بينما شرعت دول عدة في العودة إلى "الحياة الطبيعية"، وتخفيف أو إلغاء الإجراءات الاحترازية المرتبطة بجائحة الفيروس التاجي، تزداد تحذيرات العلماء من "كوفيد الطويل الأمد" الذي، في رأيهم، قد يشكّل "جائحة ما بعد الجائحة".
في أحدث تحذير، قال داني ألتمان، عالِم المناعة البريطاني من إمبريال كوليدج لندن، إن كوفيد الطويل الأمد قد يخلّف جيلاً يعاني إعاقات مختلفة من شأنها أن تجعل البعض غير قادرين على العمل أو العودة إلى حياتهم الطبيعية، وأحياناً دفعهم إلى الانتحار.
وفي حديثه إلى صحيفة الغارديان، الذي نُشر الأربعاء 23 آذار/ مارس، وصف ألتمان كوفيد الطويل الأمد بأنه "مشكلة عالمية"، مردفاً "لدينا نحو خمسة ملايين شخص على هذا الكوكب مع كوفيد الطويل الأمد - هذا على أقل تقدير. وجميعهم يعانون مجموعة كبيرة من المشكلات الصحية، وهي مشكلات خطيرة".
ولام ألتمان الحكومات حول العالم على ما وصفه بضعف الاهتمام بمعرفة حجم المشكلة - يقصد كوفيد الطويل الأمد - ومقدار الدمار الذي يسببه، مشدداً على أنه "لا يتم التعامل معه بجدية كافية". ولفت إلى أن أكثر ما فاجأه بشأن المرض هو "إلى أي مدى كان مروّعاً وخبيثاً ومنتشراً" حتى بين أولئك الملقحين بالكامل.
ومطلع هذا الشهر، حذرت منظمة الصحة العالمية، على لسان د. جانيت دياز، رئيسة الفريق الطبي المكلف بالتوصل إلى علاج لكوفيد- ورئيسة قسم الرعاية الصحية بالمنظمة، من ثلاثة أعراض لهذا المرض، وحددتها في: الإعياء والتعب الشديد وضيق التنفس والخلل الإدراكي المتمثل في ضباب الدماغ. وحثت على التوجه إلى الطبيب لدى ظهور هذه الأعراض.
يصيب النساء أكثر من الرجال، وقد يخلّف "إعاقات" خطيرة… تحذيرات متزايدة من العلماء من "كوفيد الطويل الأمد" الذي - في رأيهم - قد يشكل "جائحة ما بعد الجائحة". ماذا نعرف عنه؟
ما هو كوفيد الطويل الأمد؟
يُعرف "كوفيد الطويل الأمد" بأنه حالة تستمر فيها بعض أعراض الإصابة بكوفيد-19 لأربعة أسابيع فأكثر عقب التعافي من الفيروس، بحسب هيئة الخدمات الصحية البريطانية (NHS) التي تنوه بأن الشفاء من المتلازمة يستغرق وقتاً يتفاوت من شخص لآخر، كما تتفاوت الأعراض.
اللافت أن الإصابة بالمتلازمة لا تتعلق بشدة الإصابة بالفيروس في أي حال، إذ إن الذين أصيبوا بأعراض خفيفة قد يصابون بها بينما آخرون تطورت لديهم أعراض خطيرة قد لا يصابون بها. وتشير دراسات إلى أن النساء أكثر عرضة للإصابة بها مقارنةً بالرجال.
وتتعدد المصطلحات التي تُطلق على هذه الحالة، فهي بالإنجليزية: PASC وPost-COVID Syndrome وLong COVID وLong-Term COVID، وبالعربية: كورونا الطويل الأمد، ومتلازمة ما بعد كورونا، وكورونا الطويل.
حتى الآن، رصد العلماء نحو 200 عارض مختلف للإصابة بالمتلازمة، أشهرها: ضيق التنفس، وألم أو ضيق في الصدر، ومشاكل في الذاكرة والتركيز "ضباب الدماغ"، وصعوبة النوم أو الأرق، وسرعة ضربات القلب، والدوار، وألم المفاصل، والاكتئاب والقلق، وطنين الأذن، والشعور بالغثيان، والإسهال، وآلام المعدة، وفقدان الشهية، وارتفاع درجة الحرارة، والسعال، والصداع، واحتقان الحلق وجفافه، واضطرابات الشم أو التذوق، والطفح الجلدي، والإعياء، واضطراب الحيض لدى النساء.
عالِم مناعة بريطاني بارز: "لدينا نحو خمسة ملايين شخص على هذا الكوكب مع كوفيد الطويل الأمد - هذا على أقل تقدير. وجميعهم يعانون مجموعة كبيرة من المشكلات الصحية وهي مشكلات خطيرة"
علماً أن الشخص الواحد قد يعاني عدة من هذه الأعراض التي لاحظ العلماء والمرضى أنها تشتد عقب الأنشطة البدنية والذهنية.
وهناك بعض الأعراض النادرة الحدوث التي رصدها العلماء، ومنها: اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD)، وتساقط الشعر، وحتى عدم القدرة على مواصلة العمل أو العودة إلى الحياة الطبيعية قبل الإصابة.
ماذا تقول الدراسات؟
ووجدت دراسة لإمبريال كوليدج لندن على عينة تزيد عن 500 ألف شخص، نشرت نتائجها في حزيران/ يونيو 2021، أن ثلث المصابين بكوفيد تقريباً (واحد من كل ثلاثة) يصابون لاحقاً بالمتلازمة.
في حين تشير أرقام مكتب الإحصاءات الوطنية البريطاني، بين أيار/ مايو وآب/ أغسطس من العام 2021، إلى إصابة أربعة من 10 مرضى لكوفيد بالمتلازمة.
وفي دراسة ثالثة، نُشرت نتائجها في أيلول/ سبتمبر الماضي، أنه من بين نحو 270.000 مريض كوفيد في الولايات المتحدة عانى أكثر من الثلث (37%) عارضاً واحداً على الأقل لكوفيد الطويل الأمد لثلاثة أو ستة أشهر لاحقة للتعافي، مع إشارة إلى أن النساء والمرضى الذين احتاجوا علاجاً في المستشفيات كانوا أكثر إصابة بالمتلازمة.
دراسة رابعة أجرتها جامعة ليستر البريطانية على أكثر من 1000 مريض لكوفيد عولجوا في المستشفى بيّنت أن الغالبية (سبعة من كل 10) لم يتعافوا تماماً بعد خمسة أشهر من مغادرتهم المستشفى، وأن واحداً من كل خمسة من أفراد العينة يمكن اعتباره مصاباً بإعاقة جديدة إذ توقف 17.8% منهم عن العمل، وأثرت التغيرات الصحية على عمل 19.3% آخرين.
بينما صنّفته الولايات المتحدة "إعاقة" يحظى المصابون به بحماية متعددة الأوجه، يظل مرضى كوفيد الطويل الأمد في المنطقة العربية يعانون عدم الاهتمام وندرة الدراسات، وأحياناً السخرية والتنمر
واعتباراً من تموز/ يوليو 2021، أصبح "كوفيد الطويل الأمد" معترفاً به رسمياً في الولايات المتحدة كمرض و"إعاقة" ويتمتع المصابون به بحقوق ذوي الإعاقة، ومنها الحق في الحماية من التمييز والحق في التأهيل والرعاية الصحية وغيرهما من الحقوق ذات الصلة، وفق قانون الأمريكيين ذوي الإعاقة (ADA).
كذلك، في بريطانيا، هناك دعم كامل لمرضى كوفيد الطويل الأمد بموجب القانون يحق للمريض به مطالبة صاحب العمل بإجراء تعديلات على ظروف الدوام بما يناسبه. من حقه أيضاً طلب ائتمان شامل أو بدل توظيف أو دعم مالي أو علاجي أو قانوني للعودة إلى العمل أو إلى المعيشة أو إلى الاستمرار في العمل ضد أي فصل تعسفي وما شابه.
لكن الاهتمام بمرضى كوفيد الطويل الأمد في المنطقة العربية من السلطات دون المستوى. كما لا توجد دراسات كافية أو شاملة لبيان وضعهم ومعاناتهم. بل هم يتعرضون من آن لآخر للسخرية والتنمر بسبب قلة الوعي بطبيعة المرض، وفق منشورات عديدة لمرضى بكوفيد الطويل الأمد عبر الإنترنت.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...