شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!

"حرب دبلوماسية"... هل فشلت الجزائر في محاولاتها لعزل المغرب؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الثلاثاء 1 فبراير 202204:24 م

كثر الحديث في وسائل الإعلام الإقليمية، خلال الشهرين الماضيين، عن تحركات جزائرية بين دول المغرب العربي، خصوصاً تونس وموريتانيا، وذلك في محاولة لاستمالتهما لخلق عزلة دبلوماسية لجارتها الغربية المملكة المغربية.

تصاعد الخلاف بين الجزائر والمغرب، وأفضى إلى قطع الأولى علاقاتها الدبلوماسية مع الرباط، وإلى توتر وحرب كلامية مستمرة، رافقتها محاولات جزائرية للضغط على الجارة، خاصةً في المحيط الإقليمي.

وتشير تحليلات إلى محاولة الجزائر استقطاب تونس إلى صفها، في مواجهة المغرب، مستدلةً بالكم الهائل من الاتصالات والزيارات التي قام بها مسؤولون جزائريون إلى تونس مؤخراً، إلى جانب قرض مالي قيمته 300 مليون دولار، وإرسال شحنة من مليون لقاح مضاد لكوفيد19. ويرى البعض أن هذا التوجه هو لانتزاع موقف داعم للصف الجزائري، خصوصاً أن تونس تتخذ تاريخياً موقفاً من قضية الصحراء الغربية هو الدعوة إلى استفتاء تقرير مصير في تلك المنطقة.

وازدادت الأمور التباساً وتصعيداً، بعدما نشرت وسائل الإعلام المغربية أيضاً، أن الجزائر تعمل على استمالة جارتهما الجنوبية، موريتانيا، لتضييق الخناق على المملكة، علماً أن نواكشوط تعترف أيضاً بجبهة بوليساريو.

إشارات تونسية موريتانية

في صحيفة "الشارع المغاربي" التونسية، في 21 كانون الأول/ ديسمبر الماضي، كتب أستاذ العلوم الجيو سياسية في جامعة منوبة في تونس، رافع الطيب، افتتاحيةً بعنوان: "هل تكسر قرطاج قوس التهديد على الجزائر؟".

وقال في افتتاحية الصحيفة التي تميل نحو دعم الرئيس قيس سعيّد: "أما الأصوات التي علت وعبّرت عن خشيتها من التموقع التونسي ضمن الحلف الجزائري، وفقدان الإرث التاريخي للعلاقات التونسية المغربية، فالأكيد أنها لم تطّلع على تقارير استخباراتية توفرت بين يدي الرئيس سعيّد تبيّن مدى محاولات الرباط اختراق بعض جوانب الأمن القومي التونسي، عبر التنصت بفضل تطبيق (برنامج التجسس) بيغاسوس الإسرائيلي، والتي تحدث الإعلام عنها في الصحافة الغربية، وأحدثت شرخاً في الثقة بين المغرب والعديد من البلدان".

تصاعد الخلاف بين الجزائر والمغرب، وأفضى إلى قطع الأولى علاقاتها الدبلوماسية مع الرباط، وإلى توتر وحرب كلامية مستمرة، رافقتها محاولات جزائرية للضغط على الجارة، خاصةً في المحيط الإقليمي

وفي رأي الطيب، فإن "إعلان قرطاج بين تونس والجزائر، مثّل بداية مشروع لتفكير معمق لموقع تونس مستقبلاً ضمن إقليم متحول ومرتبك تشقّه أمواج الفوضى الأمنية وأخطار الهيمنة والاستقطاب والتسلل الإسرائيلي والتكالب على الثروات والنزاعات المجالية في عمق بحرنا".

تاريخياً، سبق لتونس أن وقفت ضد المغرب، وذلك حينما اعترفت قرطاج عام 1960، بدولة موريتانيا، وأيدت ترشحها لعضوية مجلس الأمن الدولي، وهو ما أغضب الرباط التي كانت تطالب بسيادتها على نواكشوط في ذلك الوقت.

في عام 2016، ألغى رئيس الوزراء التونسي السابق، الحبيب الصيد، زيارة إلى المغرب لحضور مؤتمر في مدينة الداخلة في الصحراء الغربية، كي لا يتم تفسير تلك الخطوة على أنها اعتراف تونسي بمغربية الصحراء.

وفي ذلك العام أيضاً، استخدم الحبيب الصيد، خلال لقاء مع الصحافيين، مصطلح "الصحراء الغربية"، وهو التعبير الذي ترفض الرباط إطلاقه على تلك المنطقة التي تعدّها جزءاً منها.

وفي ما يتعلق بموريتانيا، حط الرئيس الموريتاني، محمد ولد الشيخ الغزاوني، في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، في الجزائر، على رأس وفد رفيع المستوى، وحظي باستقبال لافت.

وكانت هذه أول زيارة لرئيس موريتاني إلى الجزائر منذ عقد كامل، وكانت آخر زيارة للرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز، في كانون الأول/ ديسمبر 2011، ثم تدهورت العلاقات بين البلدين عقب تبادل العاصمتين طرد ممثلين دبلوماسيين، للمرة الأولى.

جاءت الزيارة وسط حديث في وسائل الإعلام عن احتمالات اصطفاف موريتانيا، التي تتخذ موقفاً محايداً في الملف، إلى جانب الجزائر ضد المغرب، فيما توقّع آخرون أن تلعب نواكشوط دوراً للوساطة بين الدولتين الجارتين، وهو ما كان قد أعلنه مسؤولون فيها، إبان اندلاع الأزمة الدبلوماسية بين البلدين الجارين.

لكن ما زاد المخاوف من اصطفاف موريتاني مع الجزائر، هو تأجيل زيارة وزير الخارجية الموريتاني إسماعيل ولد الشيخ أحمد، إلى الرباط.

ونقلت فرانس24، أن مصادر دبلوماسية تحدثت عن أن تأجيل الزيارة يعود إلى الوضعية الوبائية في البلدين، مضيفةً أن هذا التفسير لم يقنع الكثير من المراقبين الذين ربطوا هذا التأجيل بزيارة وفد جبهة بوليساريو إلى نواكشوط، والاستقبال الرسمي الذي خصصه الرئيس الموريتاني للمستشار السياسي لزعيم الجبهة.

وقالت فرانس24، إن "الاستقبال قيل إنه أثار غضب الرباط، وكان سبباً في رفضها زيارة ولد الشيخ أحمد، وكذا مقترح الوساطة الموريتاني، فيما تتمسك نواكشوط من جهتها بما تراه حياداً إيجابياً في نزاع الصحراء".

محاولات يائسة؟

قال الباحث المختص بالشأن المغربي، يحيى بن طاهر، إن هناك تحركاتٍ دبلوماسيةً جزائريةً تبدو يائسةً لتطويق المغرب وعزله عن منطقته الطبيعية.

ولفت بن طاهر، في حديث إلى رصيف22، إلى أن محاولات الجزائر لجرّ موريتانيا باءت مسبقاً بالفشل، ولم تكن إلا فقاعةً دبلوماسيةً للاستهلاك الإعلامي، مضيفاً أن الجزائر تحاول الاتفاق مع موريتانيا لتدشين مشروع طريق برية، ومنها إلى العمق الأفريقي.

وقال الباحث المغربي إن نواكشوط اعترفت بالبوليساريو، قبل زمن، من باب "درء شر تدخلات الجيش الجزائري في الشأن الموريتاني"، وهي البلد الذي لطالما عانى من الانقلابات المتتالية.

بسبب الأزمة الدبلوماسية المستعرة بين البلدين الجارين يرى البعض أن الجزائر تحاولة استمالة كل من تونس وموريتانيا إلى صفّها للحصول على دعمهما في مواجهة المغرب. فهل تنجح في مساعيها؟

وشرح بن طاهر، أن موريتانيا يمكن لها الذهاب في علاقات تعاون طبيعية وعادية مع الجزائر، لكنها تفهم مدى أهمية علاقتها بالمغرب، التي توفر 80% من أمنها الغذائي، وأن هناك تعاوناً أمنياً وثيقاً يربط البلدين، مضيفاً أن نواكشوط تفهم جيداً اللعبة، ولا تنسى الهجوم الذي كان قد تعرض له قصرها الرئاسي خلال سبعينيات القرن الماضي، من قبل عناصر الجبهة المدعومين من الجارة الشرقية.

وفي ما يتعلق بتونس، قال بن طاهر، إن الأخيرة ظلت تلتزم الحياد الإيجابي في نزاع الصحراء، ولن تتجرأ على اتخاذ موقف مغاير، بسبب الحالة السياسية الداخلية في البلاد الآن، وهي حالة تشبه الانسداد وغياب الأفق السياسي، وتالياً فإن تخوفات استعمال الدولة التونسية من طرف الجزائر لخدمة أجنداتها في صراعها الإقليمي مع المغرب مستبعدة، بالإضافة إلى أن أطراً تونسيةً حذرت من هذا الاستغلال، ومن الخطر الذي قد يجلبه لتونس مثل هكذا انحياز إلى الأطروحة الجزائرية.

من جانبه، قال الأكاديمي التونسي والمحلل السياسي، حسان القبي، إن العلاقات مع الجزائر متميزة وتاريخية وهناك روابط طويلة منذ حروب الاستقلال، مضيفاً أن بلاده رسّخت منذ عهد الرئيس بورقيبة سياسة عدم الانحياز، وتعتزّ بانتمائها العربي والإفريقي، وعليه تمتعت بعلاقات جيدة مع جميع الأطراف، وهي لا تتدخل في الشأن الداخلي للدول.

وبخصوص نزاع الصحراء الغربية، قال القبي إن بلاده تدعم القرارات الدولية الصادرة عن الأمم المتحدة، والتي تدعو إلى إجراء استفتاء لتقرير المصير، ومع ذلك تظل العلاقة مع المغرب متميزةً.

وأضاف المحلل التونسي قائلاً: "لكن بطبيعة الحال، فإن أول من مدّ يد العون إلى تونس في أزمتها الاقتصادية الحالية، هي الجزائر، التي وفرت قرضاً بـ300 مليون دولار"، مضيفاً أن "الجزائر وتونس تتبادلان زياراتٍ مكثفةً منذ مرحلة الاستقلال، لكن الزيارات الحالية لا تهدف إلى ضمان موقف تونس الداعم للجزائر، لأن التنسيق والتوافق بينهما في الملفات الخارجية مستمر وقوي، ولكن ليس على حساب بقية الأصدقاء".

في المقابل، رأى أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة الجزائر، توفيق بوقاعدة، أن محور تونس الجزائر موريتانيا، ليس هدفه عزل المغرب، وإنما الهدف الأساسي منه هو السعي من أجل تطبيق رؤية جديدة لتفعيل الاندماج الاقتصادي بين الأقطار الثلاثة في البداية، إلى غاية خروج ليبيا من أزمتها السياسية والأمنية، والالتحاق بالأقطار الثلاثة، بالإضافة إلى المغرب في مرحلة لاحقة، عند انقشاع سحب الأزمة الدبلوماسية مع الجزائر، وتسوية خلافاتها مع موريتانيا.

وقال الأكاديمي الجزائري لرصيف22: "في تقديري، إن المسعى هدفه بناء الفضاء المغاربي بالاعتماد على المقاربة الاقتصادية بعد فشل بناء الاتحاد على المستوى السياسي، والذي عرف الجمود مع أول أزمة سياسية بين قطبي المغرب العربي الجزائر والمغرب، واستبعد المقاربة أو الطرح الذي يشير إلى أن هناك محاولةً جزائريةً لعزل المغرب باستمالة تونس وموريتانيا".

هذه الحرب الدبلوماسية امتدت أيضاً إلى فضاء الجامعة العربية، التي كان يُفترض أن تنظّم قمّتها في الجزائر العاصمة، قبل الإعلان عن تأجيلها. وكشف الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية، السفير حسام زكي، عن تأجيل عقد القمة العربية المقررة في شهر آذار/ مارس القادم في الجزائر، إلى موعد آخر يُحدد بالتنسيق مع البلد المضيف. ويرى البعض أن الأزمة الجزائرية المغربية، بالإضافة إلى ملف عودة سوريا إلى الجامعة المدعوم من طرف الجزائر، من الأسئلة التي لم يتم الحسم فيها، ودفعت إلى تأجيل القمة.

في هذا السياق، أكد بن طاهر أن محاولة عزل المغرب عن فضائه المغاربي، وتهميشه في القمة، باءت بالفشل، ومن أفشلها الجزائر نفسها، بل أصابت نفسها بحرج كبير، لأن القمة العربية لن تُعقد لدى الأخيرة طالما لم تصلح علاقتها مع الرباط، لتعود حركة الطيران بين البلدين، حتى يتمكن وفد المملكة من الحضور، وعليه هي من ستكسر العزلة التي حاولت فرضها على المغرب بعد منع طيرانه المدني من التحليق فوق الأجواء الجزائرية.

ونقلت وسائل الإعلام المغربية أن الخطط الجزائرية بخصوص إقصاء المغرب من القمة، والضغط لأجل عودة سوريا، أدتا إلى قرار الجامعة العربية، تأجيل انعقاد قمتها المرتقبة في العاصمة الجزائرية، وهي اللحظة التي قد تعطي بعض البريق السياسي في العمق العربي للعاصمة الجزائر.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard