حاول الموساد الإسرائيلي "التقرّب" من مستشار الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر، وأحد أقرب كاتمي أسراره إليه، الصحافي الراحل محمد حسنين هيكل (1923 - 2016)، في ستينيات القرن الماضي، بينما كانت إسرائيل في حالة حرب مع مصر. لكن "وطنيته الشرسة" و"معارضته الشديدة" لإسرائيل حالتا دون ذلك على الأرجح.
هذا ما قاله أمير أورين، الصحافي الإسرائيلي المتخصص في الشؤون العسكرية والسياسية، في مقال رأي عبر صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية. ومصدره مجموعة من ملفات المخابرات الإسرائيلية والملفات الدبلوماسية السرية من الأرشيف الوطني الإسرائيلي التي رُفعت السرية عنها قبل عدة أسابيع.
فشل تجنيده
وصف أورين عملية الموساد المزعومة لتجنيد هيكل بأنها كانت "معقدة"، موضحاً أن الاسم الحركي المقترح لهيكل في خطة الموساد كان "عوزي" (Uzi). وشدد على وصف الصحافي الراحل بأنه كان "من أشد معارضي إسرائيل".
وأضاف أن المخابرات الإسرائيلية حاولت فهم هيكل ووضعت "خطة مفصّلة" لغرض إقناعه بالاجتماع مع مسؤولين إسرائيليين أو حتى زيارة إسرائيل.
وعلى الرغم من أن الملفات المسموح بالإطلاع عليها، وهي تغطي الفترة الممتدة بين عامي 1959 و1960، لا تكشف كيف انتهت المحاولات الإسرائيلية وإذا كان نجح تجنيد هيكل للعمل عميلاً للموساد أو استخدامه للتأثير على سياسة القاهرة تجاه إسرائيل، أو على الأقل لتغيير مسار الرأي العام المعادي لإسرائيل، يرجّح الصحافي الإسرائيلي فشل محاولات الموساد، مذكّراً بمواقف هيكل التاريخية الصلبة والمتشددة ضد إسرائيل، ورفضه معاهدة السلام التي وقعها الرئيس أنور السادات في كامب ديفيد عام 1978.
"وطنيته الشرسة" و"معارضته الشديدة" لإسرائيل حالتا دون ذلك… صحيفة هآرتس تنشر وثائق إسرائيلية تحوي "الخطة المفصّلة" لتجنيد محمد حسنين هيكل، كاتم أسرار جمال عبد الناصر، وتثير اللغط حول رئيس وزراء السادات الأسبق ممدوح سالم وعلاقته بإسرائيل
يشرح أورين: "عند استعراض كتابات هيكل ومحاضراته لا يمكن تخيل أن تحويله إلى عميل استخبارات في خدمة إسرائيل كان مطروحاً على الإطلاق. لقد كان وطنياً شرساً، مستاءً من قوة إسرائيل المتنامية باستمرار، ولم يكن من النوع الذي يغريه المال. لا شيء في حياته يمكن ابتزازه به لإرغامه على التعاون مع الموساد".
ويشير في الوقت نفسه إلى التعاون المزعوم بين صهر عبد الناصر، أشرف مروان، والموساد في أواخر ستينيات القرن الماضي، ويقول إن مروان سعى إلى التواصل مع الإسرائيليين بينما كانوا حائرين ويحاولون إيجاد وسيلة للوصول إلى الرئيس الراحل، لكن عبر صديقه وكاتم أسراره، هيكل. ويوضح أن "هيكل لم يكن كمروان".
ويستفيض: "كان هيكل أكثر أصدقاء ناصر إثارة للإعجاب. لم يكن يريد منصباً رسمياً: بعد وقت طويل وافق على الخدمة، فترة وجيزة، وزيراً للإرشاد القومي، لكن كان له تأثير كبير على تفكير ناصر" كما "أحدثت أفكاره وبلاغته صدى قوياً عبر مقالاته في الأهرام التي ترأس تحريرها".
ويلفت أورين إلى أن الساسة الإسرائيليين تابعوا مقالات هيكل بشغف إذ أعطتهم "منظوراً فريداً" من داخل مصر. حتى أن العديد من نشرات الأخبار في إسرائيل، إبان ستينيات القرن الماضي، كانت تستهل بـ"في عموده الأسبوعي، قال محرر الأهرام والناطق بلسان ناصر...".
أما عن طريقة الوصول إلى هيكل نفسه، فكانت مقترحةً عدة بدائل من بينها صحافيون أمريكيون وفرنسيون وأكاديمي وضابط شرطة مصري. ويبدو أن الإسرائيليين لجأوا في نهاية المطاف إلى الاعتماد على الصحافي والكاتب الأمريكي روبرت سانت جون، واسمه الحركي لدى الموساد "سامبا".
علاوة على كونهما رفيقَيْ مهنة، الصحافة، أصبح هيكل وجون صديقين وكانت لديهما العديد من الجوامع المشتركة. وعليه، اعتقد الإسرائيليون أنه "خيار جيد" لتمرير فكرة الاتصال بإسرائيل لهيكل بطريقة مباشرة أو غير مباشرة.
ويضيف الصحافي أن جون أخبر الإسرائيليين استعداده أن يعرض على هيكل فكرة مقابلته مبعوثاً إسرائيلياً، وأن مسؤولي الموساد بدأوا في التأهب ووضعوا "ملف هيكل" على مكاتبهم. كما سخّروا شبكة واسعة من رجال الاستخبارات في أثينا وجنيف ونيويورك وواشنطن ولوس أنجلوس وباريس وروما لعملية "عوزي - سامبا"، يديرهم رؤساء في تل أبيب.
صحافي إسرائيلي عن هيكل: "لقد كان وطنياً شرساً، مستاءً من قوة إسرائيل المتنامية باستمرار، ولم يكن من النوع الذي يغريه المال. لا شيء في حياته يمكن ابتزازه به لإرغامه على التعاون مع الموساد"
بطاقة هيكل
في عصر ما قبل الكمبيوتر والتسجيل الرقمي، اعتاد الإسرائيليون أن يسجلوا بطاقات تعريف خاصة لكل الأهداف. كانت البطاقات تشمل جميع الأسماء، حقيقية ومشفرة، وسائل الاتصال بهم الإسرائيلية منها والأجنبية، والتواريخ والتفاصيل، والأموال التي حصلوا عليها إن وجد.
بطاقة هيكل، بالإضافة إلى جون، تضم ثلاثة أسماء أخرى: الأول ضابط شرطة رفيع هو ممدوح سالم، رئيس وزراء السادات لاحقاً. علماً أن الملفات لا توضح ما إذا كان سالم عميلاً لإسرائيل. وكاتب إيطالي يهودي كان يكتب في "لوموند" الفرنسية، وعرض مساعيه لإيصال الإسرائيليين بـ "صديقه هيكل". الثالث وهو أستاذ جامعي في كاليفورنيا كان يجتمع مع هيكل.
كذلك يتضح من البطاقة حث الإسرائيليين جون على ترتيب اجتماع في نيويورك، حين يرافق هيكل عبد الناصر في زيارته لحضور اجتماعات للأمم المتحدة. كانت في نظر الإسرائيليين فرصة جيدة لأن هيكل لن يضطر إلى القيام برحلة إلى الخارج بدون سبب واضح، ما قد يثير الشبهات حوله.
أُحبِط الإسرائيليون حين سافر هيكل من دون أن تتسنى له فرصة لقاء جون أو الأستاذ الجامعي. عبّر جون عن شعوره بالإحباط كما تُظهر رسالة في "ملف هيكل".
لكن الإسرائيليين لم تكن لديهم أي نية للتسرع أو التصرف بتهور في عملية لتجنيد مصدر من طراز هيكل. لذا، خططوا لأن يلتقي هيكل أولاً أحد المصدرين الأمريكيين ثم عضواً في بعثة إسرائيل في الأمم المتحدة، فعضواً آخر أعلى رتبة في الحكومة الإسرائيلية آنذاك برئاسة بن غوريون.
وإذا سارت الأمور على ما يرام في هذه اللقاءات، يمكن أن تأتي خطوات أكثر تقدماً مثل دفع الأموال لصديق الرئيس المصري وتنظيم زيارة له إلى إسرائيل واستغلاله لتنظيم لقاء بين رئيس الحكومة المصرية ونظيره الإسرائيلي والتأثير على عبد الناصر في ما يخص إسرائيل وما شابه.
وخلص الصحافي الإسرائيلي إلى أن معارضة هيكل الشديدة لسياسة السادات المتصلة بالسلام، والتي دفعت الرئيس إلى سجنه آنذاك، تؤكد أن "عملية عوزي لم تنجح".
وشارك حسن هيكل، نجل الكاتب والصحافي الراحل، المقال عبر حسابه في تويتر، وعقّب عليه بالقول: "بحاول كتير متكلمش في شأن شخصي، بس الحقيقة أنه ده العنوان في أهم صحيفة إسرائيلية مفرحني جداً".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يومرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين