شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
رواية من فلسطين: جنين 2002

رواية من فلسطين: جنين 2002

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الثلاثاء 31 مايو 201612:52 ص

لحسة من مربّى المشمش المصنّع منزلياً، ستكون اللحسة التي قصمت ظهر شكوك "ديفيد"، الشاب اليهودي، وستكون تلك اللحظة التي يتذوق فيها المربى هي اللحظة التي ستشكّل فاصلاً بين مرحلتين في حياته.

يختار الكاتب الفلسطيني أنور حامد مخيم جنين مكاناً لروايته، ويختار عام 2002 زمناً لها، ليسرد أحداثها في كراستَي يوميات، الأولى لشاب يهودي والثانية لشابة فلسطينية.

تبدأ الحكاية مع "ديفيد" الشاب الذي يعيش في يافا مع أسرته، والذي يحاول البحث عن إجابات للأسئلة التي تغزو رأسه: من بنى المنزل الذي يسكنه، وأين هم الآن، هل فعلاً أن اليهود أصحاب حق، وأن الفلسطينيين كلهم إرهابيون؟

أسئلة لا تنتهي، وحيرة تتزايد مع كل سؤال، وسرعان ما تأتي ساعة المواجهة حين تصله دعوة للالتحاق بجيش الدفاع الإسرائيلي، فيختار بعد تفكير… الرضوخ: "لم تكن أفكاري من الصلابة والرسوخ بحيث تدفعني لاتخاذ موقف أدفع ثمناً له، رفض الخدمة العسكرية مثلاً ودخول السجن. لا، أبداً، إيماني بالوطن وحقنا بالوجود هنا كان بديهياً، لكني لم أفلح في الوصول إلى حالة استبعاد الآخر تماماً من المعادلة، أسوة ببقية أصدقائي".

يسرد الكاتب على لسان بطله الذي يؤدي خدمته العسكرية الانتهاكات والفظاعات وترويع الأهالي الذي يمارسه الجيش الإسرائيلي بحق القاطنين في مخيم جنين، مما يعظم التساؤلات والقلق لدى ديفيد وهو يرى بعينه كل ذلك، لكنه لا يستطيع الوصول إلى يقين بشأن أي شيء، إلى أن يسيطروا على المخيم ويقتحموه، فيجد في أحد البيوت صوراً لفرقة مسرحية، وفي بيت آخر شابة ميتة وإلى جانبها كرّاس يوميات ملطخ بالدماء، وفي مطبخها وعاء مربى مشمش، يتذوقه قبل أن يغادر المنزل حاملاً كراستها. "منذ تلك اللحظة بدأت أدخل البيوت بوعي مختلف وأرى محتوياتها بعين أخرى"، "طعم مربى المشمش الذي تذوقته في ذلك المنزل يلسعني، يذكرني أن عائلة كانت تسكن هناك".

يستفيد الروائي من شخصيتين حقيقيتين في بناء روايته، هما "آرنا مير" الناشطة اليهودية التي ناضلت من أجل حقوق الفلسطينيين، إذ يكتشف ديفيد بعد انتهاء خدمته أن الصور التي حصل عليها هي صور تدريب على مسرحيات تديرها آرنا التي أسست مسرح الأطفال في جنين. أما الشخصية الثانية التي يوظفها الكاتب ويخلق أحداثاً متخيّلة يشركها فيها، فهي "جوليانو مير خميس"، ابن آرنا، الذي سيتابع مسيرة والدته فيؤسس "مسرح الحرية" في مخيم جنين. ينوّه الكاتب في بداية الرواية إلى أن استخدامه لهذه الشخصية الحقيقية جاء بسبب تأثيرها القوي في حياة بعض الأهالي في المخيم، ولكنه يؤكد "أحداث الرواية، بما فيها تلك التي تمس جوليانو، هي من صنع الخيال، مع استخدام بعض المعلومات الحقيقية".

يسرد أنور حامد تفاصيل الرواية على شكل كرّاستَي يوميات. تشرح اليوميات الأولى الخاصة بـديفيد كيف وصلت إلى يده اليوميات الثانية الخاصة بـأريج الشايب والتي عنونتها بـ"يوميات الحصار"، وكتبتها أثناء وجودها في بيت جدتها عندما حاصر الجيش الإسرائيلي المخيم.

أريج شابة في السابعة عشرة من عمرها، تحكي بلغتها الحميمة والدافئة يومياتها العابقة برائحة الذكريات القديمة في فلسطين، الوطن الذي ولدت وكبرت فيه. تحكي عن الطفولة، الحب الأول وبراءته، العادات اليومية في بيت العائلة، الحياة الداخلية في ظل الاحتلال والقسوة في الخارج، الجدة والحلوى الفلسطينية التي تصنعها في الأعياد: "في كل عيد فطر كانت تأتي إلى منزلنا في الوقفة الكبيرة، وتبدأ "بطبع" الكلاج منذ الصباح، ونحن نتراكض حولها بفرح"، "أما مصدر اللذة في ليالي الشتاء فهو اجتماع العائلة بكامل أفرادها في الصالة، حول كانون النار، وإبريق الشاي بالميرمية".

يورد الكاتب الكثير من الحوارات باللهجة المحلية من خلال يوميات "أريج" فيعبّر عن مكنونات وأوجاع وأحلام أكثر من شخصية في عائلتها أو أصدقائها وعوائلهم. تتحول يوميات أريج الشايب إلى هوسٍ لدى ديفيد، فهو يريد نشرها ليقرأ العالم بأسره أن داخل هذا المخيم الذي تهدمه القوات الإسرائيلية وتقتل أفراده حياة كاملة، وأن هناك أناساً يعيشون ويحبون ويمارسون حياتهم كأي شخص آخر، وليس صحيحاً أنهم إرهابيون. خاصة أن هذه اليوميات تعيد إلى ذاكرته يوميات "آنا فرانك" الفتاة اليهودية الألمانية التي تم نشر مذكراتها  وأصبحت واحدة من أكثر ضحايا الهولوكوست شهرة. يطرح الراوي سؤاله الأكثر إيلاماً: "لم يتعظ العالم من يوميات آنا فرانك، فهل هناك أمل أن يتعلم شيئاً من يوميات أريج الشايب؟".

أنور حامد، روائي وشاعر وناقد فلسطيني، ولد في بلدة عنبتا في الضفة الغربية عام 1957. نشر قصائده وقصصه المبكرة في جريدتي القدس والفجر. يكتب بثلاث لغات: العربية، المجرية، والإنجليزية، وهو يحمل درجة الماجستير في "نظرية الأدب".

له خمس روايات، هي: "حجارة الألم" التي صدرت أولاً بالمجرية في بودابست، ثم بالعربية. "شهرزاد تقطف الزعتر في عنبتا"، "جسور وشروخ وطيور لا تحلق"، "يافا تعد قهوة الصباح" التي رشحت للقائمة الطويلة في الجائزة العالمية للرواية العربية (البوكر) عام 2013، وأخيراً "جنين 2002".

مراجعة رواية جنين 2002 - معلومات عن الرواية


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image