شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
لن نخاف من تشويه صورة الثورة إذا مرّت فوق أجساد النساء

لن نخاف من تشويه صورة الثورة إذا مرّت فوق أجساد النساء

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الخميس 11 فبراير 202112:58 م

كنا طيبين وسذجاً عندما قامت الثورة، كنا نعتبرها ثورة على النظام، وعلى آبائنا وقيمهم القديمة.

عرفته في إحدى الحركات السياسية. جمعتنا ثورة يناير، الحلم المشترك والتمرد على الأهل. اتفقنا على الزواج كي نتحرّر من آبائنا. كان عمري عندها 25 عاماً، كان يدّعي بأنه "فيمينست" (نسوي) ويساند حقوق المرأة.

 انتشرت بعد الثورة حالات الزواج "بلا ولا شي"، اعتقدنا أنه بوسعنا التغلب على أشكال الزواج التقليدية، والزواج تقريباً بدون نقود وبدون إجراء طقوس الزواج التي تكلف آلاف الجنيهات، والعيش في عش العصافير... كنا تحت تأثير الحالة الثورية التي اعتقدنا أن بوسعها تغيير العالم. 

كنا طيبين وسذجاً عندما قامت الثورة، كنا نعتبرها ثورة على النظام، وعلى آبائنا وقيمهم القديمة.

لكن سرعان ما عرفت أنني لن أستطيع العيش دون مساعدة أهلي، وسرعان ما ظهر الوجه الآخر للفيمينست، الثوري، مدّعي التقدمية. وجدت أنه شخص عنيف وخائن، يتطاول على زوجته، أي أنا، باللفظ والفعل، ويترك على جسدي ووجهي كدمات زرقاء وبنفسجية، وأنه سلطوي، لا يقبل بأن تصادق زوجته الرجال.

فشلت الثورة وفشل معها الزواج، فهو لم يصمد أمام الحالة الاقتصادية وأمام التعنيف والضرب. كنت قد وضعت شرطاً في عقد الزواج يضمن لي الحق بتطليق نفسي، وهو ما استخدمته لاحقاً.

فتاة مستقلة تعيش بمفردها في القاهرة هو أمر شائك جداً، كنت أتكتم على معلومة أنني مطلقة، كي أتفادى نظرة البواب والأصدقاء الجدد، ومع ذلك كنت أتفاجئ بعروض جنسية شتى، ففتاة تعيش بمفردها يجعلها هدفاً رائعاً "لمثقفي وسط البلد".

"في هجوم على حريم" 

تعتبر المرأة العاملة في المجال العام مستباحة، فيمكن لأي شخص أن يلمسها. كانت الأقاويل وقت الثورة إنه لا وقت للمطالب الفئوية، وكان الغالب وقتها هو ألا نلوث سمعة الميدان بالحديث عن حالات التحرش، على الرغم من تعرض الصحفية لارا لوغان لاعتداء جنسي عنيف يوم تنحّي مبارك، في الحادي عشر من شباط/ فبراير 2011، من قبل مجموعة من أكثر من 40 رجلاً، أثناء تغطيتها للأحداث من ميدان التحرير. 

وفي يوم 8 آذار/مارس 2011، اليوم العالمي للمرأة، قمنا بمسيرة نسائية تطلب دستوراً مدنياً يلغي كافة أشكال التمييز. تم التحرش بها والتحرش بالنساء، وطُلب منا أن نغادر الميدان، ثم تعرضت المسيرة للهجوم. كنت أغض الطرف عن حوادث فردية، مثل تعرضي للتحرش في ميدان التحرير، ومنع الألتراس الفتيات من البيات في أحد اعتصاماتهم وشرب السجائر.

حتى نُشرت رسالة مجهولة لحادثة اغتصاب جماعي في ميدان التحرير، يوم 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2012، والتي قوبلت بالإنكار: "فلا يمكن لشباب الثورة الطاهر أن يقوم بحوادث تحرش". بعدها ظهرت الناجية مع محمود سعد، لتحكي حادثة الاغتصاب الجماعي التي تعرضت لها في التحرير.

فشلت الثورة وفشل معها الزواج، فهو لم يصمد أمام الحالة الاقتصادية وأمام التعنيف والضرب. كنت قد وضعت شرطاً في عقد الزواج يضمن لي الحق بتطليق نفسي، وهو ما استخدمته لاحقاً

اعتداءات واغتصابات جماعية على الهواء

وفقاً لمؤسسة "نظرة للدراسات النسوية" فإنه "بعد سقوط مبارك، سُجّلت اعتداءات كثيرة على النساء، وفي الأيام الأولى لحكم المجلس العسكري، كانت النساء اللاتي يُقبض عليهن يتعرّضن لكشوف عذرية، وسُجّلت اعتداءات كثيرة على نساء شاركن في المظاهرات في الفترة بعد سقوط مبارك، كما ظهرت أولى بلاغات الاغتصاب الجماعي في التحرير.

وفي ظل حكم محمد مرسي، تم الإبلاغ بشكل منتظم عن حالات اعتداءات جنسية وقعت أثناء المظاهرات في التحرير. وقد ذكرت الناجيات أن هذه الاعتداءات ممنهجة، يقوم فيها عشرات الرجال بحصار الناجيات، يمزقون ثيابهن ويمسكون بأجسادهن. تعرض بعضهن للاغتصاب من قبل عدد من الجناة، الذين كان كثير منهم مسلحاً بالعصي والآلات الحادة وأسلحة أخرى، وقد أخفقت قوات الأمن في التدخل لحماية المتظاهرات، ما أدى لظهور حركات للمواطنين لتنظيم دوريات الأمن الخاص بهم".

 وقد نشرت مؤسسة "نظرة للدراسات النسوية" بياناً في 9 تموز/يونيو 2014، يفيد بأن جرائم العنف الجنسي طالت 500 ناجية، خلال الفترة من شباط/فبراير 2011 إلى كانون الثاني/يناير 2014، والتي شملت اغتصابات جماعية، واعتداءات جنسية جماعية بالآلات الحادة والأصابع.

 لم يكن الوضع أفضل بعد قيام ثورة 30 يونيو، ومنذ أن وصل نظام الرئيس السيسي للحكم في 3 تموز/يوليو 2013، سُجّلت أكثر من 85 حالة اعتداء جنسي، منها حالات اغتصاب جسيمة، وحدث ذلك في ميدان التحرير. 

وفي 25 كانون الثاني/يناير 2014، حدث اعتداء من مجموعة من الأفراد على متظاهرة في التحرير، وبُثّ هذا الاعتداء على الهواء مباشرة. كما تمت الاعتداءات على يد أفراد من الأمن في 16 آب/أغسطس 2013، عندما داهمت قوات الأمن مسجد التوحيد، وتم الاعتداء على 20 امرأة، على يد عناصر من قوات الأمن الخاصة. 

وفي 26 تشرين الثاني/نوفمبر 2013، قامت الشرطة بتفريق مظاهرة بالقوة من أمام مجلس الشورى بالقاهرة، وقبضت على متظاهرات وتعرضن لاعتداءات بدنية وجنسية. وطالبت القوى السياسية بضرورة تعديل المواد 267 و268 في قانون العقوبات المصري، ليشمل تعريف مفصل وواضح للاغتصاب، ليشمل الاغتصاب الفموي والشرجي، والاغتصاب بالآلات الحادة والأصابع، ووضع تعريف وواضح للاعتداء الجنسي.

عرفنا بعد حين، أن بعض شركاء الميدان، رفاق الثورة وأعضاء المجتمع المدني، يمكن أن يكونوا متحرشين وينتهكوا أجساد النساء، وأننا لن نخاف من تشويه صورة الثورة إذا مرت فوق أجسادنا

هاشتاج متحرش

بعد قيام حركة me too، الثورة النسوية المصغرة، بدأت شهادات عن متحرشين بالتواتر، شهادات ترجع لسنوات، لم تمتلك النساء الشجاعة حينها لكي يحكين. 

وفي تموز/يوليو 2020، نشرت مدونة تدعى "دفتر حكايات" شهادات مجهولة لوقائع تحرش، اعتداء جنسي واغتصاب، لتشارك شهادات لناجيات من العنف الجنسي، شهادتهن حول ما مررن به من التعافي، ضد عاملين في المجال الحقوقي، الحقل الثقافي، السينمائي وآخرين.

قوبلت الشهادات بالتشكيك حيناً والاستنكار حيناً آخر، ولوم للضحية على وثوقها في الجاني في أغلب الأحيان، لكن المدونة أيضا خلقت حلقة دعم للناجيات، فالكثيرات يعلقن بأنهن يصدقن الناجيات ويدعمونهن. 

عرفنا بعد حين، أن بعض شركاء الميدان، رفاق الثورة وأعضاء المجتمع المدني، يمكن أن يكونوا متحرشين وينتهكوا أجساد النساء، وأننا لن نخاف من تشويه صورة الثورة إذا مرت فوق أجسادنا.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image