لدرجة حرارة مرتفعة في أثناء العمل، وهذا يتطلب اتخاذ إجراءات ذات كلفة اقتصادية كبيرة".

تصوير عمرو خان - خاص رصيف22

ويضيف: "ضاعفنا عدد مظلات الحماية من الشمس، وغيّرنا الجدول الزمني لأعمال الإنشاءات من النهار إلى الليل، وخفّضنا ساعات العمل نهاراً، وأدى ذلك إلى فرق كبير في تكلفة نظام الصحة والسلامة، وأثّر أيضاً على التكلفة الاقتصادي للمشروع بأكمله".

ويطرح أحمد محمود، نقطةً إضافيةً متعلقةً بتأثر المشروع بأكمله بدرجات الحرارة المرتفعة: "من الطبيعي أن تتأثر القدرة الإنتاجية للّوح الشمسي، التي تقاس عند ألف درجة من شدة السطوع الشمسي، وعند 25 درجةً مئويةً من الحرارة الشمسية، وهناك علاقة طردية بين شدة السطوع الشمسي والقدرة الإنتاجية للّوح الشمسي، وعلاقة عكسية بين درجة الحرارة وقدرته الإنتاجية، وعلاقة طردية بين شدة نظافة الألواح والقدرة الإنتاجية، وتضم المحطة 200 ألف لوح شمسي، وتتأثر هذه الألواح سلباً بارتفاع درجة الحرارة".

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

ما أحوجنا اليوم إلى الثقافة البيئية

نفخر بكوننا من المؤسّسات العربية القليلة الرائدة في ﻣﻴﺪﺍﻥ ﺇﺫﻛﺎﺀ ﺍﻟﻮﻋﻲ البيئيّ. وبالرغم من البلادة التي قد تُشعرنا فيها القضايا المناخيّة، لكنّنا في رصيف22 مصرّون على التحدث عنها. فنحن ببساطةٍ نطمح إلى غدٍ أفضل. فلا مستقبل لنا ولمنطقتنا العربية إذا اجتاحها كابوس الأرض اليباب، وصارت جدباء لا ماء فيها ولا خضرة.

Website by WhiteBeard