بعد منتصف ليل الثامن من حزيران/ يونيو الماضي، اخترقت الطائرات الحربية الإسرائيلية الأجواء السورية إلى عمق البلاد، لشنّ غارةٍ جويّةٍ "غير عادية للغاية، في عمق الأراضي السورية"، كشفت تفاصيلها صحيفة واشنطن بوست الأمريكية، الثلاثاء في 14 كانون الأول/ ديسمبر الحالي.
أطلقت الطائرات الإسرائيلية صواريخها على ثلاثة أهداف عسكرية بالقرب من مدينتَي دمشق وحمص، ما أسفر عن مقتل سبعة جنود، من بينهم عقيد يعمل مهندساً في مختبرٍ عسكريٍّ سوريّ سرّي للغاية.
ولاحظ محللون يعملون لدى أجهزة المخابرات في العواصم الغربية، وجود اختلاف بين العملية وتلك التي كانت تحصل في السابق، والتي كانت تستهدف الميليشيات التابعة لإيران، وشحنات الأسلحة. لكن هذه الغارة، كانت تستهدف المنشآت العسكرية السورية، وكلّها لها صلات ببرنامج الأسلحة الكيماوية الذي زُعم أنه توقف قبل سنوات.
وفقاً لمسؤولين حاليين وسابقين في أجهزة المخابرات والأمن الغربية، فإن الغارات كانت جزءاً من حملةٍ لوقف ما يُعتقد أنه محاولة ناشئة من قبل سوريا، لاستئناف إنتاجها لغاز الأعصاب القاتل
ووفقاً لمسؤولين حاليين وسابقين في أجهزة المخابرات والأمن الغربية، فإن الغارات كانت جزءاً من حملةٍ لوقف ما يعتقد المسؤولون الإسرائيليون أنه محاولة ناشئة من قبل سوريا، لاستئناف إنتاجها لغاز الأعصاب القاتل.
وقال المسؤولون، إن "الهجمات جاءت بعد مخاوف خطيرة أثيرت داخل وكالات المخابرات الإسرائيلية قبل عامين، إثر نجاح الجيش السوري في استيراد مادةٍ كيماويةٍ رئيسيةٍ يمكن استخدامها لصنع غاز الأعصاب القاتل، السارين"، وأشاروا إلى أن "المخاوف تنامت عندما اكتشف عملاء المخابرات نشاطاً في مواقع متعددة، يشير إلى جهودٍ لإعادة البناء".
الهجمات جاءت بعد مخاوف خطيرة أثيرت داخل وكالات المخابرات الإسرائيلية قبل عامين، إثر نجاح الجيش السوري في استيراد مادةٍ كيماويةٍ رئيسيةٍ
في غارة 5 مارس/ آذار 2020، استهدفت إسرائيل فيلا ومجمعاً في ضاحيةٍ في جنوب شرق مدينة حمص، على بعد نحو مئة ميلٍ شمال دمشق. وكانت حمص، ثالث أكبر مدينةٍ في سوريا، مركزاً سابقاً لإنتاج الأسلحة الكيماوية في سوريا. وقال مسؤولان في أجهزة مخابراتٍ غربيةٍ، إن "الضربة على الفيلا مرتبطة بشكلٍ مباشرٍ، بشراء سوريا الناجح، في العام السابق، كميةً كبيرةً من فوسفات ثلاثي الكالسيوم (TCP)".
وتحتوي هذه المادة الكيماوية على مركّبات تسمح بالعديد من الاستخدامات غير العسكرية، بما في ذلك المُضافات الغذائية، ولكن يمكن تحويلها بسهولةٍ إلى ثلاثي كلوريد الفوسفور، وهو مركّب شديد التنظيم يُحظر استيراده إلى سوريا، بسبب استخدامه المعروف في صنع غاز السارين، وعوامل الأعصاب الأخرى.
وقال المسؤولون إن وحدةً عسكريةً سوريةً تُعرف باسم الفرع 450، وهي قسم من أكبر المختبرات في البلاد، في مركز الدراسات والبحوث العلمية، هي التي تلقت الشحنة، وأشرف المركز على إنتاج الأسلحة الكيماوية السورية منذ ثمانينيات القرن الماضي، حتى عام 2014، وذلك عندما تم تفكيك البرنامج رسمياً، بموجب اتفاقٍ توسّطت فيه الولايات المتحدة وروسيا.
وأدّى اعتراض المعلومات الاستخباراتية، في الأشهر التي أعقبت هجوم آذار/ مارس 2020، إلى اكتشاف مواقع إضافية تُظهر أن هناك جهداً مستمراً لإعادة بناء قدرات الأسلحة الكيماوية السورية، حسب ما قال المسؤولان الغربيان.
أدّى اعتراض المعلومات الاستخباراتية، في الأشهر التي أعقبت هجوم آذار/ مارس 2020، إلى اكتشاف مواقع إضافية تُظهر أن هناك جهداً مستمراً لإعادة بناء قدرات الأسلحة الكيماوية السورية
في غارة 8 حزيران/ يونيو، ضربت إسرائيل مخازن عسكرية قرب الناصرية، شمال دمشق، وموقعَين إضافيَين بالقرب من حمص، واحد منهما وُصف بأنه مرفق مساعد لمركز الدراسات والبحوث العلمية، ويقع على بعد نحو 40 ميلاً شمال غرب حمص.
وفقاً لصحيفة واشنطن بوست، يُنظر إلى احتمال إعادة النظام السوري تشكيل برنامج أسلحةٍ كيماويةٍ في سوريا، على أنه تهديد مباشر لأمن إسرائيل، وربما الدول المجاورة الأخرى، لأن الرئيس السوري بشار الأسد اشتهر باستخدام هذا النوع من الأسلحة ضد شعبه، في العديد من المرّات، منذ بداية الحرب الأهلية في البلاد عام 2011.
يُنظر إلى احتمال إعادة النظام السوري تشكيل برنامج أسلحةٍ كيماويةٍ في سوريا، على أنه تهديد مباشر لأمن إسرائيل، وربما الدول المجاورة الأخرى
في أيلول/ أغسطس 2013، شنّت قوات النظام السوري هجوماً ضخماً بغاز السارين، أسفر عن مقتل ما يقدر بـ1400 شخصٍ، معظمهم من النساء والأطفال، في ضواحي دمشق، في الوقت الذي يستمرّ فيه الهدوء، منذ العام 1973، على جبهة الجولان السوري المحتل.
وزعمت الصحيفة أن "الترسانة الكيماوية السورية واسعة النطاق، كانت مخصصةً في الأصل للاستخدام في حربٍ مستقبليةٍ مع إسرائيل". وقال مسؤول استخباراتي غربي، إن "أجهزة الاستخبارات توصّلت إلى إجماعٍ على أنه سلاح إستراتيجي للنظام".
ومن غير الواضح ما إذا كانت الهجمات قد نجحت بالكامل في تعطيل خطط سوريا. وقال المسؤولان الإستخباريان الغربيان إن "المسؤولين الإسرائيليين كانوا يعتزمون أن تكون الضربات استباقيةً، مما يقضي على قدرات الإنتاج في البلاد، قبل أن يتمّ تصنيع أسلحةٍ فعليةٍ، لأن أيّ محاولة لتفجير مخزون موجود، فيه مخاطرة كبيرة بأن يتسبب بإطلاق أعمدةٍ من الغازات القاتلة التي يمكن أن تنتشر في البلدات والقرى المجاورة".
ووفقاً لصحيفة واشنطن بوست، التي نشرت التقرير، اشتبه مسؤولو المخابرات الأمريكية بأن "سوريا تحتفظ بالجوانب الرئيسية لقدراتها في مجال الأسلحة الكيماوية". واتّهم مسؤولو وزارة الخارجية في 2019، علناً، سوريا بمواصلة برنامجها سرّاً، مستشهدين على وجه الخصوص بهجومٍ بغاز الكلور ضد مقاتلي المعارضة وقع في ذلك العام.
البيت الأبيض يقترب حالياً من الانتهاء من مراجعةٍ شاملةٍ لسياسة سوريا، ومن المتوقع أن يدعو إلى معاقبة الأسد على انتهاكات التزامات سوريا بموجب اتفاقية الأسلحة الكيماوية
ولفتت الصحيفة إلى أن "البيت الأبيض يقترب حالياً من الانتهاء من مراجعةٍ شاملةٍ لسياسة سوريا، ومن المتوقع أن يدعو إلى معاقبة الأسد على الانتهاكات السابقة والحالية، لالتزامات سوريا بموجب اتفاقية الأسلحة الكيماوية".
وقال المبعوث الأمريكي السابق إلى سوريا، جيمس جيفري: "ذكرت إدارة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، أنها ستحاسب الأسد على أفعاله. يجب أن يشمل هذا بالتأكيد الأدلّة التي قدّمها وزير الخارجية آنذاك، مايك بومبيو، وآخرون، والتي تؤكد أن الأسد يحاول إعادة تشكيل أسلحته الكيماوية".
واتّهمت جماعات حقوق الإنسان، والمحققون المستقلّون، في السابق، نظام الأسد بالحفاظ على قدرةٍ كامنةٍ، على الأقل لمهاجمة المدنيين بالغازات السامّة. وقال ستيف كوستاس، محامي مبادرة "العدالة في المجتمع المفتوح"، إن "القدرة الإنتاجية غير المعلَنة لسوريا، والجهود المتكررة لعرقلة بعثات تقصّي الحقائق من قبل منظمة حظر الأسلحة الكيماوية، دليل على امتلاك النظام لهذه الأسلحة".
اتّهمت جماعات حقوق الإنسان، والمحققون المستقلّون، في السابق، نظام الأسد بالحفاظ على قدرةٍ كامنةٍ، على الأقل لمهاجمة المدنيين بالغازات السامّة
حين اندلاع الحرب الأهلية السورية في عام 2011، كانت دمشق تمتلك واحداً من أكبر مخزونات الأسلحة الكيماوية، وأكثرها تقدّماً في العالم، بما في ذلك مئات الأطنان من السارين الثنائي، وغاز الأعصاب في إكس VX، وهما من أكثر أسلحة الحرب الكيماوية فتكاً.
وغضب الرئيس الأميركي السابق، باراك أوباما، في عام 2013، حين استخدم النظام السوري السلاح الكيماوي، وقرر شنّ ضرباتٍ على النظام السوري، لكن تدخّلت روسيا بعرضٍ يتضمّن تخلّي سوريا عن أسلحتها الكيماوية، لتتجنّب عملاً عسكرياً أمريكياً، ووافق الأسد على هذا الأمر، وسمح للمفتشين الدوليين بالإشراف على تدمير مخزون أسلحته بالكامل، وجميع مراكز الإنتاج، ومعدّات التصنيع.
في عمليةٍ دوليةٍ غير مسبوقة، تم سحب نحو 1300 طنٍّ من الغازات الكيماوية من سوريا، لتدميرها في محارق على متن سفينة أمريكية معدّة خصيصاً للأمر، في البحر الأبيض المتوسط.
ومع ذلك، استمرّ الأسد في استخدام الأسلحة الكيماوية -بشكلٍ رئيسي الكلور الكيميائي الصناعي، وهو بديل خام لعوامل الأعصاب الفتّاكة- في أكثر من 200 هجوم ضد معاقل المعارضة السورية.
وخلص مسؤولو المخابرات الأمريكية، في وقتٍ لاحقٍ، إلى أن الأسد احتفظ أيضاً بجزءٍ صغيرٍ من مخزونه من السارين، واستخدم بعضاً منه في مناسبتَين على الأقلّ، بعد عام 2017.
النظام لم يتخلَّ عن مخزون الأسلحة الكيماوية، والدليل على ذلك أن منظمة حظر الأسلحة الكيماوية أعلنت في عام 2016، أن النظام دمّر أسلحته كلها. لكن في عام 2017، أعلنت المنظمة نفسها ارتكاب نظام الأسد هجوماً بالسارين في اللطامنة
وقال فضل عبد الغني، مؤسس الشبكة السورية لحقوق الإنسان، ورئيسها، لرصيف22، إن "النظام لم يتخلَّ عن مخزون الأسلحة الكيماوية، والدليل على ذلك أن منظمة حظر الأسلحة الكيماوية أعلنت في عام 2016، أن النظام دمّر أسلحته كلها. لكن في عام 2017، أعلنت المنظمة نفسها ارتكاب نظام الأسد هجوماً بالسارين في اللطامنة".
وأضاف: "النظام لم يُسلّم، ولن يسلّم أسلحته الكيماوية، وعاد واستخدمها في عام 2018، ليثبت أنه خدع العالم، ولم يسلّم سوى جزءٍ من ترسانته"، مطالباً بـ"تدخّل دولي وفقاً للفصل السابع، لمعاقبة النظام ورأسه، لأن استخدام هذا السلاح لا يتمّ إلا بموافقة قائد الجيش، وأعلى سلطةٍ في البلاد، كذلك رؤساء العديد من الأجهزة التي تشارك في الإعداد للهجوم، بدءاً من الأرصاد الجوية".
وكان بسام صباغ، سفير سوريا لدى الأمم المتحدة، قد أعلن في خطابٍ أمام مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، أن سوريا "تدين وترفض بشكلٍ قاطعٍ أيّ استخدامٍ للأسلحة الكيماوية، تحت أيّ ظرفٍ من الظروف، ومن قبل أيّ طرفٍ كان، وفي أيّ وقت، وفي أيّ مكان".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ ساعة??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 21 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون