شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
بين النكات الذكورية والاغتصاب... حروب تطارد أجساد النساء أينما وُجدن

بين النكات الذكورية والاغتصاب... حروب تطارد أجساد النساء أينما وُجدن

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الاثنين 4 أبريل 202201:36 م

أظنّ أنّ التاريخ ينسى أسماءنا وأعدادنا ويمرّ على ذكرنا، إن مّر، مرور الطيف السريع... ويتناسى ذكر ما حلّ بأشلائنا وأجسادنا، ويبقى الفاعل غير مدانٍ لا من قبل التاريخ، ولا من قبل الشعب أو القانون. هكذا قصص النساء ضحايا الحرب والاغتصاب والناجيات من العبوديّة الجنسية والإتجار بالبشر خلال الحروب تُنسى، كما نسي العالم الأيزيديات، والسوريات، والأفغانيات، والعديدات منّا من مختلف الأعراق، وبقيت المفاضلة بين أجسادنا وحدها القائمة، تلك المبنيّة على الصور النمطيّة والتي تتفاوت بين بلد وآخر، وعلى معايير جماليّة أجسادنا المنتهَكة التي تحاصرها الحروب. أجسادنا التي تقام عليها المعارك والمجازر وأفعال الحروب من دون أن يحاكَم أو يجرَّم أحد، ونبقى نحن الضحايا والناجيات وحدنا عالقات فيها.

أجسادنا التي تقام عليها المعارك والمجازر وأفعال الحروب من دون أن يحاكَم أو يجرَّم أحد، ونبقى نحن الضحايا والناجيات وحدنا عالقات فيها.

إلى جانب ما تشكّله مواقع التواصل الاجتماعي من تسويقٍ لأجساد النساء خلال الحروب وتسليعٍ لها، كذلك تتشارك وتتعاون مع الإعلام المروّج للسلطة لبثّ الخوف والترهيب، خاصةً ذلك الذي يمارَس على النساء. فلطالما لاحظنا أنّ العديدات من الإعلاميّات، والنائبات، والناشطات، والمواطنات تعرّضن للكثير من التهديدات والكلام الذكوري النابي الذي يطال كرامة النساء وحياتهن الخاصّة، وهذا ما يمكن أن نلتمسه من خلال التعليقات التي تنهال على منشوراتٍ كلّما كانت المعضّلة سياسيّةً، بالإضافة إلى التعليقات والرسائل الموجّهة التي تحلّل أجسادنا للسبيّ والاغتصاب، والذي يمكن أن يأتي حاملاً شكل القوة والسلطة الفوقيّة على أجسادنا، كالتي كان يستخدمها بعض من جمهور حزب الله من باب التهويل والتخويف الممارَس ضدّ النساء والذي ينهال علينا بشعارات تخوينيّة وترهيب كلما حاول بعضنا انتقاد تدخّله في سوريا، بحيث بات منتشراً القول إنه: "لولا الحزب لكان داعش فات عليكن واغتصبكن".

ولأنّ مجتمعات إنسانيّةً عديدةً تدرك ما ينجم عن الحرب من عنف ممارَس ضدّ النساء، تكثر النداءات والدعوات لحماية اللاجئات من الاستغلال والإتجار بالبشر، لا لأنّ جرائم الحرب ليست محصورةً فقط بتلك التي تُرتكب عسكريّاً في ميادين الحرب، بل أيضاً تلك التي تحوّل مآسي الحرب إلى سخرية، وتبيح أجساد النساء وتجعلها ملكاً للنكات الذكوريّة.

تعليقات ورسائل موجّهة تحلّل أجسادنا للسبيّ والاغتصاب، تأتي حاملة شكل القوة والسلطة الفوقيّة على أجسادنا، كالتي كان يستخدمها بعض من جمهور حزب الله من باب التخويف الممارَس ضدّ النساء والذي ينهال علينا بشعارات تخوينيّة كلما حاول بعضنا انتقاد تدخّله في سوريا، بحيث بات منتشراً القول إنه: "لولا الحزب لكان داعش فات عليكن واغتصبكن"

ففي الوقت التي حملت فيه نساء أوكرانيا أطفالاً، هاربات من القصف، وودّعن أزواجهن قبل انضمامهم إلى قوافل القتال، كان خلف شاشات الهواتف رجال تحرّكهم غرائزهم أمام العيون الزرقاء والشعر الأشقر، ويدعون إلى استقبال اللاجئات الأوكرانيّات، ويرمون نكاتهم التي تحمل رائحة أنفاسهم الذكوريّة الكريهة، وبعضهم الآخر يحوّلوهم علناً إلى بائعات هوى قبل وصولهن إلى بلاد اللجوء. ومع اشتداد الحرب الروسية على أوكرانيا، تحوّلت الأوكرانيات إلى غنائم حرب لبيوت الدعارة، فقد أشارت منظمة "فيمن" في فرع ألمانيا، إلى أنّ الاستغلال الجنسي للّاجئات الأوكرانيات تصاعد مع بداية الحرب، بحيث استخدمت العديد من شبكات الإتجار بالبشر هذا الوضع لإجبار النساء الأوكرانيات على العبودية الجنسية، بالإضافة إلى أن تجار البشر باتوا يحرسون حدود ألمانيا بهدف إلقاء اللاجئات قسراً في شبكاتهم، وآخرين يختبئون وراء شبكات المتطوعين لاستدراج اللاجئات الأوكرانيات ثم بيعهن، إلى جانب تسهيل إجراءات دخولهن إلى هذا القطاع. هذا وذكّرت منظمة "فيمن" في ألمانيا بأن احترام حقوق الإنسان هو التزام أساسي لجميع الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، من خلال التعريف القانوني للاغتصاب في أثناء الحرب، ويُعدّ الاتحاد الأوروبي متواطئاً في الجرائم ضد الإنسانية إذا لم يتصدَ لهذه الشبكات التي حوّلت اللاجئات إلى غنائم حرب جنسية لبيوت الدعارة الأوروبية.

ففي الوقت التي حملت فيه نساء أوكرانيا أطفالاً، هاربات من القصف، كان خلف شاشات الهواتف رجال تحرّكهم غرائزهم أمام العيون الزرقاء والشعر الأشقر.

هذا السيناريو هو نفسه الذي حدث في لبنان مع وفود اللاجئات السوريات بعد اشتداد الحرب في سوريا، بحيث شرّع بعض الرجال اللبنانيين وغير اللبنانيين لأنفسهم إباحة أجساد اللاجئات السوريات لغرائزهم، فتحوّل هروبهن من سوريا إلى لبنان، من هروب من حرب إلى عبوديّة جنسيّة، فبات بعض الرجال يعرضون المال أو المساعدة على اللاجئات مقابل الحصول على الجنس، مستغلين الفقر المدقع الذي تعاني منه اللاجئات أو قدومهن من دون أزواجهن الذين قُتلوا في أثناء الحرب، أو تمّ إخفائهم قسراً. أذكر هنا أنّني كثيراً ما سمعت في محيطي، جاراتنا ينصحن الرجال بالزواج من سوريّة: "أرخصلك، وبتقبل بأي شي"، ورجالاً يتسابقون على البحث عن سوريات حسناوات لإمتاع غرائزهم، بمعنى آخر كانت هذه المشاهد والحوارات سبياً للّاجئات السوريات تحت مظلّة "الحلال" المغطاة بالزواج الديني، أو العرفي، أو زواج المتعة، بالإضافة إلى العديد من شبكات الإتجار بالبشر وبيوت الدعارة التي سمعنا عنها في تلك الفترة، بحيث استُغلّ العديد من اللاجئات السوريات وأُجبرن قسراً على ممارسة الجنس، ومن بينهن طفلات قاصرات.

وهو نفسه السيناريو الذي شرّعته ميليشيات الحرب الأهليّة اللبنانيّة في سنوات الحرب اللبنانية التي بدأت في عام 1975، وفي مجزرة صبرا وشاتيلا عام 1985، وكلّ هذا من دون أن يحاسَب أحد منهم على جرائم الاغتصاب التي ارتُكبت في حقّ النساء والفتيات، بل بات زعماء الحرب والمغتصبون (حتّى لو لم يرتكبوا هم أنفسهم الجرم إلا أنّهم شاركوا في التستّر عليه)، يتمتّعون بمناصب حكوميّة رفيعة المستوى، ويبسطون سلطتهم على شعب بأكمله ببزّة رسميّة فوق بزّاتهم العسكريّة الميليشياويّة.

بين سندان الحرب ومطرقة العبوديّة الجنسية تتعدّد أشكال العنف الجنسي الممارَس ضدّ النساء. بعضهم يمارسونه عبر تسليع أجساد النساء عبر مواقع التواصل الاجتماعي، بما يرونه "خفّة دم"، أو "فتح قلوبهم للّاجئات"، وبعضهم الآخر في ميادين الحرب، كالذي تمارسه "طالبان" و"بوكو حرام" و"الدولة الإسلامية" (داعش)، من اغتصاب، وقتل جماعيّ، وقطع نهود النساء والتنكيل بأجسادهن. أمّا البعض الآخر فهم أصحاب شبكات الدعارة والإتجار بالبشر، بالإضافة إلى الذين يدفنون جرائم الحرب ويتبوّؤون مناصب حكوميّةً. جميع الذين ذُكروا، هم متشابهون في الذهنيّة والعقيدة، ومتشاركون في الجريمة.

بين سندان الحرب ومطرقة العبوديّة الجنسية تتعدّد أشكال العنف الجنسي الممارَس ضدّ النساء. بعضهم يمارسونه عبر تسليع أجساد النساء عبر مواقع التواصل الاجتماعي، بما يرونه "خفّة دم"، أو "فتح قلوبهم للّاجئات"، وبعضهم الآخر في ميادين الحرب، كالذي تمارسه "طالبان" و"بوكو حرام" و"داعش"

وأمام تلك المفاضلة بين اللبنانيات، والسوريات، والعراقيات، والفلسطينيات، والأوكرانيات، وجميع اللاجئات في مختلف بلدان العالم، وأمام تسليع أجسادنا والإساءة إليها من قبل الغرب والعرب، الحقيقة واحدة فقط، في الحرب كما في السلم: أجسادنا ليست للبيع ولا يحقّ لكم استخدامها في حروبكم كتكتيكات وتهويلات، ولا يحقّ لكم استعمارها.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image