شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!

"المحكمة الاتحادية" في العراق... تشبّث بالدستور أم محاولة للعب دور سياسي؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الأربعاء 30 مارس 202212:51 م

ظهر في الأشهر الأخيرة لاعب جديد على الساحة السياسية العراقية، وهو المحكمة الاتحادية العليا التي دخلت ضمن لعبة الصراع السياسي في البلاد. لم يكن يُعرف في السابق أنه يُمكن للمحكمة أن تلعب هذا الدور الذي يرى البعض أنه "تجاوز حدود التفسير والفصل في المنازعات بين مؤسسات الدولة والرقابة الدستورية للقوانين".

تُتهم المحكمة بأنها عمّقت الخلافات السياسية بين الأحزاب العراقية عقب الانتخابات التشريعية الأخيرة التي جرت في العاشر من تشرين الأول/ أكتوبر 2021، خاصةً بعد تفسيراتها المتعلقة بـ"الثلث المعطل" و"الكتلة الأكبر" في مجلس النواب التي يمكنها أن تُشكل الحكومة.

بعد هذا الدخول القوي للمحكمة في الأزمة السياسية، يُعتقد بأن متغيراتٍ كثيرةً قد تحدث بفعل تفسيراتها وقراراتها الأخيرة، كونها أعلى سلطة قضائية في البلاد. ومع بروز دورها مؤخراً، تُثار العديد من الأسئلة، أبرزها، احتمال استغلال المحكمة من قبل أطراف سياسية ضد أخرى، خاصةً مع بروز قوى مقربة من إيران تدعم المحكمة اليوم، بعد سنوات من اتهامها بالتسييس.

تدخّل وضغوط

ففي السابع من آذار/ مارس الحالي، أصدرت المحكمة الاتحادية العليا توضيحاً بشأن قرارها الذي أصدرته في الثاني من الشهر نفسه، والقاضي بإلغاء لجنة مكافحة الفساد التي شكلها رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي بأمر ديواني في آب/ أغسطس 2020.

لكن التوضيح تضمّن تفاصيل لا تتعلق بعمل المحكمة الاتحادية وفقاً لقانونها لسنة 2005 المعدل في عام 2021، والذي حدد دورها في الفصل في المنازاعات وتفسير المواد الدستورية وغيرها، وتدخل في تحديد مواصفات الذين يجب أن يتسلّموا مناصب حكوميةً، وهو ما يشير إلى ذهابها في اتجاه معيّن، خاصةً وأنها لمّحت إلى تقييم العملية السياسية في العراق.

تُتهم المحكمة بأنها عمّقت الخلافات السياسية بين الأحزاب العراقية عقب الانتخابات، خاصةً بعد تفسيراتها المتعلقة بـ"الثلث المعطل" و"الكتلة الأكبر"

وذكرت المحكمة في بيانها التوضيحي، أن "العامل الرئيسي لمكافحة الفساد يتمثل في ضرورة وجود إرادة سياسية لمواجهته من خلال استئصال أسبابه وتصفية الآثار المترتبة عليه، وأن الفساد إذا كان هامشياً فإن ذلك يدل على وجود إرادة سياسية قوية تؤمن برفعة الوطن وخير المواطن. أما انتشار الفساد فإنه يدل على ضعف تلك الإرادة وعدم امتلاكها القدرة على بناء الوطن بشكل صحيح".

كان هذا الجزء من التوضيح الذي قد لا يكون مبرراً في بيان المحكمة، بمثابة ضربة إلى حكومة مصطفى الكاظمي التي رفعت شعار "محاربة الفساد" من خلال اللجنة التي شكلها وقادها وكيل وزارة الداخلية لشؤون الاستخبارات الفريق أحمد أبو رغيف.

وقال محسن الشمري، وهو وزير سابق عن التيار الصدري، خلال مقابلة تلفزيونية في التاسع من الشهر الحالي، إن "المحكمة الاتحادية العليا في العراق، تتعرض لضغوط"، لكنه لم يسمِّ الأطراف التي تمارس الضغوط، إلا أنه لمّح إلى الأطراف القريبة من إيران في إشارة إلى "الإطار التنسيقي" المعترض على نتائج الانتخابات.

المراضاة

ظهر الإطار وحلفاؤه ووسائل الإعلام التابعة للأطراف المكونة له، في الأيام الأخيرة، وهم يدافعون عن قرارات المحكمة التي هاجموها بعد موافقتها على نتائج الانتخابات الأخيرة، وهذا ما يعني أن قراراتها توافقت مع سياساتهم.

يقول مستشار المركز العراقي للدراسات الإستراتيجية، يحيى الكبيسي، لرصيف22، إن "زيادة نشاط المحكمة الاتحادية يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالصراع القائم في العراق. فالمحكمة الاتحادية فشلت منذ لحظة تأسيسها في أن تكون خارج سياق اللعبة السياسية، بل كانت دائماً جزءاً منها، ورضوخها لتتحول إلى أداة سياسية يستخدمها الفاعل السياسي الأقوى عندما يعجز عن تمرير إرادته عبر الأدوات السياسية الأخرى".

اضطرت المحكمة الاتحادية إلى أن تغير القواعد التي تحكمها، فبدلاً من الانصياع لإرادة واحدة، صارت إرضاء الفاعلين جميعاً، عبر قرارات إشكالية، فكلما غضب طرف من قرار، ألحقته بقرار آخر لترضيه وهكذا

يُضيف: "أما اليوم، فلم يعد هناك فاعل سياسي أقوى، بل نحن أمام فاعلين متصارعين، ما اضطر المحكمة الاتحادية إلى أن تغير القواعد التي تحكمها، فبدلاً من الانصياع لإرادة واحدة، اضطرت إلى اعتماد سياسة جديدة تتمثل في محاولة إرضاء هؤلاء الفاعلين جميعاً، عبر قرارات إشكالية، فكلما غضب طرف من قرار، ألحقته بقرار آخر لترضيه وهكذا".

ويشير الكبيسي إلى أن "الأمر لا يتعلق بالصراع مع الحكومة فحسب، بل بمجمل الصراعات الدائرة في العراق اليوم. والصراع المفتوح مع حكومة الكاظمي، في أحد أوجهه، ليس سوى استمرار للصراع بين الصدريين والإطار التنسيقي. فالإطار يعتقد أن مقتدى الصدر ليس مستعجلاً لتشكيل الحكومة ما دام يسيطر على حكومة الكاظمي وقراراتها، وتالياً لا بد من شلّ الحكومة من أجل الضغط على الصدر للقبول بشراكة مع الإطار في تشكيل الحكومة".

ضرب التحالفات

لعبت المحكمة دوراً كبيراً في ضرب التحالف الثلاثي الذي يضم مقتدى الصدر ومسعود بارزاني ومحمد الحلبوسي، عندما منعت هوشيار زيباري مرشح الحزب الديموقراطي الكوردستاني بزعامة بارزاني من الترشح لرئاسة الجمهورية، وأتاحت بذلك فرصة التجديد لبرهم صالح الذي تفيد تقارير بأن إيران تدعم بقاءه لولاية جديدة.

يقول هيثم نعمان، وهو أستاذ الاتصال والعلاقات الدولية في الجامعة الخليجية في البحرين، لرصيف22: "هناك جهد دولي واضح يسعى إلى تقويم الأوضاع السياسية والاقتصادية في العراق وتصحيحها تدريجياً تلافياً لأي تكرار لحركة شعبية تكون أعقد من حركة تشرين 2019 وتؤدي إلى تغييرات جذرية".

اقتربت المحكمة من الأطراف الشيعية بشكل كبير في الفترة الأخيرة، خاصةً عندما أصدرت التفسير المتعلق بانعقاد جلسة انتخاب رئيس الجمهورية وابتكرت ما يُسمّى "الثلث المعطل"

ويضيف: "سلوك المحكمة الاتحادية في هذه الفترة التي لا توجد فيها حكومة فعلية، هو عملية إلغاء لكل الاتفاقيات السياسية المعقودة بين الكرد كلاعب سياسي، وحزب الدعوة (الشيعي) الذي شكل الحكومات السابقة، بغية الانتقال إلى مرحلة سياسية بنموذج جديد يسمّى أغلبيةً ويكون الصدريون في الواجهة السياسية، وتالياً عقد اتفاقيات جديدة قد تصحح أخطاء كبيرةً ارتُكبت في السابق".

يُلمّح نعمان إلى الدور الذي باتت تلعبه المحكمة الاتحادية العليا مؤخراً، ومحاولة فرض سيطرتها على العملية السياسية من خلال زج نفسها في الصراع السياسي الموجود في العراق، ونستطيع القول حالياً، إن "المحكمة الاتحادية، هي حاكم فعلي حقيقي في البلاد، خاصةً مع وجود حكومة مؤقتة مهمّتها تصريف الأعمال وليست حكومة أصالة".

"الثلث المعطّل"

اقتربت المحكمة من الأطراف الشيعية بشكل كبير في الفترة الأخيرة، خاصةً عندما أصدرت التفسير المتعلق بانعقاد جلسة انتخاب رئيس الجمهورية وابتكرت ما يُسمّى "الثلث المعطل" الذي يخلّ بنصاب الجلسة. أي أن حضور أقل من 220 نائباً للجلسة من أصل 329 لا يحقق النصاب، وهو ما يسمح لقِوى "الإطار التنسيقي" بإفشال الجلسة لأنها تمتلك وفقاً لأرقامها نحو 130 نائباً.

حدث ذلك فعلاً، عندما لم يتمكن الصدر وبارزاني والحلبوسي من اختيار رئيس جمهورية في الجلسة التي عُقدت يوم السبت الماضي، بالرغم من أنهم قالوا إن "عدد الحاضرين للجلسة من كتلهم وبعض المستقلين وصل إلى مئتين ونائبَين". حرمهم تفسير المحكمة بشأن "الثلث المعطل"، من المضي في اختيار رئيس جمهورية جديد وتشكيل الحكومة.

يحاول القانونيون أن يضعوا ما تقوم به المحكمة الاتحادية ضمن مسؤولياتها في تطبيق الدستور، فيما يرى كُثر أنها أصبحت الحاكم الحقيقي في البلاد، خاصةً مع وجود حكومة مؤقتة مهمّتها تصريف الأعمال 

يقول قاضٍ غير مخوّل بالحديث إلى الإعلام، بشكل مقتضب، لرصيف22، إن "المحكمة الاتحادية بعيدة عن الصراعات السياسية، ولا تعمل بالمزاجيات ولن ترضخ لضغوط أحد. لديها قانون ودستور تسير وفقاً لما ينصّان عليه، لا أكثر".

يرى خبراء في الشأن السياسي أن المحكمة الاتحادية "تُستثمَر" من قبل فاعلين سياسيين أقوياء في العراق، وأنها تخضع لإراداتهم. ومع هذا الدور الكبير للمحكمة، فإننا أمام صراع سيأخذ مدى ليس قصيراً، صراع تحول من حزبي إلى مؤسساتي تُستخدم فيه السُلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية.

في المحصلة، دخلت المحكمة الاتحادية بقوّة إلى الأزمة السياسية، من كونها "مُحكّمةً" إلى طرف غير مباشر، لكن هناك من يرى دورها الحالي "سد فراغ لمنع انزلاق البلد إلى ظروف أسوأ".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard
Popup Image