"صبرتُ سنة على الظلم وأنا أنتظر أن يعلو صوت الحكمة والحق لكن اليوم نفذ صبري، سأمضي في هذه الخطوة إما أن استرجع حريتي المسلوبة تعسفيا أو اذهب إلى حتفي مرفوع الرأس مفجوع الفؤاد"، بهذه الجملة خرجَ رئيس تحرير جريدة "أخبار اليوم" المتوقفة عن الصدور سليمان الريسوني، المعتقل على خلفية "تهم جنسية"، لإعلان دخوله في إضراب مفتوح عن الطعام وشرب الماء.
وموازاة مع خطوة الريسوني التصعيدية، قرّر عمر الراضي الصحافي المعتقل بدوره في "قضية جنسية" ومزاعم "تجسس"، الالتحاق بزميله في معركة الأمعاء الفارغة، احتجاجاً على استمرار سجنهما احتياطياً منذ 11 شهرا بالنسبة للريسوني وما يزيد عن ثمانية أشهر بالنسبة للراضي.
قرر الصحفيان المعتقلان في المغرب سليمان الريسوني وعمر الراضي دخول إضراب مفتوح عن الطعام، رغم وضعهما الصحي المتدهور
وأكّدت عائلتا الصحافيين المعارضين للرأي العام خبر الإضراب في بيان جاء فيه: "أنّ المعتقل سليمان الريسوني قد دخل في إضراب عن الماء إضافة إلى إضرابه عن الطعام الذي سبق عن أعلن عنه، كما قرر المعتقل عمر الراضي هو الآخر تنفيذ قرار الدخول في إضراب عن الطعام على ضوء إضراب الأول".
واعتبرت العائلتان أنّ دخول الصحافيّين سليمان وعمر في إضراب مفتوح عن الطعام، والماء بالنسبة إلى الريسوني، يأتي "نتيجة للظلم الذي طالهما من تحرش أمني وإعلامي وقضائي، ولإحساسهما باليأس من تحقق العدالة التي تأخرت كثيراً لإنصافهما ووضع حد لاعتقالهما الاحتياطي".
قلق من وضعهما الصحي
وتثير مسألة إضراب الصحافيَين عن الطعام قلق عائلتيهما بالنظر إلى تدهور وضعهما الصحي منذ الاعتقال؛ وجاء في البيان المذكور: "عندما أخبرنا عمر وسليمان بأنهما قررا خوض إضراب مفتوح عن الطعام، حاولنا بكل الوسائل ثنيهما عن هذا القرار نظراً لتبعاته على صحتهما، خصوصاً وأنها تدهورت بشكل مقلق بفعل هذا الاعتقال غير المفهوم زيادة على أن كل واحد منهما يعاني من مرض ".
وحسب المصدر ذاته، يعاني الراضي من مرض مزمن "كرون" (التهاب الأمعاء)، ازدادت حدته مع ظروف الاعتقال، حيث أصبح الإسهال ملازماً له، ما يضطره للدخول إلى الحمام أكثر من عشر مرات في اليوم. بالإضافة إلى مرض الربو، في حين يعاني الريسوني من ارتفاع في الضغط.
وأكّدت المحامية سعاد البراهمة، عضو هيئة الدفاع عن المعتقلين، أنّ خوض هذا الإضراب يبقى خطيراً على صحّتهما، إذ يعانيان من مشاكل صحية ستزيد من حدّتها خطوة الإضراب.
وأضافت، سعاد البراهمة في تصريح لرصيف22 أن قرار الريسوني بالإضراب عن الماء والطعام، جاء رغم المحاولات الحثيثة لثنيه عن الخطوة، مشيرةً إلى أنها "تأتي بعد صبر وتفاؤل كبير في أن تتم حلحلة الملف طيلة الأشهر الماضية، لكن لم يتم احترام الضمانات الدستورية والقانونية، ولا حفظ حقوقه منذ بداية القضية مع اعتقاله وصولاً إلى معاملته في السجن واستمرار اعتقاله احتياطياً وعدم احترام قرينة البراءة".
"جنس وتخابر"
وجرى اعتقال الريسوني في 22 مايو/أيار من السنة الماضية، ووضعه تحت تدابير الحراسة النظرية ثم الاعتقال الاحتياطي بعد أن فتحت النيابة العامة المغربية تحقيقاً عقب نشر تدوينة لشاب مغربي على فيسبوك، يدّعي فيها أنّ الريسوني، قام باستدراجه إلى بيته والاعتداء عليه جنسياً، ليتم اعتقاله منذ التاريخ المذكور، دون محاكمة. وأمام التهم التي يواجه بها، يؤكّد المدافعون عن الريسوني أنّ المتابعة "سياسية وانتقامية"، بسبب المواقف والآراء التي عبّر عنها في افتتاحياته خلال عمله رئيساً للتحرير بجريدة أخبار اليوم، التي اعتقل مديرها ومؤسسها توفيق بوعشرين بدوره بتهم "اعتداء جنسي". كما اعتقل عدة صحفيين وموظفين في الجريدة بدورهم بتهم مختلفة، قبل أن تتوقف عن الصدور قبل أسابيع.
وتابعت المحامية قائلة إنّ قرار سليمان الدخول في إضراب مفتوح عن الطعام ومقاطعة التواصل عبر الهاتف مع عائلته ومع محاميه: "تنديدٌ منه بمختلف الخروقات التي شابت ملفّه وخصوصاً استمرار اعتقاله كل هذه المدة، بالإضافة إلى تعريض زنزانته لتفتيش مهين والعبث بأمتعته، وهو ما دفعه للدخول في إضراب مفتوح حتى عن شرب الماء."
"لم يتم احترام الضمانات الدستورية والقانونية، ولا حفظ حقوقهما منذ بداية القضية مع اعتقالهما وصولاً إلى معاملتهما في السجن" الصحفيان سليمان الريسوني وعمر الراضي يضربان عن الطعام
من جانبه، اعتقل عمر الراضي نهاية شهر يوليو/تموز الماضي في قضيتين، تتعلقان "بارتكابه جنايتي هتك عرض بالعنف واغتصاب"، بناء على شكوى رفعتها ضده زميلة بالمؤسسة الصحفية التي كان يعمل فيها ويحاكم إلى جانبه في حالة سراح الصحافي عماد استيتو، الذي وجهت إليه تهمة "المشاركة في الاغتصاب" بعدما استُمع إليه لوقت طويل بصفته شاهدا لصالح المتهم، أما التهمة الثانية التي يتهم بها الراضي هي التجسّس مع "عملاء دولة أجنبية"، وهو ما ينفيه الصحفي ويؤكد على أنه كان تواصلا عاديا مع موظفين في سفارات، يدخل في إطار عمله الصحفي.
ورفض القضاء المغربي بداية هذا الأسبوع، منح عمر الراضي السراح المؤقّت الذي تقدّمت به هيئة دفاعه في الجلسة الافتتاحية لأطوار محاكمته في الغرفة الجنائية في محكمة الاستئناف في الدار البيضاء، وجرى تأجيل الجلسة إلى 27 أبريل/نيسان.
وطالبت منظمة "العفو الدولية" و"هيومن رايتس ووتش" ومنظّمات حقوقية محلية، السلطات المغربية "بإطلاق سراح الراضي، وضمان محاكمة عادلة لكافة الأطراف".
إدارة السجن تنفي
وفي أول رد رسمي بخصوص خطوة المعتقلَيْن، أكدت إدارة السجن المحلي "عين السبع 1"، أنه "تم إخضاع الغرفة التي يقيم بها السجين سليمان الريسوني للتفتيش في احترام تام للضوابط القانونية المعمول بها وذلك بحضوره، دون أن يتعرض لأية معاملة مهينة أو حاطة بالكرامة، أو أن يتم العبث بأغراضه كما جاء في ادعاءات زوجته".
الصفحة الجديدة التي يفتحها الصحفيان المستقلان، في مواجهة النظام القضائي تبدو لهما الحل الأخير للحصول على شروط وضمانات بمحاكمة عادلة
وأوضحت المؤسسة السجنية، في بيان توضيحي نشرته "وكالة المغرب العربي للأنباء" الحكومية أنه: "على خلاف ما تم نشره من طرف زوجة الريسوني، فإن الأمر لا يتعلق بـتفتيش مهين وإنما بإجراء يتم اتخاذه في إطار المسطرة المعمول بها في حالة دخول أحد السجناء في إضراب عن الطعام، ويطبق على جميع النزلاء بدون استثناء". أما بخصوص "منعه من التواصل مع عائلته"، يضيف البيان، "فهو ادعاء لا أساس له من الصحة، إذ إن المعني بالأمر يستفيد من حقه في التواصل مع عائلته عبر الهاتف الثابت للمؤسسة. ولم يسبق أن تم منعه من هذا الحق".
وذكرت المؤسسة السجنية بأن الإدارة "حاولت التدخل من أجل ثنيه عن مواصلة إضرابه عن الطعام نظرا لما لهذا القرار من عواقب وخيمة على حالته الصحية غير أنه رفض ذلك، مما استوجب إخضاعه للمراقبة الطبية تحت إشراف الطاقم الطبي للمؤسسة".
الصفحة الجديدة التي يفتحها الصحفيان المستقلان، في مواجهة النظام القضائي تبدو لهما الحل الأخير للحصول على شروط وضمانات بمحاكمة عادلة، خاصة أنهما ما فتئا يؤكدان على أن "مزاعم الاعتداء الجنسي" تأتي للضغط عليهما وعقابا على مقالاتهما وتحقيقاتهما الصحفية التي تنتقد السلطات. ويشهد المغرب في السنوات الأخيرة لجوء متزايدا إلى تهم جنسية لصحفيين أو معارضين بعضها يأتي لابتزاز المعنيين لإجبارهم على الصمت كما هو حال الناشط الحقوقي فؤاد عبد المومني الذي صُوّر في بيته مع رفيقته في وضع حميمي، ووزع الفيديو عبر تطبيق "واتساب" على العديد من معارفه، أو الأمين العام لـ"الحزب المغربي الحر" والمحامي محمد زيان الذي انتقد السلطات الأمنية لتسرب له بعدها تسجيلات صوتية قيل إنها جنسية، ويجبر على الخروج من الحزب.
وكان المؤرخ والناشط الحقوقي المعطي منجب اعتقل في نهاية العام الماضي وسجن احتياطيا لأشهر، قبل أن يقرر خوض إضراب مفتوح عن الطعام لأكثر من عشرين يوما، ما أجبر السلطات في آخر المطاف على الإفراج عنه ومتابعته في حالة سراح.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يومرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين