شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!

"اعتكاف" الحريري... من يستطيع وراثة السنّة في لبنان؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الأربعاء 26 يناير 202212:38 م

في مؤتمر صحافي عقده في مركز إقامته في بيروت، والمعروف بـ"بيت الوسط"، أمس الأول الإثنين، أعلن رئيس الحكومة الأسبق، سعد الحريري، تعليق عمله في الحياة السياسية، داعياً تيار المستقبل الذي يرأسه إلى اتخاذ الخطوة نفسها، وعدم الترشح للانتخابات النيابية، وعدم التقدم بأي ترشيحات منه أو باسمه.

تأتي هذه الخطوة بعد أشهر من التكهنات، وفي ظل غياب الحريري المستمر عن لبنان، وإقامته في دولة الإمارات العربية المتحدة، منذ أن قدّم استقالته من الحكومة التي كان يرأسها، نتيجة التسوية الرئاسية عام 2016، والتي أتت بغريمه اللدود، وحليف حزب الله الأول، ميشال عون، رئيساً للجمهورية.

انسحب الحريري من الحياة السياسية في هذا التوقيت، لاقتناعه، حسب زعمه، بأن "لا مجال لأي فرصة للبنان في ظل النفوذ الإيراني والتخبط الدولي"، ما يفتح الباب على الاحتمالات القادمة على الزعامة السنيّة خاصةً، والمشهد اللبناني بشكل عام.

المسار الانحداري

منذ العام 2005، بعيد اغتيال والده، الراحل رفيق الحريري، رأس الحريري الابن "تيار المستقبل"، الأكثر شعبيةً لدى الطائفة السنّية، وساعدته في ذلك الحالة الشعبية التي تكوّنت بعد عملية الاغتيال، وجعلت حضوره غالباً على كل التيارات الأخرى في الحياة السياسية، مستفيداً أيضاً من تحالف 14 آذار، إذ وصل عدد النواب الذين ينضوون تحت راية تكتل "لبنان أولاً" في عام 2009، إلى 41 نائباً، من أصل 128 نائباً يُشكّلون العدد الكلّي للبرلمان اللبناني.

انسحب الحريري من الحياة السياسية في هذا التوقيت، لاقتناعه، حسب زعمه، بأن "لا مجال لأي فرصة للبنان في ظل النفوذ الإيراني والتخبط الدولي"

يقول الوزير السابق حسن منيمنة، الذي سبق أن كان من ضمن فريق الحريري، ومثّله في حكومة التسوية التي وُلدت بعد انتخابات 2009، إن الحريري "الذي حاول تلقف الأقطاب اللبنانية بتروٍّ، لم يلاقِ في مسيرته سوى التصعيد، فحزب الله واجهه بأكثر من محطة، بدءاً من أحداث السابع من أيار/ مايو 2008، عندما نزل بسلاحه إلى الشارع، مروراً بإقالته وهو في الكونغرس عام 2011، من قبل فريق حزب الله، وصولاً إلى التعطيلات المتلاحقة للحكم".

لا يرى منيمنة أن "سبب إفشال مسيرة الحريري السياسية محصور بخصومه، بل بحلفائه أيضاً، كالحزب التقدمي الإشتراكي والقوات اللبنانية الذين، بشكل أو بآخر، تركوه وحيداً".

وبدأت الأمور تتخذ منحى مغايراً في تحالف 14 آذار، مع إعلان الزعيم الدرزي وليد جنبلاط بعد انتخابات 2009، خروجه منه، ومصالحة النظام السوري، وتوسعت لاحقاً، وأثّر فيها قيام الحريري بزيارة رئيس النظام السوري بشار الأسد في أواخر العام 2009 أيضاً، فيما وقع الخلاف الذي لم ينتهِ إلى اليوم، مع رئيس "القوات" سمير جعجع منذ عام 2013، حين دعم الأخير قانون الانتخاب الذي سُمّي بـ"القانون الأرثوذكسي"، والذي يُقسّم الدوائر والناخبين طائفياً.

يرى منيمنة أن "هذه العوامل، معطوفةً على انسداد الأفق الدولي والعربي تجاه لبنان بفعل معاداة الحزب للعمق العربي، لم تُبقِ للحريري وتياره من خيار سوى الانسحاب أو الانكفاء المرحلي".

صراع الخلافة

يجزم منيمنة أن "الانتخابات النيابية بعد انكفاء الحريري ستحصل في موعدها في شهر أيار/ مايو المقبل، لأنها ستعوّض تراجع شعبية حلفاء حزب الله المسيحيين ببدلاء سنة سيكونون في الفلك المناهض للحريرية".

كلام منيمنة يطرح السؤال حول الشخصيات السنية التي ستكون بديلاً من الحريري، سواء أكانت مقربةً من "حزب الله"، أم في موقع الخصومة معه.

كُثر تنافسوا والحريري في السنوات الماضية، ولم يستطيعوا مجاراة شعبيته، أو حتى انتزاع مقعد نيابي منه في المناطق السنيّة، إلا عام 2018، حين أتيح مجال خرق المحادل، بسبب اعتماد النسبية مع الصوت التفضيلي في الانتخابات، وظهر هذا الأمر جلياً في البقاع الغربي، إذ استطاع عبد الرحيم مراد أن يصل إلى الندوة البرلمانية بعدما أُقصي عنها منذ العام 2005، ويتّكئ في زعامته على الدور الخدماتي الذي تلعبه مؤسساته التعليمية على وجه التحديد.

كُثر تنافسوا والحريري في السنوات الماضية، ولم يستطيعوا مجاراة شعبيته، أو حتى انتزاع مقعد نيابي منه في المناطق السنيّة، إلا عام 2018، حين أتيح نسبياً وعن قصد خرق "المحادل"، وتحديداً المستقبل، بسبب اعتماد الصوت التفضيلي

ويتحالف مراد، ونجله حسن، مع حزب الله، ويقولون إنهم في السياسة مع الخط الناصري، وفي الخندق نفسه مع الرئيس السوري بشار الأسد. وكان مراد الابن قد عُيّن وزيراً في الحكومة التي ترأسها سعد الحريري عام 2019، بعد تعطيل دام أشهراً نتيجة رفض الحريري في حينها تمثيل التحالف الذي ينتمي إليه مراد، والذي عُرف باللقاء التشاوري الحليف لحزب الله، في الحكومة.

أما في بيروت، فيظهر كل من النائبين نهاد المشنوق وفؤاد المخزومي، بعد إعلان انسحاب رئيس الحكومة السابق تمام سلام، قبل أشهر، عدم نيته خوض الانتخابات المقبلة.

وحاول المخزومي بعد انتخابات 2018، ودخوله المجلس النيابي، بناء قاعدة شعبية له، مستفيداً من ضعف الإمكانات المادية للحريري، ومن بعض الخدمات التي تقدّمها مؤسسته، من مساعدات عينية وإفطارات رمضانية، وهو كان متحالفاً مع حزب الله، إلا أنه مؤخراً بدأ بمهاجمة الحزب والسلاح، وقال في تغريدة له في 23 من الشهر الحالي: "يجب مصادرة سلاح حزب الله، لأنه أصبح ميليشيا تهدّد اللبنانيين بالمئة ألف مقاتل، لكن لا أحد يتجرأ على قول هذا الكلام".

بالنسبة إلى المشنوق، فهو على خلاف مع "تيار المستقبل"، ولا يمكن حسب الحزبيين الدائرين في فلك الحريري التصويت له في الانتخابات. هذا الأمر تجلّت ملامحه في هجوم مسؤول الإعلام في تيار "المستقبل" عليه، في مقال نشره على موقع "المستقبل"، واصفاً إياه بأنه "لم يحتمل حتى اليوم صدمة الخروج من الحياة السياسية، خارج فردوس ‏‏الداخلية ومناجمها".

يبدو أن رئيس الحكومة الحالي نجيب ميقاتي لا ينوي الترشح للانتخابات، توازياً مع قرار اعتزال الوزير السابق محمد الصفدي "السياسة" شمالاً

وكان المشنوق قد أتى وزيراً للداخلية برغبة من الحريري نفسه آنذاك، وبقي أكثر من خمس سنوات في الوزارة، وهو على الرغم من تصريحاته المستمرة المعادية لحزب الله، كان يُنسّق مع مسؤول وحدة الارتباط في الحزب، وفيق صفا، الذي أيضاً حضر اجتماعاتٍ أمنيةً في الوزارة، إلا أن المشنوق نفى صحة ذلك.

وفيما يبدو أن رئيس الحكومة الحالي نجيب ميقاتي لا ينوي الترشح للانتخابات، ومع اعتزال الوزير السابق محمد الصفدي السياسة شمالاً، يظهر كل من فيصل كرامي والوزير السابق أشرف ريفي. ويتحالف كرامي مع حزب الله الذي تكنّ غالبية من في مدينة طرابلس العداء له.

وخسر ريفي انتخابات عام 2018، وكان قد سبق له أن خاض عبر محسوبين عليه الانتخابات البلدية في المدينة عام 2016، وفاز بـ16 عضواً، إلا أن تجربته باءت بالفشل، بعد مشكلات كثيرة للمجلس البلدي، واتهامات بالفساد استدعت أن يتبرأ منه في حزيران/ يونيو 2018، قائلاً: "لم يعد معنياً لا معنوياً ولا سياسياً بتغطية عمل هذا المجلس، أو تبنّيه".

ويقول رئيس تحرير جريدة اللواء، صلاح سلام، إن كُل هذه الأسماء التي تطرح نفسها، أو طرحت نفسها في السابق، لن "تتخطى حدود الظواهر الفردية التي لن تحظى يوماً بشعبية سنية جامعة، كما حصل مع سعد الحريري".

بهاء والعشائر

يرى سلام "أن العنصرين الجديين اليوم، يتمثلان في شقيق سعد الحريري، بهاء، الذي حكماً سيعطيه انكفاء أخيه هامشاً أكبر لتقديم نفسه على أنه استكمال للحريرية السياسية. أما العنصر الثاني الجدي، فيتمثل في العشائر العربية السنية الممتدة من عكار، مروراً بالبقاع، وصولاً إلى بيروت وخلدة، فجبل لبنان".

وبهاء هو الأخ الأكبر لسعد الحريري، برز على الساحة المحلية إبان انتفاضة 17 تشرين/ أكتوبر 2019، من خلال ما عُرف بالمنتديات، التي أدارها المحامي نبيل الحلبي، قبل أن يختلف معه، وأسس أيضاً منصةً إعلاميةً رقميةً، ويتعاون مع محطات محلية ليبث برامجه من خلالها.

الواضح إلى الآن، أنه في حال لم تتمكن النخب السنية من ملء الفراغ الذي خلّفه الحريري، وهي الأرجح لن تفعل، فالفراغ سيملأه حزب الله وحلفاؤه في البقاع وبيروت والمتحالفون مع القوات في الشمال

ويجاهر بهاء الحريري بالعداء لحزب الله. وعلى الرغم من رهان سلام على دور بهاء الحريري، إلا أن للكاتب حازم صاغية رأياً آخر، فهو يشكك في تمكّنه من ملء الفراغ المستقبلي، قائلاً: "هناك إجماع على أن بهاء لا يملك شعبية أخيه، لا من حيث التنظيم، ولا من حيث الحالة الجماهيرية، ناهيك عن أن ظهوره اتصف بازدواجية السرعة والاختفاء الطويل".

حسب سلام أيضاً، فإنه في "حال لم تتمكن النخب السنية من ملء الفراغ الذي خلّفه الحريري، فالفراغ سيملأه حزب الله وحلفاؤه في البقاع وبيروت والمتحالفون مع القوات في قرى عكار".

من جهته، يؤكد صاغية أن خطوة الحريري أتت في سياق "استحالة استكمال أي مشروع سياسي في ظل وجود حزب بقوة حزب الله"، ويشرح أنه "في حال وجود حزب شمولي يؤثر على ربع السكان، تكون الحياة السياسية والديمقراطية في محنة. فكيف الحال بوجود التوتاليتاريا معطوفةً على غلبة السلاح".

برأيه، "صعود الحريرية السنية في السنوات الـ17 الأخيرة، ردعت قطاعات واسعة من السنة في لبنان عن الخيارات المتطرفة، وتالياً فإن انهيار الحريرية، يعني حكماً صعود التطرف، وبروز مجموعة من الفتاتات الطامحة التي لا تحظى بثقل شعبي سنّي، إنما بثقل مدعوم من حزب الله، وعليه فإن ما حصل هو نزع للزعامة السنية، ولم يبقَ أي رادع واقعي في وجه محور حزب الله".

وفي سياق متصل، قال جنبلاط في تصريح مقتضب لوكالة رويترز، الأحد الماضي، إن "قرار الحريري بتعليق نشاطه السياسي يعني إطلاق يد حزب الله والإيرانيين في لبنان".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image