انخرط الأرناؤوطيون في المجتمعات العربية، مبتعدين عن التحيز أو العنصرية لقوميتهم، وهذا ما جعل الأجيال اللاحقة تفقد الكثير من المعلومات والحقائق عن أصولها. أما اليوم، فيحاولون البدء بمشوار كان ينبغي أن يخوضه أجدادهم لاستيلاد هوية تجمع بين الاعتزاز بالأصول والاندماج في المجتمع، ساعين لتأسيس رابطة في الأردن تعزز من وجودهم، وتوحد صوتهم للوصول لتمثيل برلماني أسوة بالأقليات الأخرى، ومواجهة الأفكار المغلوطة عنهم وتعريف المجتمع بعاداتهم وتقاليدهم.
الأرناؤوط اسم يطلق على سكان ألبانيا (بلاد البلقان ) الواقعة على بحر البندقية بعد اليونان. وهم هاجروا إلى بلاد الشام على مراحل متعددة. بدأت الهجرة الأولى بعد حرب البلقان (1931 /1912 ) عقب احتلال صربيا ولاية قوصرة، حالهم كحال الشركس والإباضة والبوشناق.
وبعد سيطرة العثمانيين على البلاد العربية، هاجر الكثير من أبناء هذه القومية إلى الدول العربية وأقاموا فيها، ولا يزالون يحتفظون بلقبهم "الأرناؤوط" حتى اليوم، ويتركز انتشارهم في سوريا، لبنان، العراق، الأردن، مصر، تونس، الجزائر. ولعل أكثر ما يميزهم سرعة اندماجهم في المجتمع. إلا أن ذلك كان سبباً في عدم تمسكهم بعاداتهم وتقاليدهم.
انخرط الأرناؤوط في المجتمعات العربية، مبتعدين عن التحيز أو العنصرية لقوميتهم، وهذا ما جعل الأجيال اللاحقة تفقد الكثير من المعلومات والحقائق عن أصولها
شخصية معنوية مفقودة تحد من الوصول البرلماني
يقول أحد الأرناؤوط: "غياب رابطة تجمعنا يحد من وصولنا إلى مجلس النواب، فلا يوجد مقعد مخصص لنا كما الشركس والشيشان، لعدم وجود خصوصية لهويتنا"، مضيفاً: "نطمح إلى أن تكون هناك رابطة واضحة تجمعنا لترسيخ قيمنا وعاداتنا وتقاليدنا".
ويقول حسين أرناؤوط لرصيف22:"غالبية الأرناؤوط في الأردن لا يعرف بعضهم بعضاً. لا مفر من وجود رابطة توحدنا تضمن لنا تمثيلاً برلمانياً".
في هذا الصدد، تقول المحامية إيناس زايد لرصيف22: "يسمح القانون الأردني للأقليات الدينية أو العرقية أو القومية تشكيل روابط خاصة بهم بغض النظر عن عددهم، ويكون ذلك من خلال إجراءات تتمثل في تقديم طلب لمجلس الوزراء أو السلطة التشريعية للمطالبة بحق التمثيل في مجلس النواب".
وتضيف: "تكمن أهمية الرابطة في الحفاظ على تاريخ وثقافة وعادات الأقليات، وفي جمعهم تحت مظلة واحدة وفي نشاطات ثقافية عدة". مؤكدةً أنه عند إنشاء رابطة، تتشكل لدى الأقلية شخصية معنوية يُعرفون بها داخل المجتمع الذي يعيشون فيه، وهي خطوة أولى ومدخل لاستحقاق الحقوق السياسية والاجتماعية والثقافية.
محاولات لإحياء القومية
ممثل مؤسسة صوت الأرناؤوط العالمي للثقافة والفنون في الأردن مصطفى أرناؤوط يقول لرصيف22 إن لفظة الأرناؤوط "دلالة إلى قومية وليست اسم لعائلة من الشام كما يعتقد الكثيرون". ويتابع: "لا توجد أرقام رسمية لعدد الأرناؤوط في الأردن. وفق أرقام المؤسسة يصل عددهم في إلى أربعة آلاف".
يضيف: "سلسة أحداث متتالية سياسية ودينية وفكرية جعلت الألبان يستقرون في بلاد الشام، الأردن وسوريا ولبنان. انخراطهم في هذه المجتمعات أثر على هويتهم الأصلية ". وهذا يتفق مع ما قالته الروائية نور أرناؤوط التي تعتبر أن سمة الأرناؤوط هي الانفتاح والاندماج اللذان جعلاهم لا يبرزون عاداتهم وتقاليدهم.
عند إنشاء رابطة، تتشكل لدى الأقلية شخصية معنوية يُعرفون بها داخل المجتمع الذي يعيشون فيه، وهي خطوة أولى ومدخل لاستحقاق الحقوق السياسية والاجتماعية والثقافية
ويشرح مصطفى: "الأرناؤوط في الأردن فضلوا أن يكونوا ضمن المجتمع الأردني، ولم يظهروا أنفسهم، مما أضاف أعباء كبيرة إلينا كجيل جديد، فرحنا نحيي شيئاً كان يجب أن يحييه أجدادنا "، مضيفاً: "لا ندخر جهداً في التواصل مع أبناء قوميتنا في مختلف البلدان العربية. نسعى للتطور وتحقيق إنجازات مهمة. برزت منا شخصيات معروفة في التعليم والطب مثل نوري شفيق وزير التربية الأسبق وطبيب الغدد وأمراض السكري محمد أرناؤوط".
الحنين إلى العلم الألباني
"دماؤنا أرناؤوطية، وانتماؤنا أردني"، بهذه العبارة بدأت نور أرناؤوط الحديث عن رحلتها في البحث عن ماضٍ يستند إلى حاضر لا يمكن إلغاؤه، رحلة يعوقها نسيان أفراد عائلتها الماضي يقابله انصهار كبير في مجتمع يعيشون فيه، وهو ما دفعها إلى إصدار روايتها الأولى "لعنة فردوس".
تنطلق أحداث الرواية من سؤال راود نور منذ طفولتها وصفته بـ"وعي الانتماء"، إذ كانت تواجه أسئلة كثيرة حول اسم عائلتها وغرابته. لم تستطع الإجابة حينذاك. تقول نور لرصيف22: "في الأردن نحن مواطنون لكن لم يتم أبراز هويتنا. في ألبانيا هويتنا معروفة بمجرد ذكر كلمة أرناؤوط. وهذا يمنحني الثقة بأن أصولي واضحة ولكن أود أن أبرز معالم هويتنا وثقافتنا الألبانيتين".
ويعلّق حسين أرناؤوط: "سافرت إلى ألبانيا لاسترجاع الجنسية الألبانية ولم أنجح، بالرغم من ذلك أعتز بأصولي، وأسعى إلى تعلم اللغة الألبانية، وأقتني العلم الألباني في منزلي في عمان".
العادات في مواجهة الانصهار المجتمعي
تقول الصحافية لانا أرناؤوط لرصيف22 عن العادات الأرناؤوطية الصامدة حتى اليوم: "يحرم الشعب الألباني الزواج من الأقارب مهما كانت درجة القرابة بعيدة، فلا يسمح بزواج أبناء الخالة وأبناء الأعمام وكل من له صلة قرابة بالأسرة".
وتضيف: "شهر رمضان في ألبانيا هو موسم للزواج ومعظم الأعراس تقام فيه، لاعتقادهم بأنه هو شهر البركة، وهم متفائلون بأن العروسين سيبدآن حياتهما سعيدين".
وتقول عن الأطعمة التراثية للأرناؤوط: "الزوبا من حلوياتنا المميزة، يتم تجميعها عن طريق طبقات متناوبة من البسكويت أو كعكة إسفنجية مع كريمة المعجنات، بالإضافة إلى حلوى الكسترد الألبانية، تسمى كريم كراميلي، وهي مصنوعة من الحليب والقشدة وصفار البيض والسكر والفانيليا بنكهة البرتقال أو قشر الليمون والقرفة".
وتكمل: "أما الطعام الأكثر شهرة في ألبانيا (وفي بقية البلقان) فهو الفطيرة المالحة التي تُحشى بالسبانخ. توجد في كل مكان في البلد، بأحجام وأنواع مختلفة".
برغم التهجير والحروب التي ساهمت في انصهار الأرناؤوط في المجتمعات العربية، بقيت الأجيال الجديدة ساعية نحو إظهار قوميتهم وتعزيز وجودهم وتكوين رابطة يستطيعون في ظلها الوصول إلى حضور برلماني ومجتمعي وثقافي.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
نُور السيبانِيّ -
منذ يومالله!
عبد الغني المتوكل -
منذ يومينوالله لم أعد أفهم شيء في هذه الحياة
مستخدم مجهول -
منذ يومينرائع
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ أسبوعتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت