قصص الحب بين المسلم/ة وغير المسلم/ة في مصر لا تنتهي صعوباتها بالزواج، لكنها قد تكون بداية معاناة حقيقية، كتب سطورها المشرّع المصري الذي حرم الزوجين من أهم حقوقهما، ومن ثم حرم ثمرة هذه الزيجة من الأبناء حقهم في ميراث أمهم لاختلاف الديانة.
تحرم الزوجة غير المسلمة من إرث زوجها المسلم بعد وفاته، كما يحرم الزوج المسلم من إرث زوجته، وكذلك الأبناء المسلمين من إرث والدتهم، بموجب المادة 6 من قانون المواريث رقم 77 لسنة 1943، بنص صريح: "لا توارث بين المسلم وغير المسلم". ويتوارث غير المسلمين بعضهم من بعض واختلاف الدارين لا يمنع الإرث بين المسلمين ولا يمنعه بين غير المسلمين إلا إذا كانت شريعة الدار الأجنبية تمنع توريث الأجنبي عنها.
عدد لا بأس به من هؤلاء لا يعرفون القوانين جيداً، لتكون الصدمة الحقيقية بوفاة أحد الزوجين.
مي سعيد واحدة ممن حرمن من ميراثهم لأن والدتها غير مسلمة، وعندما توفيت الوالدة العام الماضي اكتشفت الابنة أنها لا ترث بأمر القانون.
وتقول مي لرصيف22: "لم أعرف بهذه القوانين أنا وأسرتي قبل البدء في إجراءات الميراث بعد وفاة والدتي، وقتها شعرت بصدمة كبيرة وإهانة بالغة، بعد أن حرمني القانون من حقي في أموال والدتي، وأعطى هذا الحق لأخوالي الذين ورثوها، لأنه بذلك لا يعترف بالعلاقة الإنسانية القوية بين الأم وابنتها مقابل آراء فقهية خرجت منذ قرون مضت".
وتضيف: "لا زلنا محكومين بقوانين لم يتم تطويرها أو إعادة النظر فيها، رغم كل التغييرات والتطورات السياسية والاجتماعية التي شهدها المجتمع المصري".
وتتساءل مي مستنكرة: "كيف لدولة تدعي أنها مدنية، وأن المواطنين فيها سواء، أن تفرق بين الأم وأبنائها أو بين الزوجة وزوجها بعد الوفاة؟"، موضحة أن الدولة تعترف بالزواج المختلط دينياً، دون أن تحفظ حقوق جميع الأطراف فيه.
وترى أن وضع أبناء الزواج المختلط دينياً، فيما يتعلق بالميراث تحديداً، يستدعي إعادة النظر في القوانين التي تخالف حقوق المواطنة، "فلا بد أن نتخلص من منظومة قانونية واجتماعية عفا عليها الزمن".
تحرم الزوجة غير المسلمة من إرث زوجها المسلم بعد وفاته، كما يحرم الزوج المسلم من إرث زوجته، وكذلك الأبناء المسلمين من إرث والدتهم، بموجب المادة 6 من قانون المواريث رقم 77 لسنة 1943، بنص صريح: "لا توارث بين المسلم وغير المسلم"
تحايل على القانون
على عكس ما حدث مع مي سعيد، كانت "دلال وديد" على دراية ووعي بالقانون جيداً قبل الزواج من رجل مسلم، حسب حديثها مع رصيف22، وقالت إنها برغم ظلم قانون المواريث الذي يحرم الزوجين والأولاد من حقوقهم الطبيعية في الإرث لمجرد اختلاف الديانة، لم تتراجع عن الزواج، واعتمدت على حالة التفاهم بينها وبين زوجها.
وعلى الرغم من عدم امتلاك دلال عقارات أو أموال إلا أنها اتخذت بعض الإجراءات لضمان حصول زوجها وأبنائها على كل ما تمتلك في حالة الوفاة، كنوع من التحايل على ما وصفته بظلم "القانون"، مؤكدة أنها تركت وصية بذهاب المعاش لزوجها وأولادها في حالة وفاتها.
في حين قررت "فيرنا ميشيل" تسجيل معظم ممتلكاتها لطفلها، قائلة: "بعدما اتخذت خطوة الزواج من رجل مسلم، قرأت كل قوانين الأحوال الشخصية والميراث، وفوجئت بنص المادة 6 من قانون المواريث، لذلك اتخذت كل اللازم لضمان حق ابني".
وتصف القانون بأنه ظالم، لأن هذه الزيجة صحيحة وفق القانون والدستور والشريعة، ويجب مراجعة القوانين التي تحرم أي مواطن من حقوق طبيعية، متسائلة: "كيف لا يرثني أبنائي وعلاقتنا هي الأقوى على الإطلاق؟".
وخلال حديثها مع رصيف22، طالبت فيرنا بتعديل القانون بما يضمن حقوق الأسرة المصرية واستقرارها، حتى لو كان زواجاً مختلطاً تختلف فيه ديانة الأب عن الأم.
غياب المواطنة
وتشير نفين عبيد، الباحثة في قضايا النوع الاجتماعي، إلى أن قوانين الأحوال الشخصية والمواريث تستقي موادها من الشريعة الإسلامية، واعتبرتها قوانين دينية لا تراعي حقوق المواطنة في المقام الأول، سواء للمسلمين أو المسيحيين.
وترى عبيد في حديثها لرصيف22 أن للقانون السيادة، وهو يؤكد على حقوق الرجل والمرأة عندما يكون قانوناً مدنياً، وتضيف: "للأسف، الدستور اعتبر الشرائع الدينية أطراً حاكمة للأحوال الشخصية والمواريث، لذا نتجت عنه قوانين دينية لا ترانا مواطنين وتنظر لنا كمسلمين ومسيحيين".
واعتبرت بقاء هذا القانون على حاله شكلاً من أشكال التمييز الديني ضد المرأة المسيحية وأبنائها، وبالتالي، فإن "الحل يكمن في قانون مدني يراعي حقوق المواطنة والعدالة".
وفي حديثه مع رصيف22، يقول الدكتور عطية لاشين، عضو لجنة الفتوى بالأزهر الشريف، إن نص المادة 6 من قانون المواريث استند إلى نص الحديث الذي ورد في صحيحي البخاري ومسلم: "لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم"، موضحاً أنه تم الأخذ بظاهر الحديث، ورفض الدخول فيما أسماه "متاهات" المقصود بالكفر ومن هو الكافر.
ولا يجد لاشين أي شك في هذه المسألة الفقهية، قائلاً إن الروابط بين الأم والأولاد، أو الزوج والزوجة، لا تختزل في المال، ولكنها روابط معنوية قوية.
وحسب تصريحات لاشين، لا توجد أي نية لدى لجنة الفتوى بالأزهر الشريف الآن لتعديل هذه المادة وجواز الإرث بين المسلم وغير المسلم.
خلاف فقهي
وأشار الدكتور أحمد عرفة، مدرّس الفقه المقارن المساعد بجامعة الأزهر، إلى أن هناك بعض الأئمة والصحابة التابعين أقروا بجواز ميراث المسلم غير المسلم، منهم معاذ ابن جبل وحسن البصري، قائلاً: "لو أخذ بالقول الثاني لا يوجد مشكلة، لأن الفتوى تختلف باختلاف الزمان والمكان طالما هناك خلاف".
وأوضح عرفة لرصيف22 أن المرجع في مسألة ميراث غير المسلم هو الحديث النبوي الشريف: "لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم"، وجاء بناء على قول جماهير الفقهاء في هذه المسألة، حسب الاستنتاج من الأدلة والقرآن الكريم والسنة النبوية، لافتاً إلى أن كل كتب الميراث القديمة والحديثة ذكرت من ضمن موانع الإرث اختلاف الدين، ولها تفصيلات وهناك أدلة أو أسباب.
ويشرح عرفة المقصود بالكفر قائلاً: "لفظ الكفر له أكثر من معنى، سواء كان من الناحية اللغوية أو الشرعية، وكله حسب سياق الآية"، واستشهد بالآية الكريمة: "لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة"، من سورة المائدة، مؤكداً أن إطلاق لفظ الكفر على المسيحيين موجود.
وبشكل مغاير، وفي بحث أجراه الأردني غيث هاني القضاة، الباحث في كلية الشريعة بالجامعة الأردنية، قال إن النص النبوي الذي اعتمد عليه الفقهاء في تحريم ميراث الكتابية من زوجها المسلم هو القائل: "لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم"، في الوقت الذي لم يخاطب الله أهل الكتاب في النصوص القرآنية على أنهم كفار، وقال عنهم: "أهل الكتاب"، "الذميون"، "النصارى" و"اليهود".
وانطلاقاً من هذه النتائج، طالب الباحث بتغيير القوانين الأردنية، وهي على غرار مصر ومعظم الدول العربية، تحرم ميراث غير المسلمة من زوجها المسلم أو أبنائها، أو العكس.
"الأبناء والبنات الذين يتزوجون بغير المسيحيين يعتبرون أمواتاً في نظر الأهل، ولا يرثون وفق العادات والتقاليد المسيحية وليس النصوص الدينية"
لوائح خاصة
الآباء المسيحيون كان لهم رأي آخر في هذه القضية، فيقول الأنبا عبد المسيح بسيط، كاهن كنيسة العذراء بمسطرد، إن الكنيسة لا توافق على الزواج المختلط ولا تعتمده، وبالتالي ليس لها رأي في هذا الشأن، وعلى الأزواج في هذه الحالة أن يتولوا شؤونهم وفق اتفاقات شخصية.
ويضيف بسيط: "الأبناء والبنات الذين يتزوجون بغير المسيحيين يعتبرون أمواتاً في نظر الأهل، ولا يرثون وفق العادات والتقاليد المسيحية وليس النصوص الدينية".
وأوضح بسيط في حديثه لرصيف22 أن الشريعة المسيحية تتبع لوائحهم الخاصة في أمور الأحوال الشخصية والميراث، وفق المادة (3) من الدستور المصري، مشيراً إلى أن الميراث في المسيحية يعطي المرأة مثل الرجل، عكس ما ينص عليه قانون المواريث رقم 77 لسنة 1943.
ووفق القانون المصري، يذهب ميراث المسيحية المتزوجة من مسلم لأهلها المسيحيين، وهو ما حدث بالفعل وفق حالة مي سعيد التي ذكرها التحقيق.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...