شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
مليارات علي عبد الله صالح... أين أموال اليمنيين المنهوبة؟

مليارات علي عبد الله صالح... أين أموال اليمنيين المنهوبة؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الجمعة 11 فبراير 202210:57 ص

من قصر مهيب، أطلّ مؤخراً نجل الرئيس اليمني السابق أحمد علي عبد الله صالح، وهو يحتفل بتخرج أحد أبنائه من كلية عسكرية إماراتية. كان واضحاً مقدار الترف الذي تعيشه هذه العائلة، بعد 11 عاماً من اندلاع ثورة شعبية نادت بمحاسبة أفرادها على فسادهم الممتد لأكثر من 33 سنة.

خلال فترة توليه السلطة، يُقال إن الرئيس السابق علي عبد الله صالح جمع ثروة تتراوح بين 32 و60 مليار دولار أمريكي، وفق تقديرات تقرير أعدّه خبراء لصالح مجلس الأمن الدولي، وتم تحويلها إلى الخارج بأسماء مستعارة، وعلى شكل ممتلكات ونقد وأسهم وذهب وسلع أخرى.

والمفارقة المؤلمة أنه في ذات الوقت الذي كانت تحتفل عائلة صالح المترفة في قصرها المهيب، عُثر على شاب معلّق بحبل من رقبته على غصن شجرة، وسط الحرم الجامعي لجامعة صنعاء. فبعد أن ضاق ذرعاً بهذه البلاد، أنهى الطالب الجامعي فيصل المخلافي حياته، وكتب قبل أن يغادرها: "لقد ولدتُ حزيناً في هذا الوطن البائس، عرفت الألم منذ نعومة أظافري، كنت أكبر بالعمر فيكبر معي الألم وكأننا توأمان ولدنا معاً وسنكبر معاً. ولدت في هذا البلد البائس وأنا أعاني، لم أكن أبداً بخير، منذ البداية".

ثورة فبراير

"تخرجتُ من المدرسة ولا أعرف عن الوطن إلا نشيده وأعياده الوطنية، وكان العلم بالنسبة إليّ مجرد ألوان، أحمر وأبيض وأسود، فقط. كانت هذه حدودنا في موضوع الوطن، لكن هذه الأشياء لم تمسنا من الداخل. عند بداية ثورة فبراير، عرفنا وعلى مستوى عميق جداً، معنى الوطن والأرض، وقبل هذا كله الإنسان. عرفنا الوطن، فعلياً، من خلال أصدقائنا الذين ضحّى كثيرون منهم من أجله. ما زلت أتذكر مسيرة الحياة التي انطلقت راجلة لمئات الكيلومترات من تعز إلى صنعاء مروراً بمحافظات عدة سالت على أرصفتها دماء عشرات الشباب. كانت من أروع الملاحم الوطنية للشعب اليمني".

بهذه الكلمات، عبّرت رُفيدة عبد المجيد، وهي طبيبة يمنية مقيمة حالياً في تركيا، عن الأثر الذي احدثته ثورة 11 شباط/ فبراير في داخلها. رُفيدة كانت من الشباب الجامعيين الناشطين في الثورة، في مدينة ذمار. وبعد أن كانت تحلم بأن تتغير الأوضاع في اليمن، خصوصاً في مجال التعليم، اضطرت لمغادرة أكثر من مدينة وبلد وجامعة، حتى تتمكن أخيراً من أن تصير طبيبة.

مع نهاية عام 2010، كان نظام صالح يواجه أزمات عديدة، كل واحدة منها قادرة على زلزلة استقرار النظام السياسي القائم بالرغم من هشاشته. فبالإضافة إلى التمرد في مناطق الشمال بقيادة الحوثيين وتصدع الجبهة القبلية الداعمة للنظام، والانتفاضة التي قادها الحراك الجنوبي في مناطق الجنوب، نفّذت منظمة القاعدة في الجزيرة العربية عدة عمليات إرهابية، جعلت من اليمن بلداً غير آمن للاستثمار والسياحة.

وراحت الدولة تخسر مصادر دخلها واحداً تلو الآخر، مما صعّب الحفاظ على شبكات المصالح التي يرعاها رأس هذا النظام. فعلى سبيل المثال، منذ عام 2006، بدأ إنتاج النفط اليمني وأرباحه بالانحسار، إضافة إلى تضرر قطاع السياحة والاستثمار. هذا وغيره عرض الدولة لعجز مالي كبير.

لم تحدث ثورة شباب اليمن من فراغ. فطول مدة الاحتشاد واتساع نطاقه يعكسان درجة السخط الشعبي من النظام. وحّدت الأزمات المتقاطعة والمتداخلة مطالب المتظاهرين بشتى انتماءاتهم السياسية والمناطقية. وكان هناك شبه إجماع على ضرورة تنحي صالح وأسرته من مناصبهم، وأن تُنفّذ إصلاحات ديمقراطية وتعود سيادة القانون، مع التركيز بشكل خاص على محاربة الفساد والقضاء عليه.

المبادرة الخليجية

شهدت فترة ما بعد اندلاع الثورة في اليمن تنحي صالح وتوقيعه، هو وقادة الأحزاب السياسية، على المبادرة الخليجية في تشرين الثاني/ نوفمبر 2011. فبعد أشهر مما وُصف بـ"المراوغة" التي قام بها صالح، هدده المجتمع الدولي، ضمنياً، بفرض عقوبات عليه وتجميد أصوله الشخصية. كان هذا من الدوافع الرئيسية لقراره بالتوقيع، والدافع الأهم كان الضمانة الصريحة في الاتفاق بأنه سيحصل هو ومعاونوه على الحصانة من الملاحقة القضائية بعد التنحي، ما جعل استرداد أي ثروة تم الحصول عليها بطريقة غير مشروعة أمراً صعباً للغاية.

كانت بنود المبادرة الخليجية مسؤولة عن السماح لصالح إلى درجة كبيرة أيضاً بلعب دور سياسي مؤثر ومؤدي إلى الفوضى أثناء الفترة الانتقالية التي دامت ثلاثة أعوام، بعد استقالته.

أمل عبد السلام، وهي مهندسة شاركت بنشاط في الثورة، تقول لرصيف22: "عندما خرجنا للمشاركة في الثورة كنّا نصبو للتغيير في كل المجالات، بما فيها تغيير منظومة الفساد التي استولت على ثروات ومقدّرات هذا البلد، وكنّا نحلم، من ضمن أحلام كثيرة، بأن ينعم الشعب اليمني بخيرات بلاده، امتلكنا أحلاماً كبيرة لكن من دون أدوات تساعدنا في تحقيقها".

لا تعتقد أمل أن الشباب فشلوا في ثورتهم. برأيها، "مَن فشل هم شيوخ السياسة وأحزابها، الذين حوّلوا الثورة إلى مجرد أزمة سياسية استفادوا منها لتحقيق مصالحهم الضيقة. هم مَن فشلوا عندما لجأوا إلى الحوار والتفاوض مع الفاسدين من دون عدالة انتقالية، وبدلاً من محاسبتهم على جرائمهم منحوهم الأموال والأمان والحرية، وسلبوا هذا الوطن كل شيء".

المرحلة الانتقالية

هيمن على الفترة الانتقالية مؤتمر الحوار الوطني الذي دام نحو عام، وكان من أعظم ثمار ثورة فبراير، ويُعَدّ من أكثر العمليات السياسية التي شهدها تاريخ اليمن الحديث انفتاحاً وشمولاً لمختلف الأطراف. أقر المؤتمر بأهمية التصدي لمسألة الأموال التي جُمعت بشكل غير قانوني بسبب إساءة استخدام السلطة من قبل الشخصيات السياسية، وسعى لأن يلتزم اليمن ولو من حيث المبدأ على الأقل بالاتفاقيات والممارسات الدولية. لكن أغلب توصيات المؤتمر شددت على ضرورة أن تُركز عملية العدالة الانتقالية على القضايا الخاصة بإعادة الأصول والتعويض في ما يخص الانتهاكات ضد ممتلكات المواطنين، وليس التركيز على عملية نهب ثروة الدولة في حد ذاتها.

خلال فترة توليه السلطة، يُقال إن الرئيس السابق علي عبد الله صالح جمع ثروة تتراوح بين 32 و60 مليار دولار أمريكي، وفق تقديرات تقرير أعدّه خبراء لصالح مجلس الأمن الدولي، وتم تحويلها إلى الخارج بأسماء مستعارة

أثناء تلك الفترة، تمكن صالح من استعمال ثروته الشخصية كما يشاء، دون أي قيود. وإلى جانب السماح له بالاحتفاظ بمنصبه رئيساً لحزب المؤتمر بعد الاستقالة من الرئاسة، مَنحته بنود الاتفاق حرية تعزيز شبكة مصالحه في المؤسسات السياسية والعسكرية، بل وحتى عقد تحالفات جديدة.

هكذا، تمكن صالح من إعادة تشكيل شبكة الولاءات الداعمة له، وحوّل مبالغ كبيرة لاستخدامها في الداخل ونقل مبالغ أخرى إلى حسابات شخصيات مقربه منه، تفادياً للعقوبات الأممية في حال فُرضت عليه، وعقد تحالفات مع خصومه الحوثيين الذين كانوا في تلك الفترة يديرون بالفعل أراضيهم شمالي صنعاء.

بالتزامن مع رغبة صالح في إفشال العملية الانتقالية، سعى الحوثيون لإفشال مخرجات الحوار الوطني، وفي أيلول/ سبتمبر 2014، نجحوا في ذلك بعد اجتياحهم للعاصمة صنعاء.

لاحقاً، وبالرغم من توقعيهم على اتفاق السلم والشراكة الذي رعته الأمم المتحدة للتعجيل بتنفيذ بنود الحوار الوطني، فقد حولوا هذا الاتفاق في حقيقة الأمر إلى مجرد وسيلة للاستيلاء على مؤسسات الدولة.

أدت هذه الأحداث إلى فرض مجلس الأمن في تشرين الثاني/ نوفمبر من عام 2014 عقوبات ضد صالح ومسؤولين حوثيين آخرين، منها تجميد الأصول وحظر السفر. وفي السنة اللاحقة، أدرج نجله أحمد على قائمة العقوبات.

يشير مدير مركز أبعاد للدارسات عبد السلام محمد إلى أن "ثورة 11 فبراير الشبابية كانت بالنسبة لي ولكل الشباب حلماً جميلاً بالتغيير، لكن ذلك الحلم فشل، وانتهت الثورة في ذات العام الذي اندلعت فيه، بعد القبول بالمبادرة الخليجية، التي بموجبها استلم السياسيون أحلام الشباب المستقبلية وسلموها للماضي (للحوثيين)، وهكذا عُوقبت أحلامنا".

ويضيف لرصيف22 أنه "لم يبقَ من ذكرى ثورة فبراير سوى الشباب المعوّقين والجرحى والآلاف من أسر الشهداء والمشردين، ودولة الحوثيين التي انتهكت ودمّرت كلما ما هو جميل في هذا البلد. لكن بالرغم من ذلك، تظل ثورة فبراير ذكرى وطنية لثورة منكوبة كـثورة 1948"، لافتاً إلى ضرورة مراجعة أخطاء الماضي، للانطلاق نحو المستقبل بخفة وبدون أعباء فشل الماضي.

الأموال المنهوبة

منذ عام 2014، كانت الأمم المتحدة تتعقب الأموال والأصول التي يُزعم أنها مرتبطة بأشخاص مدرَجين على قائمة العقوبات. وفقاً لتقاريرها والأبحاث الإضافية التي أجراها المنتدى المدني لاسترداد الأصول (CiFAR)، وهي منظمة مجتمع مدني عالمية مقرها في برلين وتعمل على مكافحة سرقة أصول الدولة، فإن الحسابات والأصول والشركات المتعلقة بعلي عبد الله صالح وأقاربه ومعاونيه موجودة في ما يصل إلى 20 بلداً موزعة في جميع أنحاء العالم، وتشمل دولاً تُعَدّ في العادة ملاذات ضريبية آمنة، مثل جزر فيرجن البريطانية وجزر الباهاما وجزر كايمان، وجزر تركس وكايكوس، فضلاً عن دول غنية في العالم العربي وأوروبا وأمريكا الشمالية، بما في ذلك الإمارات العربية المتحدة، وهولندا، وفرنسا، والمملكة المتحدة، وسويسرا، وكندا.

وهناك عدة شركات صورية وصناديق مالية وحسابات مصرفية ذُكرت بصفتها متصلة بصالح، وبعائلته وبمعاونيه، ويشتبه في أنها تُستخدم في غسيل الأموال. استطاعت لجنة خبراء الأمم المتحدة المعنية باليمن الوصول إلى 17 شركة وصندوق مالي بصفتها متصلة بالقضية.

هذه الشركات والصناديق المالية متصلة أيضاً بممتلكات عقارية وحسابات مصرفية. فإحدى هذه الشركات التي تدعى "شركة تيلسيت للعقارات المحدودة"، على سبيل المثال، مسجلة في أمستردام، وتملك شقتين في باريس واحدة منها بقيمة 15.3 ملايين يورو (بحسابات عام 2008) والأخرى بقيمة 5.6 ملايين يورو (بحسابات 2010). وحامل الأسهم الوحيد في حالة الشقتين هو أحمد علي عبد الله صالح. وتشير البحوث التي أجرها المنتدى المدني لاسترداد الأصول إلى أن الشركة لا تزال قائمة ولا يزال أحمد علي عبد الله صالح هو المالك الوحيد للشقتين.

وتم التعرف على عدة حسابات مصرفية في كل من سويسرا وماليزيا وسنغافورة توصلت لجنة خبراء الأمم المتحدة إلى أنها متصلة بعائلة صالح. هذه الحسابات إما مملوكة لشركات صورية يملكها صالح، أو أقاربه أو أعوانه، أو أشخاص آخرين. على سبيل المثال، توصلت اللجنة إلى حساب مصرفي تم تجميده في ماليزيا، يملكه أحمد علي عبد الله صالح، وفيه مبلغ 658,780 دولاراً، وعشرة حسابات مصرفية مجمدة في الإمارات تحتوي على 405,166 دولاراً. كما توصلت بحوث المنتدى المدني لاسترداد الأصول، إلى تسعة حسابات مصرفية جديدة لم يسبق التعرف عليها، تخص شركة "نيو ورلد تراست"، بفرع من فروع بنك إتش إس بي سي، في جنيف.

استخدام الأموال المنهوبة في تمويل الحرب

بحسب تقرير لجنة خبراء الأمم المتحدة المعني باليمن، الذي نُشر في 27 كانون الثاني/ يناير 2017، فإنه في الفترة من 2014 إلى 2016، وهي الفترة التي اندلعت فيها الحرب في اليمن، نُفّذت عملية دمج لشركات وصناديق مالية، مع نقل ملكيتها من علي عبد الله صالح إلى نجله خالد بعد فرض العقوبات الأممية، وأشار التقرير إلى أن خالد هو الذي تولى دور المدير المالي للأسرة، ويعمل كممول يتصرف بالنيابة عن والده.

الحسابات والأصول والشركات المتعلقة بعلي عبد الله صالح وأقاربه ومعاونيه موجودة في ما يصل إلى 20 بلداً موزعة في جميع أنحاء العالم، وتشمل دولاً تُعَدّ في العادة ملاذات ضريبية آمنة، فضلاً عن دول غنية في العالم العربي وأوروبا وأمريكا الشمالية

اشتمل هذا على نقل ملكية ثلاث شركات مسجلة في بلدان تُعتبر ملاذات ضريبية، والاشتباه في نقل أموال من هذه الشركات بمبلغ يناهز 33.5 ملايين دولار إلى حسابات مصرفية يملكها خالد علي عبد الله صالح في سويسرا. كما اشتملت الإجراءات على نقل أموال من أربع شركات أخرى يملكها خالد علي عبد الله صالح عبر حسابات مصرفية في سنغافورة.

وتم تحويل مبلغ 33.5 ملايين دولار أمريكي من الحسابات السويسرية، ومبلغ 84 مليون دولار. من حسابات سنغافورة، إلى حسابات في الإمارات. هذه الحسابات يملكها خالد، ويُسجَّل صقر نجل علي عبد الله صالح كمستفيد منها أيضاً. وتم نقل مبلغ ثلاثة ملايين دولار إلى حسابات شركة مسجلة في الإمارات، ويرجح أنها واجهة لغسيل الأموال، ويملكها خالد، وتم التحويل من قبل شركة مملوكة لرجل الأعمال شاهر عبد الحق، الصديق المقرب من علي عبد الله صالح.

هذه الأموال مجتمعة تصل إلى ما يناهز مبلغ 120 مليون دولار، وقد تم تحويل بعضها وسحب بعضها الآخر نقداً، وخرجت من الحسابات المصرفية التي أودعت بها في الإمارات. تشتبه لجنة خبراء الأمم المتحدة بأن بعض هذه الأموال على الأقل قد استخدمت لحساب علي عبد الله صالح وأحمد علي عبد الله صالح في الوقت الذي كانا خاضعين فيه للعقوبات.

استرداد الأموال

يقول مدير الأبحاث والتوعية في المنتدى المدني لاسترداد الأموال جاكسون أولدفيلد لرصيف22 إن "الجهود الأولية لبدء استرداد الأصول المتعلقة بصالح ونظامه السابق توقفت تماماً، بسبب عدم الاستقرار في اليمن قبل النزاع، وشروط اتفاقية الانتقال السلمي للسلطة والحرب المستمرة منذ ذلك الحين".

ويشير إلى أن "التحدي الرئيسي حالياً هو ضمان وجود إرادة سياسية قوية لاسترداد الأصول المسروقة، وآلية واضحة تحمي المبالغ المرجح إعادتها".

وفي سياق تقديم حلول ممكنة من أجل استرداد اليمن للأصول، ذكرت الدراسة التي قام به المنتدى المدني لاسترداد الأموال أن من المهم فهم أن هناك مرحلتين في ما يخص الأصول المنهوبة من قبل النظام السابق. المرحلة الأولى هي ضمان وجود إطار عمل قوي لاسترداد الأصول، يسمح ببدء الإجراءات ضد الأشخاص المدعى بأنهم سرقوا أموالاً عامة. وثانياً، وجود نظام في اليمن لاستقبال الأموال العائدة، بشكل شفاف وخاضع للمحاسبة، مع فرض عقوبات أمام سرقة الأصول في المستقبل.

وفي ضوء الوضع السياسي الراهن في اليمن، هناك مرحلة ثالثة يمكن التفكير فيها، هي ما إذا كان ممكناً حدوث استرداد الأصول بصورة مستقلة عن الإجراءات والعمليات التي بدأتها السلطات اليمنية، أي إنْ كانت الدول التي لديها أموال مجمدة لصالح اليمن، يمكن أن تقوم بنفسها بالتحقيق والملاحقة القضائية ومصادرة هذه الأصول. قد يكون هذا هو المسار الذي ستطلبه الحكومة اليمنية الحالية أو المستقبلية، نظراً للطبيعة السياسية الصعبة على الأرض.

ويذكر جاكسون أولدفيلد "أن المنتديات الإقليمية والعالمية لم تركز على استرداد أصول اليمن بشكل خاص. ومع أن اليمن عضو في الشبكة الإقليمية لمجموعة العمل المالي لكنه ليس جزءاً من شبكة إقليمية لاسترداد الأصول، ولم يشارك مع البنك الدولي أو مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة ومبادرة استرداد الأصول المسروقة".

نهاية رقصة رؤوس الأفاعي

في الرابع من كانون الأول/ ديسمبر 2017، قُتل صالح على يد الحوثيين وهو يحاول الفرار من بيته في صنعاء إلى معقل قبيلته في سنحان، في محاولة فاشلة لتغيير تحالفاته مرة أخرى والتفاوض مع التحالف بقيادة السعودية.

وعلى الرغم من وفاة صالح، فإن العقوبات عليه ما زالت سارية. لكن لن تخضع أي ثروة أو ممتلكات ورثها أشخاص غير مدرجين في قائمة العقوبات لمتطلبات التجميد وستكون قابلة للاستخدام في النهاية من قبلهم.

تقول رُفيدة عبد المجيد إن "علي عبد الله صالح اتخذ الشعب وسيلة للإثراء له ولأسرته في حياته وحتى في مماته، فطوال ثلاثة عقود كان يستغل اليمنيين استغلالاً عاطفياً وسياسياً ومادياً. كلنا نتذكر خطاباته في مؤتمرات المانحين التي كان يتسول فيها باسم اليمنيين، لكن لم يصل لليمنيين منها شيء. ما وصل لليمنيين هو القهر والألم وهم يرون أموالاً كان من المفترض أن تكون لهم، تتمتع بها عائلته التي كان المفترض أن تكون أمام المحاكم، لأنها سلبت هذا الشعب كل طاقته وموارده وكل إمكانياته، ولم تكتفِ بذلك بل سلّمته على طبق جاهز لأفواه الحوثيين وحروبهم التي دمرت ما تبقى من اليمن، أرضاً وإنساناً".

وتختم رُفيدة حديثها بالقول: "حالياً، عندما أرى ما آلت إليه الأمور في اليمن من سوء، ومن حروب لا تكاد تنتهي وتدهور كبير في كل المجالات، دائماً ما أسال نفسي: هل أنا محاسبة عن هذا الشيء؟ هل أنا السبب في ذلك؟ لكن هذا السؤال لا يعبّر عن يأس أو ندم، بقدر ما يعبّر عن رغبة مستمرة في عمل أي شيء من شأنه أن يصلح حال اليمن".

في ظل الحرب المستمرة منذ عام 2015، يحتل اليمن المرتبة (174) من (180) على مؤشر مدركات الفساد لعام 2021، الصادر عن منظمة الشفافية الدولية. ويحتل المرتبة الأولى على مؤشر مكافحة غسيل الأموال لعام 2020 لمعهد بازل، وهما مؤشران إلى الفساد الكبير الذي يعاني منه البلد وإلى وجود مخاطر عالية لغسيل الأموال وتمويل الإرهاب والحروب الأهلية.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard