مع اقتراب الذكرى الحادية عشرة لثورة البحرين، يمكن القول إن القمع في البلاد تحوّل من قمع خارج نطاق القانون إلى قمع تحت سيادة القانون. لقد راكمت السلطات البحرينية طوال هذه السنوات حزمةً من القوانين غير العادلة شرّعت من خلالها أعمالاً منافيةً للمواثيق الدولية، مثل إسقاط جنسيات المعارضين، و إقرار قانون العزل السياسي، وهو قانون مباشرة الحقوق المدنية والسياسية الذي يمنع أعضاء الجمعيات المنحلة من ممارسة أي نشاط سياسي ومدني، وهو بمعنى آخر عزل الآلاف من المواطنين سياسياً، من خلال حرمانهم من الترشح إلى البرلمان، أو الانضمام إلى الجمعيات الأهلية، بالإضافة إلى تشريع قوانين تصادر حقوقاً أساسيةً، مثل حق التجمع، وحق حرية التعبير، وحق تأسيس المنظمات.
مع اقتراب الذكرى الحادية عشرة لثورة البحرين، يمكن القول إن القمع في البلاد تحوّل من قمع خارج نطاق القانون إلى قمع تحت سيادة القانون.
تشريعات تنتهك حقوق الإنسان
السؤال الذي يتبادر إلى ذهن أي متابع لما يجري على الساحة في البحرين، هو باختصار: إذا كانت هذه الحقوق العامة والأساسية قد تمت مصادرتها من أفراد المجتمع، فما حال من يقبعون في السجون تحت رحمة سجّانيهم؟ والإجابة الجلية هي أن السلطة في البحرين فاقمت الانتهاكات، فبدلاً من إنهاء انتهاك صريح مثل الاختفاء القسري، أضفت الحكومة على ذلك لباساً قانونياً من خلال التشريع لاعتقال المعارضين وحبسهم ستة أشهر من دون السماح لهم بالتواصل مع عوائلهم أو محاميهم، وتأسيس مؤسسات للرقابة والتظلمات مهمتها التعمية على التعذيب داخل السجون ومراكز التوقيف وتلميع وجه الحكومة القبيح.
في الواقع، يعيش البحرينيون اليوم في دولة أشبه بالبوليسية، حيث يتحكم القطاع الأمني بجميع مفاصلها. دولة تعطي لنفسها الحق في انتهاك الحق في حرمة الحياة الخاصة، فتتجسس على المعارضين والصحافيين، ولا نعلم إن كان استخدامها لبرمجيات خبيثة (بيغاسوس)، لمراقبة أجهزة المعارضين المحمولة وسرقة بياناتهم الخاصة، هو آخر ما قد تعمد إليه السلطة لانتهاك خصوصية معارضيها، أم أن هناك المزيد مما لم يُكشف بعد؟!
لقد وصل الحال في البحرين إلى الحد الذي يمكن معه أن تتسبب إعادة إرسال تغريدة (ريتويت)، أو تفضيل (لايك) منشور على فيسبوك، إلى السجن أو المساءلة القانونية. دولة يُطبِق على مواطنيها الخوف، وينفرد فيها صوت الإذاعة الرسمية أو تلفازها الذي يغرد خارج السرب، ويمجد قرارات الحكومة من دون النظر إلى قانونيتها أو عدالتها.
إذا كانت هذه الحقوق العامة والأساسية قد تمت مصادرتها من أفراد المجتمع، فما حال من يقبعون في السجون تحت رحمة سجّانيهم؟ والإجابة الجلية هي أن السلطة في البحرين فاقمت الانتهاكات
اليد الأمنية تمتد إلى ما وراء الحدود
بعد أن تمكنت الحكومة وأجهزتها الأمنية من قمع أصوات الداخل عبر الأساليب القمعية، انتقلت إلى ملاحقة منتقديها خارج الحدود. فقد قامت بالتحذير من متابعة معارضين خارج البلاد، والاتصال بهم. وقد حصل أن اتهمتني وزارة الداخلية في أيار/ مايو من العام 2019 بإدارة حسابات وهمية من الخارج، من أجل "تشويه سمعة البحرين"، كما وجّهت الاتهام ذاته إلى الناشط حسن الستري (يعيش في أستراليا)، ثم انتقلت إلى استهداف رئيس تحرير البيت الخليجي للدراسات والنشر، الصحافي البحريني عادل مرزوق (مقيم في لندن)، بسبب آرائه وانتقاداته، فوجّهت إليه اتهامات بـ"بث الفتن"، محذرةً من متابعته.
ربما حان الوقت لتشكيل رابطة خليجية من قبل قوى المجتمع المدني ومؤسساته، والمدافعين عن حقوق الإنسان، من أجل تنسيق المواقف، سعياً إلى تحقيق الأهداف الحقوقية المشتركة.
لقد عملت السلطات البحرينية بكل قوة لملاحقة المعارضين في الخارج ومضايقتهم، ومحاولة محاصرتهم، وعزلهم، وتقييد حريتهم في التنقل، فوظّفت الاتفاقيات الأمنية الدولية في هذا الشأن. وفي سبيل الحد من تنقّل المعارضين في الخارج، طلبت البحرين من الشرطة الدولية (الإنتربول)، إصدار المئات من الإشارات الحمراء التي تستند إلى أحكام قضائية بحرينية سياسية، أو أخرى يشوبها الكثير من المخالفات، حسب المراقبين، ولا تتوافق مع المعايير الدولية للمحاكمات العادلة. وقد حاولت البحرين القبض على الكثيرين، وأخفقت في العديد من المحاولات، إلا أنها نجحت مؤخراً في استرداد المعارض أحمد جعفر من صربيا، عبر التعاون مع الشرطة الدولية، إذ كان في رحلة لجوء إلى أوروبا. ولم يقف الحد عند الإنتربول فحسب، بل تستغل البحرين علاقاتها الدبلوماسية مع الدول التي تستضيف معارضين وناشطين، إذ قامت في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، بالاحتجاج على استضافة بيروت مؤتمراً صحافياً لجمعية الوفاق الوطني لإطلاق تقريرها الحقوقي السنوي، وطلبت من الحكومة اللبنانية اتخاذ الاجراءات بحق المشاركين، وقد استجاب لبنان تحت الضغط بإصدار نشرات اعتقال بحق المشاركين في المؤتمر، وترحيلهم عن البلاد.
إن القمع داخل البحرين، وملاحقة المعارضين خارج البلاد، ودفع الأموال لشركات العلاقات العامة لتشويه سمعة الحراك السلمي المطلبي في البحرين، لن يفضي إلى القضاء على المطالب، ولا على المعارضين، فالبحرين ليست في خلاف مع حزب سياسي معيّن، أو أيدلوجيا معيّنة، إنما تواجه مطالب محقةً وعادلةً تدافع عنها الغالبية من المواطنين. فالطموح الشعبي بالانتقال نحو نظام حكم ديمقراطي عادل، يعيش في قلوب البحرينيين، وعقولهم، وإن عجزوا عن الإفصاح عن ذلك بكل شجاعة، كما كانت عليه الحال في العام 2011.
إن القمع داخل البحرين، وملاحقة المعارضين خارج البلاد، ودفع الأموال لشركات العلاقات العامة لتشويه سمعة الحراك السلمي المطلبي في البحرين، لن يفضي إلى القضاء على المطالب، ولا على المعارضين
حان الوقت لإنشاء رابطة خليجية مدنية
الجدير بالذكر هنا، أن البحرينيين ليسوا الوحيدين في منطقة الخليج الذين يحملون هذه التطلعات، فهناك تحديات وطموحات تتشاطرها شعوب المنطقة، لذلك ربما حان الوقت لتشكيل رابطة خليجية من قبل قوى المجتمع المدني ومؤسساته، والمدافعين عن حقوق الإنسان، من أجل تنسيق المواقف، سعياً إلى تحقيق الأهداف الحقوقية المشتركة.
هذه أمنية أُطلقها عبر رصيف22، وأتمنى في يوم ما أن تتحول إلى واقع، ففي اليوم الذي نصل فيه إلى تشكيل رابطة خليجية مدنية، سنتمكن من إيصال صوتنا بقوة إلى العالم والقيادة السياسية في الخليج، لنكون قادرين على البوح بأن من حقنا كشعوب المشاركة في صناعة القرار السياسي والتمتع بالحقوق المدنية والإنسانية في هذه المنطقة الغنية بالنفط، وبأن العلاقات الأمنية والتجارية مع الغرب يجب ألا تكون على حسابنا.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
HA NA -
منذ 3 أياممع الأسف
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت بكل المقال والخاتمة أكثر من رائعة.
Eslam Abuelgasim (اسلام ابوالقاسم) -
منذ أسبوعحمدالله على السلامة يا أستاذة
سلامة قلبك ❤️ و سلامة معدتك
و سلامك الداخلي ??
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعمتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ أسبوععظيم