تُعتبر "مارجرجس ونيقولاس" واحدة من الكنائس العريقة في المنطقة العربية، ويعود تاريخها لعام 400م، تم بناؤها في محافظة دمياط شمال مصر على مساحة فدان، وكانت في بادئ الأمر عبارة عن كنيستين، إحداهما حملت اسم مارجرجس، والثانية نيقولاس، لكنها ظلت تهد وتبنى مجدداً نتيجة الظروف الجوية، وكان آخر تجديد شهدته عام 1845م، أي قبل 170 عاماً تقريباً، والملفت أنها على الرغم من تاريخها إلا لم تدرج كأثر تاريخي بعد.
لا تقتصر "مارجرجس ونيقولاس" على كونها كنيسة قديمة، إذ كان من ملحقاتها مستشفى قبطي، يستقبل رواد الكنيسة وسكان المنطقة مسلمين كانوا أم أقباطاً، كما كانت تحوي مدرسة لتعليم أبناء المحافظة اللغات الرومانية والإنكليزية إلى جانب العربية، إذ كان يرتادها حوال 400 طالب مصريين ويونانيين، ومع تقلص مساحة الكنيسة من فدان إلى 600 متر، تراجع دور ملحقاتها، ناهيك عن أنها كانت مقراً للبطريركية قديماً قبل أن تنقل للإسكندرية.
تاريخ الكنيسة
التقينا القمص بندليمون بشرى، كاهن كنيسة الروم الأرثوذوكس، الذي حدثنا عن تاريخ كنيسة مارجرجس ونيقولاس قائلاً: "كنيستنا هي أقدم كنيسة للطائفة القبطية في مصر، وذلك وفقاً لوثائق الإنجيل. شيدت في محافظة دمياط تحديداً، نظراً لأن تلك المحافظة كانت ميناء مصر الأول يأتيها الأجانب من كل حدب وصوب، لذا عاشوا واستوطنوا فيها وكان يقدر عدد الأسرة القبطية حينذاك 2000 أسرة، إلا أن تم إجلاء الأجانب في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، وأممت قناة السويس، حيث رحلت الجالية الأجنبية ومن بينهم اليونانيون، ولم يتبق منهم إلا عدد قليل، منهم تزوجوا وعاشوا هنا وسلمت المستشفى للدولة لتتحول للمستشفى العام حالياً، أما المدرسة القبطية فلا زالت كما هي، وتعرف باسم مدرسة المعالي".
يضيف بندليمون:"الكنيسة هي أحد عروش بطريركية الروم الأرثوذكس في الإسكندرية وسائر أفريقيا، يزورها روادها من مختلف بقاع العالم، وبها أيقونات يعود تاريخها لما يزيد عن 800 عام، أما أبواب الكنيسة فيعود تاريخها لنحو 1300 عام".
يتابع: "هناك ارتباط وثيق بين تاريخ دمياط وبطريركية بطاركة الروم الأرثوذكس، فقد كان أكبر تعداد لأبناء طائفة الروم الأرثوذكس موجودة في دمياط نظراً لأن المدينة ضمت واحداً من أقدم الموانئ التجارية على البحر المتوسط حيث جاء الرومان إلى مصر مستقلين بواخر وسجل البطاركة القدماء تاريخهم في وثائق حيث عاصروا الحروب الصليبية على مصر، وكانت كنيستنا مقراً للبطريركية قديماً قبل أن تنقل للإسكندرية".
"مارجرجس ونيقولاس" واحدة من الكنائس العريقة التي يعود تاريخها لعام 400م، وتم بناؤها في محافظة دمياط شمال مصر
كما أشار إلى الوفود الأجنبية التي تزور الكنيسة العريقة من عدة دول أجنبية كـ"روسيا واليونان وقبرص" لكن تراجعت الزيارات مع جائحة كورونا.
حكاية كاهن الكنيسة
عن نشأة كاهن الكنيسة البالغ من العمر 59 عاماً يقول: "ولدت وترعرعت هنا، وبعدما أنهيت دراستي الجامعية والخدمة العسكرية قمت بافتتاح محل ذهب صغير أسفل منزلنا، ونظراً لأن كاهن الكنيسة السابق كان يأتي كل قداس للصلاة من محل إقامته ليصلي وكان ذلك عبئاً عليه، طلب من والدي باعتباره وكيل الكنيسة أن يساعده في اختيار كاهن جديد بدلاً منه إلى أن وقع الاختيار علي".
الكنيسة هي أحد عروش بطريركية الروم الأرثوذكس في الإسكندرية وسائر أفريقيا، يزورها روادها من مختلف بقاع العالم، وبها أيقونات يعود تاريخها لما يزيد عن 800 عام
ويضيف: "تم ترسيمي كاهناً عام 2002 لأغلق محل الذهب وأتفرغ للكهنوت، أما والدي بشرى بندلي كان يعمل ناظر مدرسة وتولى منصب وكالة الكنيسة خلفاً لوالده حيث ولد والدي وجدي في مصر، بينما جاء الجد الأكبر من اليونان بعد عام 1800 ميلادياً، حيث كانت آخر عملية ترميم للكنيسة عام 1845م على يد الجد الأكبر بندلي منسي".
يردف بندليمون قائلاً: "جاءت عائلتنا قديماً من القسطنطينية (تركيا حالياً) حيث تفرق اليونانيون حينذاك، فجاء جزء منهم إلى مصر عبر دمياط وجزء استقر باليونان بعدما دخل العثمانيون إلى القسطنطينية واحتلوها، ورغم مرور السنوات لم أستطع الرحيل عن مصر".
ويضيف:"كيف أترك بلدي الذي عشت وتربيت بين شوارعه وصادقت أبنائه؟"؛ هكذا يقول بندليمون يوناني الأصل، ويتابع: "أعشق مصر حتى النخاع ولم أفكر يوماً ما في ترك بلدي والذهاب للقسطنطينية، فمصر حبها يسري في دمي، ولا يمكنني البعد عنها، فسبق وسافرت للقسطنطينية والقدس زيارات قصيرة للصلاة، وعدت إلى بلدي ومسقط رأسي سريعاً، فراحتي الوحيدة في بلدي، وحتى وقت إجلاء الأجانب عن مصر لم يفكر جدي في الرحيل عنها بتاتاً، فمن عاش في مصر عشق ترابها ولا يحس بالألم والمعاناة إلا من بعد عنها".
يخبرنا الكاهن بندليمون عن عاداته اليوميّة قائلاً: "أقوم في الصباح بأداء الصلوات حيث نجهز الكنيسة من السابعة والنصف صباحاً أيام القداس، وذلك قبل جائحة كورون، حيث اعتدنا أن نتناول طعام الفطور سوياً بعد انتهاء القداس، ثم نتناول مشروباتنا المعتادة سواءً كانت قهوة أو شاياً، ويرحل المصلون في الثانية عشرة ظهراً، ثم نقوم بلقائنا وزيارتنا، ثم أذهب للمنزل لتناول وجبة الغذاء وأرتاح سويعات قليلة، ثم أتوجه مجدداً للكنيسة لمتابعة باقي اللقاءات، وينتهي يومنا في التاسعة أو العاشرة مساءً".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
نُور السيبانِيّ -
منذ 17 ساعةالله!
عبد الغني المتوكل -
منذ يوموالله لم أعد أفهم شيء في هذه الحياة
مستخدم مجهول -
منذ يومرائع
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ أسبوعتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت