كان ذلك اليوم يوماً سعيداً لريهام صالح* ورفيقاتها الثلاث عندما توصلن لاتفاق استئجار شقة مفروشة في شارع سليمان جوهر في حي الدقي القريب من وسط القاهرة، مقابل أربعة آلاف جنيه شهرياً، لكن صُدمن عندما حان وقت التسلم، إذ تراجع المالك عن الاتفاق ومنح الشقة لمستأجرين يمنيين مقابل بدل أكثر: "يوم الاستلام قالنا الشقة خلاص سكنت".
توضح ريهام، الصحافية الريفية التي جاءت من البحيرة- تبعد 123 كيلومتراً شمال غربي القاهرة- بحثاً عن العمل، أن الشقة كانت في الدور الأرضي، وتتكون من غرفتين ومطبخ وحمام: "تقريباً كانت مخصصة لبواب العمارة"، لكن ما جعل الفتيات يخترنها هو موقعها المتميز في حي الدقي الرابط بين محافظتي القاهرة الكبرى "القاهرة والجيزة" والذي يتوافق مع أحلامهن بالعمل في الصحافة التي تتركز في الأحياء المتلاصقة في المحافظتين.
قصة ريهام ورفيقاتها ليست الأولى ولن تكون الأخيرة، فهناك أحياء مصرية محددة يُعلق عليها لافتة "للأجانب فقط"، سعياً لدخل أكبر من دون خدمات تذكر يقدمها المالك.
قصة ريهام ورفيقاتها ليست الأولى ولن تكون الأخيرة، فهناك أحياء مصرية محددة يُعلق عليها لافتة "للأجانب فقط"، سعياً لدخل أكبر من دون خدمات تذكر يقدمها المالك
أحياء للأجانب
يقول خبير التقييم العقاري المعتمد خالد عاطف لرصيف22 إن هناك أماكن في قلب العاصمة المصرية يسيطر عليها الأجانب مثل المعادي والزمالك، الدقي، مدينة نصر، والأحياء المجاورة للجامعات التي يقطنها الطلاب الوافدون، بالإضافة إلى بعض المدن الجديدة مثل الرحاب ومدينتي و6 أكتوبر التي تضم الجاليتين السورية والعراقية، حتى إن المصري قد لا يجد فيها مكاناً إن أراد الاستئجار.
وأوضح عاطف أن السائح الذين يأتي إلى مصر في زيارة مؤقتة يفضل استئجار شقة لأنها أرخص من الفنادق، خاصة إذا كانت أسرته برفقته أو مدة إقامته طويلة، مضيفاً أنه مع بدء تعافي العالم من وباء كوفيد-19، ومن ثم تعافي قطاع السياحة المصرية، قد تقترب نسب إشغالات الفنادق إلى 100%، وليس أمام السائح الباحث عن مكان قريب من معالم العاصمة السياحية أو مطل على نهر النيل إلا استئجار شقة بهذه المواصفات.
ويرى أن أفراد الجاليات العربية التي تستأجر شققاً في المدن الجديدة "يبحثون عن أماكن يشكلون فيها تكتلات بحثاً عن الأمان الاجتماعي، والطلاب الوافدين يبحثون عن شقق بجوار الجامعات لتوفير تكاليف المواصلات، خاصة أن معظمهم فقراء من دول أفريقية، ويتغاضون دائماً عن مستوى الشقة وتجهيزها، وهو ما لا يتفق مع المصريين الباحثين عن شقق مفروشة من نفس الفئة السعرية التي تعرض على هؤلاء الطلاب". وتنتشر شقق الطلاب المفروشة في أحياء شعبية وعشوائية مثل: بين السرايات بجوار جامعة القاهرة، ويستأجرها الأجانب بأسعار اعلى من المصريين على الرغم من مستواها المتواضع.
الطلاب الأجانب القادمون من دول منخفضة الدخل، يقبلون العيش بإيجارات مرتفعة في شقق متواضعة المستوى والنظافة، قد لا يقبل بها المصريون إن عرضت عليهم بنفس السعر
العرض والطلب مبدأ
يُذكر أن متوسط إشغالات الفنادق في القاهرة إلى 70%. واعتباراً من 1 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، طبقت وزارة السياحة والآثار قراراً يحدد الحد الأدنى للإقامة في الفنادق، وهو 40 دولاراً أمريكياً للفرد في اليوم (630 جنيهاً) في المنشآت الفندقية فئة الـ5 نجوم، و 28 دولاراً في فئة الـ4 نجوم (440 جنيهاً). "محدش عبيط" يؤكد خالد عاطف، موضحاً: "لما يكون عندك شقة في مكان مميز، مثلاً جنب جامعة هتأجرها بالسرير للطلاب الوافدين بسعر 400 جنيه على الأقل في الشهر، أو في مدينة جديدة هتأجرها بأكثر من 15 آلاف جنيه شهرياً لوافد عربي، أو شقة بتطل على النيل في الدقي أو الزمالك تقدر تأجرها باليوم وبالدولار، هتختار الأجنبي ولا المصري اللي بيدفع أقل بكتير؟".
وأشار عاطف إلى أن الأمر لا يمكن وصفه بالاستغلال لأن الشقق شأنها شأن أي سلعة أخرى تخضع لمبدأ العرض والطلب: "الموضوع استثمار محسوب كل شقة معروف كويس مميزاتها والسعر اللي ممكن تدخله لصاحبها في الشهر والمالكين يبحثون عن السعر الأعلى بالتأكيد".
أسعار خيالية
وبجولة على بعض المواقع الإلكترونية المتخصصة في التسويق العقاري في مصر مثل: "أوليكس، عقار ماب، بروبرتي فايندر"، تبيّن أن بدل إيجار الشقق السكنية في مدينة مثل الرحاب يراوح بين 8 و27 ألف جنيه شهرياً، وفي مدينتي بين 8 و 18 ألفاً، وتختلف الأسعار وفقاً لاختلاف مواقع الشقق ومساحاتها ومستوى تجهيزاتها.
وترتفع هذه الأسعار كثيراً في وسط العاصمة حيث الأحياء الراقية مثل الزمالك والدقي، فتصل إلى 75 ألف جنيه شهرياً للشقة التي توصف تجهيزاتها بـ"الفندقية"، وبالنسبة للشقق التي تمتلك إطلالة على نهر النيل، تراوح أسعار إيجارها بين 1500 و 3000 جنيه (200 دولار) في اليوم الواحد، أي خمسة أضعاف الحد الأدني لليلة الواحدة في فندق فئة خمس نجوم.
وبحساب عاجل، يبدو أن ثمن إقامة الأجنبي في فندق فئة 5 نجوم لمدة شهر، تصل إلى 1200 دولار أمريكي كحد أدنى، أي 18 ألف جنيه، فماذا لو كانت مدة إقامته أطول؟ وماذا لو كانت برفقته أسرته المكونة من خمسة أفراد؟ بالتأكيد ستتضاعف هذه الأسعار كثيراً.
على الجانب الآخر، يصل متوسط رواتب الموظفين في مصر لعام 2021، وفقاً لموقع salaryexplorer، إلى 9200 جنيه شهرياً للشريحة المتوسطة العليا، ما يفسر صعوبة حصول المصريين على شقق في الأماكن المميزة المذكورة آنفاً، وهذا ما أكده خالد عاطف لرصيف 22، قائلاً إن بحث ملاك الشقق عن الأجانب وارتفاع الأسعار بدرجات عالية سيكون له تأثير على المصريين.
هل يحق للأجانب التملك؟
جدير بالذكر أن القانون المصري رقم 230 لسنة 1989 يجيز لغير المصريين تملك عقارين على الأكثر في جميع أنحاء الجمهورية المصرية، بقصد السكن الخاص.
وفي عام 2018، طبقت الحكومة قراراً بمنح الإقامة المؤقتة للأجانب لغير السياحة مقابل شراء عقار، ووضعت عدة شرائح تبدأ بـ100 ألف دولار مقابل منح الإقامة المؤقتة لمدة عام، و200 ألف دولار مقابل منح الإقامة لمدة ثلاث سنوات، و400 ألف دولار مقابل منح الإقامة لمدة حمس سنوات.
لكن هذه الميزة لا يستفيد منها الكثير من الأجانب سواء كانوا سائحين مؤقتين يأتون إلى مصر بقصد الاستمتاع بالأماكن السياحية لعدة أيام أو أشهر، أو وافدين عرباً قدموا بقصد اللجوء هرباً من أوضاع الحرب في بلادهم ولم يستكملوا بعد أوراق لجوئهم بشكل رسمي.
وفي حين أن آخر إحصاء للمفوضة السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة بيّن أن أعداد اللاجئين المسجلين في مصر بنهاية سبتمبر/ أيلول الماضي، 81 ألفاً و955، بالإضافة إلى 184 ألفاً و771 طلب لجوء لم تُبت بعد، يؤكد الرئيس عبد الفتاح السيسي أن مصر تحتضن نحو ستة ملايين لاجئ يندمجون داخل المجتمع وليسوا في مخيمات. ويعامل أصحاب العقارات اللاجئين معاملتهم المستأجرين الأجانب، إذ ترتفع أسعار إيجارات شققهم مقارنة بالمصريين حتى في الأماكن الشعبية التي يتمركزون فيها مثل عين شمس في القاهرة وأرض اللواء وفيصل في الجيزة.
وأكد خبير العقارات عبد المجيد جادو لرصيف22 أن السوق المصرية مفتوحة، ولا يوجد قانون يحدد قيمة بدل الإيجار. وأضاف: "حالياً قد نكون في مرحلة انتقالية، فالكثير من أصحاب الشقق يحاولون تعويض خسائرهم بعد الإغلاق عامين بسبب أزمة وباء كورونا برفع الأسعار، لكن مع عودة الأمور إلى طبيعتها ستحكم القيمة الحقيقة أمر العرض والطلب".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...