شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
احترام الناس كبداية لمشروع سياسي

احترام الناس كبداية لمشروع سياسي

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

السبت 5 فبراير 202211:45 ص

إذا ما أمعنّا النظر في العقدين المنصرمَين، منذ "انتفاضة البنزين" في لبنان عام 2004، وسقوط ستة شهداء، مروراً بالرابع عشر من آذار، تعريجاً على الثامن منه، وصولاً إلى انتفاضة 17 تشرين الأول/ أكتوبر، وكافة المواجهات التغييرية والمطلبية والنقابية التي هبّت وانطفأت منذ انطلاق الربيع العربي حتى اليوم، نجد أن الناس لم يخذلوا أي مواجهة سياسية أو نقابية جدية، لا بل نجد أنهم كانوا سبّاقين في النزول إلى الشارع، والتحرك، والمواجهة، لأيام متتالية، وبأعداد مهولة، مليونية لا بل أكثر، وصولاً إلى الاستشهاد.

تمت استباحة آمال الناس بوعود ووعود كاذبة، كرمى لعيون حفلات تهريج سلطوية.

نذكر الرابع عشر من آذار/ مارس 2005، كما نذكر الثامن منه أيضاً، ليس لتشريعٍ وموافقة، بل لإدانة القيادات لا الناس. فالناس نزلوا إلى الشارع يومها ﻷنهم كانوا مؤمنين بخيارات سياسية، وكانوا مؤمنين بكلام يعدهم بجنة الإمكانات في حال الانتصار. تمت خيانة هؤلاء الناس من قبل القيادتين، من المشروعين. تمت استباحة آمال الناس بوعود ووعود كاذبة، كرمى لعيون حفلات تهريج سلطوية. حفلات ذهبت بالبلاد إلى وضع أسوأ. ذهبت بالبلاد إلى استباحة مستمرة أوصلتنا اليوم إلى ما نحن فيه، وعليه. ولا زالت هذه القوى، وهذه القيادات، تعيد النغمة ذاتها، وما زالت تستبيح آمال الناس، وإمكاناتهم، من دون أي تغيير في نسب نفاقها في خياراتها التي ارتضت أن تحملها في شعاراتها. لقد خانت هذه القوى الناس على أرضيتهم، وليس على أرضيتها. خانت الناس، والتفّت عليهم، في بيتهم قبل بيتها، وبعد أن خانتهم أذلّتهم وأهانتهم بكافة الأشكال الممكنة.

هذا ما يُفترض أن تدركه جماعات المعارضة التي تتالت على المشهد، وعلى الساحة. والدرس ينص على أن الطريق إلى الناس يُبنى بالموقف، وبالصدق، وبتعبيد أحجار الثقة، والثقة بأحجار الجدية، والوضوح، والمثابرة، وإن كان الخطاب تدميرياً. ولو كان الخطاب على غير ما يريد الناس أن يسمعوا. مجرد الصدق معهم هو مفتاح لا يمكن التفريط به.

الثقة تُبنى بالاحترام. فاحترام الناس، كما الإقبال على الحياة، هو تلمس مشروع سياسي حين تكون السلطة غير محترمة مع الناس، وغير محترمة مع أبنائهم وبناتهم، ولا تحترم مستقبلهم وأيامهم، ولا تمتلك أي ذرة مسؤولية تجاه آمالهم وتطلعاتهم

والثقة تُبنى بالاحترام. فاحترام الناس، كما الإقبال على الحياة، هو تلمس مشروع سياسي حين تكون السلطة غير محترمة مع الناس، وغير محترمة مع أبنائهم وبناتهم، ولا تحترم مستقبلهم وأيامهم، ولا تمتلك أي ذرة مسؤولية تجاه آمالهم وتطلعاتهم. ففي لحظة انعدام الاحترام، وتكريس النهب والاستباحة والتطاول، التي تمارسها السلطة بحق الناس، يكون نقيضها هو بداية مشروع سياسي، على الرغم من أنه غير كافٍ.

أما حول كيفية استكماله، وبلورته، فهذا سؤال آخر. سؤال يبدأ باحترام التجربة التاريخية للناس أيضاً، ويُستكمل بكيفية بناء الاحترام كمشروع يقوم على رفض إهانة الناس بحجة أنهم لم ينتفضوا، ورفض التشبيح عليهم ونعتهم بأسوأ الألفاظ لأنهم لم يقوموا بأي خطوة إزاء أسباب إذلالهم. وهذا امتداد لمعادلة غرائبية تهيمن على أفراد الطبقات الوسطى إجمالاً، وذلك عندما يعتقدون بأن اللحظة التي يرونها مناسبةً للانتفاض، هي اللحظة التاريخية المؤاتية له، وبأن الموقف الذي يرونه صائباً، هو موقف الصواب المطلق. لا بل يذهبون أبعد من ذلك لناحية معاقبة الناس على عدم تطابقهم مع ما يرونه هم مناسباً. وهذا، إن دلّ على شيء، فعلى مدى استشراء ذهنية السلطة، لناحية التنصل من المسؤولية إزاء الناس، ولناحية مدى تمدد ذهنية التسلط وقلة الاحترام لهم ولخياراتهم.

إذ هكذا، وببساطة، يأتيك من يرى أن مهمته التاريخية هي توعية الناس غير الواعين، عبر كشف النقاب عن حقوقهم التي لا يعرفونها. يأتيك من نصّب نفسه مالكاً للوعي الذي يجب أن يحمله هو وغيره، على اعتبار أن الناس لا يحتاجون إلا إلى الوعي الذي يفترضه لتكتمل صورة الحقوق عندهم، وينتفضوا للمطالبة بها

لا تقف قلة الاحترام على السلوكيات السابقة، بل تتبدى أيضاً في الكلام الذي يحمل مقولات وعناوين على سبيل "توعية الناس"، و"نشر الوعي"، و"العمل التوعوي"... إلخ. إذ هكذا، وببساطة، يأتيك من يرى أن مهمته التاريخية هي توعية الناس غير الواعين، عبر كشف النقاب عن حقوقهم التي لا يعرفونها. يأتيك من نصّب نفسه مالكاً للوعي الذي يجب أن يحمله هو وغيره، على اعتبار أن الناس لا يحتاجون إلا إلى الوعي الذي يفترضه لتكتمل صورة الحقوق عندهم، وينتفضوا للمطالبة بها. هذه النظرة الفوقية إلى الناس، والتي تريد أن تظهر لهم ما خفي عنهم، وكأنهم لا يدركون مصالحهم وحقوقهم، هي صورة بليغة جداً من تكثيف قلة الاحترام التي تتمتع بها بعض الجهات التي تزعم المعارضة، وهي ما يجب أن تمارس النقد الذاتي المكثّف حولها.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image