أن تعيش يهودياً في الأردن، يعني أن تحيا في قلق وخوف دائمَين من اكتشاف هويتك التي زوّرتها مُسبقاً حمايةً لنفسك، وأن تُخفي ديانتك أو تغيّرها عند الحديث عن الدين، وأن تمتنع عن القيام بأي شعائر دينية يهودية، أو الحديث عن هويتك الدينية، وأن تسمع الآخرين يشتمون اليهود ويتحدثون بالسوء عنهم ولا تتمكن من نفي ذلك، أو التصحيح لأحدهم بأن هناك فرقاً بين "اليهود" و "الصهاينة" و"الإسرائيليين".
أن تعيش يهودياً في الأردن يعني أن تمتنع عن ذكر اسمك في أثناء المقابلات الصحافية، وتتردد آلاف المرات قبل الحديث عن تجربتك في العيش في تلك البلاد. وحتى لو أحببت الأردن، تظل التجربة التي عشتها فيه قاسيةً وغير منصفة لشخص خشيَ أن يُعامَل على أساس دينه، فأخفاه حتى يحمي حياته. هذا هو ما حدث مع "جاكوب" الذي طلبَ من رصيف22، عدم الكشف عن هويته لحساسية الموضوع.
يروي "جاكوب" إخفاءه لهويته قبل وصوله إلى الأردن، إذ نصحه البعض بفعل ذَلك لحساسية الديانة التي يعتنقها، والخلط الشائع ما بينها وبين "الصهيونية".
عاش "جاكوب" الذي وُلدَ لعائلة يهودية متدينة، بضع سنوات في الأردن، لتعلّم اللغة العربية والاندماج مع الثقافة الأردنية بعد تنقله بين دول عدة قادماً من الولايات المتحدة الأمريكية، حيث يجتمع العديد من اليهود المناصرين للقضية الفلسطينية والمؤيدين لحق الشعب الفلسطيني بطرد الاحتلال من أرضه، والذين شاركوا في العديد من الاحتجاجات المناصرة للقضية والمتضامنة مع الفلسطينيين على خلفية الأحداث الأخيرة في غزة وحي الشيخ جرّاح في القدس، حسب حديثه.
من اليهودية إلى المسيحية
ويروي عن إخفائه هويته قبل وصوله إلى الأردن، إذ نصحه البعض بفعل ذلك لحساسية الديانة التي يعتنقها، والخلط الشائع بينها وبين "الصهيونية"، وذلك لأن الفلسطينيين، والأردنيين من أصول فلسطينية، يشكّلون نسبةً كبيرةً من سكان هذا البلد، بالإضافة إلى الأردنيين المناصرين للقضية الفلسطينية، وقُرب البلدين من بعضهما، وتلك كلها أمورٌ دفعت بـ"جاكوب" للأخذ بنصيحة "إخفاء ديانته" من أجل "العيش بسلام"، قائلاً: "كنت أقول إني مسيحي".
لا يبدي "جاكوب" استياءه من ردة فعل الأردنيين تجاه اليهود، بل يتفهم أن ذلك ناتجٌ عن الخطاب الذي تبنته حكومة الاحتلال بأن إسرائيل أرضٌ لليهود، مؤكداً: "أنا فاهم ليش همه بفكروا هيك، معظم الأردنيين من أصل فلسطيني، وعندهم تاريخ مع الحكومة الإسرائيلية؛ لذلك كنت متفهماً".
ويشدد على كونه غير صهيوني، فهو يهوديٌ داعمٌ للشعب الفلسطيني ضد الاحتلال، بل يواجه صعوبةً في عدم قدرته على زيارة فلسطين للصلاة في الأماكن المقدسة اليهودية، نظراً لقلقه من دعم الاحتلال في حال قام بالزيارة عن طريق إثباته شرعيّة وجود المحتل في الأراضي الفلسطينية، ورضاه عن ذلك من خلال التطبيع معه، لذلك يقول: "بتمنى أروح ع أماكن في القدس بس ما بدي أدعم الاحتلال".
خوف من كشف يهوديته
وعن المواقف العنصرية التي تعرّض لها "جاكوب"، يروي عن ركوبه مع سائق سيارة أُجرة في الأردن استمر في شتم اليهود والحديث عنهم بأنهم يقتلون الفلسطينيين ويريدون الإطاحة بالعرب، موضحاً: "فكرت في سرّي أن اليهود مختلفون عن دولة إسرائيل، بس خفت أقول للسايق"، فيما سمع العديد من الأشخاص يتحدثون عن "حب اليهود للمال"، و"الله يلعن اليهود"، وغيرها من الكلمات التي لم يعتَد على سماعها وحاول تجاهلها خوفاً من كشف هويته.
وعلى الرغم من المعيقات التي واجهها "جاكوب" في الأردن، إلا أنه تمكّن من تشكيل العديد من الصداقات، والاستمتاع بالحياة في البلاد، معبّراً عن حبه للمطاعم الأردنية، والثقافة الأردنية، وللناس في الأردن، وهو ما يدفعه لإخبار الأردنيين في أمريكا عن رحلته إلى الأردن والاستمتاع بها، مستدركاً أنه من الصعب على الأردنيين تقبّل وجود اليهود، لكن من الضروري فهم أن هناك اختلافاً بينهم وبين الصهاينة والإسرائيليين، قائلاً: "من المهم يعرفوا إنه مش كل اليهود بدعموا الصهيونية، في يهود بدهم يشاركوا مع الفلسطينيين عشان نهاية الاحتلال".
أن تعيش يهودياً في الأردن، يعني أن تحيا في قلق وخوف دائمين من اكتشاف هويتك التي زوّرتها مُسبقاً حمايةً لنفسك، أن تُخفي ديانتك أو تغيرها حين الحديث عن الدين، وأن تمتنع عن القيام بأي شعائر دينية يهودية أو الحديث عن هويتك الدينية
استغلال اليهود
يقول الأمين العام لحزب جبهة العمل الإسلامي، مراد العضايلة، لرصيف22، إن "من الصعب التمييز بين اليهود والصهاينة، إذ لا توجد علامةٌ تميّزُ أياً منهما، لذا فالتعامل مع أي يهودي هو تعاملٌ مع صهيوني، إلا إذا أعرب عن موقفه بشكل واضح، والذين يفعلون ذلك عددهم قليل".
ويضيف: "أغلبية اليهود في العالم مؤيدون للاحتلال وأفعاله، في حين أنَّ قلّةً قليلةً منهم يناصرون الشعب الفلسطيني". وأشار العضايلة إلى وجود استغلال واضح لليهود كإحدى أدوات تمرير المشروع الغربي في المنطقة.
لم يتواجدوا في الأردن
لا يعلن اليهود عادةً عن ديانتهم أو هويتهم بشكل واضح في الأردن، وهو ما يجعل من الصعوبة حصر أعدادهم أو معرفة وجودهم، إلا أنَّهم لم يتواجدوا في الدولة الأردنية قبل عام 1948، وليس لهم تاريخ وحضور فيها الآن ولا في الأمس، كما في دول عربية أخرى.
ينفي رئيس الوزراء الأردني الأسبق، طاهر المصري، لرصيف22، علاقة الأردن بالمعتقد الديني للأشخاص؛ إذ لا تحكم الدولة على الشخص من خلال دينه ولا تقيّمه بناءً عليه، فالجنسية هي الأمر المهم، قائلاً: "العديد من الوزراء والمسؤولين الأمريكيين من أصل يهودي جاؤوا إلى الأردن بشكل طبيعي، إلا أنَّ البعض منهم قد لا يحب الإعلان عن هويته، لكن لا مشكلة لدى الدولة الأردنية مع الديانة اليهودية".
ويبيّن أن لا وجود تاريخياً لليهود في الأردن، إذ لا عائلات يهوديةً عاشت هناك إطلاقاً، خاصةً مع صعوبة إخفاء مثل هذه المعلومات في حال وُجدت، لأن البلد مجتمعه عشائري؛ أي أن كل شخص معروف فيه ما هو أصله.
حمادة الفراعنة، المختص بالشأن الإسرائيلي: "هذا ناتجٌ عن العداء ونجاح الصهيونية في تسويق فكرة أن جميع اليهود في العالم منتمين للحركة الصهيونية، على الرغم من أن العديد من اليهود ضد الاحتلال"
لماذا لا يوجد يهود في الأردن؟
يوضح المختص بالشأن الإسرائيلي، حمادة الفراعنة، لرصيف22، أنَّ البداوة والفلاحة كانتا طاغيتين على الحياة في الأردن، في حين كان اليهود رجال أعمال ومستثمرين، لذا لم يكن الأردن جاذباً لهم، وهو ما حال دون وجودهم فيه بينما كانوا موجودين في بعض المناطق العربية ومن ضمنها فلسطين التي كانت مليئةً بالتطوّر والانفتاح على أوروبا.
ويلفت إلى عدم تعمّق العديد من الأردنيين وعدم إدراكهم الفرق بين الإسرائيلي والصهيوني واليهودي، قائلاً: "هذا ناتجٌ عن العداء ونجاح الصهيونية في تسويق فكرة أن جميع اليهود في العالم منتمون إلى الحركة الصهيونية، على الرغم من أن العديد من الشبان اليهود ضد الاحتلال".
الأردنيون واليهود
يشرح أُستاذ علم الاجتماع، حسين الخزاعي، لرصيف22، صعوبة تقبّل الأردنيين لليهود، ومحاولة التفريق بينهم وبين الإسرائيليين والصهاينة.
ويشير إلى أنَّ اليهود خارج فلسطين مندمجون مع الشعوب الأخرى، مضيفاً: "أما اليهود الذين يعيشون بيننا، فنحن لا نعرفهم، وهم مستمرون في إخفاء هويتهم، خوفاً من أن يلحقهم أذى".
ويبيّن الخزاعي أن العديد من الأردنيين يتعاملون بأريحية مع اليهود في الخارج من دون النظر إلى ديانتهم أو الصورة النمطية المبنية عنهم، لذا فإن العيش في المجتمع الأردني يساهم في تعزيز هذه الصورة.
لم تتسنَّ لنا معرفة عدد اليهود في الأردن، فهم في غالبيتهم يخفون هوياتهم، حمايةً لأنفسهم، إلا أنَّ السؤال الثابت هو: لماذا لا يعيش اليهود حياتهم ويمارسون عقيدتهم بلا أذى؟ وإلى متى سيظل التضييق عليهم؟ متى سيتمكن جاكوب من قول "أنا يهودي" دون أن يملأه شعورٌ بالخوف والتردد!
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...