هي أعرق الكنائس البيرنطية في سوريا، ورغم علامات الخراب والإهمال التي تعلوها اليوم إلا أنها ما زالت باذخة الجمال، بل عاد الضوء ليسلط عليها بقوة منذ حريق كاتدرائية نوتردام الفرنسية قبل أيام. إنها كنيسة “قلب لوزة” في إدلب شمال سوريا التي يؤكد باحثون متخصصون بالتراث في الشرق الأوسط أن طرازها المعماري ألهم معماريي عدة كاتدرائيات وكنائس قوطية في أوروبا، وأبرزها كاتدرائية نوتردام الفرنسية.
أقيمت كنيسة “قلب لوزة” الأثرية، التي بنيت في القرن الخامس الميلادي خلال العهد البيزنطي، في بلدة تحمل نفس الاسم (قلب لوزة)، في مدينة "حارم" بريف إدلب الغربي. تتألف من أربعة جدران وبرجين متماثلين مثبتين على الأرض تزينهما نقوش مرسومة بدقة، وفق ما تظهره صور نشرتها وكالة الأناضول. ورغم نجاتها من قصف النظام السوري في الحرب الدائرة منذ سنوات، إلا أنها "مهملة" منذ أمد طويل وبحاجة للترميم.
وأكد الباحث السوري في التاريخ فايز قوصرة، للوكالة التركية، أن "قلب لوزة" من أعظم الكنائس العريقة في سوريا، مبيناً أنها تتألف من ثلاثة أقسام وبابين، أحدهما للرجال والآخر للنساء. أما الباب الموجود في القسم الغربي فيتضخم في الأعلى ويميل، وعند تجاوزه يظهر برجان على اليمين واليسار.
أفاد قوصرة بأن المؤرخ الفرنسي ميلكور دي فوغ تحدث عن كنيسة “قلب اللوزة” في كتابه "سوريا المركز: الفن المدني والمعماري في القرن السابع"، بعد زيارته سوريا عام 1862.
وأضاف لفرانس برس: “جمال الفن المعماري في كنيسة قلب لوزة يفوق جمال الكنائس الأخرى في المنطقة"، مبرزاً التشابه بينها وبين كنيسة نوتردام لا سيما في الواجهة والبرجين والسقف الخشبي.
ويجزم الباحث السوري أن "الأوروبيين نقلوا الطراز المعماري لكنيسة "قلب لوزة" إلى بلدانهم عند اكتشافهم لها في القرنين 11 و12 للميلاد".
لكن خبيرة التراث في الشرق الأوسط ديانا دارك تعتبر أن "التجار والرهبان والحجاج كانوا يتنقلون كثيراً بين المنطقة السورية حيث الكنيسة وأوروبا. وليس مفاجئاً أن تنتقل هذه الهندسة المعمارية تدريجياً إلى أوروبا، حتى قبل الحملة الصليبية في القرن الثاني عشر".
تضيف: "هذه الكنيسة تعد النموذج الأقدم للهندسة المعمارية التي تقوم على واجهة مؤلفة من برجين يفصلهما مدخل مقنطر، ما عرف لاحقاً بالعمارة الرومانسكية".
ألهم الطراز المعماري لكنيسة "قلب لوزة" السورية مهندسي ومعماريي الكنائس القوطية في أوروبا، وأبرزها كاتدرائية نوتردام الفرنسية التي احترقت في الآونة الأخيرة. المؤرخ الفرنسي ميلكور دي فوغ تحدث عن كنيسة قلب لوزة في كتابه "سوريا المركز: الفن المدني والمعماري في القرن السابع” بعد زيارته سوريا عام 1862. وهذه قصتها.
مقصد السياح والحجاج
وتفيد دارك بأن مسيحيين سوريين جمعوا ثرواتهم من إنتاج النبيذ وزيت الزيتون هم من بنى كنيسة قلب اللوز، مضيفةً أنها مثلت مقصداً للحجاج ولزوار دير مار سمعان العمودي القريب.
وتوضح المديرية العامة للآثار والمتاحف السورية أن كنيسة قلب لوزة من الطراز البازليكي "ظلت تستخدم للصلاة والاحتفالات الدينية حتى القرن الثاني عشر الميلادي".
ونقلت الوكالة الفرنسية عن أحد سكان المنطقة أن الكنيسة المهملة حالياً كانت مقصداً للسياح، خصوصاً في فصلي الصيف والربيع، حتى اندلاع النزاع في سوريا، مشيراً إلى أن "صورتها مطبوعة على إحدى صفحات جواز السفر السوري".
تراث عالمي مهدد
وصنفت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "يونسكو"، قرية قلب لوزة في قائمة التراث العالمي المهدد بالزوال ضمن قسم "القرى الأثرية شمال سوريا" في 2011.
وعاد الاهتمام بكنيسة "قلب لوزة" لوجه الشبه بينها وبين كاتدرائية نوتردام التاريخية في فرنسا التي تعرضت لحريق، الاثنين 15 أبريل/نيسان الجاري، استمر نحو 15 ساعة، مخلفاً ضرراً كبيراً في الكنيسة التي تعتبر درة التراث الفرنسي.
وانهار سقف الكنيسة التي أُسست بين عامي 1163 و 1345م، وبرجها البالغ ارتفاعه 93 متراً، ويعتبر مبناها ضمن التحف الفنية من العمارة القوطية (مرحلة من العمارة الأوروبية) التي سادت بين القرنين الثاني عشر والسادس عشر.
وشهدت بلدة “قلب لوزة” في عام 2015 مجزرة ذهب ضحيتها 21 درزياً من قبل مقاتلي “جبهة النصرة” المتطرفة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...