شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
عالم يحكمه التستوستيرون

عالم يحكمه التستوستيرون

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الاثنين 7 مارس 202204:49 م

غالباً ما أُفجع بردود أفعال بعض الرجال عند الحروب، والتلميحات الجنسية التي تطال نساء الدول المحتلة، أو الدول التي تعاني من حروب قاسية، إذ ينام العالم على مأساة ويستيقظ الرجال على تساؤلات حول كيفية الحصول على النساء المشرّدات. يتصرّف بعض الرجال وكأنّ المشهد لديهم لا يحوي إلا صوراً لنساء يرغبون فيهنّ، من دون الالتفات إلى الكارثة الحقيقية التي يواجهها هذا الشعب، من تهجير وتشريد، ومن دون النظر إلى التاريخ المليء بصور مروّعة عن الحروب. إنّ التاريخ دائماً ما يثبت أن النساء هنّ من يدفعن ثمن الحروب أضعافاً مضاعفةً.

هل التعامل مع أجساد النساء والتلميح لاغتصابهن مادة للسخرية حقاً كما يفعل الرجال العرب الآن مع النساء الأوكرانيات؟

إنّ ما يحدث اليوم مع النساء الأوكرانيات، وما حدث مسبقاً مع النساء السوريات والنساء اللواتي شاركن في المظاهرات اللبنانية ليس جديداً.

ويُذكر أنه في الحرب العالمية الثانية، عام 1945، تم اغتصاب أكثر من مليوني سيدة ألمانية -في فترة لا تتجاوز ثمانية أشهر- وتتراوح أعمار السيدات المغتصَبات بين عشرة أعوام وثمانين عاماً من دون رحمة، إذ تم اغتصاب بعضهن أكثر من سبعين مرّةً.

 يتصرّف بعض الرجال وكأنّ المشهد لديهم لا يحوي إلا صوراً لنساء يرغبون فيهنّ، من دون الالتفات إلى الكارثة الحقيقية التي يواجهها هذا الشعب، من تهجير وتشريد، ومن دون النظر إلى التاريخ المليء بصور مروّعة عن الحروب

أكثر من مليوني سيدة تعرّضن للاغتصاب، والتي عارضت، أُعدمت. وقد شهدت برلين وحدها أكثر من مئة ألف عملية اغتصاب. وشهدت روسيا وبوميرانيا وسيليزيا أكثر من مليون وأربعمئة ألف عملية اغتصاب. وهناك أكثر من مئتي ألف سيدة فارقن الحياة نتيجةً للأمراض والالتهابات التي لاحقتهن جرّاء عمليات الاغتصاب. وشهدت المستشفيات الألمانية يومياً مئات الآلاف من حالات الإجهاض. ولم تنتهِ عمليات الاغتصاب تماماً في ألمانيا إلا في شهر كانون الثاني/ يناير عام 1948.

ولم تنجُ النساء الفرنسيات من عمليات الاغتصاب أيضاً. فخلال غزو "نورماندي"، التي وقعت بين قوات الحلفاء ضد ألمانيا في الحرب العالمية الثانية، وعملية "دراغون" (غزو جنوب فرنسا) عام 1944، قام الجنود الأمريكيون باغتصاب مئات الفتيات.

كما شهدت البوسنة خلال حربها مع الهرسك عمليات اغتصاب لأكثر من 50 ألف امرأة، حسب تقارير الأمم المتحدة.

وبين عامي 1998 و1999، أي خلال الحرب بين الميليشيات الألبانية والصربية، تم اغتصاب نحو 20 ألف امرأة في جمهورية "كوسوفو" الأوروبية، ولم تتم محاكمة أحد في هذا الشأن.

إنّ التاريخ دائماً ما يثبت أن النساء هنّ من يدفعن ثمن الحروب أضعافاً مضاعفةً.

كما كان يتم استخدام النساء اليابانيات في مجال المتعة لإرضاء الجنود اليابانيين جنسياً في أثناء الحرب العالمية الثانية، فكانت القيادة العسكرية تظن أن ذلك سيساعد الجنود على القتال بشكل أفضل.

ولم تقف هذه الجرائم عند الحروب فحسب، فقد أصبحت بعض البلاد تتعامل مع ظاهرة العنف الجنسي كأمر عادي، مثل جمهورية الكونغو الديموقراطية، حيث يتم اغتصاب النساء من قِبل المدنيين ورجال الشرطة. ولم تختفِ حالات الاغتصاب تماماً، بل قلّت نسبة النساء اللواتي يتعرضن للعنف الجنسي بنسبة 4.8%؜ فقط.

وإنْ كنتَ تحسب أنّ الأمر بعيد عنك، فأريد أن أخبرك بالأحداث التي شهدتها مصر في 30 آذار/ مارس عام 1919.

في قرية "الشوبك" التابعة لمركز "البدرشين" في محافظة الجيزة، يروي كتاب "مذكرات عبد الرحمن فهمى يوميات مصر السياسية"، الجزء الأول ص 196، أنّه في أثناء هجوم البريطانيين على القرية، نهبوا كل ما فيها، ولم تسلم النساء منهم أيضاً. ويسرد لنا الكاتب إحدى القصص التي تحكي كيف أنّ البريطانيين، في أثناء هجومهم على أحد المنازل، قاموا بالتعرض لإحدى السيدات، وتُدعى وافدة بنت الجابري، وحين حاولت الهرب منهم، لحقوا بها، فأرادت الاحتماء بابنها الرضيع الذي يبلغ من العمر عاماً، بهدف أنْ يليّن هذا قلوبهم، ولكن كان ذلك بلا فائدة، إذ أطلقوا الرصاص على ابنها، وقاموا باغتصابها.

في قرية "الشوبك" التابعة لمركز "البدرشين" في محافظة الجيزة، يروي كتاب "مذكرات عبد الرحمن فهمى يوميات مصر السياسية"، الجزء الأول ص 196، أنّه في أثناء هجوم البريطانيين على القرية، نهبوا كل ما فيها، ولم تسلم النساء منهم أيضاً

ولم تكن هذه هي القصة الوحيدة لاغتصاب نساء البدرشين، بل هناك العديد غيرها.

وبعد كل هذه الإحصائيات والحروب المروعة، لا زال الرجال يرون في الأمر مادةً للسخرية، وفرصةً للتعبير عن رغباتهم الجنسية، وما زال العالم يحكمه هرمون التستوستيرون لدى الرجال للإطاحة بالنساء.

من جانبي، لا أرى أنّ السخرية تقلّ في شيء عن عمليات الاغتصاب، والفرق بين ذاك الذي يمازح، وذاك الذي يغتصب، هو أنّ الثاني في يده سلاح وسلطة. فيا عزيزي القارئ، إذا كنت لا تزال ترى في الحرب مادةً للسخرية، فعليك أن تراجع إنسانيتك. 


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image