شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
السحر والتدين والتنوع الطبقي والحظّ... أسماء المصريين عبر العصور

السحر والتدين والتنوع الطبقي والحظّ... أسماء المصريين عبر العصور

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

السبت 28 نوفمبر 202001:10 م

تأثرت أسماء المصريين عبر تاريخهم الطويل بمجموعة من العوامل والمتغيرات، والتي أسهمت مع بعضها البعض في التأكيد على الهوية المصرية في شتى العصور. عملت الباحثة المصرية الدكتورة سامية حسن الساعاتي، في كتابها المهم "أسماء المصريين: الأصول والدلالات والتغيير الاجتماعي"، على رصد أهم تلك العوامل والمؤثرات، والتي يتصدرها التنوّع الطبقي والدين والسحر.

التنوع الطبقي

لعب التنوع الطبقي دوراً مهماً في أسماء العديد من المصريين عبر التاريخ، وتُعدّ الأسماء من بين أهم مظاهر التأثير والتفاعل الثقافي بين الطبقات الاجتماعية وبعضها البعض، فعلى سبيل المثال، اعتاد الريفيون في الكثير من الحالات على التسمي بأسماء أهل المدن والحضر، كمحاولة لإثبات ترقيهم الاجتماعي، وكثيراً ما تمثلت تلك الظاهرة فيما يُطلق عليه اسم "الموضة".

أيضاً، اعتادت الطبقة العليا في العصر الحديث على تسمية أبنائها بأسماء أجنبية، تتماشى مع ثقافة العناصر الأجنبية المسيطرة في مصر في كل مرحلة تاريخية، وذلك كنوع من أنواع التشبه بالمنتصر وتقليده، فعلى سبيل المثال، انتشرت الأسماء التركية، مثل خيرت وعزت وثروت ونيفين وجلفدان، في مصر، بين أبناء الطبقة العليا في العصر العثماني، بينما انتشرت الأسماء الإنجليزية، مثل كتشنر وجوزيف ونانسي وسونيا، بعد دخول القوات الإنجليزية إلى مصر في 1882. 

انتشرت الأسماء التركية، مثل خيرت وعزت وثروت ونيفين وجلفدان، في مصر، بين أبناء الطبقة العليا في العصر العثماني، بينما انتشرت الأسماء الإنجليزية، مثل كتشنر وجوزيف ونانسي وسونيا، بعد دخول القوات الإنجليزية إلى مصر في 1882

من بين التأثيرات الاجتماعية المميزة في أسماء المصريين، أن هناك مجموعات معينة من الأسماء التي انتشرت بين بعض الطبقات، أو في بعض المناطق والمدن ذات الطبيعة الخاصة والمميزة، من ذلك أن التسمي بأسماء الأسماك، مثل حوت وبلطية وشبارة وبلطي، تكثر في المناطق الساحلية تحديداً، في حين تكثر أسماء الفواكه والمزروعات، مثل زهرة وفلة وياسمين، في الريف، أما في التجمعات الصناعية، فانتشرت أسماء أصحاب الحرف والمهن اليدوية، مثل النجار والصائغ والحداد والسقا.

السحر

كان من الشائع في المجتمعات القديمة أن تأخذ الأسرة المصرية برأي الكاهن أو الشيخ قُبيل تسمية مولودهم الجديد، وكثيراً ما عدلت الأسر عن بعض الأسماء عندما يظنون أنها أسماء "منحوسة"، أو أن نجمها لا يتوافق مع نجم المولود.

هذه العادة ظلت قائمة في المجتمع المصري على مرّ العصور والقرون، وما يشهد على ذلك ما ذكره المؤرخ الإنجليزي وليم إدوارد لين، سنة 1836، في كتابه "المصريون المحدثون، شمائلهم وعاداتهم"، في معرض وصفه لأهل مصر: "كانت استشارة المنجمين قبل تسمية الطفل واتباع ما يختارونه له عادة شائعة في مصر والبلاد الإسلامية الأخرى...".

هذه العادة ظهرت أيضاً في بعض الألقاب الملوكية والسلطانية المشهورة في تاريخ مصر الإسلامية، إذ تذكر لنا المصادر التاريخية، ومنها النجوم الزاهرة لابن تغري بردي، أن بيبرس البندقداري لما أعتلى كرسي السلطنة، تلقّب بالقاهر، فأخبره بعض المنجمين أن هذا اللقب منحوس، وأنه عادةً ما يجلب الحظ السيء لصاحبه، فعدل بيبرس عن هذا اللقب، واتخذ من "الظاهر" لقباً جديداً له.

كان من الشائع في المجتمعات القديمة أن تأخذ الأسرة المصرية برأي الكاهن أو الشيخ قُبيل تسمية مولودهم الجديد، وكثيراً ما عدلت الأسر عن بعض الأسماء عندما يظنون أنها أسماء "منحوسة"، أو أن نجمها لا يتوافق مع نجم المولود

رَبْط الاسم بالسحر والتنجيم ظهر في التاريخ المصري من خلال بعض الممارسات الغريبة، والتي وصفت في بعض الكتب والمصادر، والتي تعود لبعض الأساطير المصرية الموغلة في القدم، ومن ذلك ما أورده محمد عمر في كتابه "حاضر المصريين أو سر تأخرهم"، عندما ذكر أنه عندما يولد المولود الجديد، فأن أمه توقد ثلاث شمعات، وتجعل لكل شمعة اسماً مخصوصاً، وتبقى الشمعات الثلاثة مضاءة الليل كله، حتى إذا ما أشرقت الشمس، تنظر الأم للشمعة الباقية، فتسمي مولودها باسمها، ثم تضعه في غربال مع كمية كبيرة من الحمص والبندق، وهي العادة التي ظل الشطر الأخير منها قائماً في الثقافة المصرية المعاصرة.

من تجليات السحر في أسماء المصريين أيضاً، ظاهرة مميزة إلى حد بعيد، وهي تلك التي تُعرف باسم ظاهرة التشبيه، والتي تتمحور حول الاعتقاد بفاعلية وتأثير الأسماء والأوصاف، وأن من شأن الاسم أن يستدعي المسمى أو الموضوع، ولذلك كثيراً ما يُشار إلى الشخص المكروه بالبعيد أو "اللي ميتسماش" أو "المخفي"، كما في أحيان أخرى، يُنادى الشخص بالاسم المقابل لصفته أو لحالته. فعلى سبيل المثال، يُوصف المريض بـأنه "بعافية"، ويُشار للحزين بأنه "متهني"، كما يمتنع الكثير من المصريين حتى الآن من ذكر اسماء أمراضي معيننة، ويمتنعون كذلك عن ذكر اسم الجن والشياطين خوفاً من استحضارها، ويذكرون بدلاً منها عبارات وقائية لصرف أذاها، ومنها: "ربنا يجعل كلامنا خفيف عليهم" أو "اللهم احفظنا".

الأنثروبومورفية،  الظاهرة نجدها عند الكثير من الحكام، وهي القيام بمسح أسماء أسلافهم من النقوشات والكتابات، رغبةً منهم بإخفائهم كلياً عن الحياة، بمعنى أن الاعتقاد الشائع كان يذهب إلى أن الكلمة أو الاسم من شأنها أن تتجسّد في هيئة بشرية مكتملة، بعد ارتباطه بقوة سحرية ما

بحسب ما تذكره الدكتورة سامية حسن الساعاتي في كتابها، فإنه من المُرجّح أن تلك الظاهرة تعود لظاهرة أكثر قدماً في التاريخ المصري القديم، وهي تلك التي تُعرف بالأنثروبومورفية، وبموجب تلك الظاهرة كان الكثير من الملوك يقومون بمسح أسماء أسلافهم من النقوشات والكتابات، (أو هدم جزء من تماثيل الأسلاف) رغبةً منهم بإخفائهم كلياً عن الحياة، بمعنى أن الاعتقاد الشائع كان يذهب إلى أن الكلمة أو الاسم من شأنها أن تتجسّد في هيئة بشرية مكتملة، بعد ارتباطه بقوة سحرية ما، وهو الاعتقاد الذي تطور فيما بعد في النسق المسيحي، بعدما تم ترسيم الثالوث المقدس "الآب- الابن- الروح القدس" في صورته النهائية.

أيضاً من العادات الغريبة المرتبطة بالأسماء في مصر القديمة، أن البعض كان يرفض تسمية المولود على اسم جده في حياة الأخير، وكان سبب ذلك الرفض الاعتقاد بأن التسمية باسم الجد من شأنها أن تكون نذيراً بنهاية حياة الجد، وبأن الحفيد سوف يرث من جده البقية الباقية من عمره كما ورث اسمه، ومن هنا فقد شاع المثل الشعبي "اسم يتزرع واسم يتقلع"، وبالمقابل فقد كان من الشائع أن يتسمى الحفيد باسم جده أو أبيه المتوفيين، في علامة أو إشارة للبقاء الرمزي للشخص المتوفى، إذ كان بقاء الاسم يعبر بشكل وثيق عن بقاء الروح، وقد جرى التعبير عن ذلك بشكل واضح في المثل القائل "عاشت الأسامي".

"خير الأسماء ما عُبد وما حُمد"

تعبر الأسماء تعبر بشكل أو بآخر عن القيم الشائعة في الثقافة كما تعبر عن أشكال التدين السائدة والمُتعارف عليها.

الدكتور عبد العزيز صالح في كتابه "الأسرة في المجتمع المصري القديم" أشار للعلاقة الوطيدة التي تجمع بين أسماء المصريين، قديماً وحديثاً، والدين، فقال: "وعلى نحو ما نقول الآن إن خير الأسماء ما عُبد وما حُمد، مدفوعين بدافع التدين، شاعت بين أسماء المواليد في مصر القديمة أسماء عبرت عن روح التدين في أسرهم أصدق تعبير.

وكان من هذه الأسماء ما يربط بين المولود ومعبود قومه برباط التبعية مثل (حم رع) أي عبد رع و(باكن آمون) أي عبد آمون، و(من نثراي) أخو الرب، أو رباط الشكر، (نفر ايرت تاح)، أي طيب ما فعله بتاح، أو رباط التعهد والإيمان، مثل (نفر جون بتاح) أي عز وجه الإله بتاح، و(آمون رع) أي آمون أحد، أو رباط التوكل مثل (عنخي مع بتاح) أي حياتي في يد بتاح...".

كذلك كان من المعتاد أن يُسمّى بعض الأطفال باسم اليوم الذين ولدوا فيه، ومن هذا تسمية البعض بطفل اليوم التاسع، وهو ما يتشابه الآن مع تسمية البعض بخميس أو جمعة. وفي أحيان أخرى يُسمى المولود باسم العيد أو المناسبة التي تصادفت ولادته مع حلولها، مثل تسمية أحد الملوك المصريين القدماء في الأسرة الثامنة عشر بحور محب، أي الرب حور في عيد، وهو ما يتشابه مع تسمية بشاي، بمعنى عيد في اللغة القبطية، وتسمية رمضان التي يفضل الكثير من المسلمين إطلاقها على أبنائهم، ابتهاجاً بشهر الصوم.

في السياق نفسه، قد يتسق الاسم مع مناسبة سياسية قومية أو وطنية مهمة، فإذا كان المصريون القدماء قد سموا أبناءهم أحياناً بـ "مولاي على رأس جيشه"، فإن البعض في العصر الحديث قد سمى بناته بوحدة، تيمناً بالوحدة السياسية التي انعقدت بين مصر وسوريا في عام 1958، وكذلك سمى بعض المصريين بناتهم بثورة، لتخليد ذكرى ثورتي يناير 2011 ويونيو 2013. بعد الحرب الإسرائيلية عام 2006، اجتاحت شعبية نصر الله اللبناني العالم العربي، وحملت نسبة من مواليد ما بعد الحرب اسمه "حسن". 

أحياناً قد يستلهم الوالدان اسم الوليد من واقع ترتيبه بين إخوته أو الظروف العصيبة التي مرا بها قُبيل إنجابه، كأن يكون قد ولد بعد فترة طويلة من العقم مثلاً، ومن ذلك التسمية القديمة نيبسون أي سيدهم، أو ايتسن أي أميرهم. وفي بعض الأحيان يتم "نذر" الأسماء، على سبيل "إن تمت الولادة بخير، أنذر أن أطلق اسم "كذا" على المولود". 

وبحسب ما تذكر الساعاتي: "قد تشترك الأسماء المذمومة مع الأسماء التي تُطلق بسبب الخوف من الحسد، ويكون قُبح الاسم مقصوداً أيضاً لإبعاد العين والحسد، لكي يعيش في النهاية صاحب الاسم"، ومن ذلك أسم "نرختوس" أي التي لا يعرفها أحد، واسم "جمت موتى" أي التي وجدتها أمها، وهي عادة قائمة حتى تلك اللحظة في المجتمع المصري، ولا سيما في القرى والريف، إذ يلجأ الأب لتسمية ابنه الذي طال انتظاره باسم غريب نوعاً ما، ليعبر به عن طول شوقه له، أو شكره لله الذي وهب له المولود، ومن ذلك تسمية رضا أو نعمة أو شكرية أو عطية أو وهبة، وهي الأسماء التي تتشابه كثيراً مع التسمية القديمة "نفر حوتب حتحور"، بمعنى فضل الربة حتحور نعمة.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image