شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!

"منحهم الجنسية وتضامن مع سيد قطب"... كيف وظّف بورقيبة الإخوان في خلافاته مع عبد الناصر؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الثلاثاء 8 مارس 202211:33 ص

استعانت قيادات في حركة النهضة الإسلامية التونسية، بعلاقات الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة بقيادات من الإخوان في محاولة لتبرير علاقات الحركة مع التنظيم الدولي للإخوان المسلمين، وذلك عقب الندوة الصحافية التي عقدها وزير الداخلية توفيق شرف الدين، وكشفه فيها عن منح تلك القيادات الجنسية التونسية.

وكان شرف الدين قد قام بندوة صحافية في الثالث من كانون الثاني/ يناير الماضي، تطرق فيها إلى وضع نائب رئيس حركة النهضة، نور الدين البحيري، والمسؤول الأمني المقرّب من الحركة، فتحي البلدي، رهن الإقامة الجبرية، مشيراً إلى أن الملف يتعلق بمنح جنسيات لإرهابيين معروفين، في خطوة ربطتها تقارير صحافية محلية مباشرةً بالمصري يوسف ندا، والسوري علي غالب همت، وهما قياديان بارزان في تنظيم الإخوان المسلمين. هذا الجدل يعيد إلى السطح علاقة الرئيس السابق الحبيب بورقيبة بالإخوان. فما هي؟

ورقة سياسية

مع عدم تردد قيادات حركة النهضة في اتهام بورقيبة بالتعامل مع الإخوان قبلهم، يعود إلى سطح الأحداث الجدل بشأن هذه العلاقة بين الزعيم التونسي الذي قاد معركةً ضد المؤسسة الدينية التقليدية وممثليها (شيوخ الزيتونة)، ضد فرع جماعة الإخوان في بلاده، حركة الاتجاه الإسلامي التي تحولت في ما بعد إلى النهضة، وقيادات إخوانية.

على الرغم من ذلك، يبدو أن بورقيبة المعروف بالبراغماتية قد جعل علاقته بالحركات الإسلامية وقادتها تتأرجح بين التصعيد في الداخل، والتقارب في الخارج، خاصةً في سياق الخلافات السياسية التي نشبت بينه وبين الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر.

هربت قيادات من حركة النهضة الإسلامية من الاتهامات الموجهة إليها بشأن منح قيادات إخوانية وأجانب الجنسية التونسية، إلى التاريخ، متّهمين بورقيبة بمنحهم تلك الجوازات بعد استقلال تونس عن فرنسا سنة 1956، على غرار يوسف ندا المدرَج على قائمة الإرهاب

يقول توفيق محمد الشاوي، وهو من الرعيل الأول لجماعة الإخوان المسلمين (1918-2009)، في كتابه "مذكرات نصف قرن من العمل الإسلامي": "خرجت من بيروت وذهبت إلى تونس عن طريق ألمانيا، وكانت معي زوجتي. استقبلنا بورقيبة شخصياً في قصره، وشرحت له القضية، وقلت إن هدفي هو إنقاذ سيد قطب لأنني أخشى أن تنتهي المحاكمة بالحكم عليه بالإعدام، وهو شخصية فذة ومفكر إسلامي لا يجوز أن يُقضى عليه".

ويضيف: "وكان بورقيبة رغم اختلافي معه في ما يتعلق باتجاهه اللا ديني الذي أعرفه جيداً وكنت على يقين منه، إلا أنني أقدر فيه الاعتزاز بالعلاقات الشخصية، يعتز بكل من له علاقة سابقة به مهما كان الاختلاف معه، وكنت أعرف أيضاً أن له ثأراً عند عبد الناصر بسبب هجومه عليه عندما دعا إلى التفاوض مع إسرائيل في بيروت، وأقام الدنيا ولم يقعدها ضده. ولما عرضت عليه (بورقيبة) هذه القضية، وجد أنها فرصة للتشهير بعبد الناصر والانتقام منه، وأصدر أوامره للصحافة والحزب والبرلمان وكل من في تونس للدفاع عن سيد قطب، وكان هذا الدفاع يأخذ في كثير من الأحيان صورة النقد والهجوم على الديكتاتورية الناصرية والاستبداد الناصري".

وتأججت الخلافات بين بورقيبة وعبد الناصر عقب خطاب ألقاه الزعيم التونسي الراحل في أريحا في الثالث من آذار/ مارس 1965، ودعا فيه إلى اتّباع سياسة المراحل لتحقيق أهداف العرب في فلسطين، قائلاً إنه "كان على العرب القبول بالتقسيم".

يرى المؤرخ التونسي، خالد عبيد، أن "هذا الموقف، قيل إن بورقيبة اتفق فيه مع عبد الناصر قبل أن يتخلى عنه الرئيس المصري الذي شنّ هجوماً حاداً على بورقيبة وأقيمت حتى مظاهرات ضده وضد تونس في مصر، وتم حرق مقر السفارة التونسية في القاهرة. في تلك الظرفية، من البديهي أن يطلب بورقيبة دعم الموقف الذي يندد بالمحاكمات في مصر، ويساند سيد قطب وقيادات إخوانيةً بمنحهم اللجوء السياسي إذ يدخل ذلك في سياق الأزمة بين البلدين وليس إيماناً من الزعيم الراحل التونسي بالإخوان".

وتابع عبيد في تصريح لرصيف22: "الزعيم بورقيبة لا يساير الإخوان في موقفهم بل على العكس لديه موقف مسبق منهم، وهذا الموقف نحن نعرفه وقد اضطُر بطريقة أو بأخرى إلى اتخاذ هكذا إستراتيجية، وليس كما تروّج قيادات حركة النهضة الآن بأن بورقيبة كانت له علاقة قوية مع الإخوان، وأنه ليست عنده مشكلة معهم، أو قاموا بالمعروف تجاهه فقام برده. كل هذا غير صحيح وهذا يدخل ضمن الدعاية فحسب".

ويُساير المحلل السياسي، هشام الحاجي، عبيد في رأيه قائلاً إن "الزعيم بورقيبة كانت له اختلافات واضحة مع أفكار قادة تنظيم الإخوان المسلمين. في تلك الفترة لم تتضح خفايا لعبته السياسية وارتباطاته الفكرية والإقليمية. بعد الاستقلال استقبل بعضهم في إطار المناكفات وأيضاً على سبيل رد الجميل، كما فعل مع شخصيات من تيارات فكرية أخرى، مثل رئيس الوزراء العراقي الأسبق فاضل الجمالي".

وأوضح الحاجي في حديث إلى رصيف22، أن "كل الأنظمة العربية استعملت المعارضين في إطار المناكفة، والزعيم بورقيبة لم يشذّ عن هذه القاعدة، إذ وظّف الإخوان من دون أن يتحالف معهم أو يتبنى أفكارهم، وذلك بسبب علاقاته المتوترة مع عبد الناصر". أحياناً تتخلى الأنظمة مؤقتاً عن بعض المبادئ وتوظف أوراق المعارضة من أجل إزعاج الخصم الخارجي. معمر القذافي مثلاً، احتضن بعض وجوه المعارضة التونسية ومن بينها شخصيات إسلامية على الرغم من أنه يعارض الإسلاميين".

بورقيبة يواجه إسلاميي تونس

على الرغم من مهادنتهم خارجياً في سياق خلافاته السياسية مع عبد الناصر، إلا أن بورقيبة كان عاقداً العزم على استئصال الفرع المحلي من تنظيم الإخوان الذي كان يحمل في بداياته اسم حركة الاتجاه الإسلامي.

فمنذ أن اكتشفت الأجهزة الأمنية عن طريق الصدفة، حسب ما يذكر مسؤولون ومصادر تاريخية عدة، وجود تنظيم إسلامي يعمل سراً في العام 1981، وسط صعود التيارات الإسلاموية في المنطقة، خاصةً بعد الثورة الإسلامية في إيران سنة 1979، وجّه الزعيم الراحل جهود السلطات نحو القضاء على عناصر هذا التنظيم.

وعلى الرغم من بعض الوساطات الخارجية، على غرار تلك التي قامت بها السعودية لإنقاذ رموز الإخوان في تونس، خاصةً أن يد الأجهزة الأمنية طاولت قيادات بارزةً على غرار زعيم حركة النهضة الإسلامية، راشد الغنوشي، وتراوحت الأحكام الموجهة إليهم بين المؤبد والإعدام، إلا أن بورقيبة كان مصراً على "القضاء عليهم"، لكن صعود الرئيس الراحل زين العابدين بن علي في العام 1987، حال دون ذلك.

على الرغم من مهادنتهم خارجياً في سياق خلافاته السياسية مع عبد الناصر، إلا أن بورقيبة كان عاقداً العزم على استئصال الفرع المحلي من تنظيم الإخوان الذي كان يحمل في بداياته اسم حركة الاتجاه الإسلامي

يُحمّل البعض راشد الغنوشي حصراً مسؤولية ما حصل، خاصةً أن الرجل كان مصدر إزعاج حتى بعد صعود بن علي، وإثر سقوطه، وبعد تولّي الباجي قائد السبسي الرئاسة في 2014، وفي دعم قيس سعيّد عام 2019 للوصول إلى سدة الرئاسة، وسرعان ما تصادما بسبب طموحات زعيم النهضة الذي أراد لعب دور بارز وخطف الأضواء من الرئيس التونسي الحالي.

يرى هشام الحاجي، أن "أول مواجهة بين الاتجاه الإسلامي ونظام الدولة الوطنية، كانت في عهد الزعيم بورقيبة، وتواصلت إلى الآن إذ من اللافت أنه حين نقيّم مسيرة حركة الاتجاه الإسلامي، ثم النهضة بنسختها الحالية، وخاصةً قائدها الأبرز الغنوشي، وعلاقتهم بكل الرؤساء الذين تعاقبوا على حكم تونس، نجد صراعاً معهم".

واستنتج الحاجي أن "علاقات هذه الحركة، وخاصةً هذا الزعيم الإخواني، بقادة الدولة التونسية الوطنية هي علاقة متوترة وعدوانية، ومسؤولية قرار المواجهة لا يتحملها الحبيب بورقيبة وحده. في جينات الحركة الإسلامية ما يدفعها دائماً إلى المواجهة العنيفة مع الدولة الوطنية ورموزها وخاصةً رؤساء المواجهة".

قضية تطفو إلى السطح

مع الصراع القائم اليوم بين حركة النهضة والرئيس قيس سعيّد، ووزير الداخلية، هربت قيادات النهضة من الاتهامات الموجهة إليها بشأن منح قيادات إخوانية وأجانب الجنسية التونسية، إلى التاريخ، متهمين بورقيبة بمنحهم تلك الجوازات بعد استقلال تونس عن فرنسا سنة 1956، على غرار يوسف ندا.

وندا هو المفوض السابق للعلاقات الدولية في جماعة الإخوان، ومُدرَج على قائمة الشخصيات المتهمة بالإرهاب التي صدرت في 2001 عن الأمم المتحدة في أعقاب هجمات الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر، قبل تبرئته وهو مقيم حالياً في سويسرا.

وربطت تقارير صحافية بين تصريحات وزير الداخلية التونسي عن يوسف ندا، وبين مصاهرته صهر رئيس حركة النهضة الإسلامية، رفيق عبد السلام، الذي تولى وزارة الخارجية في حكومة الترويكا الأولى (2012-2013).

غير أن عبد السلام نفى ذلك نفياً قاطعاً، قائلاً في تدوينة عبر صفحته في موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك: "أولاً يوسف ندا ليست له علاقة مصاهرة براشد الغنوشي. ثانياً، حصل يوسف ندا وغالب همت على الجنسية منذ عهد بورقيبة نظراً للعلاقة الخاصة التي كانت تربطه بيوسف ندا وببعض الشخصيات المؤثرة من المشرق العربي. ثالثاً، من يمضي على أوراق الحصول على الجنسية هو رئيس الدولة دون غيره، ولا علاقة لوزير العدل بالمسألة لا من قريب ولا من بعيد، وهذه من المفترض أنها بديهيات يعرفها رجل القانون في طوره التعليمي الأول".

وأوضح أنه "بناءً عليه، كل الترهات التي ذكرها شرف الدين تبخرت في الهواء، وكل الأفلام الخيالية احترقت قبل استكمال السيناريو والإخراج. أتوقع الآن أن جماعة القصر الصادقين المخلصين يضربون أخماسهم بأسداسهم، ويلطمون وجوههم لشدة كذبهم، وهم في صدد نسج خيوط رواية جديدة".

وتخوض النهضة صراعاً مع الرئيس قيس سعيّد منذ أشهر، احتدم مؤخراً بعد أن فعّل الفصل 80 من الدستور في الخامس والعشرين من تموز/ يوليو الماضي، وهو فصل ينظّم حالة الاستثناء إذ جمّد بمقتضاه عمل البرلمان ورفع الحصانة عن نوابه، وأقال الحكومة السابقة برئاسة هشام المشيشي المدعومة من قبل النهضة، وهو صراع أعاد إلى السطح أطياف الماضي، ومعها علاقة الرئيس العلماني بالإخوان.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image