شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!

"الحلاق دكتور والسبّاك باش مهندس"... عن فوضى الألقاب في مصر

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الاثنين 7 مارس 202201:50 م

"أدرس لسنوات كي أحصل على لقب أستحقه بعد تعب طويل، ثم يأتي أحدهم ليرفع، من دون استئذان، الكلفة بيننا، ويجرّدني من هذا اللقب". فمتى نسمح برفع الكلفة بيننا؟ ومع من؟

بعض هذه الألقاب تكون مستحَقةً، وبعضها الآخر تكون ممنوحةً، ومع الوقت أيضاً نعتاد عليها. في مصر نعيش في فوضى ألقاب كبيرة، فمتى كانت لي مصلحة مع الشخص أطلق عليه لقباً لتعظيمه، بينما هو لا يملك أي مؤهلات لهذا اللقب. كما فرضت علينا الأعراف العديد من الألقاب الغريبة.

هل الألقاب مهمة؟ وهل التمسك بها ضرورة لتقدير الذات، أم أنها مجرد مظاهر اجتماعية خاوية لا قيمة لها؟

لا تنازل عن اللقب

يرى البعض أن ألقابهم جاءت بعد جهد طويل ودراسة لسنوات، وغير مسموح لأي شخص بأن يرفع معهم الكلفة حتى من داخل العائلة.

محمود حسن (34 سنةً)، طبيب بشري، يقول لرصيف22، إن من غير المعقول أن يدرس شخص لسنوات طويلة ليصبح طبيباً، ثم يتخلى عن اللقب ولا يهتم به، حتى لو من باب المزاح.

هل الألقاب مهمة؟ وهل التمسك بها ضرورة لتقدير الذات، أم أنها مجرد مظاهر اجتماعية خاوية لا قيمة لها؟

"المرضى والعاملون معي في العيادة، يقولون لي دكتور محمود، ولكن أحياناً أجد بعض الأقارب أو الجيران يقولون محمود من دون ألقاب، وحقيقةً هذا يغضبني، فاللقب مظهر اجتماعي مهم، خاصةً أنه مستحَق وليس على سبيل الرفاهة والوجاهة فحسب"، يشرح الرجل المقيم في محافظة الجيزة وجهة نظره.

بدورها، ترفض أماني سعيد (28 عاماً)، رفع الكلفة مع غير الأقارب، ولا تردّ على من لا يناديها بـ"المهندسة"، فهي أُرهقت من الدراسة والكتب حتى تحصل على هذا اللقب، ولا يصح تجريدها منه وفق تعبيرها.

أماني التي تعيش في محافظة كفر الشيخ، أضافت في حديثها إلى رصيف22: "لاحظت أن زميلاً لي في الشغل وهو مهندس أيضاً، يناديني باسمي مجرداً، ويحاول التقرب منّي ورفع الكلفة، فاضطررت بعد فترة إلى أن أنبّهه وعاد إلى قواعده والتزامه في الحديث معي".

"رفع الكلفة في بعض الأحيان يكون كارثةً، فقد يستغله الشخص ويتجاوز الحدود في معاملته معك. أنا رئيس قسم العلاقات العامة في إحدى الشركات، ولا أغالي في الألقاب، ولكن على الأقل أنتظر أن يناديني مرؤوسي بـ’يا أفندم’، أو ‘يا أستاذ’، وهذا التفصيل مهم جداً لأي مدير مع موظفيه"، يقول عادل أكرم، وهو رجل ثلاثيني من الجيزة.

بدوره، يقول عباس، ويعمل بنّاءً في كفر الشيخ: "لازم طبعاً يقولوا المعلّم عباس، سواء الصبيان الذين يعملون تحت يدي، أو حتى في الشارع، فأنا أعمل في هذه المهنة منذ أكثر من 25 سنةً، وهذا اللقب لا يقال من فراغ".

مظاهر فارغة

في الوقت الذي يرى فيه البعض اللقب مهماً ولا غنى عنه، يعتقد آخرون أنه تضخيم للذات مبالغ فيه، وأن الحياة أبسط من كل هذه التعقيدات.

يوسف حلمي رئيس شركة دعاية وإعلان، يقول لرصيف22: "أندهش من الأشخاص الذين يضعون كل هذه الأهمية للألقاب، فالاحترام بينك وبين الآخرين لا تكتسبه من اللقب فحسب".

الرجل الخمسيني المقيم في الجيزة أضاف: "أرفض أن يقول لي الموظفون أي لقب، وينادونني بـ’يوسف’ فحسب، فالتقدير يكون بحسن المعاملة لا أكثر".

بشكل مشابه، ترى علياء علي (35 سنةً)، أن الألقاب مظاهر فارغة، وقد يستخدمها الشخص ليخفي نقائصه. "لا أهتم بها على الإطلاق ولا أرى لها ضرورةً. أتعامل ببساطة مع الكل، وأقاربي ينادونني باسمي مجرداً، وأنا طبيبة صيدلانية، وكذلك أتعامل مع زملائي ببساطة وننادي بعضنا بأسماء دلع كثيرة".

وتضيف الشابة لرصيف22: "لن يتجاوز أحد حدّه معي، لأنه يناديني باسمي، ولن يحترمني فقط لو قال لي ‘يا دكتورة’. الأهم هو احترام رأي الآخر وشخصه وذكره في المجالس بما يستحق".

رفع الكلفة في بعض الأحيان يكون كارثةً، فقد يستغله الشخص ويتجاوز الحدود في معاملته معك. أنا رئيس قسم العلاقات العامة في إحدى الشركات، ولا أغالي في الألقاب، ولكن على الأقل أنتظر أن يناديني مرؤوسي بـ’يا أفندم’، أو ‘يا أستاذ’

ألقاب محببة

إلى جانب الألقاب التي نحصل عليها بعد دراسة ومجهود طويلين، هناك ألقاب تُمنح للبعض من قبل المحيطين بهم. يبدأ الأمر أحياناً بمزحة ثم ينتهي بأن يلتصق اللقب بالشخص ولا يتخلى عنه صاحبه.

علي مدبولي (30 سنةً)، يجيد صناعة القهوة، ولذلك منذ سنوات أطلق عليه أحد الزبائن لقب "فنان"، ولم يعد يتخلى عن اللقب الذي التصق به، ويقول لرصيف22: "الناس بتقُلّي يا فنان، وأنا الحقيقة أحب هذا اللقب وأعدّه فخراً، لأن معناه أني مجتهد في مهنتي".

بدوره، حصل سعيد عبد السلام، وهو رجل خمسيني من كفر الشيخ، على لقب "شيخ البلد"، لتواجده في أغلب مجالس فض أي اشتباك أو خلاف بين أسرتين. يقول لرصيف22: "الناس يحتكمون إلي في مشكلاتهم ويرضون بما أقول"، ويضيف أنه يحب هذا اللقب ويتمنى أن يكون قد حصل عليه باستحقاق.

تطلق أسرة عبد الله سالم عليه لقب "المدير"، لأنه الأخ الأكبر بين أشقائه الأربعة، ويطلبون مشورته عند حدوث أي مشكلة.

عبدالله (68 سنةً)، يقول لرصيف22: "أبناء أشقائي أطلقوا عليّ هذا الاسم، وكلما احتاجوا إلى شيئ يقولون ننتظر رأي المدير. وشقيقي الأصغر مني مباشرةً يُلقَّب بـ‘نائب المدير’".

فوضى الألقاب

أيام الملكية، كانت الألقاب مهمةً جداً، وكان البعض يتقربون من الملك ويدفعون من أجل الحصول على لقبي "بيه" و"باشا"، ثم جاءت ثورة عام 1952 لتلغي الألقاب، إلا أن المصريين يميلون أكثر إلى إعادة إحيائها، وينسبونها إلى بعض الأشخاص في حالات عدة، فمثلاً من أجل قضاء المصالح يصبح فجأةً الموظف في المؤسسات الحكومية "بيه وباشا ومستشار"، وهذا ما يفعله المواطن البسيط لقضاء حاجته.

الناس بتقُلّي يا فنان، وأنا الحقيقة أحب هذا اللقب وأعدّه فخراً، لأن معناه أني مجتهد في مهنتي.

يرى محمد صابر (25 سنةً)، أن الألقاب لن تختفي أبداً من المجتمع المصري، وهي مهمة لقضاء المصالح. "عندما أكون في مؤسسة حكومية أو في مركز شرطة مثلاً، أقول لكل من أقابله: ‘يا معالي المستشار’، وكل من هناك يقولون: ‘معاليك ويا باشا’".

وإلى جانب الألقاب التي تمنحها لنا شهاداتنا أو الآخرون، هناك ألقاب أو أسماء أُطلقت على بعض المهن منذ سنوات بحكم العرف، والتصقت بأصحابها رغماً عنهم، أو بإرادتهم.

مثلاً، يقول البعض للحلاق "دكتور"، وخاصةً أولئك الذين يستعينون به لكتابة علاج لهم. وفي هذا السياق يقول عمرو حسين، وهو من محافظة البحيرة لرصيف22: "الحلاق في بعض القرى لا زال يقوم بتطهير الأطفال، وكتابة العلاجات البسيطة لهم عند ارتفاع الحرارة مثلاً، ويحقنهم لو لزم الأمر".

أما السبّاك، فكثيراً ما يناديه الزبائن "باش مهندس"، وهو ما يتحدث عنه السبّاك مصطفى سيد من الجيزة، بقوله: "اعتدت هذا اللقب، وأعرف أنه ليس من حقي، ولكن هذا من أعراف المجتمع التي لا تتغير مع الوقت".

و"المسهّلاتي" أو "المخلّصاتي"، هو الشخص الذي تجده في المؤسسات الحكومية ويعمل على تخليص الإجراءات لقاء مقابل مادي، وأطلق عليه الجمهور هذا اللقب. "نقول عنه ذلك لأننا من دونه لا نستطيع أن ننجز أي عمل، فهو يعرف أسرار المؤسسة الحكومية التي يعمل فيها ونعطيه المال حتى لا نتعطل في الإجراءات"، يقول علي محمود وهو مدرّس أربعيني.

مشكلة مجتمعية إعلامية

يعزو الخبير الاجتماعي، الدكتور سعيد صادق، فوضى الألقاب في مصر إلى الإعلام بدرجة كبيرة، "فحتى يثبت البعض أنهم يستعينون بمتخصصين، ينسبون إليهم ألقاباً هزليةً، مثل خبير إستراتيجي أو محلل أو غيرهما من الألقاب، ومن ثم انتشرت هذه الألقاب وأصبحت فوضى"، يقول في حديث إلى رصيف22، ويضيف أن المشكلة في المجتمع أيضاً، "فنحن نضع الألقاب لأصحاب الوظائف لقضاء المصالح، ونزيد غرورهم، والغريب أن بعض هؤلاء الأشخاص لا يعترضون أو ينفون حصولهم على الدكتوراه مثلاً".

ويرى المتحدث أن التمسك بالرسميات حق، خاصةً لو كان اللقب صحيحاً وليس منسوباً من دون وجه حق. أما بعض الألقاب الأخرى فقد تكون على سبل المزاح، أو تفرضها علينا الأعراف. "نحن في مصر نهتم كثيراً بالبريستيج، ولذلك نحب الألقاب التي نستخدمها من دون هدف".

المصريون يميلون إلى إعادة إحياء الألقاب، وينسبونها إلى بعض الأشخاص في حالات عدة، فمثلاً من أجل قضاء المصالح يصبح فجأةً الموظف في المؤسسات الحكومية "بيه وباشا ومستشار"، وهذا ما يفعله المواطن البسيط لقضاء حاجته

ألقاب غير مألوفة

يقول محمد جمال سباق الحويطي، وهو مؤلف وباحث مختص بتاريخ صعيد مصر وتراثه، لرصيف22: "يتميز أهل الصعيد عن غيرهم من أقاليم مصر بالألقاب التي تلتصق ببعض الرجال وببعض النساء أيضاً، فتُعرف كامل الأسرة مثلاً لشهرة الجد بلقب ‘النجب’ الذي يقال له هناك".

ويتفنن أهالي الصعيد في ألقاب الرجال والنساء، كما يقول الحويطي، وتنقسم إلى ألقاب بسبب فعل اعتاد عليه صاحبه، مثل "أبو خطوة"، وهو لمن يمشي بخطى مختلفة عن غيره، أو "أبو دراع" لمن قُطعت يده أو لقوة في يديه مختلفة عن غيره، أو "أبو النار" لكونه اعتاد على إشعال النار أمام بيته.

العضو العامل في الجمعية المصرية للدراسات التاريخية، أضاف: "هناك ألقاب لمن اشتهر بحب فاكهة بعينها، مثل من عُرف باسم ‘بطيخ’، أو ‘أبو حمص’، وهناك من يُلقَّب بسبب مهنة جدّه، مثل الطبّاخ أو الناظر أو العسكري أو الخطيب أو المأذون، وهناك عائلة عُرفت بـ’الحاوي’ لشهرة أجدادها بإخراج الثعابين، وببعض الحيل والسرعة التي تخطف الأنظار، كما أن هناك ألقاباً لازمت أصحابها بسبب اختلافهم في ملابسهم، مثل أبو عمامة، أو أبو شوشة، وهو نسيج العمامة البيضاء".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image