شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
أين نجد، نحن الفتيات، أباً داعماً كـ

أين نجد، نحن الفتيات، أباً داعماً كـ"وليد"؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

مدونة نحن والنساء

الاثنين 24 يناير 202202:58 م

أين نجد، نحن الفتيات، أباً داعماً كـ"وليد"؟

استمع-ـي إلى المقال هنا

عندما شاهدت فيلم "أصحاب ولا أعز" بنسخته العربية، كان من الصعب عدم التطرق إلى شخصية الأب "وليد"، الذي يقوم بدوره الممثل اللبناني جورج خبّاز.

ففي مشهدين متتاليين، كسّر "وليد" كل الصور النمطية التي فرضها مجتمعنا لتعريف مفهوم الأبوة: أولاً عندما رفض رفضاً قاطعاً خرق زوجته "أمّ صوفي" (التي تقوم بدورها الممثلة اللبنانية نادين لبكي)، لخصوصية ابنتها، والتفتيش في حقيبتها حتى بعد معرفته بأنها وجدت "كوندوم" (واقٍ ذكري)، وثانياً عندما اتصلت ابنته وسألته إذا كان من الممكن أن تقضي الليلة عند صديقها أو "صاحبها" باللبناني، فلم يتردد "وليد" مع أنه يعلم تماماً خلفية هذا الطلب، ويعلم أيضاً أن أصحابه يستمعون إلى هذه المكالمة، وبدأ يسأل ابنته عما تريد هي، وسألها: "إنت شو بدك بيي؟ بدك تنامي عنده أو عم تعملي هيك لما يزعل منك؟ إذا منّك حاسة إنك جاهزة لهالخطوة فبلاها بيي".

لا ننسى المجتمع الذي يعطي كمّاً من المثالية للآباء، فيصبح من المستحيل إعادة تقييمهم، أو تقييم سلوكياتهم.

لم تنتهِ المكالمة هنا وحسب، بل حرص "وليد" على أن يذكّرها بحرية الخيار، قائلاً: "إنت حرة صوفي، نحن ربيناك تكوني حرة".

لم أفهم، لكنني حاولت أن أرتّب أفكاري وكل المشاعر التي استيقظت فجأةً لتذكّرني بأن "وليد" ليس حقيقياً، وأنه شخصية مثالية وضعها الكاتب ليعكس حقيقةً مضادةً! فأين نجد هؤلاء الآباء الداعمين لبناتهم، كالدكتور وليد في "أصحاب ولا أعز"؟

غالباً ما سمعت من أصدقائي، نساءً ورجالاً، بأنهم يواجهون صعوباتٍ في بناء علاقة صحية مع آبائهم، وكنت أقول لنفسي إنني لست الوحيدة، فدائماً نقارن قصصنا بقصص الآخرين، كي نهوّن على أنفسنا.

مثلاً، قضيت كل مرحلة مراهقتي وأنا أخفي مشاعري كي لا يُكتشف أنني مغرومة برفيق أخي، وتصبح حياتي حبساً افتراضياً. أليس من الطبيعي أن يكون لابنة في السادسة عشر من عمرها حبيب؟ 

إن معاناة النساء مع آبائهم تبدأ من لحظة ولادتهن، فهو "الحب الأول" كما تذكره المجلات والمقالات المبتذلة، و"الذكر" الأول في حياة أي امرأة، كما أفسره أنا. فحسب علاقتك معه، تنعكس نظرتك إلى الذكور اللذين ستلتقيهم لاحقاً خلال حياتك.

قضيت كل مرحلة مراهقتي وأنا أخفي مشاعري كي لا يُكتشف أنني مغرومة برفيق أخي، وتصبح حياتي حبساً افتراضياً. أليس من الطبيعي أن يكون لابنة في السادسة عشر من عمرها حبيب؟

ولا ننسى المجتمع الذي يعطي كمّاً من المثالية للآباء، فيصبح من المستحيل إعادة تقييمهم، أو تقييم سلوكياتهم. أذكر جيداً أنني في مراهقتي كنت قادرةً جيداً على تقييم علاقتي بأمي، ورافضةً أن أقيّم العلاقة بأبي، وكأن ذلك طلبٌ لما هو مستحيل في السماء بأن يحدث على الأرض. وكانت أمي تكرر كلما شعرت بأنني أريد أكثر من منصب "الأب" هذا: "الأشخاص لا يتغيّرون، بل يبقون على حالهم. فكيف إذا كان هذا الشخص أباك؟". في كل مرّة كانت أمي تردد فيها هذه العبارة، كنت أفقد المزيد من الأمل.

كبر هذا القلق الذي كنت أعاني منه، وكبرت أنا، وخلال كل مرحلة نضوجي، رفض أبي أن يسألني مرةً واحدة ما إذا كنت على علاقة بأحد، لكن في بعض الأحيان كان يسأل أمي ما إذا كنت أقابل شخصاً، وأنوي الزواج به، كي يعطي نفسه جائزة حسن التربية. 

حتى عندما تكلم "وليد" مع "صوفي"، كنت لا أزال أبحث في ذكرياتي مع أبي، ولا أجد شيئاً سوى أبوية مستفحلة.

لم يكن أبي رافضاً لأن يواجهني أنا فحسب -لأن كل ذلك الخوف من مواجهتي كان بسبب معرفته بأن ابنته متمردة جداً، وهو بالطبع يعيش حالة إنكار- بل أيضاً رافضاً مواجهة المجتمع، فدائماً هناك ذلك الخوف من كيف ينظر الناس إلى ابنته الوحيدة، وكيف ينظرون إليه وإلى صورته كأب قوي، تهابه عائلته! طالما أن هذه المواصفات متوفرة، فإن كل شيء آخر يأتي في خانة الكماليات. ولذلك كلّ أحاديثنا كانت مؤقتةً، تتناول مواضيع عامة، إما سياسية، وإما عن دراستي والحياة في بيروت، أو الطقس أحياناً.

ألا يدرك آباؤنا أننا نريدهم في حياتنا إلى حد أبعد من أكلنا وشربنا؟ أبعد من سمعتهم ووجاهتهم؟ أبعد من سردياتهم عن بناتهن "المعصومات من الخطأ"؟

أنا حتى اليوم أبحث عن ذلك الأمان الذي قرأته في الكتب، وأراه في "Stories" عيد الأب، ولا أجده. أبحث عن كل ما صوروه لي من حب، وأبحث عن تلك المسافة الآمنة التي لم أقدر يوماً على بنائها مع والدي. حتى عندما تكلم "وليد" مع "صوفي"، كنت لا أزال أبحث في ذكرياتي مع أبي، ولا أجد شيئاً سوى أبوية مستفحلة. 

ألا يدرك آباؤنا أننا نريدهم في حياتنا إلى حد أبعد من أكلنا وشربنا؟ أبعد من سمعتهم ووجاهتهم؟ أبعد من سردياتهم عن بناتهن "المعصومات من الخطأ"؟

أكتب كل هذا اليوم، وأعلم أن آباءً كوليد، موجودون على هذا الكوكب، ويتنفسون، ويعيشون، وأعلم أيضاً أن كل ما نحتاجه أحياناً هو أب حقيقي وليس "سوبر مان"، إلاّ أنه من الصعب جدّاً تقبّل أنني لم أكن واحدةً من أولئك البنات المدعومات، اللواتي لديهم "Papi" يرافقهنّ في خطواتهنّ ويحملهنّ على أكتافه، إذا وقعوا.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

رصيف22 من أكبر المؤسسات الإعلامية في المنطقة. كتبنا في العقد الماضي، وعلى نطاق واسع، عن قضايا المرأة من مختلف الزوايا، وعن حقوق لم تنلها، وعن قيود فُرضت عليها، وعن مشاعر يُمنَع البوح بها في مجتمعاتنا، وعن عنف نفسي وجسدي تتعرض له، لمجرد قولها "لا" أحياناً. عنفٌ يطالها في الشارع كما داخل المنزل، حيث الأمان المُفترض... ونؤمن بأن بلادنا لا يمكن أن تكون حرّةً إذا كانت النساء فيها مقموعات سياسياً واجتماعياً. ولهذا، فنحن مستمرون في نقل المسكوت عنه، والتذكير يومياً بما هو مكشوف ومتجاهَل، على أملٍ بواقع أكثر عدالةً ورضا! لا تكونوا مجرد زوّار عاديين، وانزلوا عن الرصيف معنا، بل قودوا رحلتنا في إحداث الفرق. اكتبوا قصصكم، وأخبرونا بالذي يفوتنا. غيّروا، ولا تتأقلموا!.

Website by WhiteBeard
Popup Image