شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
مخيم جنين… صامد برغم عقود من استهداف إسرائيل وتهميش

مخيم جنين… صامد برغم عقود من استهداف إسرائيل وتهميش "السلطة"

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

السبت 9 أبريل 202204:12 م

عام 1953، بُني  "مخيم جنين" ليستوعب الفلسطينيين المهجّرين من حيفا وجبال الكرمل، وذلك غرب مدينة جنين وفوق قطع من الأرض استأجرتها وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (الأونروا) من الحكومة الأردنية.

بمرور الوقت، أصبح المخيم، الذي تبلغ مساحته راهناً 0.42 كيلومتر مربع (نحو 473 دونماً)، ثاني أكبر مخيمات الضفة الغربية من حيث عدد السكان بعد مخيم بلاطة، ويسكنه نحو 16 ألف لاجئ بحسب الأونروا، فيما تقديرات أخرى تُشير إلى أن عدد سكانه نحو 27 ألفاً.

منذ تأسيسه، ظل المخيم لاعباً رئيسياً في المعارك ضد الاحتلال الإسرائيلي بالضفة، وهو الأمر الذي نبع من تاريخ مدينة جنين في مناهضة الاحتلال حتى قبل سنوات طويلة من إنشاء المخيم، بدايةً من الثورة الفلسطينية الكبرى (ثورة عز الدين القسام) عام 1936 التي انطلقت من قرى جنين حيث احتضنها أهلها وآمنوا بها، و"معركة جنين" الشهيرة التي خاضها الجيش العراقي دفاعاً عن أرض فلسطين عام 1948، وغيرهما.

في سبعينيات القرن الماضي وثمانينياته، ترسخت مكانة المخيم كمعقل لمناهضة الاحتلال والاشتباك المتكرر مع الجيش الإسرائيلي. وهو ما أدى إلى انتهاج إسرائيل سياسة شديدة العنف والقمع ضده، وقد تجلّت هذا السياسة في "مجزرة جنين" عام 2002 التي ارتكبها الجيش الإسرائيلي بمحاصرة المخيم واقتحامه وتنفيذ عملية عسكرية شاملة أسفرت عن سقوط 52 من أبناء المخيم، ومقتل 23 جندياً إسرائيلياً.

تبقى هذه المجزرة من أبرز الأحداث في تاريخ المخيم إذ لا تزال تلقي بظلالها على حياة سكانه، بل تعتبر الأونروا عدم القدرة على إصلاح الأضرار الكبيرة الناجمة عنها من "المشكلات الرئيسية" لسكان المخيم إلى الآن.

من ثورة عز الدين القسام إلى احتضان أسرى نفق الحرية… تطورات تاريخية منحت مخيم جنين "تمايزاً خاصاً" و"رمزية استثنائية" في محيطه الفلسطيني، مع الإقرار التام بأنها كانت أيضاً عاملاً رئيسياً في نكبة سكانه

وتقول تقديرات فلسطينية إن عدد الضحايا الفلسطينيين في مخيم جنين راوح بين 400 و500 قتيل، بينهم مقاتلون ومدنيون، مع إشارة إلى تنفيذ عمليات إعدام بلا محاكمة، ونقل جثث إلى أماكن غير معروفة خارج المدينة.

ومما ساهم في تعاظم الخسائر آنذاك، منع الجيش الإسرائيلي دخول سيارات الإسعاف والعاملين في القطاع الطبي والإنساني المخيم مدة 10 أيام، بالإضافة إلى قطع الكهرباء وإمدادات المياه والخدمات الحيوية الأخرى عن المخيم.

علاوة على الخسائر البشرية، أسفرت المجزرة عن تدمير 150 منزلاً بشكل كامل، فيما باتت عشرات المنازل غير صالحة للعيش بفعل تدميرها الجزئي، وتشريد نحو 435 عائلة.

حتى مع وجود خطط لإعادة بناء المخيم، وتبرع دول لتوسعته، لم يكن ذلك ممكناً في ظل الاجتياحات الإسرائيلية وحالات فرض حظر التجول والإغلاقات المتكررة من قبل إسرائيل أيضاً. بلغ الأمر أن قتل قناص إسرائيلي مدير مشروع إعادة إعمار المخيم، إيان هوك، نهاية عام 2002 خلال ممارسته عمله في مجمع الأونروا بالمخيم.

وجسدت عدة أعمال أدبية وفنية المجزرة التي وقعت في المخيم والدمار الذي خلفته، وأشدها تأثيراً فيلم "جنين جنين" للمخرج الفلسطيني محمد بكري، وفيلم "أولاد آرنا" للمخرج الإسرائيلي جوليانو مير خميس، ومسلسل "الاجتياح" للمخرج الراحل حاتم علي، ورواية "جنين 2002" للكاتب أنور حامد.

منذ ذلك الحين، استمر اسم مخيم جنين في الظهور في الأحداث الوطنية الكبرى مثل انتفاضة الحجارة عام 1987، وانتفاضة الأقصى عام 2000، ومعركة "سيف القدس" الأخيرة والهبة الشعبية في أيار/ مايو 2021، والاشتباك مع الجيش الإسرائيلي خلال عمليات الاقتحام المتكررة، بذرائع مختلفة، بينها اعتقال مطلوبين في حركات فلسطينية مسلحة، أو في العمليات التي ينفذها أبناؤه داخل المدن الإسرائيلية وآخرها عملية تل أبيب التي أسفرت عن مقتل إسرائيليين وإصابة 12 آخرين قبل يومين. 

عقب 70 عاماً على إنشائه، ورغم كثافته السكانية العالية، يفتقر مخيم جنين إلى الخدمات الحيوية المتعلقة بالتعليم والصحة، ويعاني سكانه البطالة والفقر. وهو ما يراه البعض سبباً يعمّق الشعور بالاضطهاد والرغبة في التمرد لديهم

وقبل بضعة أشهر، رسّخ نجاح ستة أسرى من المحكومين بالمؤبد في سجن غلبوع الإسرائيلي الشديد التحصين، جلهم من جنين، (هم: محمود العارضة، ومحمد العارضة، ومناضل نفيعات، وزكريا الزبيدي، ويعقوب قادري، وأيهم كممجي)، واحتماء اثنين منهم في المخيم، الصورة الذهنية للمخيم كمصدر لـ"المقاومة المنتصرة، والعزة والفخر" لدى الفلسطينيين، حسبما تُظهر منشوراتهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

قمع "السلطة" يضاعف معاناة السكان 

تلك التطورات كلها منحت المخيم "تمايزاً خاصاً" و"رمزية استثنائية" في محيطه الفلسطيني، مع الإقرار التام بأنها عامل رئيسي أيضاً في نكبة سكانه وما يتعرضون له من عنف وتهميش وفقر وانعدام للأمن.

فبالرغم من الأثر الكبير للاستهداف الإسرائيلي المتكرر للمخيم على أوضاع سكانه الاقتصادية والاجتماعية، فإن السلطة الفلسطينية التي امتلكت السيطرة على المخيم رسمياً منتصف تسعينيات القرن الماضي متهمة بالمساهمة في مضاعفة معاناة سكانه بفعل التهميش والإهمال. يقال أيضاً إن الإهمال والتهميش يأتيان في إطار محاولات تركيع المخيم والسيطرة على سكانه.

في ورقة بحثية لبوابة اللاجئين الفلسطينيين، نُشرت الشهر الفائت، ورد أن "التحول الأبرز في علاقة السلطة الفلسطينية بمخيم جنين تمثلت في قبول السلطة بالبرنامج الدولي لـ‘إصلاحها‘ عقب عملية السور الواقي… على نحو شمل تبني مواقف وسياسات تسعى لتغيير مجتمع المخيم بما يدين كل ما يمثله المخيم في الإطار الوطني" وذلك يشمل إعادة توصيف المقاومة في المخيم بوصفها فلتاناً أمنياً تعالجه حملات أمنية وتسويات تشمل تدبير "عفو" من سلطات الاحتلال عن المطلوبين الفلسطينيين الملاحقين مقابل التزامهم شروطاً تلغي دورهم في مواجهة الاحتلال.

برغم الأثر الكبير للاستهداف الإسرائيلي المتكرر لمخيم جنين على حياة سكانه، فإن للقمع والتهميش اللذين تمارسهما السلطة الفلسطينية بحق سكانه، علاوة على عدم القيام بجهد تنموي حقيقي هناك، ضرراً بالغاً

وأضافت الورقة أن برامج المانحين التي نفذتها مؤسسات فلسطينية تحت رعاية السلطة ركزت على ترسيخ فكرة "عدم جدوى الفعل المسلح"، وأن "سياسات الاحتواء التي مارستها السلطة في المخيم لم تشمل بعداً تنموياً حقيقياً".

وعقب نحو 70 عاماً على إنشائه، ومع كثافة سكانه العالية، لا يوجد في المخيم سوى  خمس مدارس لجميع المراحل التعليمية، ومركز توزيع أغذية واحد، ومركز صحي واحد، ووحدة علاج طبيعي واحدة، ومركز إعادة تأهيل مجتمعي واحد، ومركز تنمية نسائية واحد، وفق الأونروا.

وفيما يعمل الكثير من سكان المخيم في القطاع الزراعي في المناطق المحيطة بجنين، يعاني نحو ربع سكانه البطالة، وتشكو غالبيتهم ضعف الطلب وزيادة المديونية.

حتى فرص العمل المتاحة هي في أدنى السلم الاجتماعي والاقتصادي الفلسطيني. لذا انتشرت مصطلحات تمييزية عنصرية بين أبناء المخيم مثل "التايلندية" في إشارة إلى أن عمالتهم "رخيصة في سوق العمل الإسرائيلي" تعادل العمالة الأجنبية في بعض الدول الخليجية. وهو ما يرى فيه مراقبون سبباً يعمّق شعور الاضطهاد والرغبة في التمرد لدى سكان المخيم.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image