شرع النظام السوري في إجبار الشباب في الخارج على تحويل أموال إلى خزينة الدولة، أو العودة إلى البلاد التي فروا منها، من أجل تأدية ما يعرف بخدمة العلم أي التجنيد الإلزامي.
وهدد النظام السوري الشباب الذين لا يعودون إلى البلاد من أجل الخدمة العسكرية أو تحويل الأموال لخزينة حكومته بالاستيلاء على ممتلكاتهم أو ممتلكات عائلاتهم.
وفقاً للدستور السوري، تكون الخدمة العسكرية إلزامية للرجال السوريين الذين تراوح أعمارهم بين 18 و 42 عاماً، وهو ما يعني أن هناك الملايين من المواطنين اللاجئين خارج البلاد مؤهلون للخدمة العسكرية.
وكشف تقرير نشرته صحيفة الغارديان في 28 أيلول/سبتمبر الحالي أن شاباً سورياً يدعى يوسف، ويبلغ من العمر 32 عاماً يعيش في السويد، وجد نفسه أمام خيارين، إما الانضمام إلى جيش الحكومة التي جعلت منه لاجئاً، أو المخاطرة بأن تفقد عائلته في سوريا منزلها الذي لا يزال أفرادها يعيشون فيه.
ما لقاه يوسف يستند إلى قرار عسكري أعلنه الجيش العربي السوري التابع لبشار الأسد في فبراير/ شباط الماضي، نشرت بمقتضاه لائحة جديدة تسمح للسلطات بمصادرة ممتلكات "المتهربين من الخدمة" وعائلاتهم.
أصبح جواز السفر السوري أحد أغلى وثائق السفر في العالم، إذ تتقاضى السفارة السورية في بريطانيا 220 جنيهاً إسترلينياً كي تقبل استخراج جواز سفر جديد، وحوالى 600 جنيه إسترليني إضافية لـ"تسريع" عملية الحصول عليه
في حزيران/يونيو الماضي، ذهب يوسف إلى السفارة السورية في ستوكهولم ومعه مبلغ ثمانية آلاف دولار أمريكي، استعداداً لدفع رسوم حذف اسمه من قوائم التجنيد الإجباري، وقال إن "قشعريرة ركضت في عموده الفقري أثناء استلامه الإيصال".
وأضاف يوسف لـ"مشروع الإبلاغ عن الجريمة المنظمة والفساد (OCCRP)" بصوت يرتجف: "سيستخدم النظام السوري هذه الأموال لشراء أسلحة وقتل المزيد من الناس".
وفقاً لصحيفة الغارديان، فإن بيانات البنك الدولي تظهر أن حوالى خُمس سكان سوريا البالغ عددهم 17 مليوناً هم من الرجال في سن التجنيد، مشيرة إلى أن التهديد بالتجنيد الإجباري هو سبب رئيسي يخشى معه العديد من اللاجئين العودة.
وقالت الصحيفة البريطانية إن الحكومة السورية تمكنت من الاستفادة من هذا القلق في زيادة إيرادات خزانتها الخاوية، وباتت تحصد العملات الأجنبية من حوالى مليون سوري استقروا في أوروبا، تستعين بخوفهم على دعم ميزانيتها المتعثرة جراء العقوبات الأمريكية التي قطعت البلاد عن النظام المصرفي الدولي.
التهريب في حقائب دبلوماسية
وبدأت السفارات السورية، التي ترفض عادة معالجة أوراق اللاجئين إلا إن كانت معاملات ورقية تختص بالإعفاءات العسكرية في تحصيل المدفوعات النقدية.
وقال باحثان، أحدهما مسؤول في مطار هيثرو البريطاني، وآخر دبلوماسي سابق، قابلهما مكتب مكافحة جرائم الفساد والجرائم الاقتصادية في بريطانيا، إنهما يشتبهان في عودة الأموال إلى سوريا عبر الحقيبة الدبلوماسية، وهو ما يعد تنتهكاً لاتفاقية فيينا لعام 1961 بشأن العلاقات الدبلوماسية، وهي تنص على أن "الطرود التي تشكل الحقيبة الدبلوماسية… قد تحتوي فقط على وثائق دبلوماسية أو مواد مخصصة للاستخدام الرسمي". وتمنع معاهدة فيينا والأعراف الدولية إخضاع الحقائب الدبلوماسية للتفتيش.
الحكومة السورية باتت تحصد العملات الأجنبية من حوالى مليون سوري استقروا في أوروبا، تستعين بخوفهم على دعم ميزانيتها المتعثرة جراء العقوبات الأمريكية التي قطعت البلاد عن النظام المصرفي الدولي
وأدت العقوبات الأمريكية المطبقة ضد النظام السوري عام 2020 بموجب قانون قيصر إلى تفاقم الوضع المالي الصعب، وخاصة في المناطق الخاضعة لسيطرة الأسد.
ونتيجة لذلك، أصبحت مدفوعات تجهيز الواردات الحيوية مثل القمح ومنتجات النفط أكثر صعوبة، وتكبدت الليرة السورية المزيد من الخسائر.
قال أرميناك توكماجيان، الباحث في مركز كارنيغي للشرق الأوسط في بيروت: "أصبح النقص في العملات الأجنبية مشكلة حادة ، خاصة بعد دخول قانون قيصر حيز التنفيذ. يحتاج النظام إلى العملة الأجنبية. وكلما زادت العملات في حوزته، طالت مدة بقائه وقبضه على مقاليد الأمور".
وعليه، أصبح جواز السفر السوري أحد أغلى وثائق السفر في العالم، إذ تتقاضى السفارة السورية في بريطانيا 220 جنيهاً إسترلينياً كي تقبل استخراج جواز سفر جديد، وحوالى 600 جنيه إسترليني إضافية لـ"تسريع" عملية الحصول عليه.
وتتوقع سوريا أن تضم إلى ميزانيتها لعام 2021 نحو 240 مليار ليرة من رسوم الإعفاء العسكري، في حين ضمت 70 ملياراً للغرض نفسه عام 2020، وذلك وفقاً للنسخ المنشورة في الجريدة الرسمية السورية.
وتستضيف الدول الاسكندنافية وحدها نحو 114 ألف لاجئ سوري، وهي موطن لعشرات الآلاف من الوافدين الجدد.
بين حزيران/يونيو وآب/أغسطس2021، زار مراسلو "OCCRP" ثلاث مرات السفارة السورية في ستوكهولم، وأحصوا وجود 10 متقدمين في اليوم ينتظرون في قائمة الانتظار للحصول على إعفاء من الخدمة العسكرية مقابل آلاف الدولارات.
وذكر موظف في السفارة للمشروع أنه لا يستطيع تحديد عدد المتقدمين للحصول على إعفاء من الخدمة، ولكن هناك "زيادة كبيرة" في النصف الأول من عام 2021، عزاها إلى اللائحة المنشورة في شباط/ فبراير الماضي. إذ يخشى اللاجئون في الخارج أن تدفع عائلاتهم الباقية في سوريا ثمن خروج أبنائها متشردين من منازلهم.
دفع علي الرسوم بتشجيع من أسرته، التي اعتبرت الدفع "شكلاً من أشكال المشاركة المباشرة في المجهود الحربي السوري"
وأضاف الموظف: "في بعض الأيام، يأتي 10 [أشخاص] إلينا، وفي أيام أخرى قد يصل الرقم إلى 50". وتعلق الغارديان: "إذا كان هذا دقيقاً، فهذا يعني أن السفارة قد تتلقى نحو 400 ألف دولار نقداً في بعض الأيام".
ونقلت الصحيفة عن شاب سوري يدعى علي، يبلغ من العمر 29 عاماً، أنه دفع الرسوم بتشجيع من أسرته، التي اعتبرت الدفع "شكلاً من أشكال المشاركة المباشرة في المجهود الحربي السوري".
وقال جيان، وهو سوري يعمل في دار للمسنين في فرانكفورت بألمانيا، إنه ليس لديه مشكلة في دفع المال. وتابع: "أتقاضى راتباً شهرياً، وعملية الإعفاء سهلة، وأريد حماية ممتلكات عائلتي في سوريا من الاستيلاء عليها". وكشف أن لدى ثلاثة من حق اللجوء في ألمانيا، ومع ذلك دفعوا الرسوم أيضاً.
وعبّر الكثير من السوريين عن مخاوفهم من تمويل الحكومة التي يشعرون أنها مسؤولة عن تحولهم إلى لاجئين في المنفى. ويرى عبد الله جعفر، البالغ من العمر 35 عاماً والذي يعيش في غوتنبرغ السويدية منذ ثماني سنوات، إن خطوة الحكومة هذه "نوع من الابتزاز". وقال: "لدي كامل المبلغ، ويمكنني أن أدفعه، لكنني لن أفعل، هذه الحكومة غير شرعية".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...