شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
حتى أن رحمي باتت ذكوريةً

حتى أن رحمي باتت ذكوريةً

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

مدونة

الثلاثاء 4 يناير 202212:35 م


حرب من غير أسلحة 

كنت في الثلاثين من عمري، عندما بدأت الحرب في سوريا. لم أشعر بمرور الأعوام التي مرّت حينها؛ هل مرت بثقلٍ، أم بخفّة؟ لا أدري! كل الذي أعلمه أن عشر سنوات أخذت مني فرصةً من الصعب أن تتكرر، أو ما يُطلق عليها الفرصة الذهبية للاستقرار والإنجاب.

خضت حرباً أخرى في سن التاسعة والثلاثين من عمري، مع ظروفي التي فرضت عليّ حرباً لا تقلّ فتكاً عن حرب الأسلحة. إنها الحرب النفسية التي زارتني، وبدأت تعلن سيطرتها، خاصةً عندما تزوّجت في ظروفٍ غير صحيحة. تخليت عن جميع حقوقي، باستثناء حق الأمومة الذي كان أهم شرط ضمن زواجي، تبعاً للواقع الذي فرض نفسه بقوة حينها. وافق زوجي على هذا الشرط، ولكن كغيره من الذكوريين الأنانيين، لم يفِ بوعده، لأسباب عديدة كونه لديه أطفال من زوجته السابقة، وليس لديه احتياج لشعور الأبوة الذي هو مكتفٍ به أساساً.

مرّ عام على زواجي، وأصبحت في سن الأربعين، وهو السّن الذي يشكل نقطة تحوّل ورهاب عند معظم النساء. حاولت أن أتفادى الوقت، وراجعت أطباء وطبيبات بخصوص الإنجاب، وبعد محاولات عدة من رحلة العلاج، وتناول كمٍّ هائل من الأدوية بشكل يومي، بالإضافة إلى إجراء التحاليل الطبية التي لن أنسى كيف كانت تبدو وجوه الأطباء والطبيبات عند قراءة نتائجها، على الرغم من المقدمات الطبية التي كانوا/ كنّ يقومون/ ن بها، والتي دائماً يكون ختامها بأن وضعك الصحي غير طبيعي، أي بمعنى أني غير قادرة على الإنجاب، اختصر أحد الأطباء عليّ مرّةً عناء العلاج ومشقّته، عندما قال لي: "التداوي غير مجدٍ لك، انتظري معجزةً إلهية". حينها أدركت أن رَحمي ذكورية، على الرغم من تأنيثها في معاجم اللغة العربية. إنه المعنى الحرفي لانتهاء صلاحيتها.

خضت حرباً أخرى في سن التاسعة والثلاثين من عمري، مع ظروفي التي فرضت عليّ حرباً لا تقلّ فتكاً عن حرب الأسلحة. إنها الحرب النفسية التي زارتني، وبدأت تعلن سيطرتها، خاصةً عندما تزوّجت في ظروفٍ غير صحيحة. تخليت عن جميع حقوقي، باستثناء حق الأمومة الذي كان أهم شرط ضمن زواجي

كانت تتسلل إلى منزلي أصوات الأطفال من أبناء الجيران وبناتهم، وكنت أستمتع بصراخهم/ ن، على الرغم من صيحات أمهاتهم/ ن التي كانت تعبّر عن فقدان الطاقة والصبر لديهن. كنت أخبر زوجي بتلك الأحداث، على أمل أن أسمع منه كلمةً تدعمني، وتحفّزني على الإنجاب، ولكن كان العكس تماماً هو الذي يحصل. كان يقول مبرراتٍ كثيرةً يجعلني أنسى وأستبعد بها فكرة الإنجاب، وتتلخص مبرراته بأن ليس لديه الرغبة في خوض تجربة الأبوة مرةً ثانية، وأن وضعه المادي لا يحتمل الإنفاق على طفلٍ آخر. وعلى الرغم من أعذاره النابعة من ذكورية وأنانية مفرطتين، لم أخبره بوضعي الطبي، لعلمي ويقيني بأنه رجل ممزوج بالفكر الشرقي الفطري الذي ينتقص من النساء اللواتي لديهن وضعي الصحي نفسه، أو ربما لكي أمنعه من التفكير ولو للحظة بأني إمرأة فقدت عطاءها.

كنت الداعمة لنفسي، خلال تلك الفترة، على الرغم من كل الآلام والحروب النفسية التي خضتها وحدي. كنت أحاول أن أتجاهل عدم اكتراث زوجي لحالتي التي لم تعنِ له شيئاً مطلقاً.

تجاهلت جميع الصراعات في داخلي، قبل انقطاع دورتي الشهرية Monthly period-Menstruation""، لأن غريزة الأمومة كانت بالنسبة إليّ قراراً وحقاً وشعوراً مكتسباً، فرضت عليّ القوة والتماسك.

يشكّل عمر المرأة، في مدينتي، وصمةً مجتمعيةً للنساء. فكلما كانت الفتاة صغيرةً وفتيّةً، كلما كانت فرص زواجها أكثر.

اعتدتُ و أدمنت الذهاب إلى الصيدليات لشراء أجهزة كشف الحمل "Pregnancy test". كنت أترقب بلهفةٍ ظهور كلمة حامل " Pregnant"، بدلاً من كلمة غير حامل "not pregnant". لربما تحصل معجزة إلهية حسب كلام الطبيب. خصصت لتلك الأجهزة جاروراً في منزلي، وأذكر أن عددهم في ذلك الوقت، قد تجاوز المئة.

تعنّفني رَحمي حتى بعد انقطاع الطمث، إذ أعيش حالات من الاكتئاب، وتقلّباً في المزاج، وازدياداً في سخونة جسمي، بالإضافة إلى القلق والتوتر. وعلى الرغم من ذكوريتها، لا يزال جسمي محتفظاً بها.

هل العمر البيولوجي لعنة على أجسادنا نحن النساء؟

يشكّل عمر المرأة، في مدينتي، وصمةً مجتمعيةً للنساء. فكلما كانت الفتاة صغيرةً وفتيّةً، كلما كانت فرص زواجها أكثر. نجد الخطّابات يرغبن بالفتيات اللواتي بالكاد بلغن الحيض، واللواتي لا تزال أرحامهن غير معتادة على الدورة الشهرية Monthly period-Menstruation، الفتيات اللواتي مرّت على بلوغهنّ سنة، أو أقل.

أورثت تلك البيئة المجتمع الذكوري، وكأن الرجولة مرتبطة بالعمر البيولوجي للرجل القادر على العطاء المتّصف بالفحولة التي تعود بالوصف الإيجابي لأعضائه التناسلية فحسب، كتلك الجملة الشهيرة العامية التي تقال في وصف الرجال: "الرجال مدد والمرأة عدد"، والتي تعطي دلالةً على خصوبته غير المتناهية.

وإذا ما قمنا بتضييق عدسة الرؤية على المجتمعات الشرقية، نلاحظ وجود امتيازات أخرى تضاف إلى الرجال، مرتبطة بأعمارهم، خلافاً لأعمار النساء، خاصةً عند بداية عمر الأربعين، العمر الذي يسبق فترة تسمّى سن اليأس "Menopause"، والتي تدخل فيها بعض النساء عندما تتوقف دورتهن الشهرية، لمدة سنة كاملة، ولا تكون المرأة خلالها قادرةً على الحمل، وتلتزم أرحام النساء بـ"موعد نهائي"، وفقاً للمهام الحيوية التي خُصصت لها، والتي تعمل على إنجازه في الوقت المحدد.

تعنّفني رَحمي حتى بعد انقطاع الطمث، إذ أعيش حالات من الاكتئاب، وتقلّباً في المزاج، وازدياداً في سخونة جسمي، بالإضافة إلى القلق والتوتر. وعلى الرغم من ذكوريتها، لا يزال جسمي محتفظاً بها

النساء بين الدين والواقع

لاقت فكرة تجميد البويضة استحساناً عند البعض من النساء اللواتي قررن عدم الزواج إلى حين اختيار الزوج المناسب في الوقت والظرف المناسبين، إذ يأتي تجميد البويضة للمرأة ضمن أهم القضايا العصرية التي فرضها التطور العلمي الحديث، في حين أن نساءً أخريات تزوجن بغاية الإنجاب فحسب، قبل انتهاء خصوبة أرحامهن، والبعض منهن لم يكنّ راضيات عن أزواجهن، إلا أن هاجس الأمومة المحاطات به، نحن "بعضهن"، بالإضافة إلى العمر البيولوجي الخاص بالخصوبة، فرضا قوالب وظروفاً حياتية أرغمتنا على اتّخاذ قرارات غير منطقية، وغير سليمة، جُبرن عليها، وأنا إحداهن. 

تلاقي فكرة التبني استحساناً لدى الكثيرات من النساء أيضاً، فالبعض منهن يفضّلنها على الإنجاب، لأسباب خاصة بهن، منها أسباب متعلقة برفض تغيير شكل الجسم في أثناء مرحلة الحمل والولادة والإرضاع، والبعض منهن لديهن أسباب متعلقة بكفالة الأطفال، خاصةً الأيتام واليتيمات، ومجهولي/ ات النسب، بدافع الإنسانية.

إنها حلول تختلف طرق وآليات تطبيقها من دين إلى دين، ومن دولة إلى أخرى، ومن قانون إلى قانون؛ حلول ترافقها تعقيدات مجتمعية وقانونية ودينية.

تستمر دائرة العنف المجتمعية والقانونية والدينية والمجتمعية على النساء، سواء كنّ مثقفات أم أمّيات. تلك الدائرة التي لا وجود لنقطة بداية لها، ولا نهاية، مضافة إليها لعنات المكان والزمان والجسد.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard