شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
الحرب بالوكالة تنتقل إلى المغرب العربي... إسرائيل وإيران تتصارعان في ساحة جديدة

الحرب بالوكالة تنتقل إلى المغرب العربي... إسرائيل وإيران تتصارعان في ساحة جديدة

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الخميس 18 نوفمبر 202104:11 م

تشهد العلاقات الجزائرية-المغربية صراعاً متصاعداً، وهو الصراع الذي فتح الباب لقوى إقليمية تبحث لها عن موطئ قدمٍ في المغرب العربي.

ففي حين ذهبت المملكة المغربية بعيداً في التحالف مع إسرائيل، إلى حد إعلان التطبيع معها، لم تجد الجزائر أمامها إلا أن تولّي وجهها شطر طهران، بحثاً عن تحالف موازٍ، يعادل الثقل الإسرائيلي الوافد على المنطقة.

فأي التحالفات ستكون له الغلبة في صراع سرمدي تدفع الشعوب ثمنه؟

اتصالات مكثفة وودٌّ يتجدد

في منتصف تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري، شهدت العلاقات بين طهران والجزائر دفعاً جديداً، إذ ثمّن وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، مواقف الجزائر القوية إزاء مسألة رفض انضمام إسرائيل كعضو إلى الاتحاد الإفريقي، ومطالبتها بعودة سوريا إلى الجامعة العربية، مؤكداً في اتصال هاتفي أجراه مع وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة، إن الجزائر تصرّفت بحكمةٍ كبيرة في تينك النقطتين.

وتليت المكالمة الهاتفية بين الوزيرين بتصريح على لسان العمامرة، أعلن فيه بوضوح عن أهمية تشكيل لجنة سياسية، جزائرية-إيرانية، لدراسة القضايا والمستجدات ذات الاهتمام المشترك بين البلدين، في إشارةٍ واضحةٍ إلى تنامي الدور الإسرائيلي في المغرب العربي في أعقاب تطبيعها مع الرباط.

وتُعدّ هذه المحادثات، الثانية من نوعها في أقل من شهرين، إذ سبق أن التقى لعمامرة مع عبد اللهيان في نيويورك، في أيلول/ سبتمبر الماضي.

تاريخ حافل بالأحداث

تمتلك العلاقات الجزائرية-الإيرانية سجلّاً حافلاً من الشدّ والجذب، بين قطيعةٍ ناجمة عن اتهامات، وتداخلات حلّت أزمات، وصولاً إلى تقارب تحكمه المصالح المشتركة.

لعبت الجزائر دوراً محورياً في الوساطة بين بغداد وطهران، في أزمة ترسيم الحدود عام 1975، والتي تصاعدت حدّتها باتهام العراق لإيران بأنها تدعم الأكراد، وتمدّ قائدهم مصطفى البارزاني بالسلاح، وهو الاتهام الذي صاحبه ارتفاع في وتيرة العداء، قبل أن تتدخل الجزائر، وتنجح في عقد اتفاقية بين الطرفين عُرفت باتفاقية الجزائر، قضت بتهدئة الأجواء، وغلق الحدود بين البلدين، وهي الاتفاقية التي لم تصمد طويلاً بين البلدين، ليشنّ صدام حسين حرب الخليج الأولى في العام 1980.

تمتلك العلاقات الجزائرية-الإيرانية سجلّاً حافلاً من الشدّ والجذب، بين قطيعةٍ ناجمة عن اتهامات، وتداخلات حلّت أزمات، وصولاً إلى تقارب تحكمه المصالح المشتركة

وفي الرابع من تشرين الثاني/ نوفمبر 1979، اقتحمت مجموعة من الطلاب الإسلاميين في إيران السفارة الأمريكية فب طهران، دعماً للثورة الإيرانية، واحتجزوا 52 أمريكياً من سكان السفارة رهائن لمدة 444 يوماً، قبل أن تنجح الدبلوماسية الجزائرية في التفاهم مع طهران للإفراج عن الرهائن الأمريكيين، منهيةً بذلك إحدى أعقد الأزمات التي شهدها العالم حينها.

شهر العسل الذي لم يدُم

لكن العلاقات بين البلدين التي بدت تراكمية المتانة، تعقّدت في آذار/ مارس 1993، حين اتهمت الجزائر عبر رئيس وزرائها الأسبق، رضا مالك، إيران، بدعم الجبهة الإسلامية للإنقاذ إعلامياً وسياسياً، وبالتدخل في الشؤون الداخلية للبلاد. وانتهى الأمر بقطع العلاقات بينهما لسنوات، قبل أن تهدأ موجة الغضب الجزائرية، ويذوب الجليد بين البلدين، لتعود العلاقة مجدداً، لكن بشكل ودّي من دون توطّد كبير، قبل أن تظهر أسباب أخرى جديدة للتقارب مؤخراً.

وبعيداً عن العواصف التي هبّت على العلاقة بين البلدين، فإن المشتركات بينهما ظلت ثابتةً، إذ ناصب كلاهما العداء المعلن لإسرائيل، فضلاً عن رفض الجزائر رسمياً، المشاركة في الحرب ضد اليمن قبل سنوات، وهو ما عُدّ ميلاً نسبياً نحو السياسة الإيرانية، على الرغم من اعتراف الجزائر بالحكومة الشرعية التي تدعمها الرياض.

عدوّ عدوّي صديقي

في 10 كانون الأول/ ديسمبر الماضي، أعلنت المملكة المغربية تطبيع علاقاتها مع إسرائيل، والذي قيل أنّه حصل مقابل اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بمغربية إقليم الصحراء، الذي تنازعه عليه جبهة البوليساريو.

دخول إسرائيل إلى المنطقة المغاربية، عبر بوابة الرباط، قلب الموازين في المنطقة، وأشعل نار الصراعات المغربية الجزائرية أكثر، وهي المعقدة سلفاً، وازدادت حدّة الاحتقان بين الجارتين، على إثر إعلان الجزائر تعرّض شاحنات جزائرية إلى قصفٍ أدّى إلى مصرع ثلاثة جزائريين، في منطقة بير لحلو في الصحراء الغربية، المتاخمة للحدود الموريتانية، واتّهمت الرئاسة الجزائرية في بيان رسمي، الجانب المغربي، باستخدام "سلاح متطور" يُعتقد أنه إسرائيلي الصنع.

"الجزائر، فضلاً عن علاقاتها الإستراتيجية مع الصين وروسيا، تعزز علاقاتها مع إيران، وسنشهد تعاوناً ذا بعد عسكري عنوانه الرئيس الطائرات المسيّرة الإيرانية"

وكان هذا منعرجاً لتأزّم العلاقات الجزائرية المغربية، فالمغرب حسب الجزائر جلب عدواً كلاسيكياً إلى حدوده، وهو ما ساهم مباشرةً في تحسين العلاقات الجزائرية الإيرانية.

"التحالف المغربي-الإسرائيلي المتصاعد، دفع الجزائر إلى البحث عن شركاء إستراتيجيين لدعم مواقفها السياسية، وقدراتها العسكرية، ونحن على بعد أيام من زيارة وزير الدفاع الإسرائيلي للمغرب، للتوقيع على اتفاقيات عسكرية وأمنية". هكذا يستهل الأكاديمي والمتحدث الرسمي باسم حركة عزم الجزائرية، حسام حمزة، حديثه إلى رصيف22، ويرى أن الجزائر، فضلاً عن علاقاتها الإستراتيجية مع الصين وروسيا، تعزز علاقاتها مع إيران، وسنشهد تعاوناً ذا بعد عسكري عنوانه الرئيس الطائرات المسيّرة الإيرانية.

ويرى حمزة، أن هذا السيناريو مرجّح في ظل الاستعانة المغربية بالدرونات الصهيونية (هورمس)، والتركية (بيرقدار)، والتي استُعملت إحداهما لتنفيذ الهجوم على الشاحنتين الجزائريتين، ويستطرد في حديثه إلى رصيف22، قائلاً: لا أستبعد اللجوء الجزائري إلى مسيّرات "مهاجر6" التي استُخدمت في إثيوبيا مؤخراً، ومن حزب الله اللبناني، والمقاومة الفلسطينية، وميليشيات الحوثي في اليمن.

وختم حمزة كلامه، بتخوّفه من تواجد الطائرات المسيّرة التركية والصهيونية والإيرانية، في المنطقة المغاربية، ما سيؤثر لا محالة على استقرارها، وأمنها.

التقارب الجزائري-الإيراني أثار مخاوف إسرائيل، وهو ما عبّر عنه بوضوح وزير الشؤون الخارجية الإسرائيلي، يائير لابيد، بالقول: نحن نتشارك بعض القلق بشأن دور دولة الجزائر في المنطقة، التي باتت أكثر قرباً من إيران، وهي تقوم حالياً بشنّ حملة ضد قبول "إسرائيل" في الاتحاد الإفريقي، بصفة مراقب"، ليردّ عليه وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة، واصفاً تصريحه بـ"السخيف"، مؤكداً أن "العلاقات الجزائرية الإيرانية ليست وليدة اللحظة، فإيران دولة صديقة، وتربطها بالجزائر علاقات اقتصادية ممتدة.

أهداف إسرائيل وإيران في المنطقة المغاربية

في عالم يركّز على القوّة والمصلحة، لا شيء بالمجّان، ولذلك فإن نقل إسرائيل وإيران صراعهما في الشرق الأوسط إلى المغرب العربي، قائم على فرضيات عدة.

أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة الجزائر، زهير بوعمامة، في تصريح له لرصيف22، لخص أهداف توغّل إسرائيل في المنطقة المغاربية قائلاً: كل دولة تراكم القوة وترفض التماشي مع مشاريع إسرائيل، هي دولة عدوّة تجب محاصرتها وإضعافها، لذا فالتطبيع الذي حصل مؤخراً مع المغرب، سمح لإسرائيل بتحويل التحالف من دبلوماسي إلى عسكري، في محاولة لتحقيق رغبتها في محاصرة الجزائر، عبر سعيها إلى بناء قاعدة عسكرية في المغرب.

تود إيران أن تقوم بعملية تفريخ للمد الشيعي في الجزائر، لفرض نوع من التبعية الدينية لها، إذ ترغب في إحياء أمجاد الدولة الفاطمية الشيعية، وهو خطر يجب أن تتعامل معه الجزائر بحزمٍ كبير، لمنع ظهور أي أقليات طائفية أو مذهبية مهما كانت

أما عن أهداف إيران في المنطقة المغاربية، يضيف الدكتور زهير بوعمامة: طهران تشعر أنها محاصرة في محيطها بالشرق الأوسط، فهي محاطة بخصوم عدة، عدا سوريا واليمن فقط، لكنهما في حالة ضعف حالياً بسبب الحروب، ومع توسع دائرة الدول العربية المطبّعة مع إسرائيل، فإن طهران تودّ الحفاظ على الجزائر، كحليف مهم جداً لها، نظراً إلى تشابه خطاب البلدين في ملف إسرائيل.

مخاطر التقارب مع طهران

لا يخلو التقارب الجزائري-الإيراني من كومة مشكلات، قد تجد الجزائر نفسها محاطةً بها، إذا توطدّت علاقاتها بإيران أكثر، وانتقلت إلى التحالف الإستراتيجي أو العسكري بينهما، وفي هذه النقطة يقول الدكتور بوعمامة: التحالف مع إيران سلاح ذو حدّين، وقد يؤدي إلى السير عكس تيار الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي، بسبب العقوبات المفروضة على طهران، كما سيؤثّر على العلاقة مع بلدان الخليج التي ترى في إيران عدوّاً مباشراً، سيما وأن هذه التطورات تحدث في ظل توتر سابق لعلاقات الجزائر مع دول الخليج، بعد خطاب الرئيس عبد المجيد تبون أمام هيئة الأمم المتحدة، والذي انتقد فيه "الهرولة لتطبيع العلاقات مع إسرائيل".

ويختم زهير بوعمامة حديثه إلى رصيف22، بقوله: الجزائر اكتوت بتدخل إيران في شؤونها الداخلية، خلال العشرية السوداء، حين دعمت طهران الجماعات الإسلامية المسلحة المتمردة على النظام الجزائري، في محاولة منها لتسويق تجربة ثورتها خارجياً، وهو ما أدّى إلى قطع العلاقات الدبلوماسية بينهما.

ومن جهة أخرى، تود إيران أن تقوم بعملية تفريخ للمد الشيعي في الجزائر، لفرض نوع من التبعية الدينية لها، إذ ترغب في إحياء أمجاد الدولة الفاطمية الشيعية، وهو خطر يجب أن تتعامل معه الجزائر بحزمٍ كبير، لمنع ظهور أي أقليات طائفية أو مذهبية مهما كانت.

أطماع توسعية من إسرائيل، يقابلها قلق جزائري من الحصار، تلاقت مع مصالح طهران، لتتحول المنطقة المغربية إلى ساحة صراع مصالح، لا يمكن الجزم بمداه. ويظلّ الخوف قائماً من أن تدفع الشعوب العربية فاتورة ذلك الصراع.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image