شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!

"بعت عربيتي واشتريت موتوسيكل"... مصريات يتحدين المجتمع بقيادتهن الدراجة النارية

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الجمعة 21 يناير 202201:16 م

نسمع صوت الدراجة تمر أمامنا مسرعةً، فنظن أن رجلاً يقودها، ثم نركّز قليلاً فنكتشف أنها فتاة. هكذا أصبحت شوارع القاهرة والجيزة، حين قررت فتيات مصريات خوض مغامرة قيادة الدراجة النارية.

أي ماكينة بعجلتين فقط، مثل الموتوسيكل أو السكوتر، ارتبطت في أذهان الناس بالرجل، ظناً منهم أنه لن يتحكم فيها سواه. ولكن مرةً أخرى تقرر الفتيات التغلب على هذه التابوهات، وأن يثبتن أنهن قادرات على القيادة، والانتقال بسلامة في الشوارع، بل واستخدام تلك الماكينة كوسيلة للعمل.

نسمع صوت الدراجة تمر أمامنا مسرعةً، فنظن أن رجلاً يقودها، ثم نركّز قليلاً فنكتشف أنها فتاة.

متعة لا غنى عنها

دينا أحمد (27 سنةً)، من محافظة الجيزة، قررت قبل عامين أن تقود السكوتر، وتنتقل به مسافاتٍ بعيدةً.

قالت في حديث إلى رصيف22: "أنا أعشق الموتوسيكلات. كنت أرى بعض البنات في محافظة الإسكندرية يقدنها، وقررت أن أفعل مثلهن، والحقيقة أن زوجي هو الذي ساعدني، وعلمني القيادة".

دينا أضافت: "متعة لا نظير لها أن تنتقل بسهولة بين الشوارع من دون أن يضايقك أحد. في البداية، اعترض والدي على الفكرة، إذ له أصول صعيدية، ورفض أن أقود السكوتر، فالأمر غريب، وصعب أن يتقبله الناس بسهولة، ولكنه اقتنع بعد ذلك".

دينا أحمد ودراجتها النارية

دينا أحمد ودراجتها النارية

تستخدم دينا السكوتر لقضاء كل المشاوير الخاصة بها، ولا تستغني عنه أبداً، وتصطحب ابنتها إلى المدرسة، وكذلك إلى النادي بواسطته. "الناس كانت مندهشةً، وتنظر باستغراب لما أفعله، ولكن بعد ذلك اعتادوا، وسألتني بعض الجارات كيف اشتريته؟ وكيف تعلمت القيادة؟".

"أكون منتبهةً جداً وأنا أقود مع ابنتي ذات الست سنوات، فلا أسرع على الطرقات، كما أننا نرتدي الخوذ حتى نكون في أمان تام. لم أقتنع أبداً أن هناك وسيلة مواصلات خاصةً بالرجل فحسب، فهذا تحجيم لنا، وأعتقد أن ما أفعله وما تفعله غيري من الفتيات خير دليل على ذلك".

بدورها، تحدثت باسنت محمد الأمير (30 سنةً)، من محافظة الإسكندرية، عن تجربتها لرصيف22: "أقود السكوتر والموتوسيكل منذ ثلاث سنوات، ومتعة لا تساويها أي متعة؛ أن تسيري في الشارع وتنطلقي بحرية. في البداية، عارضتني والدتي كثيراً. كانت تشعر بالخوف عليّ، ولكن بعد فترة اقتنعت بما أفعله، عندما وجدت أنني أذهب إلى العمل بالسكوتر، وأيضاً أستخدمه في كل مشاويري الأخرى".

باسنت، التي تعمل بائعةً، أضافت: "تعلمت القيادة من أصدقائي، وبرأيي فإن الدراجة النارية وسيلة حماية للفتاة من التحرش، فهي في النهاية تكون مغطاةً تماماً، وتنطلق بها من دون أن تسمع أي كلمة من أي رجل"، وترفض أيضاً الفكرة الشائعة بأن الفتيات لا يمكنهن قيادة الدراجة النارية، "فأنا أقودها، وكل شيء تستطيع الفتاة أن تفعله بالتركيز والتصميم. وطبعاً أستخدم كل وسائل الأمان قبل القيادة، فأضع الخوذة والقفازات. يكفي أن أقود الدراجة لأتخلص من أي مزاج سيئ".

باسنت الأمير

باسنت الأمير

ليست حكراً على الرجل

تعمل الثلاثينية غادة مجدي، مدربةً في أحد النوادي الرياضية في محافظة الجيزة، وهي متزوجة ولديها ولدان. تقول في حديث إلى رصيف22: "اشتريت السكوتر قبل أربع سنوات. كانت عندي عربية بعتها حتى أشتريه، فكنت أركن العربية ولا أحبها، وكنت أتمنى شراء موتوسيكل منذ الصغر، فأنا أحب قيادة الدراجات النارية".

أستخدمها للذهاب إلى مدرسة الأولاد والعمل والتمارين. أشعر بأنني أطير، فهي تمنحني طاقةً كبيرةً، كما أنها تحميني من التحرش، مع ارتدائي الخوذة والنظارة، وعدم تمييز البعض لي إن كنت رجلاً أو امرأة

لم يعّلم أحد غادة القيادة، فقد تعلمت بنفسها، وترى أن سواقة النساء أكثر تعقلاً من الرجال. وتضيف: "كثيرون يكونون محتارين: من يقود الدراجة؟ وعندما يدققون النظر يتأكدون من أنني فتاة، ورأيت الحماسة والتشجيع من الناس، سواء بالتصفيق، وأحياناً الهتاف والصراخ. زوجي كان مندهشاً في البداية، ولم يشجعني، ولكن مع الوقت استطعت أن أقنعه".

وللدراجة النارية فوائد أخرى، كما تقول غادة، فهي أوفر من الناحية المادية، ومن السهل العثور على مكان لركنها. "أستخدمها للذهاب إلى مدرسة الأولاد والعمل والتمارين. أشعر بأنني أطير، فهي تمنحني طاقةً كبيرةً، ولا أقتنع بأنها حكر على الرجال، فنحن لا نفعل أمراً حراماً أو عيباً، كما أنها تحميني من التحرش، مع ارتدائي الخوذة والنظارة، وعدم تمييز البعض لي إن كنت رجلاً أو امرأة".

غادة مجدي مع دراجتها

غادة مجدي مع دراجتها

"أمي قاطعتني ثلاثة أشهر بسبب الموتوسيكل"، تقول الثلاثينية منى سيد، المقيمة في القاهرة، وتضيف لرصيف22: "أحب الموتوسيكل منذ الطفولة، وكنت أحلم بشرائه. قررت قبل عامين أن أبدأ بشراء ‘سكوتر’، ولكن أمي اعترضت إذ كانت خائفةً جداً، وكانت تعتقد بأنني سأموت بسببه، وبعد شهور من المقاطعة اقتنعت به".

منذ ستة أشهر، استبدلت منى السكوتر بالموتوسيكل، وعلّمها أصدقاؤها القيادة التي لا تراها سهلةً، لكن عشقها للدراجة جعلها جزءاً لا يتجزأ من حياتها. "أستخدمها في كل مشاويري؛ إلى منزل أختي، ومنازل أصدقائي، وإلى العمل. أشعر بحريةٍ وانطلاقٍ وأنا أقودها. حياة ليس لها مثيل. نحن من نصدّق مستسلماتٍ أن كل شيء من حق الرجل وليس المرأة، ولذلك ضاعت حقوقنا".

أمي قاطعتني ثلاثة أشهر بسبب الموتوسيكل.

أكل عيش

لا تستخدم الفتيات الدراجة للانتقال فحسب، ولكن أيضاً كوسيلة للتكسب والعيش، وهذا هو حال سارة عيد (28 عاماً)، التي انفصلت عن زوجها، ولديها ابن، ووجدت نفسها تحتاج إلى مصدر دخل، فاشترت "سكوتر"، لتعمل عليه.

سارة المقيمة في القاهرة، قالت لرصيف22: "كنت عاملة بوفيه في شركة منذ سنوات، وفكرت في أن أشتري ‘سكوتر’ لأذهب إلى العمل، وأتخلص من زحام المواصلات، وبالفعل اشتريته بسعر ملائم بالتقسيط. لم يكن الأمر سهلاً، إذ إنني أعيش في منطقة شعبية، ولا يمكن للناس هناك الاقتناع بأن تقود امرأة دراجةً ناريةً".

وعلى الرغم من معرفة جيران سارة بأنها تستخدم الدراجة اليوم للعمل، لا زالت تتعرض للكثير من السخرية منهم، لكنها لا تأبه إذ باتت الدراجة بمثابة مصدر دخل إضافي لها، فهي تستخدمها لتوصيل مختلف الطلبات من ملابس وطعام وهدايا. "قيادة الدراجة سهلة جداً، ومن وقت إلى آخر أبادر لتعليم فتيات أخريات عليها"، تختم حديثها.

سارة عيد أثناء عملها

سارة عيد أثناء عملها

انتشار أوسع

من خلال مراقبتها لتغيّر تفكير الفتيات، قررت ولاء زهير (32 سنةً)، وهي من القاهرة، أن تنشئ أكاديميةً لتعليم الفتيات قيادة الموتوسيكل والسكوتر، وعن هذه التجربة تقول لرصيف22: "منذ الصغر وأنا أحب الموتوسيكلات، واشتريت ‘سكوتر’ للاستخدام الشخصي، وعندما بدأت صديقاتي بسؤالي عنه، فكرت في مساعدة البنات ليتعلمن قيادته، وأطلقت مبادرة ‘سوقي سكوتر’، عام 2020".

"قابلتني مشكلات في الشارع، فكثيرون لم يتقبلوا فكرة قيادة الفتيات للدراجات النارية، وتعلمهنّ الأمر أيضاً، فكان من الصعب أن أختار مكاناً مناسباً لتعليم الفتيات القيادة. اليوم ألاحظ إقبالاً شديداً من الفتيات لتعلم سواقة السكوتر، وانتشرت مبادرتنا في القاهرة والجيزة والسويس ودمياط، وأصبح لدي عميلات في كل هذه المحافظات".

أفكار لا تتغير

في الوقت الذي تحاول فيه الفتيات التغلب على واقع يفرّق دائماً بين الرجل والمرأة، ويمنح للرجل كافة الامتيازات، يستمر بعض الأهالي أيضاً في التمسك بهذا الواقع.

سعيد محمود (55 سنةً)، من محافظة الجيزة، قال لرصيف22: "أرى البنات وهن يركبن السكوتر والموتوسيكل، ولا أستطيع تقبّل ذلك، يكفي أن المرأة تقود السيارة، فهي أمان بالنسبة إليها أكثر من الدراجة. لماذا تريد المرأة أن تقلّد الرجل في كل شيء؟ لو طلبت مني ابنتي أن تشتري سكوتر فلن أسمح لها أبداً".

على الرغم من معرفة جيران سارة بأنها تستخدم الدراجة اليوم للعمل، لا زالت تتعرض للكثير من السخرية منهم، لكنها لا تأبه إذ باتت الدراجة بمثابة مصدر دخل إضافي لها، فهي تستخدمها لتوصيل مختلف الطلبات من ملابس وطعام وهدايا

على النقيض، قال محمد شوقي، وهو رجل أربعيني من القاهرة: "لا فرق بين رجل وفتاة، فالاثنان عند الله واحد، وابنتي أفضل عندي من مئة رجل. أرى أن السكوتر أو الموتوسيكل يحتاج إلى قيادة عاقلة، سواء من الرجال أو النساء، وتالياً لا أرى أي مانع في أن تقود المرأة الدراجة، ما دامت تعرف كيف تفعل ذلك".

بعض النساء أيضاً لا يرين الأمر عادياً. بالنسبة إلى سهير علي، وهي سيدة ستينية من الإسكندرية، فالموضوع غير مقبول، وتقول شارحةً وجهة نظرها لرصيف22: "لم نعتَد على أن تقود المرأة دراجةً، ولا أرى ذلك عادياً. النساء يردن القيام بكل شيء، وإثبات مساواتهن للرجل، وهذا ليس حقيقياً، والدراجة والموتوسيكل خطر كبير على الفتيات".

المعركة مستمرة

"المعركة التي تخوضها المرأة مستمرة، إذ تحاول بكل جهدها أن تعيش حرةً، وأن تحصل على حقوقها، ولكنها تجد معوقاتٍ كثيرةً لذلك، حتى المرأة نفسها تقف ضدها أحياناً"، هكذا تبدأ الناشطة النسوية إيفون مسعد، حديثها إلى رصيف22، حول الأمر.

إيفون أضافت: "لا يوجد في أي الأديان السماوية فارق بين الرجل والمرأة. الاثنان سواسية، فما الذي يجعل الرجل قادراً على قيادة الدراجة، بينما لا تستطيع المرأة ذلك، وتتعرض للانتقاد إذا فعلت؟ هذا جرم وخطأ كبير، خاصةً إذا كانت المعارضة من الأم نفسها. يجب على الأمهات أن يساندن بناتهن في الحصول على حقوقهن في هذا المجتمع الظالم الذي يفرّق بين الجنسين. كما أن السكوتر يحمي الفتاة من التحرش ويحافظ عليها".

تختم الناشطة بالتأكيد على أن المرأة لديها كل إمكانات الرجل، والعقل نفسه، والقدرات نفسها، ولا يوجد شيء يمنعها من استخدام كل هذه الإمكانات لتمارس حريتها الشخصية. "أنا أقول لكل فتاة: عليك أن تحافظي على حريتك ومساحتك الشخصية، وتمارسي حقوقك بحرية، ولا تسمحي لأي شخص بأن يحبطك. على المجتمع أن ينفض عنه هذا الغبار والأفكار التي تظلم المرأة على الدوام".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image