يُخفي مُهنّد (43 عاماً)، ميوله الجنسية منذ أكثر من 25 عاماً. يعيش في مدينة عراقية يرفض أن نُحددها، ويحاول أن يُبعد عنه كل ما يمكن أن يشير إليه وإلى ميوله، وكل ما يمكن أن يجعله مرئياً في مجتمع لن يتقبله، بل قد يقتله، كما حصل مع كثر من مجتمع الميم-عين في العراق.
يبحث اليوم، كما كان يفعل طوال الأعوام الماضية، عن أي فرصة توصله إلى أي دولة تسمح له بممارسة حريته. يرغب في تغيير اسمه إلى اسم أنثى، كذلك يرغب في ارتداء ملابس نسائية وأن يجلس أمام المرآة ليضع مستحضرات التجميل. يريد حياةً يستطيع أن ينتمي إليها وأن يعيشها ويشعر بأنه يقوم بما يجعله هو، وليس ذلك المتخفي عن عائلته الصغيرة إلى المجتمع ككل.
يقول مهند لرصيف22: "حين أصبح خارج هذا البلد، سأغيب عن عائلتي ولن أبلغهم أنني تحولت إلى امراة بالرغم من أنني سأعيش كذلك، لأنني أخشى أن يتعرضوا لتهديد وأن أُحمّلهم ما لا يسعهم تحمّله في مجتمعنا"، ويضيف: "عندما أسمع عن قتل شاب في العراق بسبب ميوله الجنسية، أحزن كثيراً وأخاف في الوقت نفسه لأنني أدرك أنني في خطر دائم وأنه ليس أمامي سوى الهروب أو انتظار الموت، وكل ما أريده هو أن أكون أنا، فكل إنسان يجب أن يقرر ما يريد في حياته بحرية وأمان".
أصدرت منظمة هيومن رايتس ووتش، تقريراً موسعاً قبل أيام وثّقت فيه شهادات عشرات المنتمين إلى مجتمع الميم-عين في العراق، والانتهاكات التي تحصل في حقهم
تختلف أساليب العنف التي يتعرض لها أفراد مجتمع الميم-عين عين في العراق، والذي سجل أعمال عنف طالت الكثير من الشباب بسبب انتمائهم إلى هذا المجتمع، وفي بعض الأحيان، مورس هذا العنف حتى على الذين لم يعلنوا عن ميولهم الجنسية، ومجرد الاشتباه بانتماء أي كان إلى مجتمع الميم-عين كفيل بأن يحوله/ ها إلى هدف، فيما احتفظ تنظيم داعش بأساليب قتل مختلفة، ونعرف بعضاً منها لأنه جاهر بها، لمن يشتبه في كونهم من مجتمع الميم-عين، بعدما ألقى ببعضهم من فوق أسطح المباني.
هيومن رايتس توثّق
أصدرت منظمة هيومن رايتس ووتش، تقريراً موسعاً قبل أيام وثّقت فيه شهادات عشرات المنتمين إلى مجتمع الميم-عين في العراق، والانتهاكات التي تحصل في حقهم، واتهمت المنظمة "جماعاتٍ مسلحةً في العراق باختطاف عابرين وعابرات ومثليين ومثليات ومزدوجي الميول الجنسية واغتصابهم وتعذيبهم وقتلهم"، من دون أن يُعاقَبوا على ارتكاباتهم.
وقالت المنظمة إن الحكومة العراقية فشلت في محاسبة الجناة، واتهمت الشرطة وقوات الأمن العراقية بالتواطؤ في كثير من الأحيان لمضاعفة أعمال العنف ضد مجتمع الميم-عين، واعتقال أفراد بسبب مظهرهم، ونشرت المنظمة في تقريرها صورةً تفيد بأن أفراد مجتمع الميم-عين محاصرون من اتجاهات عدة، من بينها العنف الشديد من أفراد الأسرة والمضايقات في الشوارع والاستهداف الرقمي والمضايقات من جانب جماعات مسلحة على مواقع التواصل الاجتماعي وتطبيقات المواعدة بين المثليين/ات.
وتقول رشا يونس، الباحثة في حقوق مجتمع الميم-عين في قسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في هيومن رايتس ووتش، إن "الأشخاص المدافعين عن حقوق مجتمع الميم-عين والمنظمات في معظم أنحاء الشرق الأوسط وشمال إفريقيا يواجهون العنف والتمييز وهناك قوانين تجرّم العلاقات المثلية في معظم دول المنطقة".
عندما أسمع عن قتل شاب في العراق بسبب ميوله الجنسية، أحزن كثيراً وأخاف في الوقت نفسه لأنني أدرك أنني في خطر دائم وأنه ليس أمامي سوى الهروب أو انتظار الموت
وتضيف: "بعض الدول التي لا تفعل ذلك تستخدم قوانين أخرى لاستهداف المثليين. وأفراد مجتمع الميم-عين العراقيون يعيشون خوفاً دائماً من مطاردتهم وقتلهم من قبل الجماعات المسلحة من دون عقاب، فضلاً عن الاعتقال والعنف من قبل الشرطة العراقية، ما يجعل حياتهم لا تطاق ولم تفعل الحكومة العراقية شيئاً لوقف العنف أو محاسبة المنتهكين".
ويُوثق التقرير، حسب هيومن رايتس، "حالات محاولة قتل أفراد مجتمع الميم-عين على أيدي جماعات مسلحة تابعة للحشد الشعبي، والتي تخضع اسمياً لسيطرة رئيس الوزراء، وحالات اختطاف، وقتل خارج نطاق القضاء، وعنف جنسي، واستهداف على الإنترنت لأفراد مجتمع الميم-عين على يد الشرطة والجماعات المسلحة".
وخلُصت هيومن رايتس ووتش إلى أن الحكومة العراقية مسؤولة عن حماية حقوق مجتمع الميم-عين في الحياة والأمن، لكنها تقاعست عن محاسبة المسؤولين عن العنف.
ونفى اللواء خالد المهنا المتحدث باسم وزارة الداخلية العراقية، وقوع اعتداءات من قوات الأمن على مجتمع الميم-عين، كما رفض قائد في الحشد الشعبي -اتصلت به الأسوشيتدبرس- هذه الاتهامات، قائلاً إن أي عنف محتمل يكون من جانب عائلاتهم.
ويشير تقرير هيوم رايتس إلى أن "قدرة أفراد مجتمع الميم-عين واستعدادهم لإبلاغ الشرطة عن الانتهاكات التي يتعرضون لها، أو تقديم شكاوى ضد موظفي إنفاذ القانون، يعوقها مزيج من أحكام الأخلاق فضفاضة التعريف في قانون العقوبات العراقي وغياب أنظمة الشكاوى الموثوقة وتشريعاتها لحمايتهم من التمييز وهذا خلق بيئةً يمكن فيها للجهات الحكومية المسلحة، بمن فيهم الشرطة، أن تسيء إليهم من دون عقاب".
الخوف الدائم
ويقول اثنان من مجتمع الميم-عين قابلتهما الأسوشيتدبرس في بغداد، أحدهما ثنائي الميل الجنسي، والأخرى مثلية، إنهما يخافان من بث صورهما على تطبيقات المواعدة المثلية، خشية استخدامها ضدهما، وتحدثا بشرط عدم الكشف عن هويتهما خوفاً من انتقام الجماعات المسلحة وعائلتيهما، وقالا إن الخوف من الابتزاز منتشر بين أفراد مجتمع الميم-عين في العراق.
ويقول ثنائي الميل الجنسي وهو مخرج يعيش في بغداد: "عندما أختار أن أتحدث مع أحد عن ميولي، أتساءل: هل يمكنني الوثوق به أم سيستخدم هذا الأمر ضدي؟"، ويضيف: "عشت في خوف طوال حياتي منذ أن أعلنت عن ميولي الجنسية".
الحكومة العراقية مسؤولة عن حماية حقوق مجتمع الميم-عين في الحياة والأمن، لكنها تقاعست عن محاسبة المسؤولين عن العنف
وتقول المرأة المثلية وهي موظفة في سفارة أجنبية، إنها وثّقت فقط في عدد قليل من الأصدقاء المقربين، وعندما سئلت عن أسوأ ما يمكن أن يحدث لها إذا أعلنت عن ميولها لأسرتها، قالت: "سيقتلونني".
وشهدت محافظة دهوك في العراق، جريمةً بشعةً أواخر شهر كانون الثاني/ يناير الماضي، إذ أقدم شاب على قتل شقيقه العابر جنسياً والذي يبلغ من العمر 23 عاماً، وقال مدير ناحية مانكيش حيث وُجدت الضحية، بريندار دوسكي، لشبكة "رووداو"، إن "عائلة الضحية أبلغت قوات الشرطة عن إقدامها على قتل ابنها (العابر جنسياً)، وزودتهم بمكان وجود الجثة في قرية بابوخكي"، وتداولت معلومات أن شقيق العابر جنسياً أتى من أوروبا ونفّذ جريمته بعلم العائلة ورضاها.
وطالبت بعثة الأمم المتحدة في العراق حكومة إقليم كردستان بملاحقة المشتبه به، مشيرةً إلى أن الكراهية والتمييز وما يُدعى بجرائم الشرف، لا مكان لها في المجتمعات الديمقراطية، والتحقيق والمساءلة أساسيان لمنع مثل هذه الجرائم المروعة تحت أي ذريعة.
القانون يحاسبهم
لم يشرّع العراق قانوناً يحمي حقوق المثليين/ات أو العابرين/ات جنسياً، بل إن قانون العقوبات العراقي يحاسبهم ويُنزل بهم عقوبةً توازي عقوبة المغتصبين، ويقول عضو المفوضية العليا لحقوق الإنسان في العراق، أنس العزاوي، لرصيف22، إن "القوانين العراقية ومنها قانون العقوبات لعام 1969 المعدل، جميعها حددت العقوبات على حالات مجتمع الميم-عين بالتساوي مع حالات الاغتصاب وتراوحت بالسجن من سبع سنوات إلى السجن المؤبد في الحالات المشددة".
وجدير بالذكر أن الدولة العراقية لم تصادق على أي اتفاقية أو معاهدة لها علاقة بحقوق المثليين/ات، بذريعة أنها تعارض الشريعة الإسلامية وأحكام دستور العراق.
ويضيف: "الرفض المجتمعي للمثليين والمثليات والعابرين/ات جنسياً، تُرجم بأساليب عنف متنوعة (قتل، تعذيب، تشهير، وتشويه)، وفي بعض الأحيان اعتمد هذا العنف على فتاوى دينية أو أجندات سياسية وهذا ما دفع الكثيرين منهم إلى النزوح إلى إقليم كردستان أو الاستعانة ببعض البعثات الدبلوماسية التي تدعم حقوق المثليين/ات أو الهجرة بالاستفادة من المنظمات الدولية".
وترفض غالبية العراقيين مجرد الحديث عن مجتمع الميم-عين الذي يعاني من الاضطهاد الممنهج، والذي يبحث غالبية أفراده عن فرصة للهرب إلى دولة تعترف بحقوقهم، لا أن يبقوا أسرى الخوف من إظهار حقيقتهم.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ 3 ساعات??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 23 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون