في مكتبها بلندن، وجدت القومسييرة "المنسقة الفنية" إليزابيث سوبشينسكي رسالة قادمة من مصر، كان صاحب الرسالة رجل دين قبطي أرثوذكسي تُقرأ رسالته: "مدام، لقد وجدنا أجزاء من مخطوطات قديمة جداً، في ركام غرفة سرية مغلقة وجدناها عندما انهارت أرضيتها، الباحثون العاملون على الترميم في الدير أعطوني اسمك. هل ترغبين في أن تأتي لمساعدتنا؟ أنا مجرد أمين مكتبة، ليس لدي فكرة ما الذي ينبغي أن نفعله".
كتب الراهب القبطي: "مدام، لقد وجدنا أجزاء من مخطوطات قديمة جداً، في ركام غرفة سرية مغلقة وجدناها عندما انهارت أرضيتها، الباحثون العاملون على الترميم في الدير أعطوني اسمك. هل ترغبين في أن تأتي لمساعدتنا؟ أنا مجرد أمين مكتبة، ليس لدي فكرة ما الذي ينبغي أن نفعله".
الرسالة التي تلقتها سوبشينسكي قبل عشرين عاماً، تشكِّل فصلاً متأخراً في رواية طويلة تعود فصولها إلى قرون المسيحية الأولى، ومركزها هو دير السريان "السيدة العذراء" بوادي النطرون، حيث مهد الرهبنة المسيحية، وحيث تقع أقدم تجمعات الرهبان في العالم وأقدم أديرة التعبد المسيحية.
في تقرير نشره موقع "أخبار الفاتيكان" للكاتب جان تشارلز بوتزولو، ظهرت تفاصيل العمل الذي تقوم به المؤسسة الأنجلو-مصرية، التي شاركت سوبشينسكي في تأسيسها بعد استجابتها لرسالة الراهب القبطي، والتي تعمل منذ 20 عاماً على ترميم واحدة من أعرق مجموعات المخطوطات والحفاظ عليها، بعدما اكتشف الكاهن صاحب الرسالة خبيئة من النصوص المسيحية ذات القيمة الاستثنائية، والتي تم الحفاظ عليها سراً لعدة قرون.
الرسالة التي تلقتها سوبشينسكي قبل عشرين عاماً، تشكِّل فصلاً متأخراً في رواية طويلة تعود فصولها إلى قرون المسيحية الأولى، ومركزها هو دير السريان "السيدة العذراء" بوادي النطرون، حيث مهد الرهبنة المسيحية، وأقدم أديرتها.
ثلاثة سوريين
صاحب الرسالة هو الراهب "أبونا بيغول"، أمين مكتبة دير السريان. وهو أحد أقدم الأديرة المصرية المعروفة في العالم، والذي تأسس في وادي النطرون شمال غرب القاهرة في القرن السادس بعد الميلاد، وفقا لفرضية شائعة بين العديد من الباحثين.
ويدعى هذا الدير أيضاَ باسم دير القديسة ماري ديبارا، وهو أيضاً واحد من أربع أديرة نجت من بين نحو ستمائة دير بنيت بين القرنين الثالث والسادس. وعلى مر السنين، عُرف بدير السريان بعدما سكن فيه العديد من المجتمعات الرهبانية القادمة من بلاد الشام وإثيوبيا، وخاصة من سوريا.
في هذا الدير أنشأ ثلاثة رهبان سوريين هم ماثيو وإبراهيم وثيودور أول مكتبة للمخطوطات المسيحية في القرن التاسع. وفي القرن العاشر، تم إثرائها بمئتين وخمسين مخطوطة أعادها رئيس الدير آنذاك، موسى النصيبيني، من رحلة دامت خمس سنوات إلى بغداد.
ومنذ ذلك الحين، بات دير السريان يحتوي على أقدم الكتابات المسيحية باللغات القبطية والسريانية والعربية والأمهرية (لغة سامية يتحدث بها سكان إثيوبيا). وتضم المكتبة أيضاً أعمال آباء الكنيسة الأوائل، مثل القديس يوحنا ذهبي الفم وغريغوريوس النيصي.
تحتوي المكتبة مخطوطات فريدة، ظلت سرية لوقت طويل، على الرغم من أن الرحالة أخذوا بعض هذه الأعمال في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر وتوزعت غنائمهم المعروفة بين أرشيف الفاتيكان في روما ومكتبات الجامعات البريطانية البريطانية.
النهب المتكرر من الرحالة دفع رهبان الدير غلى إغلاق المكتبة وختمها، لوقف اعتداء الرحالة على المخطوطات واستنزاف المكتبة، فنسي العالم المكتبة وتجاهلها نحو قرن كامل أو يزيد، حتى وجد الراهب بيغول الغرفة، وبدأت أعمال الترميم في التسعينيات.
اكتشاف الكنز
خلال أعمال ترميم، اكتشف أمين مكتبة الدير، أبونا بيغول، في الساحة وبرجها المحصّن، بقايا مخطوطات تحت أرضية كانت تنهار أثناء أعمال الترميم. بعض هذه البقايا كانت في حالة يرثى لها بعد أن قضت قروناً تحت أقدام الرهبان.
كان القس بيغول يعرف قيمة المجلدات في مجموعة الدير، ومع ذلك، فهو ليس خبيراً، ولا يمكنه استعادة هذه الصفحات القديمة والنصوص الثمينة التي تحتويها، والتي يجب الحفاظ عليها تماماً من الانقراض.
لذلك، كتب بيغول إلى إليزابيث سوبشينسكي.
قرأت إليزابيث الرسالة وأعادت قراءتها مرات عدة، متفاجئة باختيار القس في مصر لها. وسافرت بالفعل إلى مصر والتقت بأمين المكتبة في ديره الصحراوي.
في هذا الدير أنشأ ثلاثة رهبان سوريين هم ماثيو وإبراهيم وثيودور أول مكتبة للمخطوطات المسيحية في القرن التاسع. وفي القرن العاشر، تم إثرائها بمئتين وخمسين مخطوطة أعادها رئيس الدير آنذاك، موسى النصيبيني، من رحلة إلى بغداد.
ومع ذلك، كان المجلس الرهباني متشككاً في البداية، فانتظرت إليزابيث بصبر خمسة أيام من دون أن ترى كتاباً واحداً، حتى قدم لها أمين المكتبة مجموعة كبيرة من المفاتيح في اليوم الخامس.
سارا معاً إلى باب المكتبة وكسر بيغول الختم وفتح الباب بدون لتنهار أنهار من التراب، بعدما انقشع غبارها؛ وقعت اعين إليزابيث على الكنز المخفي منذ فترة طويلة، تقول لمعد تقرير الفاتيكان: "لقد كانت لحظة فريدة في حياتي، إحساس لا مثيل له".
أمام أعينها كان هناك ألف ومائتي مجلد، وقعت عينها من بينهم على قطعة لقتت انتباهها، تقول: "تاريخها نوفمبر 411 م، وتتلاءم تماماً مع الصفحة الأخيرة من مجلد يقتنيه المتحف البريطاني، وهي مخطوطة ثمينة تحتوي على نصوص سريانية من العصور اليونانية القديمة.
تحتوي هذه الصفحة الأخيرة على قائمة بأسماء مسيحيين تعرضوا للاضطهاد والقتل على يد ملك فارسي. وقد تم كتابة اسمائهم تخليداً لذكرى هؤلاء الشهداء.
في أسفل الصفحة، بالقطعة التي عُثر عليها في دير السريان، كُتب الاسم والتاريخ، وهذا ما جعل هذا النقش في هذه الصفحة أقدم نص مسيحي مؤرخ بدقة.
حملة إليزابيث
أرادت إليزابيث سوبشينسكي أن ينتقل هذا التراث الأدبي والمسيحي الثمين إلى الأجيال القادمة، إذ وجدت أنه من غير المعقول أن تترك واحداً من أقدم نصين كاملين من إنجيل يوحنا المترجم إلى اللغة القبطية مختفياً وبعيداً عن الدارسين.
كان من الضروري أن تكون هناك حملة للترميم وتدريب الرهبان على تقنيات حفظ المخطوطات، لذلك كان من المهم جمع الأموال. أنشأت إليزابيث "مؤسسة ليفانتين" ويمكن ترجمتها إلى مؤسسة "الشوام/ السريان"، وحصلت على دعم الأمير تشارلز ولي العهد البريطاني، وعدد من المانحين الذين أبدوا اهتمامهم بهذه القضية.
حتى الآن، تم ترميم 130 مخطوطة و300 قطعة بعناية، ويرجع الفضل في ذلك على وجه الخصوص إلى المجلس الثقافي البريطاني ووزارة الثقافة والإعلام والرياضة والرقمنة في المملكة المتحدة، والتي دعمت المؤسسة خلال العامين الماضيين ومكنتها من ترميم 22 مخطوطة.
بسبب وباء كورونا، تم تعليق حملات جمع التبرعات في العام الماضي، على أن يتم استئنافها في عام 2022. وسيتعين على إليزابيث إعادة تنشيط المانحين لتمويل الحملات القادمة، مؤكدة أن الوباء لن يوقفها.
أطلقت المؤسسة، برنامجاً تعليمياً بعنوان "عجائب الكتابة" ليستكشف تاريخ صناعة الكتب القديمة أو المخطوطات. وأنتجت المؤسسة فيلم وثائقي قصير، يمكن مشاهدته بالكامل باللغتين الإنجليزية والعربية، موجه إلى الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 9 و11 عاماً، ويهدف إلى أن يكون بمثابة مصدرتً لمعلمي المدارس الابتدائية في مصر وغيرها، ولمن يديرون البرامج التعليمية في المتاحف والمكتبات.
تهدف المؤسسة إلى زيادة الوعي بالأهمية التاريخية للكتابة وإظهار صناعة دفتر ملاحظات بسيط باستخدام تقنيات تجليد الكتب القبطية التي كانت بمثابة الأساس لصناعة الكتب منذ القرن الأول الميلادي.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...