شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
الانفجارات المجهولة في لبنان... كيف تحولت

الانفجارات المجهولة في لبنان... كيف تحولت "أومرتا" إلى نهج رسمي؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الأربعاء 13 أبريل 202203:48 م

انفجار، ضحايا، صمت؛ ثلاثية تقليدية في الجمهورية اللبنانية، مدعومة بأحكام قضائية غير مقنعة في أحسن الاحتمالات، أو تتجاهل الحدث في أسوئها. فجر 12 نيسان/ إبريل الحالي، سُمع دوي انفجار في بلدة بنعفول، في ضواحي صيدا، في الجنوب اللبناني. أدى الانفجار إلى تدمير مبنى البلدية ومركز للكشافة وإصابة مبنى مجاور. سقط قتيل وسبعة جرحى جرّاءه.

مع تطويق الجيش اللبناني مكان الحادث، أصدرت حركة "أمل"، التابعة لرئيس المجلس النيابي نبيه بري، بياناً جاء فيه: "وقع انفجار في مبنى ملاصق لمبنى بلدية بنعفول الجنوبية، الذي يشغل جزء منه الدفاع المدني في كشافة الرسالة الإسلامية. وفي المعلومات الأولية، أنه نتيجةً لاحتكاك كهربائي، نشب حريق أدى إلى انفجار قوارير الأوكسيجين المخزّنة في المبنى، والتي كانت مخصصة لحالات كورونا في البلدة". وأضاف البيان: "ارتقى على أثره الأخ المجاهد علي توفيق الرز، نجل رئيس البلدية توفيق الرز، شهيداً، بالإضافة إلى وقوع عدد من المصابين تم نقلهم عبر سيارات الإسعاف إلى مستشفى الراعي في صيدا".

واستبعد مصدر عسكري لوسائل إعلام محلية، أن تكون لانفجار بنعفول خلفيات أمنية. ولم يصدر أي بيان من قيادة الجيش حول الانفجار، بينما اكتفت مصادره بالتأكيد على أن "التحقيقات جارية".

استبعد مصدر عسكري لوسائل إعلام محلية، أن تكون لانفجار بنعفول خلفيات أمنية. ولم يصدر أي بيان من قيادة الجيش حول الانفجار

في العادة، تقع الانفجارات لأسباب عدة في العالم، سواء بسبب ترهّل ما، أو عطل طارئ، أو بسبب حريق ناجم عن ارتفاع حرارة الجوّ. لكن ليس في لبنان. نادراً ما يقع انفجار هناك، من دون أن تحاك حوله نظريات المؤامرة. لا مجال للصدفة في بلاد مفككة اعتادت على انفجار قوارير الغاز أو بسبب "التلحيم".

وما يعزّز إبعاد الصدفة عن الانفجارات اللبنانية، هو ما حصل في بنعفول تحديداً. فبعد ساعات على الانفجار، أدلى مختار البلدة، حسين عبد النبي، بتصريحٍ لقناة "الجديد" المحلية، مشدّداً فيها على أن الانفجار عبارة عن "قضاء وقدر"، من دون الاكتفاء بذلك، بل طالب وسائل الإعلام المحلية بعدم بثّ الأخبار غير الصحيحة. لم يشفع للمختار كلامه، بل تمّ الاعتداء عليه وعلى فريق القناة، على يد عدد من الشبّان، وفق بيان المحطة.

مسلسل مستمر

وشهد لبنان سلسلة انفجارات مماثلة في السنوات الأخيرة، إذ وقع في 19 كانون الثاني/ يناير الماضي، انفجار غامض في منطقة وادي العزيةـزبقين، جنوب مدينة صور، في جنوب لبنان. انتشرت روايات عدة، منها "إطلاق صاروخ من لبنان في اتجاه الأراضي الفلسطينية المحتلة"، لكن الاحتلال الإسرائيلي نفى ذلك. مرّ الخبر وكأن شيئاً لم يحدث. لا تصريحات ولا توضيحات، باستثناء حديث عند أهل المنطقة عن انفجار خزانات وقود.

في 13 كانون الثاني/ يناير الماضي أيضاً، دوّت انفجارات في منطقة غير مأهولة في حومين في قضاء النبطية، جنوب لبنان، ولم تُعرف أسباب الانفجار. ونقلت وسائل إعلامية محلية عن سكان المنطقة قولهم إنهم شاهدوا نيراناً مندلعةً في خراج البلدة، فيما أفاد شهود عيان بـ"مسارعة عناصر من حزب الله إلى مكان الانفجار، وضربت طوقاً حوله ومنعت سيارة إسعاف لكشافة الرسالة الإسلامية التابعة لحركة أمل من التوجه نحو مكان الحادث".

ورجّحت بعض المصادر حينها، أن تكون المنطقة تضمّ مخازن لحزب الله. كما برزت أخرى تشير إلى أن ما جرى هو حريق اندلع في مولد كهربائي، وطاول الحريق خزاناً للمحروقات، ما أدى إلى انفجار قنابل عنقودية وقذائف قديمة العهد. ولم يصدر عن القوى الأمنية أي توضيح حول ما جرى.

في 28 كانون الأول/ ديسمبر 2021، هزّ صوت انفجار منطقة النبي شيت وجوارها، في البقاع اللبناني، ناجم كما قيل عن "تفجير مخلفات ذخائر قديمة في جرود السلسلة الشرقية قرب الحدود اللبنانيةـالسورية". كل الروايات عن الانفجار لم تقدّم حقيقةً دامغةً حول ما حصل، من دون أن تكون هناك رواية رسمية فعلية.

في 13 كانون الثاني/ يناير الماضي أيضاً، دوّت انفجارات في منطقة غير مأهولة في حومين في قضاء النبطية، جنوب لبنان، ولم تُعرف أسباب الانفجار

وتُعدّ النبي شيت مسقط رأس النائب جميل السيد، الذي شغل منصب المدير العام للأمن العام، بين عامي 1998 و2005، قبل أن يتم اعتقاله أربع سنوات مع ثلاثة ضباط آخرين قيد التحقيق في قضية اغتيال رئيس الوزراء رفيق الحريري، والبلدة من بين قرى عدة، تُشكّل بيئةً حاضنةً لحزب الله، ومحطة إسناد له في الحرب السورية، التي شارك فيها منذ البدايات.

وتكمن أهمية النبي شيت، في كونها قريبةً من الحدود اللبنانيةـالسورية، ويُمكن الانطلاق منها في اتجاه جبال القلمون في الشمال الشرقي، والزبداني في الجنوب الشرقي، وباتت في قلب الحرب السورية، مع تحوّلها إلى منطقة شبيهة ببيلغورود الروسية في مواجهة خاركيف الأوكرانية.

قتلى أينما كان

في 10 كانون الأول/ ديسمبر 2021، هز انفجار ضخم مخيم البرج الشمالي للّاجئين الفلسطينيين في مدينة صور. سقط عدد من القتلى والجرحى، طبقاً لرجال إنقاذ في الموقع ولمصدر فلسطيني داخل المخيم. وأوضحت "الوكالة الوطنية للإعلام" اللبنانية في حينه، أن الانفجار وقع في مستودع أسلحة تابع لحركة "حماس".

وقال سكان في المخيم لوكالة الصحافة الفرنسية، إن الانفجار وقع بالقرب من مسجد تابع لـ"حماس" في المخيم. ونقلت الوكالة عن مصدر عسكري قوله إن "الحريق نشب في مستودع ذخيرة وأسلحة ومواد غذائية تابع لحركة حماس أدّى إلى وقوع الانفجار الضخم". لكن الحركة تحدثت عن "انفجار قوارير أوكسجين لمرضى كورونا". ولم تنتهِ المسألة هنا، إذ إنه بعد يومين من ذلك، وخلال تشييع عنصر من "حماس"، قُتل ثلاثة من عناصر الحركة، وجُرح ستة آخرون جراء إطلاق نار، وفق ما أفاد قيادي منها.

واتّهم عضو قيادة حركة "حماس" في لبنان، رأفت المرة، الذي كان مشاركاً في التشييع، "عناصر من الأمن الوطني التابع لحركة فتح بإطلاق النار في اتجاه المشيّعين في أثناء وصولهم إلى مدخل المقبرة"، وقال أحد سكان المخيم إنه "عند وصول الجنازة إلى المخيم، وسط انتشار مسلح لعناصر من حماس وفتح، جرى إطلاق النار في اتجاه المشيعين، من ثم لم نعد نعرف من يطلق النار في اتجاه من"، فيما لم يصدر أي موقف أمني رسمي، لتنتهي القضية في مكانها: المخيم.

الخطوط الحمر

في 21 أيلول/ سبتمبر 2020، وقع انفجار في أحد مباني بلدة عين قانا، في إقليم التفاح، في النبطية. وذكرت الوكالة الوطنية للإعلام، أن الانفجار وقع بالتزامن مع تحليقٍ مكثف لـ"الطيران الحربي والتجسسي المعادي (إسرائيل)". من جانبها أفادت وكالة "الأناضول" التركية بأن الانفجار أصاب عدداً من الأشخاص بجراح، وألحق أضراراً كبيرةً بمبانٍ عدة، فيما تصاعدت أعمدة دخانية كثيفة في المناطق المحيطة بالبلدة.

وذكرت مصادر محلية أن معلومات أوليةً تشير إلى انفجار مستودع للأسلحة تابع لـ"حزب الله"، الذي فرض عناصره طوقاً أمنياً حول مكان الانفجار، ومنعوا الناس من الاقتراب. وفي اليوم التالي للانفجار، أفاد مصدر تابع للمكتب الإعلامي لـ"حزب الله" لصحيفة "النهار" المحلية، بأن "ما انفجر هو مركز لتجميع مخلفات حرب تموز (التي وقعت في عام 2006 بين حزب الله والإسرائيليين)، أي ألغام". وكانت وكالة "رويترز" قد نقلت عن مصدر أمني قوله إن "الانفجار وقع في مستودع أسلحة لحزب الله بسبب خطأ فني".

ذكرت مصادر محلية أن معلومات أوليةً تشير إلى انفجار مستودع للأسلحة تابع لـ"حزب الله"، الذي فرض عناصره طوقاً أمنياً حول مكان الانفجار

وأعلن الجيش اللبناني، أنه بدأ تحقيقات في الانفجار، لكنها لم تنتهِ على ما يبدو، في ظلّ غياب أي حكم صادر عنه.

وفي 21 حزيران/ يونيو 2015، أعلنت مصادر أمنية لبنانية أن "انفجاراً وقع قرب بلدة صغبين في منطقة نائية من محافظة البقاع الغربي في لبنان، لكن السبب لم يُعرف بعد". وقال مصدر إن "الانفجار ربما نجم عن ضربة جوية إسرائيلية على لبنان"، بينما قال آخر إن "طائرةً إسرائيليةً بلا طيار قد تكون أُسقطت". ورفضت المصادر الكشف عن مزيد من التفاصيل، وقال أحدها إن "تحقيقاً مناسباً" سيُجرى في الانفجار. ولم يتضح ما إذا كان قد سقط قتلى أو جرحى. كما أحجمت متحدثة باسم الجيش الإسرائيلي عن التعليق.

وتتمركز في صغبين "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين"، وهي فصيل مناصر للنظام السوري ولحزب الله، سبق أن عمل في الميادين السورية، خصوصاً في تهجير مخيم اليرموك للّاجئين السوريين في ضواحي العاصمة دمشق، بين عامي 2015 و2016.

وظهر تعاطي الدولة قضائياً وأمنياً مع كل هذه الملفات، ضعيفاً على المستوى البيروقراطي، سواء لجهة تأمين العديد الكافي لإجراء التحقيقات أو المعدات اللازمة لها، أو في سياق تأخر البتّ في أي ملف، خصوصاً حين لا يتم اعتقال أي شخصٍ للتحقيق معه، بعيداً عن الشهود.

التقبل التدريجي

في العهد الحالي، عهد الرئيس ميشال عون، لم يخرج أي موقف رسمي واضح يدعو للذهاب في أي تحقيق إلى النهاية. فكل الإجابات على أي سؤال يُطرح على عون في أي موضوع أمني، يبقى الجواب نفسه: "نترك الأمر للقضاء". في المقابل، فإن رئيس الحكومة السابق سعد الحريري، توقف عن كيل الاتهامات لحزب الله تدريجياً، وتحديداً بعد أن أرسى تفاهماً غير معلن معه. أما رئيس المجلس النيابي نبيه بري، فكان موقفه أقرب إلى عون في موضوع "ترك الأمور للقضاء"، لكنه أفصح في إحدى المرات، حين كان مشتبكاً سياسياً مع صهر عون، النائب جبران باسيل، بقوله: "الضعيف يذهب إلى القضاء"، في اعترافٍ ضمني بأن القضاء لا يحقق أي عدالة في أي قضية.

الرؤساء الثلاثة في لبنان غالباً ما يقولون بعد أي تفجير يحصل إن الأمر مترو للقضاء، إلا أن التحقيقات لم تصل يوماً إلى نتيجة وهو ما يتكرر مع كُل انفجار مجهول يحصل خاصة في مناطق تُسمّى أمنية ويسيطر عليها حزب الله

وبينما كانت قوى "14 آذار/ مارس" في الماضي، تتسابق لإدانة أي قضية والدعوة إلى رفع قضايا أمام محاكم دولية، تحوّلت التصاريح إلى مجرد عبارة على "تويتر" لا أكثر، وتحديداً في العامين الأخيرين، وهو ما انعكس تالياً على القواعد الحزبية وبقية المواطنين، الذين باتوا يتقبّلون غياب العدالة في أي قضية، كأمر "طبيعي وبديهي".

يشبه الأمر مطلق حدث أمني متروكاً للمجهول. ومع أن انفجار مرفأ بيروت في 4 آب/ أغسطس 2020، أعاد إشعال النار من تحت الرماد، في موضوع المحاسبة والمحاكمة، إلا أن الحياة عادت لتمضي بصمتٍ، مع تحايل المطلوبين للقضاء، بالقانون، على كل دعوات المحقق في الانفجار القاضي طارق البيطار للمثول أمامه. وإذا كانت قضية أودت بحياة أكثر من 220 شخصاً وجرح سبعة آلاف آخرين، تُركت في أدراج النسيان، فإن "الأحداث الغامضة" لن يكون مصيرها أفضل.

وبدا واضحاً في مجريات كل قضية، وتحديداً تلك الانفجارات المجهولة، أن التحقيقات لا تطال أي ملف يعني حزب الله، خصوصاً إذا وقع في منطقة نفوذه، إذ يمنع الجميع، من وسائل إعلامية وأجهزة أمنية وقضاء، من التصرّف. أما في الملفات غير المتعلقة بالحزب، بل بالحلفاء، فإنها تنتهي وفقاً لما يشاء، تاركاً في المقابل ملفات أخرى لا تمسّه مباشرةً، لسلوك المسار القضائي والأمني الاعتيادي.

طمس الحقائق

تشبه عملية طمس الحقائق في لبنان تلك التي اعتادت عليها المافيا الصقليّة تحت مبدأ "أومرتا" (أي قانون الصمت). وأرست مافيا "كوزانوسترا" هذا المبدأ عبر منع الإفشاء بالأسرار وعدم التعاون مع السلطات، بما لا يسمح بالكشف عن أدلّة تصل إلى توقيف عناصر المافيا.

تشبه عملية طمس الحقائق في لبنان تلك التي اعتادت عليها المافيا الصقليّة تحت مبدأ "أومرتا" (أي قانون الصمت)، وهو ما يسود بعد كُل تفجير يحصل بدءاً من السياسيين وصولاً للأمنيين

و"أومرتا" ليست مبدأً أخلاقياً، بل منطق تهديدي تمارسه المافيا ضد كل من يتجرّأ على التعاون مع القضاء والأمن، عبر تصفية مقرّبين منه، في حال فشلت في الوصول إليه. وبات مبدأ "أومرتا" أساسياً في أي عمل لرجال العصابات، الإيطالية وغيرها، وساهم في عرقلة عمل القانون والقضاء في مختلف البلدان، بل سمح بتغلغل العصابات في الهيكلية الرسمية للدول. الفارق هو أن الدول عادةً تكافح العصابات ومبدأها، لكن في لبنان فإن المافيا المنبثقة من الميليشيات التي تغلغلت في الدولة بعد الحرب، كرّست "أومرتا" شعاراً عاماً، لا يمارسه المتنفذون فحسب، بل أيضاً صغار الموظفين والمقرّبون منهم.

يقول قاضٍ لبناني سابق: "أي تغيير، لقيام دولة قانون فعلية، يجب أن يبدأ من نقطة تكريس سيادة القضاء واستقلاليته في أي ملف. وهذا يبدو من الصعب أن يتحقق في ظل ما نعيشه اليوم في لبنان".

إلى ذلك الحين، فإن انفجار بنعفول، سينضمّ إلى قافلة التفجيرات السابقة من دون حقيقة ولا متهمين ولا قضية. وغداً يوم آخر.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard