شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
حين هددني الذباب وخفت

حين هددني الذباب وخفت

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الأربعاء 23 فبراير 202205:33 م

لست أوّل مَن يتعرّض للتهديد* العلني والمباشر من الذباب الإلكتروني الذي يدور في فلك حزب الله، ولن أكون الأخير. لست أوّل مَن يحاول المهددون نفي تهديدهم له، والتنصل منه، أو أقله تسخيفه، بغية تفعيله أكثر وبشكل أخطر، ولن أكون الأخير. لست أوّل مَن يتعرض لنوع من "الاغتيال المعنوي"، ولن أكون الأخير.

وﻷني من جماعة تستطيع الكتابة والتعبير، يصبح من واجبي أن أرفع الصوت والصراخ وأن أحكي مّا مررت به، على المستوى النفسي والشخصي، على مستوى الشعور بحرية الحركة، على مستوى الحق بممارسة الحياة اليومية بكل أريحية ومن دون أي حذر. فلعلني بهذه الطريقة أرفع صوت غيري معي، صوت أولئك الذين لم يتمكنوا من استكمال المواجهة، صوت الذي أخفقوا.

لكن كيف يمكنني التعبير عن وجع مرّ به الآخرون، وأنا لست ممَّن يزعمون تمثيل أي آخر؟ بل لست ممَّن يستطيعون تمثيل أنفسهم! هناك حاجة ملحّة للتغيير تتملكني، حاجة للتنقل بين المواقف، لتحطيم المسلّمات، وصولاً إلى تمثّل ثنائية فراق، ثنائية تؤكد على جوزائية طالعي.

هي هكذا المعادلة، بكل بساطة: "أنا" مقاتلة من ناحية تحاول تفسير "أنا" حذرة من ناحية ثانية. والحذر ليس تهمة، والخوف ليس شعوراً نخجل به ونشعر بالحاجة الملحة إلى إخفائه. فكيف إذا كان خوفاً من تهديد، وبكاتم صوت؟!

لا، لست ممَّن يزعمون الصلابة، ولا ممّن يهوون التأليه، وحتماً لست ممَّن يهوون الانتصارات الإلهية. لست ممَّن يبحثون في كيفية الأسطرة، بل لست من أولئك الذين يزعمون أن السماء تقاتل معهم، لينتصروا بانتصارها. لا. إطلاقاً. نحن مجموعات بشرية تخاف، ولديها الجرأة على التعبير عن خوفها، جماعات تشعر بالحاجة الملحة إلى تحقيق شيء ما يمكن أن تفرح به، تخاف عليه، تقاتل من أجله، وتهاب الموت خوفاً من انتهاء التلذذ به. هكذا ببساطة. لم نتمكن يوماً من التضحية بمَن نحب، بمَن نتحمّل بيولوجياً مسؤولية وجودهم. نشعر بالحاجة الملحة إلى احتضان أطفالنا، وإلى رفع هذه اللحظة إلى مصاف المطلق، فنخاف من صوت طائرات يمكن أن يطيح بهذه التفاصيل البسيطة.

"نحن مجموعات بشرية تخاف، ولديها الجرأة على التعبير عن خوفها، جماعات تشعر بالحاجة الملحة إلى تحقيق شيء ما يمكن أن تفرح به، تخاف عليه، تقاتل من أجله، وتهاب الموت خوفاً من انتهاء التلذذ به. هكذا ببساطة"

هذا ما يخيف الذباب الإلكتروني. يخيفهم أن يشعروا بإنسانية المقاتلين الذين يحمونهم. فالإنسانية وهن، ألم، وتعب. هم يجرّدون هؤلاء المقاتلين، مقاتليهم، من أجسادهم، لكي يبقوهم على استعداد للانقضاض، آلات لا تشعر إلا بالقدرة الفائقة على فرط الحركة والقتال. هم ينتجون، وبشكل يومي، أيديولوجيا تطيح بكل ما يربط المقاتل بإنسانيته، بدمه، بآماله وتطلعاته. إنها أيديولوجيا نثر الخوف، والعودة إلى التخويف منه، أيديولوجيا التنميط الإلهي، التنميط المقدّس، أيديولوجيا جماعة بشرية تخلّت عن بشريتها، ولحقت بهدف مقدس مزعوم، هدف يخرج عن الزمان والمكان فيكون ثابتاً أبدياً لا تشوبه شائبة.

هكذا ببساطة، يصبح كل شيء بلا أي رائحة ولا نكهة، مجرد قدرة استثنائية على التدمير والقتل، قدرة استثنائية على رفض كل ما هو بشري، وطمسه، وشطبه بجرّة قلم. وهذا يعيدنا إلى الحق في أن يكون كل ما نقاتل من أجله، أحياناً، هو الحق بالخوف، الحق بالتعب والإرهاق، الحق بالتألم، الحق بالاعتراف بالوهن.

"أن تتهدد من دون أن ترفع صوتك، أن تتهدد من دون أن تصرخ في وجه مصدر التهديد، أن تتحول، بقدرة قادر، إلى شخص يتخلى عن حقه في الشكوى، هذا كل ما يريدونه"

هكذا ببساطة. لقد تعبنا. هذه البقعة الجغرافية أنهكتنا. احتلّت وقت فراغنا، ووقت لهونا. هكذا ومن دون أي اعتذار، صودر كل ما يصلنا بأي شكل من أشكال الحياة، وصولاً إلى انتزاع قدرتنا على الشكوى.

أن تتهدد من دون أن ترفع صوتك، أن تتهدد من دون أن تصرخ في وجه مصدر التهديد، أن تتحول، بقدرة قادر، إلى شخص يتخلى عن حقه في الشكوى، هذا كل ما يريدونه. يريدون صمت الآخرين، خنوعهم، أو يريدون غزوهم بالحاجة الملحة إلى الدفاع عن النفس، فيحوّلونهم، كما حوّلوا مقاتليهم، وإنْ بشكل مجرّد، إلى أجساد بلا أرواح.

*إثر تغريدة كتبها الناشط السياسي والأستاذ الجامعي باسل صالح انتقد فيها "مكابرة متلازمة القوة المفرطة وعدم الخوف من الموت" التي ظهرت في تغريدات لمؤيدين لحزب الله ادّعت أن صوت الطائرات الحربية الإسرائيلية التي حلّقت على علو منخفض فوق بيروت وضواحيها الجنوبية لم ترعب الناس، في معاندة معتادة لواقع الأمور، ووصف فيها أحد مقاتلي حزب الله بـ"الميليشياوي"، انطلقت حملة تغريدات ضدّه، معظمها من حسابات أصحابها مجهولون، وصلت إلى حد تهديده بالقتل بـ"كاتم الصوت".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel


* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard