لم تكن اللبنانية رنا كرزي تعلم أن شغفها بعالم الدراجات النارية سيجعلها تخرج من بيتها كل يوم لتقود "الموتو"، من ساعات الصباح الأولى حتى المساء، ليس من باب الترفيه، بل لكسب لقمة عيشها في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي ترزح تحتها البلاد.
وهكذا أصبحت ابنة منطقة طريق الجديدة أول امرأة في العالم العربي تحوّل دراجتها النارية إلى "تاكسي" خاص للنساء، لمساعدتهنّ على التنقل بأمان وسرعة، رغم زحمة السير الخانقة التي تعاني منها شوارع بيروت.
موتو تاكسي
"أنا أعشق الموتو مثل عشقي لأولادي"، بهذه الكلمات اختصرت رنا كرزي، 39 عاماً، شغفها بالدراجة النارية، مشيرة إلى أنها بدأت تقود الموتو منذ قرابة الأربع سنوات، بعد أن وجدت أنها وسيلة نقل "سهلة وسريعة في ظل الزحمة في بيروت"، على حدّ قولها.
وفي حديثها مع موقع رصيف22، أوضحت كرزي أن مشروع "موتو تاكسي" لم يكن في الحسبان، بل خطرت الفكرة على ذهنها بالصدفة.
فمنذ حوالي 3 أشهر، طلبت إحدى الصديقات من رنا إحضار ابنها من مكان ما، واشترطت عليها مبلغاً من المال مقابل "التوصيلة"، وعندها فكرت في استخدام دراجتها النارية في مجال النقل العام، وتحويلها إلى "تاكسي" مخصص للنساء فقط، وسرعان ما ضجت وسائل التواصل الاجتماعي بالإعلان الذي وضعته عن عملها الجديد.
أول امرأة في العالم العربي تحوّل دراجتها النارية إلى "تاكسي" خاص للنساء، لمساعدتهنّ على التنقل بأمان وسرعة، رغم زحمة السير الخانقة التي تعاني منها شوارع بيروت
وعن السبب الذي دفعها للمخاطرة واتخاذ هذه الخطوة الجريئة، أكدت كرزي أنه مزيج بين حبها الكبير لعالم الدراجات النارية وبين رغبتها في محاربة شبح البطالة وتأمين مصدر رزقها، في ظل الأزمات المتتالية التي يمر بها لبنان: "لديّ شغف بركوب الدراجة النارية، وكنت أبحث عن عمل حر لجني بعض المال ولاستثمار وقتي، بخاصة وأنني تركت عملي السابق منذ عدة أشهر".
تجول رنا بدراجتها النارية من الساعة السادسة صباحاً حتى الساعة الثامنة مساء، مع العلم بأنها تضطر أحياناً للعمل لوقت متأخر وفق "الطلبات"، أما بالنسبة للتعرفة داخل بيروت فهي 3000 ليرة لبنانية.
هذا وتشدد كرزي على أنها تحرص على الالتزام بالإجراءات الوقائية ضد فيروس كورونا، مثل تعقيم الدراجة النارية والخوذة، بالإضافة إلى وضع الكمامة باستمرار، وذلك حفاظاً على صحتها وعلى صحة الزبائن.
مجال مليء بالتحديات
لا تخفي رنا كرزي حقيقة تعرضها لبعض الانتقادات التي طالتها في بداية مشروعها، بخاصة وأنها سيدة محجبة، تجول على متن دراجتها النارية في شوارع بيروت المكتظة بالسكان لنقل الزبائن، ولكن مع مرور الوقت اعتاد الناس على الفكرة، وسرعان ما حصلت على دعم وتشجيع، بخاصة من قبل الأمهات والزوجات: "المجتمع تقبل الفكرة بشكل إيجابي جداً وبفخر، كوني امرأة قامت بهذه الخطوة الجديدة والجريئة".
أكدت رنا، وهي أم لشاب وصبية، أن زوجها هو الداعم الأول في حياتها وهو يدعمها حالياً في مشروع "موتو تاكسي"، بحيث أنهما يخططان معاً لتوسيع العمل بهدف تلبية جميع الطلبات: "بالرغم من خوفه عليّ، إلا أن زوجي يثق بي وبعملي وبقيادتي، ونعمل معاً على التوسعة إن شاء الله".
تحرص كرزي على سلامة كل صبية تركب معها على الموتو، تماماً كحرصها على أولادها: "انطلاقاً من كوني أماً، أعتبر أن كل صبية تكون معي على الموتو هي مثل ابنتي تماماً، لذلك أكون حريصة على توخي الهدوء والحذر والأمان عند قيادة الدراجة النارية".
وبفضل الثقة التي توطدت بينها وبين الزبائن، باتت كرزي رقماً صعباً بالنسبة لسائقي التاكسي في بيروت، بخاصة وأن هناك نسبة كبيرة من الأشخاص باتوا يتجنبون ركوب سيارات الأجرة، بعد انتشار حوادث السرقة والتحرش الجنسي.
وعن هذه النقطة، قالت رنا: "العالم بطلت تأمن تطلع تاكسي، الوضع الأمني هون بخوف"، مشيرة إلى أن بعض سائقي التاكسي ينظرون إليها بعين المنافسة، في حين أنها تعتبر "الأرزاق مقسمة" وكل شخص يأخذ نصيبه من هذه الدنيا.
كسر حاجز الخوف
من خلال عملها، حثت رنا كرزي الكثير من الصبايا على كسر حاجز الخوف وركوب الدراجة النارية من دون خجل.
واللافت أنه على الصعيد الشخصي، علمت رنا ابنتها القيادة حين كانت في الثامنة عشر من عمرها، وتفوقت التلميذة على أستاذتها، كما تقول بنبرة مازحة: "صارت تقود أشطر مني"، منوهة بأن ابنتها عملت معها لمدة شهرين، قبل أن تتفرغ للأمور الإدارية.
"لا تكترثن لكلام المجتمع، حققن حلمكنّ وتحدّين الجميع حتى تصلن إلى غايتكنّ"
وبهدف تلبية أكبر عدد ممكن من الزبائن، تعتزم كرزي حالياً استقدام صبيتين للعمل معها في فترة قبل الظهر، لا سيما وأنها تضطر أحياناً للاعتذار من بعض الزبائن بسبب ضيق الوقت: "مشروعي في طور التطور، معي صبيتين بعد الظهر فبدي صبيتين قبل الظهر لحتى ما نزعل حدا... كتير عم بعتذر لناس لأنو ما عم نلحق بضاحية بيروت".
توجهت رنا للسيدات اللواتي يرغبن كسر "التابوهات" وخوض غمار بعض المجالات التي لطالما كانت "حكراً" على الرجال، بالقول: "لا تكترثن لكلام المجتمع، حققن حلمكنّ وتحدّين الجميع حتى تصلن إلى غايتكنّ... المجتمع لا يرحم في كِلا الحالات"، هذا وختمت كرزي حديثها بالقول: "خلّي المجتمع يعتاد على رؤية السيدات في جميع المجالات... والله معنا".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...