شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
MAIN_Moroccan-court

الاعتقال الاحتياطي للناشطين في المغرب... إجراء تعسفي وعدالة غائبة

MAIN_Moroccan-court

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الثلاثاء 18 يناير 202203:32 م

حلّ عام 2022 في المغرب، على وقع محاكمات ماراتونية لمعتقلي الرأي، منها قضيّتان مستمرتان منذ عام 2020، تتعلقان بالصحافيين، سليمان الريسوني وعمر الراضي، وأخرى بدأت حديثاً أبرزها قضية الناشطة فاطمة الزهراء بلعيد الشهيرة بلقب سيمان.

استمرار المحاكمات

وبين  قضيتي سليمان وسيمان، ليس الفرق في حرف اللاّم فحسب، بل  عام وبضعة أشهر، جاءت خلالها حكومة جديدة، وطرأت تغيرات إقليمية ودولية. وبين هذا وذاك، تبزغ آمال تنتظر انفراجاً حقوقياً قريباً يدشن لمصالحة سياسية تنهي محاكمات الرأي في البلاد.

في أول مثول له أمام محكمة الاستئناف في الدار البيضاء، تشبّث الصحافي المغربي سليمان الريسوني، الإثنين 10 كانون الثاني/ يناير، ببراءته من تهمة "الاعتداء الجنسي"، مشدداً على عدم تحرشه بالمدّعي، أو احتجازه، وذلك في أول ظهور علني له بعدما غاب عن المرحلة الابتدائية، التي أدين فيها بالسجن خمسة أعوام، بسبب تدهور صحته، إثر إضراب عن الطعام دام 122 يوماً.

سليمان، سيمان، عمر، عماد، هاجر. تعددت آراؤهم والاعتقال الاحتياطي والمحاكمات واحدة كما يؤكد المدافعون عن حرية الرأي والتعبير في المغرب

وظلّ الصحافي، الذي اشتهر بافتتاحياته المنتقدة للسلطة، يؤكد أنه يُحاكَم "بسبب آرائه"، حسب وكالة الأنباء الفرنسية، فيما واجهه القاضي بتدوينة كان قد نشرها شاب من مجتمع الميم-عين، باسم مستعار على فيسبوك، يتّهمه فيها بالاعتداء عليه جنسياً، وبمحادثات بينهما على تطبيق مسنجر، يقول الأخير إنها دليل على "التحرش" به.

لكن الريسوني أصرّ على أن لا علاقة تجمعه بهذه "الوثائق"، قائلاً: "إذا افترضنا أنها صحيحة، فإنها تتضمن ما يُظهر براءتي"، متسائلاً: "كيف يُعقل أن أتحرش بشخص يخاطبني في المحادثات المنسوبة إليه، 'يا حبيبي'، ويدعوني لأستضيفه في بيتي؟".

وأضاف محاولاً إقناع المحكمة "بتناقضات" في تصريحات المدّعي: "كأن يقول للشرطة إنني أغلقتُ باب المطبخ على الخادمة، لكي أعتدي عليه، فيما المطبخ مفتوح على الصالون، وليس فيه باب. هذه وحدها تكفي للإفراج عني حالاً".

والتمس من المحكمة تمكينه من قراءة "ورقة مفصلة تتضمن كافة الإجابات"، لكن القاضي رفض، وقرّر استئناف استجوابه في جلسة 17 كانون الثاني/ يناير، قبل تأخيرها إلى نهاية الشهر.

وفي مدينة طنجة، وافقت المحكمة الابتدائية، الإثنين 17 كانون الثاني/ يناير، على طلب "السراح المؤقت" للناشطة فاطمة الزهراء ولد بلعيد المعروفة بـ"سيمان"، التي اعتُقلت من منزلها في 25 تشرين الأول/ نوفمبر الماضي، عقب مشاركتها في احتجاجات رافضة لقرارات وزير التعليم الجديد، شكيب بنموسى، في مجال توظيف الأساتذة.

"لا يوجد أي سند قانوني يبرر محاكمة الناشطين وهم في حالة اعتقال، حتى وإن عددنا الشكايات سليمةً". الاعتقال الاحتياطي سيف مسلط على رقاب من يتعرضون لمحاكمات الرأي في المغرب

وتلاحق سيمان، شكايتان إحداهما تُتّهم فيها بـ"الاختلاس وخيانة الأمانة"، من قبل منظمة غير حكومية، والأخرى تتعلق بـ"اقتحام الجامعة والتحريض على التجمهر، وعرقلة سير الدراسة"، وهي تهم يعدّها حقوقيون "مجرد غطاء لاعتقالها، وإخراس صوتها".

وبالتزامن مع هذه المحاكمات، تستمر متابعة الصحافيين، عمر الراضي وعماد ستيتو، بعد الحكم ابتدائياً على الأول بست سنوات سجناً، إثر اتهامه بالتجسس، و"تلقّي أموال من جهات أجنبية بغاية المس بسلامة الدولة"، وارتكاب جناية "الاعتداء الجنسي"، وعلى زميله ستيتو بالسجن سنةً، منها ستة أشهر مع وقف التنفيذ، بعدما كان شاهد النفي الوحيد لصالحه في القضية الأخيرة.

اعتقالات بلا مبررات

كلما اعتُقل ناشط مغربي، يُطرح سؤال عن الجدوى من "الاعتقال الاحتياطي"، مع توافر جميع ضمانات حضور المتهم جلسات المحاكمة، وغياب أدلة تثبت ارتكاب المنسوب إليه، في إجراء تصفه منظمات، منها الأمم المتحدة، بالاعتقال التعسفي.

تقول الرئيسة السابقة للجمعية المغربية لحقوق الإنسان، خديجة الرياضي، في حديثٍ إلى رصيف22، إنه "لا يوجد أي سند قانوني يبرر محاكمة الناشطين وهم في حالة اعتقال، حتى وإن عددنا الشكايات سليمةً"، ليس في المواثيق الدولية فحسب، "بل في القوانين المغربية أيضاً".

وترى الرياضي أن هذا النوع من المتابعة القضائية "ظلم كبير في حد ذاته لمعتقلي الرأي"، مشيرةً إلى أن "الحرمان من الحرية هو أكبر انتهاك تعرّض له هؤلاء المعتقلون، لأن الحق في الحرية هو أسمى الحقوق، وهو حق مقدس لا يمكن المس به في الدول الديمقراطية".

ولا تتقبل الحقوقية المغربية الزج بالشخص في السجن، لأن مدّعياً وضع شكايةً ضده فحسب، من دون وجود حالة تلبّس أو إثبات يدينانه قطعياً. "فكلّ من تابع محاكمات المعطي منجب، وسليمان، وعمر، وعماد، والعواج، ومعتقلي الريف، وغيرهم"، تضيف المتحدثة: "وقف على حجم التعسف الذي مورس ضدهم".

وتنتقد منظمات حقوقية في المغرب "الاعتقال الاحتياطي"، منددةً بلجوء السلطات القضائية إليه في الكثير من الحالات، بنوع من "الإفراط"، لا سيما ضد الحقوقيين والصحافيين، وجاء في بيان لائتلاف يضم 20 جمعيةً: "كفى من الاعتقالات قبل التحقيقات والمحاكمات"، عادّاً أن "حريات المواطنين تعيش أسوأ مراحلها، بفعل هذا الإجراء الذي يضرب يميناً ويساراً من دون اتّزان من سلطة النيابة العامة".

وعلى الرغم من تراجع عدد المعتقلين احتياطياً في السنوات الأخيرة، إلاّ أن نسبتهم، حسب أحدث تقرير لرئاسة النيابة العامة، بلغت 43 في المئة من نزلاء السجون البالغ عددهم 89،814 في تشرين الأول/ نوفمبر 2021.

بدوره، يشير المحامي عبد المجيد مراري، إلى أن القاسم المشترك بين كل متابعات الصحافيين والناشطين في المغرب، هو "أن أسلوب اعتقال هؤلاء لم يحترم المقتضيات الدستورية والقانونية، خاصةً المنصوص عليها في قانون المسطرة الجنائية".

ويرى مراري في حديث إلى رصيف22، أن توقيف ناشطي الرأي، تم في غياب كل المسوّغات القانونية، فضلاً عن "شكاوى الضحايا التي تأتي بعد الاعتقال"، مبيّناً أن هذا تصعيد من طرف السلطات، خصوصاً "في ما يتعلق بقمع الحريات والاعتداء على الحقوقيين، ومواصلة الاعتقالات بسبب التعبير عن الرأي، وإقامة محاكمات تفتقد معايير المحاكمة العادلة".

نساء معتقلات وعدالة غائبة

يرى عبد المجيد مراري، وهو رئيس قسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في منظمة إفدي الدولية لحقوق الإنسان، التي يقع مقرها في بروكسيل، أن المحاكمات التي تجري في المغرب تُعدّ "انتكاسةً حقوقيةً خطيرةً"، لافتاً إلى أنها "انتهاك لالتزاماته الدولية في مجال حقوق الإنسان، خاصةً وأن جلّها غابت عنه المحاكمة العادلة".

"وللأسف، تحكّمت فيها خلفيات سياسية وانتقامية من عدد من الصحافيين"، يقول المتحدث ذاته، مشيراً إلى أن هذه "الانتكاسة" هي سبب تراجع رتبة المغرب في تصنيف حرية الصحافة الصادر عن منظمة "مراسلون بلا حدود" لعام 2021؛ إذ أصبحت مرتبة المملكة 136 ضمن 180 دولة، بعدما كانت 133 في 2020.

"يتعرّض كل من يعبّر عن رأي منتقد للسلطة للمتابعة القضائية ويستهدف أيضاً المتضامنون معهم بهدف حرمانهم من المساندة، وأدوارهم في التعريف بقضاياهم". محاكمات الرأي في المغرب

من جهتها، تلفت خديجة الرياضي، أول امرأة عربية تنال "جائزة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان"، إلى تزايد محاكمات الرأي في المغرب، إلى درجة أن "يتعرّض كل من يعبّر عن رأي منتقد للسلطة على مواقع التواصل، للمتابعة القضائية"، التي تستهدف أيضاً متضامنين مع المعتقلين السياسيين، "بهدف حرمانهم من المساندة، وأدوارهم المهمة في التعريف بقضاياهم".

ومسّت اعتقالات الرأي في العام الأخير عدداً كبيراً من النساء، تضيف الرياضي، منهن اللواتي توبعن في حالة سراح، ومنهن معتقلات مثل السيدة هاجر النالي، التي اعتُقلت في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، خلال مظاهرة رافضة لـ"إجبارية جواز التلقيح" في طنجة، قبل إدانتها بثلاثة أشهر سجناً نافذاً في 15 كانون الأول/ ديسمبر الماضي.

وتقول المتحدثة لرصيف22، إن "الدولة تلجأ إلى تهم الحق العام، في محاولةٍ لإخفاء الطابع السياسي للاعتقال والمحاكمة"، مشددةً على أن القضاء المغربي "يُستعمَل شر استعمال، لاستصدار أحكام ظالمة في متابعات غابت عنها كل معايير المحاكمة العادلة".

"هكذا يمكن القول إن محاكمات الرأي ما زالت مستمرةً"، حسب الناشطة الحقوقية، مع "استمرار محاولة إخفاء الطابع السياسي للمحاكمات، وارتفاع عدد النساء معتقلات الرأي في السنة الأخيرة".

بالإضافة إلى مثول عشرات الصحافيين والمدوّنين والحقوقيين والمدنيين أمام القضاء، ووراء القضبان، إلى اليوم، ويقول المحامي مراري: "بسبب تعبيرهم عن آرائهم فحسب، سواء عبر منصات صحافية، أو عبر مواقع التواصل الاجتماعي".

قوى مشتتة وسلطة جريئة

في اعتقاد رئيس قسم الشرق الأوسط في منظمة إفدي الدولية، كل سلطة تميل بطبعها إلى الشطط، سواء بشكل فردي أو مؤسسي، والذي يمنع هذا التجاوز هو "إيجاد التوازن بين السلطتين التنفيذية التي تميل بطبعها إلى الشطط، والقضائية التي يجب أن تتمتع بالاستقلال الكافي"، مشيراً أيضاً إلى أنه "كلما كان المجتمع المدني أكثر حضوراً، كان دوره أكثر أهميةً في إحداث هذا التوازن، وكبح جماح الشطط".

مسّت اعتقالات الرأي في العام الأخير عدداً كبيراً من النساء،  منهن اللواتي توبعن في حالة سراح، ومنهن معتقلات مثل السيدة هاجر النالي، التي اعتُقلت في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، خلال مظاهرة رافضة لـ"إجبارية جواز التلقيح" في طنجة

وترى الحقوقية خديجة الرياضي، أن ما يحمي البلدين من مخاطر هذا الشطط، هي الديمقراطية واحترام حرية الرأي والتعبير، لأن ما يمدّ السلطة بالقدرة على الطغيان، "هو رعبها الكبير من الرأي المخالف، وخوفها الشديد من أن تُسمَع الأصوات التي تفضح فسادها، وكما كل مرعوب، فهي تضرب بشكل عشوائي من دون التفكير في العواقب مستقبلاً".

ويكمن عدم حضور المجتمع الذي أشار إليه مراري، في الفرقة بين المكونات السياسية للمجتمع، إذ تؤكد الرياضي أن "النظام يجرؤ على الظلم، لأنه لم يجد حتى الآن من يوقفه"، فالقوى المناهضة للاستبداد مشتتة، حسب المتحدثة، "ولا تشكّل بعد القوة القادرة على إيقاف هذا الطغيان".

انفراج حقوقي!

تُشدد الرئيسة السابقة لأكبر تنظيم حقوقي في المغرب، خديجة الرياضي، على أنه "لا سبيل لأي انفراج ما دام النظام المتسلط مستمراً"، وتوضح قائلةً: إن "تغيير موازين القوى لصالح الفئات المقهورة، هو فقط الذي قد يسمح بتغيير الوضع، وهذا رهين بالقوى الحيّة التي يجب أن تعمل لأجل هذا التغيير".

وتلفت المتحدثة إلى أن "فتح أبواب سجون المغرب أمام المعتقلين السياسيين في مراحل عدة، تم تحت ضغط الشارع، وبفضل نضال تلك القوى"، التي لن يحصل أي انفراج إلا بوعيها بأهمية العمل المشترك، وضرورة الحد من الخلافات الثانوية، "ورص الصفوف، وتحويل غضب الفئات الشعبية المقهورة إلى قوة للتغيير".

من جهته، ينبّه المحامي في باريس، عبد المجيد مراري، إلى أن سبيل إحداث انفراج حقوقي في المغرب، "هو توفر إرادة سياسية حقيقية للقطع مع الأساليب الحالية، وإطلاق سراح كافة معتقلي الرأي، مع احترام الاتفاقات الدولية التي صادقت عليها الحكومة، وجعل القوانين الوطنية منسجمةً معها".

يُذكر أن رئيس النيابة العامة في المغرب، الحسن الداكي، شدد في 20 كانون الأول/ ديسمبر الماضي، على ترشيد "الاعتقال الاحتياطي" في المغرب، من خلال إجراء المتابعة القضائية في حالة اعتقال في إطار ضيق، يستحضر الطبيعة الاستثنائية لهذا التدبير.

ولفت، في هذا السياق، إلى ضرورة الحرص على التأكد من توفر المبررات القانونية المحددة التي تتمثل في حالة التلبّس، وخطورة الفعل الجرمي، وانعدام ضمانات الحضور، وتوفر دلائل قوية على ارتكاب المشتبه فيه للجريمة، وهي نفسها المبررات التي تشدد منظمات حقوقية مغربية ودولية على انعدامها في عدد من المتابعات في المغرب، منها خاصّةً قضية سليمان الريسوني.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard