عقب عقود من الإنكار، اضطر جهاز الأمن العام الإسرائيلي (الشاباك) إلى الإفصاح عن وثائق تكشف عن بعض انتهاكات حقوق الإنسان المروعة التي ارتكبتها إسرائيل في معتقل الخيّام الذي أسسته وأدارته في جنوب لبنان 15 عاماً، بما في ذلك الصعق بالكهرباء والتجويع والحرمان من العلاج والاعتقال مدداً طويلة دون مسوغ قانوني.
وفق تقرير لصحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، نُشر الأربعاء 23 آذار/ مارس، أُرغم الشاباك على نشر الوثائق الأرشيفية لأول مرة إثر تقدم عدد من نشطاء حقوق الإنسان بالتماس إلى المحكمة العليا في إسرائيل بغية رفع السرية عنها وفضح "التعذيب والعقوبات القاسية واللا إنسانية" ضد المعتقلين العرب.
"جريمة ضد الإنسانية"
أُنشئ المعتقل عام 1985، أي عقب ثلاث سنوات من الاجتياح الإسرائيلي للبنان، في بلدة الخيام الجنوبية القريبة من الحدود مع دولة إسرائيل.وُصف بـ"الجحيم" وما جرى فيه بـ"جريمة ضد الإنسانية"... الشاباك يكشف وثائق تُبرهن على دور إسرائيل في إدارة معتقل الخيام (جنوب لبنان)، وتورطها في الانتهاكات المروعة التي شهدها من تعذيب وتجويع وصعق بالكهرباء للمعتقلين العربوبينما تَعاقب مئات المعتقلين الفلسطينيين واللبنانيين عليه، تُشير الوثائق الإسرائيلية إلى أن ما بين 250 و300 معتقل على الأقل احتُجِزوا فيه لصلاتهم المزعومة بتنظيمات سياسية لبنانية وفلسطينية، منها حركة أمل وحزب الله وحركة فتح وغيرها.
وشدد المحامي الحقوقي الإسرائيلي الذي قدّم التماس نشر الوثائق على أنه "بالتعاون مع جيش لبنان الجنوبي، أدار الجيش الإسرائيلي والشاباك مركز اعتقال وتعذيب" في الخيام، وأن "التعذيب الذي مورس في معتقل الخيام يشكل ‘جريمة ضد الإنسانية‘"، وأن "الوثائق التي كُشف عنها صادمة، لكنها لا تعكس سوى لمحة عابرة إلى الجحيم التي أداروها هنا".
في حين ينطلق أول إجراءات التقاضي حول الالتماس الشهر المقبل، سمح الشاباك بنشر جزء يسير من الوثائق. وتعهد المحامي الإسرائيليمواصلة العمل حتى "نشر جميع الوثائق للجمهور وتقديم المسؤولين عن الفظائع إلى العدالة".
انتهاكات مروعة
وجاء في وثيقة بعنوان "منشأة الخيام… تقييم للوضع" تعود إلى عام 1987: "لم تؤخذ اعترافات المعتقلين في المنشأة، ولم يخضعوا لمحاكمة، ولا يوجد أمر اعتقال بحقهم، وتتوقف مدة احتجازهم على خطورة أفعالهم من دون أي تحديد أجل لبقائهم فيها". وينتهك الاحتجاز إلى أجل غير مسمى ودون محاكمة القانون الدولي.تطرقت إحدى الوثائق إلى عدم شرعية اعتقال إسرائيل واستجوابها مواطنين لبنانيين على الأراضي اللبنانية، وأظهرت اعتراف إسرائيل بـ"المشكلة الدبلوماسية/ القانونية" لإدارتها مرفق الاحتجازوتحدثت وثيقة أخرى عن معتقلة متهمة بـ"الارتباط بحزب الله" اللبناني، مع إشارة إلى "تعرضها للصعق بالكهرباء المتصلة بإحدى أصابع يدها" أثناء استجوابها. وذكرت وثيقة أخرى وجود "عشرات المعتقلات" اللواتي تعرضن أحياناً للاستجواب من قبل محققين من دون وجود شرطيات عسكريات كما كان متبعاً.
وبيّنت وثيقة من عام 1988 إضراب المعتقلين احتجاجاً على تجويعهم و"نقص الطعام" المقدم لهم من إدارة السجن، مع إشارة إلى أن الطعام المقدم يكفي 24 معتقلاً، فيما عدد المعتقلين آنذاك 260. وأشارت وثيقة من نفس السنة إلى إضراب عن الطعام ليوم واحد بسبب نقص الطعام والتكدس الشديد في المعتقل.
وناقشت وثيقة من عام 1997 المشاكل الطبية للمعتقلين، خاصةً مع وجود عدد من المعتقلين "حياتهم في خطر"، وهذا ما كان يؤجل قرارات الإفراج عن البعض منهم أحياناً. وفق الوثيقة نفسها، كان الطبيب يزور السجن مرة في الأسبوع "أو بدعوة محددة"، مع إمكان استدعاء طبيب إسرائيلي في حالات استثنائية "في الحالات الحساسة" في نظر الإسرائيليين.
وفي وثيقة من عام 1997، أقر مصدر إسرائيلي، أصر على حجب اسمه ومنصبه، بأن "المشكلات الطبية كانت معروفة على مر السنين"، مؤكداً أن قرارات الإفراج عن المعتقلين المرضى ينبغي أن تعود دائماً إلى المسؤولين الإسرائيليين وليس إلى معاونيهم اللبنانيين الذين قد تتضارب مصالحهم مع إسرائيل أحياناً في هذا الشأن.
وورد في وثائق منظمة العفو الدولية وفاة نحو 11 معتقلاً في معتقل الخيام خلال فترة تشغيله. ولا تُظهر الوثائق الإسرائيلية المنشورة حتى الآن أرقاماً في هذا الخصوص.
في سياق متصل، تطرقت إحدى وثائق عام 1996 إلى عدم شرعية اعتقال إسرائيل واستجوابها مواطنين على الأراضي اللبنانية، وأظهرت اعتراف إسرائيل بـ"المشكلة الدبلوماسية/ القانونية" المتمثلة في إدارتها مرفق اعتقال في لبنان.
حقوقية إسرائيلية: "الاحتلال الوحشي الذي مارسته إسرائيل في جنوب لبنان، بما في ذلك التعذيب الرهيب في سجن الخيام، من النقاط السوداء التي تلطخ تاريخ إسرائيل… الانسحاب من لبنان لن يكون مكتملاً حتى تكشف إسرائيل عما ارتكبته هناك"وجاء هذا الاعتراف إثر مناقشة طلب الشاباك آنذاك السماح له باستجواب مواطنين لبنانيين داخل الأراضي اللبنانية، متذرعاً بـ"تدهور الوضع الأمني والحاجة الملحة إلى استخلاص المعلومات الاستخباراتية بكفاءة ومهنية على نحو قد يمنع بعض الهجمات ويحفظ أرواح جنود الجيش الإسرائيلي وجيش لبنان الجنوبي".
وفي وثيقة من العام التالي أن النائب العام الإسرائيلي الياقيم روبنشتاين "وافق من حيث المبدأ على الاقتراح" وسمح للإسرائيليين "في ظل ظروف وقيود معينة، باستجواب اللبنانيين في لبنان".
تعقيباً على ما تكشفه الوثائق، قالت داليا كرستين، المديرة التنفيذية السابقة لمركز الدفاع عن الفرد (هموكيد) الحقوقي في إسرائيل، والمُشاركة في تقديم الالتماس: "الاحتلال الوحشي الذي مارسته إسرائيل في جنوب لبنان، بما في ذلك التعذيب الرهيب في سجن الخيام، من النقاط السود التي تلطخ تاريخ إسرائيل".
وشددت على أن "الانسحاب (الإسرائيلي) من لبنان لن يكون مكتملاً حتى تكشف إسرائيل عما ارتكبته ويدرك المجتمع الإسرائيلي ماضيها هناك. وبينما أصبح المعتقل نفسه متحفاً، لا تزال الوثائق حول ممارسات إسرائيل فيه مخفية عن الجمهور وما برح المسؤولون عن الفظائع يعيشون بيننا من دون أن يُحاسبوا على جرائمهم".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ 14 ساعةاول مرة اعرف ان المحل اغلق كنت اعمل به فترة الدراسة في الاجازات الصيفية اعوام 2000 و 2003 و كانت...
Apple User -
منذ يومينl
Frances Putter -
منذ يومينyou insist on portraying Nasrallah as a shia leader for a shia community. He is well beyond this....
Batoul Zalzale -
منذ 4 أيامأسلوب الكتابة جميل جدا ❤️ تابعي!
أحمد ناظر -
منذ 4 أيامتماما هذا ما نريده من متحف لفيروز .. نريد متحفا يخبرنا عن لبنان من منظور ٱخر .. مقال جميل ❤️?
الواثق طه -
منذ 4 أيامغالبية ما ذكرت لا يستحق تسميته اصطلاحا بالحوار. هي محردة من هذه الصفة، وأقرب إلى التلقين الحزبي،...