في الآونة الأخيرة، شغلت العديد من حوادث التحرش الجنسي الرأي العام، العربي عموماً والمصري خصوصاً، وسط مطالبات باحتضان وحماية الناجيات ومحاسبة المعتدين.
وانطلاقاً من فكرة أن الفن التشكيلي يحمل دوماً رسائل إيجابية، افتتح غاليري "لمسات" في القاهرة، معرضاً بعنوان "لا للتحرش"، امتد من 16 إلى 20 أغسطس/آب، بهدف التعبير فنياً عن ظاهرة التحرش، وللتأكيد على أن الفن التشكيلي يلعب دوراً مهماً في التصدي للمشاكل الاجتماعية التي تواجهنا.
التحرش الجنسي جريمة
يأخذ التحرّش الجنسي أشكالاً مختلفة، وهو ليس حدثاً بسيطاً يمكن تجاهله، ولا يمكن على الإطلاق أن يُترك الأمر للمتحرّش ليقرر ما الذي يُعدّ تحرشاً وما الذي لا يُعدّ تحرشاً"، وفق ما أكده بيان معرض "لا للتحرش"، مشدداً على أن "التحرّش الجنسي جريمة، وليس خطأ الشخص المتحرّش به أو المعتدى عليه أبداً".
الفن التشكيلي يحمل دوماً رسائل إيجابية
في حديثها مع موقع رصيف22، أوضحت الدكتورة نرمين شمس، رئيسة مجلس إدارة مؤسسة "لمسات"، وهي غاليري للفنون التشكيلية ووكالة للدعاية والإعلان، أن تناول موضوع التحرش الجنسي بشكل فني لطالما كان مسألة مطروحة، إلا أن الفكرة تبلورت مع تزايد الحديث عن هذه الظاهرة في الآونة الأخيرة: "شكل موضوع التحرش الجنسي (ترند) في الفترة السابقة، لتعدد ظهور حالات التحرش الجنسي، فقررنا أن نقيم معرضاً يشارك فيه مجموعة كبيرة من الفنانين التشكيليين، لإبراز دور الفن التشكيلي في مناقشة ومعالجة القضايا الاجتماعية، ومن بينها التحرش الجنسي".
وفي حين أن بعض الفنانين/ات تناولوا موضوع التحرش الجنسي وأنواعه بطريقة مباشرة، من خلال رسوماتهم وأعمالهم الفنية التي تجسد بوضوح هذه الظاهرة، ارتأى البعض الآخر منهم/نّ أن يقوموا بعرض أعمالهم/نّ الفنية المتاحة على أساس أن تعود نسبة من المبيعات لصالح المجلس القومي للمرأة، بهدف التصدي لظاهرة التحرش الجنسي، بحسب ما كشفته نرمين.
"شكل موضوع التحرش الجنسي (ترند) في الفترة السابقة، لتعدد ظهور حالات التحرش الجنسي، فقررنا أن نقيم معرضاً يشارك فيه مجموعة كبيرة من الفنانين التشكيليين، لإبراز دور الفن التشكيلي في مناقشة ومعالجة القضايا الاجتماعية، ومن بينها التحرش الجنسي"
هذا وأكدت نرمين شمس أن الفن التشكيلي بأنواعه المختلفة (التصوير الزيتي، التصوير الفوتوغرافي، الكاريكاتور، النحت، الفنون اليدوية...) والذي يتسم بالإبداع والفكر ويعكس رؤية الفنان ومكنوناته الداخلية، لا يقل أهمية عن "الميكروفون الإعلامي" وعن "القلم الصحفي" لجهة تسليط الضوء على المشاكل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي يرزح تحت ثقلها المجتمع، ومناقشتها وتحليلها واقتراح الحلول المناسبة لها، وفق سمات وخصائص كل مجتمع.
تجارب فنية تترجم المعاناة والألم
ليست المرة الأولى التي تشارك بها الفنانة يسرا محمد، في معرض من تنظيم غاليري "لمسات"، ولكن المشاركة في معرض "لا للتحرش" كانت بالنسبة لها تجربة مميزة ولها طعم مختلف عن سابقاتها.
تناولت يسرا موضوع التحرش من خلال رسم لوحة تظهر امرأة مقيّدة بسلاسل معدنية حول رقبتها، وعلى يمينها ويسارها، رجلان يمسكان بفميهما هذه السلاسل التي تحاول خنقها: "حاولت أخلق motion (حركة) من خلال البنت ووضعية رقبتها وكيف هي مخنوقة".
وأوضحت أن التحرش اللفظي ليس مجرد كلمة "تتقال وخلاص" بل قد يترك أثراً يبقى لمدة طويلة بحسب وقع الكلمة على كل امرأة، مضيفة بأن التعرض للتحرش قد يؤدي إلى بعض الاضطرابات النفسية.
من هنا أطلقت يسرا على عملها اسم Borderline personality disorder (اضطراب الشخصية الحدية)، بعد أن شعرت بالحاجة لربط الاضطرابات النفسية بالتحرش الجنسي، مشددة على أن الهدف من عملها الفني هو نشر التوعية بطريقة غير مباشرة وبسيطة، لإيصالها إلى أكبر عدد ممكن من الناس.
من خلال عملين شاركت بهما في المعرض، أرادت الفنانة علا هاني، طرح مسألة تحميل الناجيات من التحرش الجنسي، في الكثير من الأحيان، مسؤولية ما حدث لهنّ.
وأوضحت هاني لموقع رصيف22، أن العملين الفنيين متناقضان، إلا أنهما يكمّلان بعضهما البعض: "العمل الأول هو عبارة عن امرأة تصرخ من وراء القضبان وفي الخلفية تدور الهلوسات في ذهنها، أما العمل الثاني فهو بورتريه لامرأة مقهورة ومكسورة، ويمكن ملاحظة ذلك بوضوح من خلال تعابير وجهها الحزينة".
وفي حين أن المرأة التي تظهر في العمل الثاني، أرادت أن تصرخ بأعلى صوتها للتعبير عن غضبها بعد الوقوع ضحية التحرش الجنسي، إلا أنها، بحسب علا، اختارت السكوت، لأن المجتمع يفرض عليها التزام الصمت، وينظر إليها كمتهمة، ويحمّلها كامل المسؤولية عمّا حصل لها رغم أنها بريئة".
وعليه شددت علا هاني على أهمية الفن للنهوض بالمجتمع وتصحيح المفاهيم الخاطئة: "دورنا كفنانين/ات تسليط الضوء على المفاهيم الخاطئة ومحاولة تعديل السلوكيات الخاطئة داخل مجتمعنا، من خلال أعمالنا الفنية، فالفن هو في نهاية المطاف رسالة".
بدورها، شاركت الفنانة شهد مدحت، في معرض "لا للتحرش" من خلال صورة فوتوغرافية خاصة بها، مأخوذة من مقطع فيديو قصير كانت قد أعدته حول موضوع التحرش الجنسي، في محاولة منها لتجسيد حجم الأذى والألم الذي تعيشه الضحايا الناجيات من التحرش، سواء كان ذلك على الصعيد النفسي أو الجسدي، من خلال إظهار الجروح والكدمات التي تظهر على وجه المرأة، بالإضافة للعبارات والكلمات التي تظهر في الخلفية، والتي تجسد لسان حال المجتمع الذي يضع الضحية في خانة المتهمة، ويبرر فعل المعتدي عليها، كالقول مثلاً: لبسك السبب، أنتي الغلطانة، عشان راجعة متأخرة...
وعن الهدف من اختيار هذه الصورة بالتحديد لتجسيد موضوع التحرش الجنسي، قالت مدحت لرصيف22: "العبارات التي تظهر في الخلفية، مع الألم ومدى بشاعة فعل التحرش، بيأثروا على البنت، ويظهروها بصورة محاطة بالسواد من كل اتجاه وحاسة إنو كل الناس ضدها".
وأوضحت شهد أن الفن له تأثير قوي على جميع الأشخاص، وبالتالي هو قادر على إيصال رسائل معيّنة لأكبر عدد من الأشخاص: "خُلق الفن لإيصال فكرة معيّنة وترجمة إحساس كامن داخل الفنان... أنا لما أوصل الفيديو أو الصورة عن طريق عمل فني، فالرسالة حتوصل لكل الناس من مختلف الأعمار والمستويات".
وعن السبب الذي دفعها لتناول موضوع التحرش في هذه الفترة، قالت مدحت: "حسيت إنو لازم أتكلم عن الموضوع، لأنه من فترة طلع كذا هاشتاغ لكذا متحرش كانوا واخدين إنو البنت عشان ما تتكلمش إحنا نكمّل، وبدل ما نتحرش ببنت نتحرش بمئة"، وأضافت: "لما نشوف حاجة غلط لازم نقول يا جماعة الحاجة دي غلط بأي طريقة نريد أن نعبر بها. وكوني فنانة، برسم وبغني وبصور وبمثل، ده يخلي عليي دور إني استغل الحاجات دي للتأثير بشكل إيجابي في المجتمع".
"كان لا بد للفن التشكيلي أن يلقي الضوء على ظاهرة التحرش الجنسي، من خلال أعمال توضح مدى بشاعة هذا الفعل على المرأة، وكمية المعاناة والألم الذي تتلقاها الناجية من التحرش، من خلال صورة أو لوحة أو أي تعبير فني صامت"
في السياق نفسه، أوضح الفنان التشكيلي مينا منصور، أن "الفن التشكيلي، كباقي الفنون، له دوره ورسالته في المجتمع وقضاياه".
وفي حديثه مع موقع رصيف22، أشار منصور إلى أن "ظاهرة التحرش الجنسي بصفة عامة، والعنف ضد المرأة بصفة خاصة، من المواضيع الشائكة، والتحرش ليس وليد اليوم، إنما منذ سنوات، وتم تسليط الضوء عليه في عدة أعمال درامية أو سينمائية"، وتابع قائلاً: "كان لا بد للفن التشكيلي أن يلقي الضوء على ظاهرة التحرش الجنسي، من خلال أعمال توضح مدى بشاعة هذا الفعل على المرأة، وكمية المعاناة والألم الذي تتلقاها الناجية من التحرش، من خلال صورة أو لوحة أو أي تعبير فني صامت، يعبر به الفنان عن وجهة نظره، وكيف يقرؤها المتلقي فيما بعد".
وبالنسبة للوحة التي شارك بها في معرض "لا للتحرش"، والتي تظهر وجه امرأة مضرجاً بالدماء ومليئاً بالكدمات، كشف مينا أنه أراد أن يعبر عن العنف ضد المرأة والظلم الذي تتعرض له، وفي الوقت نفسه تجسيد قوة المرأة وصلابتها وتماسكها من خلال التركيز على لغة العيون: "هتلاقي الكدمات في وجهها وخرابيش تحت الرقبة ودم من الأنف، وبرغم ذلك تجدين نظرتها القوية المتماسكة غير المنكسرة، مع وجود دموع بالعين كتعبير عن الألم بحسب طبيعة النفس البشرية، فعند الشعور بالمرارة والألم تدمع العين".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ ساعتين??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 22 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون