عندما نفتح الثلاجة أو نقف أمام رفوف السوبر ماركت، تبرز أمامنا مجموعة متنوعة من الخيارات.
ولكن هل نتخذ القرارات المتعلقة بنظامنا الغذائي من تلقاء أنفسنا كما نعتقد؟ ماذا لو كان هناك شيء آخر يؤثر على ما نأكله، بمعزل عن الشعور بالجوع والخيارات المتاحة؟
وليمة لإشباع العيون
من البرغر والبيتزا وصولاً إلى طبق المحاشي، تزخر مواقع التواصل الاجتماعي بصور المأكولات الشهية التي يسيل لها اللعاب، وفي حين أن رائحة ومذاق الطعام يمكن أن يكون لهما تأثير قوي لا يمكن إنكاره على رغباتنا الشديدة، فإن السؤال الذي يطرح نفسه: هل تعد صور الطعام المنتشرة عبر السوشال ميديا أكثر من مجرد وليمة تشبع عيوننا؟
عندما يتعلق الأمر بما نأكله، يبدو أننا نتأثر بشكل كبير بالآخرين، بخاصة أولئك الأقرب إلينا. فقد كشفت الأبحاث أنه كلما كانت العلاقة أقوى بين شخصين، كلما زاد تأثير الفرد على الآخر لناحية خيارات الطعام.
تعليقاً على هذه النقطة، قالت سولفيغ أرغيسيانو، الأستاذة المشاركة للصحة العالمية وعلم الأوبئة في جامعة إيموري في أتلانتا، الولايات المتحدة، لموقع بي بي سي: "ترتبط الكثير من إشاراتنا من التفاعلات وجهاً لوجه مع من نحن معه"، وتابعت بالقول: "إذا كنت أعتقد أن الشخص الذي أتعامل معه أكثر جاذبية أو شعبية، فسوف أميل إلى تقليده أكثر".
من البرغر والبيتزا وصولاً إلى طبق المحاشي، تزخر مواقع التواصل الاجتماعي بصور المأكولات الشهية التي يسيل لها اللعاب، وفي حين أن رائحة ومذاق الطعام يمكن أن يكون لهما تأثير قوي لا يمكن إنكاره على رغباتنا الشديدة، فإن السؤال الذي يطرح نفسه: هل تعد صور الطعام المنتشرة عبر السوشال ميديا أكثر من مجرد وليمة تشبع عيوننا؟
بمعنى آخر، إن الإشارات الاجتماعية تشجعنا عموماً على تناول المزيد من الطعام، ومع ذلك أكد البحث أن التواجد بالقرب من شخص يأكل طبقاً صحياً قد يشجعنا أيضاً على تناول طعام صحي.
وفي سياق متصل، يبدو أن عاداتنا الغذائية تتأثر أيضاً بما نراه، إذ أوضح العلماء إننا نفضل أن نشاهد مثلاً كيف يسيل صفار البيض، أو كيف تذوب جبنة الموزاريلا، وهي صور وفيديوهات تزيد من شهيتنا، بحسب تأكيد سوزان هيغز، أستاذة علم النفس البيولوجي للشهية في جامعة برمنغهام بالمملكة المتحدة: "هناك بعض الأدلة على أنه إذا رأيتم/نّ صوراً للطعام، فإن التحفيز البصري يمكن أن يدفعكم/نّ للشعور بالرغبة في تناول الطعام".
على الرغم من ذلك، أكدت هيغز أن ذلك يعتمد على العديد من العوامل الأخرى، مثل نوع الطعام المتاح في ذلك الوقت.
لكن وسائل التواصل الاجتماعي هي مساحة تلتقي فيها الإشارات المرئية والاجتماعية. هناك بالتأكيد دليل على أنه إذا كان الأصدقاء في شبكتنا الاجتماعية ينشرون بانتظام أنواعاً معيّنة من الطعام، فقد يقودنا ذلك إلى تقليدهم، سواء كان ذلك للأفضل أو للأسوأ. وتشير الأبحاث إلى أن وسائل التواصل الاجتماعي قد تغيّر علاقتنا بالطعام، ما يجعلنا نفكر بشكل مختلف حول ما نأكله: "إذا كان جميع الأصدقاء على وسائل التواصل الاجتماعي ينشرون صوراً لأنفسهم وهم يستهلكون وجبات سريعة، فسيكون ذلك بمثابة قاعدة مفادها أن تناول الوجبات السريعة هو ما يفعله الناس"، وفق ما قالت سوزان هيغز.
دور الهرمونات
البشر مهيئون بيولوجياً للبحث عن طعام كثيف السعرات الحرارية، وهي المسألة التي ساعدت أسلافنا على البقاء على قيد الحياة أثناء رحلة البحث عن الطعام.
في هذا الصدد، تشير الأبحاث إلى أنه من المرجح أن نتفاعل أكثر مع صور الوجبات السريعة التي تتسم بالدهون المشبعة، لأنها تجعلنا نشعر بالرضا، عن طريق إفراز الدوبامين وتحفيز مراكز المتعة في الدماغ، كما أكد إيثان بانسر، أستاذ التسويق في جامعة سانت ماري في هاليفاكس، في كندا: "وجد علم النفس التطوري أن الناس يشعرون بالسعادة عندما يرون ببساطة هذه الأطعمة، وبالتالي يتفاعلون معها أكثر".
وتابع بالقول: "مع زيادة المشاركة ومقاييس الوصول للأطعمة غير الصحية، قد يغير المنتجون محتواهم تدريجياً ليصبح غير صحي بغية أن يبقوا قادرين على المنافسة... ومع زيادة التعرض للأطعمة غير الصحية، فإن تصورات المستهلكين لما يُعتبر عادات غذائية طبيعية قد تنحرف لتصبح غير صحية."
في حوار أجراه رصيف22 مع الأخصائية في علم التغذية سالي الزين، أوضحت أن هناك تزايداً ملحوظاً لصور الطعام المنتشرة عبر منصات السوشال ميديا، وذلك يعود لكون الطعام يحفز الدماغ بطريقة قوية: "الدماغ البشري ضعيف أمام الطعام، فحتى ولو كنّا غير جائعين، فإن صورة البرغر مع البطاطا المقلية مثلاً تثير الشهية لكونها تساعد على إفراز الغريلين، وهو الهرمون المسؤول عن الشعور بالجوع".
وعن سبب تزايد صور الطعام على السوشال ميديا، أوضحت سالي أن شركات التسويق مدركة تماماً للتأثير والدور الكبير الذي تلعبه صور الطعام على جسم الإنسان ودماغه، فتكون هذه الصور بمثابة السلاح الأساسي للترويج للمطعم: "هذه الشركات تعرف تماماً أن الإنسان ضعيف أمام صور المأكولات الشهية، وهو أمر خارج عن السيطرة".
وفي سياق متصل، أكدت الزين أننا كبشر نتأثر كثيراً بمحيطنا والعادات الغذائية المنتشرة بين الأصدقاء والمقربين منّا: "في اللاوعي قد نعمل على تقليد الآخر في عاداته الغذائية من أجل تعزيز الترابط الاجتماعي بيننا وبينه".
وكخبيرة في النظام الغذائي الصحي، كشفت سالي أنه من الصعب أحياناً توعية الناس حول ضرورة التركيز على الطعام الصحي، في ظل الانتشار الكثيف لصور الوجبات السريعة على السوشال ميديا، منوهة بأنها تحاول أن تساعد الزبائن على إيجاد طرق مبتكرة للسيطرة على هذه الإغراءات.
وعن أبرز النصائح التي تقدمها، قالت الزين إنه من المهم ألا يترك المرء نفسه يشعر بالجوع الشديد: "قبل الذهاب مثلاً إلى السوبرماركت أو المطعم، يجب ألا نترك أنفسنا نجوع كثيراً حتى لا نقع في فخ المغريات"، مشددة على أهمية اتباع روتين يومي يتسم بتناول الطعام الصحي وممارسة الرياضة، وشرب كميات كبيرة من المياه، وأن يكون المرء ذكياً في خياراته، فيكون هو المؤثر على المحيطين به بطريقة صحية.
اختلاف التأثير
نحن نؤثر بشكل أو بآخر على خيارات الأشخاص عبر الإنترنت، بحسب تأكيد باتريسيا كافازوس، أستاذة الطب النفسي في كلية الطب في جامعة واشنطن: "عندما نفكر في الإعلان، نفكر في الصناعة التي تحاول دفع منتج ما، لكن المؤثرين يمكنهم العمل بنفس الطريقة"، وتابعت بالقول: "المحتوى على وسائل التواصل الاجتماعي من الأقران مؤثر للغاية، من حيث التأثير على ما نشعر أنه ملائم وجذاب، والمعايير الاجتماعية لكيفية التصرف."
وأوضحت كافازوس أن البعض منّا أقل تأثراً بالمحتوى، ولكن بالنسبة للآخرين المعرضين بالفعل للخطر وقد يعانون من أعراض اضطرابات الأكل، فإن وجود المزيد من المحتوى الذي يجعل أنماط الأكل غير الصحية أمراً طبيعياً قد يدفع الشخص إلى التحرك نحو سلوكيات غير صحية".
"الدماغ البشري ضعيف أمام الطعام، فحتى ولو كنّا غير جائعين، فإن صورة البرغر مع البطاطا المقلية مثلاً تثير الشهية لكونها تساعد على إفراز الغريلين، وهو الهرمون المسؤول عن الشعور بالجوع"
يختلف مقدار تأثير وسائل التواصل الاجتماعي علينا حسب الأفراد، كما كشفت ميليسا أتكينسون، محاضرة في علم النفس في جامعة باث بالمملكة المتحدة.
وتقول أتكينسون: "هناك الكثير من الاختلافات الفردية فيما يتعلق بكيفية استجابتنا لصور وسائل التواصل الاجتماعي"، موضحة إن بعض الأشخاص لديهم استجابة أعلى للمكافأة لإشارات الطعام، حيث يرسل المخ إشارات المتعة بعد رؤية بعض الأطعمة.
حتى من دون التوصل إلى إجابات محددة، ينكب الباحثون على طرق لجعل وسائل التواصل الاجتماعي تؤثر على وجباتنا الغذائية بطرق إيجابية، لكن في الوقت الحالي، بحسب إيثان بانسر، نحن بعيدون جداً عن دفع الناس نحو اتباع نظام غذائي صحي وتوجيه الناس بعيداً عن الصور القوية للأطباق الدسمة: "إننا نكافح سنوات من التطور"، مشيراً إلى أن هناك سبباً لتطورنا للبحث عن طعام كثيف السعرات الحرارية في البيئات التي تعاني من ندرة الغذاء. نحن الآن بحاجة إلى إيجاد طرق لإعادة ضبط ذلك."
هذا وقد وجد بانسر في بحثه أنه بمجرد أن نزيل الغموض عن سبب شعورنا بالرضا عن رؤية صور البرغر ورقائق البطاطا، فإن تأثير الشعور بالسعادة يزول. بعبارة أخرى، إذا فهمنا أننا مبرمجون بيولوجياً لنشعر بالرضا عند رؤية صور البرغر، ربما نصبح أقل عرضة للتأثر به.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...