لن تكون إيتيل هُناك في أيار/ مايو المُقبل، لتضطلع بدور الشاهِدة على رقصة بساتين الزيتون وزهوها ولتُشرف على جنونها، هي التي غلّفت روح فان غوغ الهشّة وهَدهدت إنكساره. ومع ذلك، ستحاور خيبات ذاك الرسّام الذي حوّل ألمه مقاطع رنّانة في أحاديث الهوى التي أتقن سرّها باكراً، على الرغم من أنها ساهمت إلى حد كبير في انزلاقه في وادي الهوس والاكتئاب.
لن تحضر إيتيل المعرض الاستعادي الذي سيطل على العالم في العشرين من أيار/ مايو المُقبل في "متحف فان غوغ" العريق القائم في أمستردام، ولكنها كانت قبيل وفاتها بقليل تعمل مع فريق عمل هذه الفُسحة الأنيقة، بفرح وبرشاقتها الصامتة المعهودة، ليكون المعرض الاستعادي الأول لها في هولندا، مغامرتها الكبيرة.
Photo Vouvoula Skoura 2007
مغامرة فتاة بقيت صغيرة وهي في الـ 96 من عمرها، وفهمت باكراً بأن ترنّح الموت القادم من البوابة الأخيرة هناك، هو أهم حافز لها لتعيش حيوات عدة في اليوم الواحد.
وهذا الصمت الحاذق الذي أخفت خلفه، بحسب كُثر من الأصدقاء الذين حدثونا عن إيتيل الأكبر حجماً من الحياة، قدرة هائلة على معرفة الأشخاص ونواياهم.
اللون كلغة
Colour As A Language (اللون كلغة) سيستمر في متحف فان غوغ طوال الصيف المُقبل على أمل أن تكون إيتيل عدنان ( 24 شباط/ فبراير 1925 – 14 تشرين الثاني/ نوفمبر 2021)، الشاعرة وكاتبة المقالات والفنانة التشكيليّة السورية اللبنانيّة الأميركيّة، سعيدة وراضية، وإن كانت في الواقع انتقلت إلى حيث الصبا لوحة مينيماليّة توقّعها، هُناك، في وقت الفراغ.
الصورة من ريكاردو كرم
معرض Colour As A Language سيستمر في متحف فان غوغ طوال الصيف المُقبل على أمل أن تكون إيتيل عدنان، الشاعرة وكاتبة المقالات والفنانة التشكيليّة السورية اللبنانيّة الأميركيّة، سعيدة وراضية، وإن كانت في الواقع انتقلت إلى حيث الصبا لوحة مينيماليّة توقّعها، هُناك
وبحسب فريق العمل في متحف فان غوغ في أمستردام، سيتضمّن هذا المعرض الاستعادي/ الحدث لوحاتها الزاهية، بالإضافة إلى الـ Leporellos (كُتيّبات يتم طيّها مثل الأكورديون، وغالباً ما كانت الفنانة تستخدمها لتدوّن عليها قصائدها غير المنشورة) وأعمالها الأدبيّة التي ستتحاور بمعظمها مع العديد من أعمال ذاك الرسّام الذي دمّرته الكآبة، ويُقال إن روحه انطفأت برغبة منه، من دون أن ننسى الـ Tapestries أو البسط التي كانت تتفنن في زخرفتها.
تصوير سيمون فتّال
وكان المتحف قد أعلن في آب/ أغسطس المُنصرم، و"ببهجة كبيرة" كما أكدت لنا مديرته إيميلي غوردينكر، عن المعرض المُرتقب. وكان القيّمون يعملون منذ فترة طويلة مع إيتيل بطريقة حميميّة لتأخذ أعمالها حقها، وليكون الحوار بينها وبين فان غوغ شاهقاً يتخلله ومضات إنسانيّة هاربة، إنطلاقاً من قدرة هذه الصغيرة على التعاطف مع الكبار ومن هم ما زالوا في سن الأوهام الساحرة والكاذبة تماماً كالحياة. ونظراً لكونها، تماماً كفان غوغ الآسر بحزنه، تتوسّل بلوحة ألوان خاصّة بها وتركز على أسلوب شخصيّ في الرسم لنقل قوّة الطبيعة وحكمتها على الكانفا.
"كانت إمرأة، كانت (إنسانة)، كريمة النفس، تُساعد كل الناس بلا مقابل، يسارية الهوى، تُساعد الطلاب الذين لا يملكون المال ليتعلّموا، وتفرح لنجاح الآخرين، امتلكت بُعد النظر وذكاء حاد وخارق"
الصورة من ريكاردو كرم
ولأن المعرض الاستعادي هو الأول لها في هولندا، سيكون بحسب فريق العمل، احتفالاً حقيقياً بالألوان وبانفتاحها على الحضارات، هي التي تنقلت بين البلدان بإسترخاء مُقلق، وكانت على يقين بأنها قادرة على إضطلاع دور الأم والأب في الوقت عينه لكل الذين احتموا بلامبالاتها بالقوانين والأحكام المُسبقة، بحسب ما قال لنا بعض المُقربين منها.
سيّدة المسرح نضال الأشقر، الإعلامي الكبير ريكاردو كرم، الجرّاح البارز حسّان رمضان وأصدقاء كُثر طلبوا ألا نذكر أسماءهم، أكدوا لنا أن إيتيل كانت "Shrewd، واضحة، صريحة، قليلة الكلام"، "تُقدّم الساحة والأضواء لشريكتها وحب حياتها النحاتة سيمون فتّال، صاحبة الشخصيّة الـ Bubbly (الفوّارة) وصاحبة الصوت الجهوري"، "تستمع بهدوء مُرعب"، "تعرف جيداً لمن تفتح قلبها وعلى الرغم من كونها تحب الجميع"، "كان على الآخر أن يكتشفها وأن يزيل الستار عن الطبقات التي كوّنت شخصيتها العالميّة"، "مُنفتحة على الآخرين، حكيمة لدرجة الـ Waw، تسكنها امرأة ورجل في الوقت عينه، تطل كطفلة صغيرة تخفي ما تعرفه".
وإيتيل كانت تعرف الكثير
وإيتيل كانت تعرف الكثير.
"قادرة على استيعاب كل شيء وعلى استخلاص العِبر بخطوة سريعة واحدة، لا تحقد على أحد، واسعة المعرفة، قد تكون أشبه بجبل صنين أو جبل الشيخ".
من أعمال إيتيل عدنان
"كانت إمرأة، كانت (إنسانة)، كريمة النفس، تُساعد كل الناس بلا مقابل، يسارية الهوى، تُساعد الطلاب الذين لا يملكون المال ليتعلّموا، وتفرح لنجاح الآخرين، امتلكت بُعد النظر وذكاء حاد وخارق".
"كانت قادرة على معرفة حقيقة الناس. كان عندها القدرة لتشعر بهم. تعرف لمن تُعطي ذاتها ومع من تتحفّظ. تظهر دائماً بصورة الطفلة الساذجة وكأنها بسيطة ولكنها كانت Shrewd".
من أعمال إيتيل عدنان Remi Villaggi - Mudam Luxembourg
هذه الطفلة التي قالت ذات يوم: "أنا أرسم ذاتي"، تعود من البوابة الأخيرة في متحف فان غوغ من 20 أيار/ مايو وحتى الرابع من أيلول/ سبتمبر، وينطلق معرضها بتزامن مع معرض Van Gogh’s Olive Groves (بساتين الزيتون الخاصة بفان غوغ) الذي يستكشف أهمية شجرة الزيتون في حياة فان غوغ الذي خلق سلسلة منها، ومعرض الفنان الساحر بألمه يأتي بتعاون مع متحف دالاس للفن.
يطل كل معرض في طابق واحد في الجناح المخصص للمعارض، وسيكون لنا مع معرض إيتيل الاستعادي لقاء آخر في مايو/ أيار لنتوغل في حناياه بدقة أكبر.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...