شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
استهدفت سائقي

استهدفت سائقي "التوك توك"... "مدن آمنة" لفتيات أفقر مناطق القاهرة

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الأحد 12 ديسمبر 202104:17 م


في عزبة خيرالله بحي مصر القديمة الشعبي بجنوب القاهرة، تستقر واحدة من أكثر مناطق القاهرة فقراً واكتظاظاً بالسكان، إلا أنها أصبحت عبر عدد من المبادرات المجتمعية النشطة، واحدة من أكثر أحياء القاهرة إلهاماً وكفاحاً نحو حياة أفضل.

اجتذبت منطقة عزبة خير الله عدد من مبادرات التصنيع والتشغيل التي حولت سيداتها إلى منتجات متميزات في صناعات تحويلية وصناعة الملابس. نساء عزبة خير الله المكافحات كن دافعاً إلى مبادرة مجتمعية أخرى تستهدف تدريب الرجال على احترام وجودهن وتسهيل كفاحهن مع الحياة، من خلال تدريبهم على احترام خصوصية النساء ومكافحة التحرش بهن في شوارع المنطقة وحواريها الضيقة، وهو ما سعت إليه مبادرة "مدن آمنة للفتيات" من خلال عدة ورشات تدريبية عقدتها لسائقي التكاتك.

بدأت المبادرة من هيئة "بلان إنترناشيونال إيجيبت" بالتعاون مع جمعية النور المحلية في عزبة خير الله، واستمر العمل في المبادرة سنوات حتى بدأ أثرها يظهر في شوارع المنطقة.

مع انتشار التوك توك كوسيلة مواصلات سريعة، وانخفاض تكلفتها بالمقارنة بالتاكسي، وحجمه الصغير الذي يمكنه السير في طرق غير ممهدة وشوارع ضيقة، انتشر سريعاً في المناطق الشعبية والفقيرة التي تفتقر إلى كثير من الخدمات الأساسية، لا سيما المواصلات. ومع الوقت؛ أضحت الرقابة عليه غير ممكنة؛ إذ صار وسيلة رزق لكثير من صغار السن والمتسربين من التعليم الذين لم يحصلوا على أي تدريب في القيادة أو التعامل مع "الزبائن" بمن فيهم النساء.

 نساء عزبة خير الله المكافحات كن دافعاً إلى مبادرة مجتمعية أخرى تستهدف تدريب الرجال على احترام وجودهن، من خلال تدريبهم على احترام خصوصية النساء ومكافحة التحرش بهن

حياتي اتغيرت

محمد غريب – سائق توك توك يبلغ من العمر 43 عاماً، واحد ممن انضموا إلى تدريبات المبادرة بعد تشجيع من أحد زملائه. وما بدأ بفضول ورغبة في الحصول على مقابل مادي بسيط نظير المشاركة تحول إلى تجربة "غيرت حياتي كلها" على حد قوله.

يحكي غريب: "أعمل سائق توك توك منذ 2012، عندما عرض علي زميلي حضور التدريب قال لي أنها فرصة إجازة مدفوعة إذ تقدم الجمعية (جمعية النور) بدل حضور التدريبات مع وجبة غذاء. لكن بعد حضور عدة محاضرات؛ وجدت التدريب متوافق مع أفكار أؤمن بها ولكنها لم تتبلور بعد إلى سلوكيات".

غريب متزوج ولديه 5 بنات، لم يلق سوى نصيب يسير من التعليم، إذ اضطر للانضمام إلى سوق العمل بعد الحصول على الإعدادية (إتمام التعليم الأساسي) لكنه يقول لرصيف22 "أحب القراءة، وأعلم نظرياً أن المرأة لها حقوق ومتساوية معي في الإنسانية، لكن ما تربيت عليه مختلف. التدريبات عززت الأفكار التي تعلمتها في الكتب، وأصبحت أكثر إيجابية وأتصدى لأي مضايقة تتعرض إليها النساء في الشارع، من دون الدخول في مشاجرة حتى لاتتعرض الراكبة للخطر".

لكن التأثير الأكبر للتدريبات لم يكن على تعامل غريب مع النساء أثناء ممارسة مهنته؛ بل كان في بيته مع زوجته وبناته الخمس "كنت لا أستمع لزوجتي معتقداً أنه ينتقص من رجولتي، فالرجل لا بد أن تكون قراراته نافذة. هذا الوضع تغير كثيراً. كذلك علاقتي مع بناتي أصبحت أكثر مرونة، أتناقش معهن وأحرص على استكمال تعليمهن، وأصبحت زوجتي والفتيات يشجعونني على الحضور".

وعن الأمان الذي تشعر به السيدات مع سائقي المبادرة يؤكد غريب إنه تعلم أن من آداب مهنة السائق أن يحرص على الراكبات، "وأوصيها ألا تنسي متعلقاتها ولا أفاوضها في الأجرة ولا أزعجها بصوت الكاسيت ولا أدير معها حواراً".

وجد ملك أن احترام النساء زاد من عدد زبائنه المنتظمين بعد أن صارت الأمهات يطمئنن إليه لتوصيلهم وبناتهن، ما انعكس على دخله وراحته النفسية

الفن في المواجهة

عماد نجيب ملك 38 عاماً، تعلم حتى الصف الثاني الإعدادي. متزوج ولديه 3 أطفال، بعد انضمامه إلى محاضرات، صار ملك يقود "توك توك مميز"، يقول "ورفعت عليه لافتة ‘توك توك أم النور’ وأصبحت الفتيات يخبرن بعضهن عني باعتباري مصدر أمان".

وجد ملك أن احترام النساء زاد من عدد زبائنه المنتظمين بعد أن صارت الأمهات يطمئنن إليه لتوصيلهم وبناتهن، ما انعكس على دخله وراحته النفسية.

عزمي شعبان لا يزال مفتوناً بالطريقة التي عرفته فيها المبادرة على حقوق النساء "بالفن والمسرح تعرفت على حقوق المرأة، وما تتعرض له من تحرش". يبلغ عزمي من العمل 28 عاماً، وهو حاصل علي دبلوم صناعي (مؤهل متوسط) متزوج ولديه طفلين.

يضيف لـ "رصيف 22" تعلمت ألا اسمح لراكب معي أن يتناول السجائر الملفوفة بالمخدرات، وأن أواجهه إذا تعرض لأي سيدة بالقول أو الفعل". كذلك وضع شعبان ملصقات خاصة بمبادرة "مدن آمنة للفتيات" لتتعرف عليه الراكبات الراغبات في وسيلة انتقال آمنة.

من الشارع

رضا وحيد مدربة في المبادرة، تحكي لرصيف22 أنها بدأت مع المشروع في مطلع 2021، وتولت تدريب سائقي التكاتك على زيادة الثقة بالنفس والثبات الانفعالي والتعريف بالحقوق والواجبات عن طريق عروض مسرحية وفنية وصلصال ورسم. "بدأنا مع عدد قليل للغاية، ومع كل لقاء كنت أجد العدد يتزايد".

لاحظت وحيد أن السائقين يأتون في البداية بغرض الاستكشاف ومعظمهم يبقون ويرفضون الانصراف عند انتهاء المحاضرات أو النشاطات ويكون لديهم أسئلة كثيرة.

"من أهم مكتسبات التدريب، كان تغير الحياة الشخصية للمشاركين. أخبرني أحد السائقين أن ابنته شفيت من ثقل اللسان والتلعثم والخوف بعد أن هدأت عصبيته وتغيرت طباعه بناء على ما تعلمه في الورشة".

ولاء، طالبة في المرحلة الإعدادية، وإحدى المشاركات في المشروع تقول إنها كانت تتعرض لمضايقات كثيرة من سائقين، ومحاولات للسرقة أو الاستغلال. مع التدريبات التقينا بالسائقين وتحدثنا عن مخاوفنا واستمعوا لنا وخضنا نقاشات كثيرة".

"س"، سيدة أربعينية مشاركة في ورش التدريب، تقول إن التوك توك هو الوسيلة الوحيدة المتاحة للانتقال داخل العزبة.لأننا نعاني من سلوكياتهم تجاهنا. الورشة جعلت سلوكهم أحسن وهي خطوة هامة لأمان كل الفتيات هنا".

وتؤكد هاجر، إحدى المشاركات بالمشروع، أن الحديث مع السائقين أثمر اتفاق "مريح"، إذ اتفقت السيدات المشاركات والسائقين على تعليق عازل يحمل شعار مدن آمنة للفتيات لتطمئن الفتيات إلى العربات الآمنة. "أصبح السائق الذي لا يحمل الشعار لا تركب معه أي سيدة".

منسقة المشروع: "الخطوة الأولى كانت لا بد أن تكون عند النساء أنفسهن، أن نعطيهن شعوراً بالتمكين والثقة في استحقاق الأمان"

خطوات استباقية

تقول أسماء طلعت منسقة مشروع التدريب بجمعية النور، إن الهدف من المشروع خلق مساحات آمنة للفتيات، و"استطعنا تكوين فريق من سائقي التوك توك على وعي تام بحقوق الفتيات وداعمين لهن ولسلامتهن داخل مجتمع عزبة خيرالله".

لكن البداية لم تكن سهلة، وجدت الجمعية أن عليها اتخاذ عدد من الخطوات تقول طلعت "الخطوة الأولى كانت لا بد أن تكون عند النساء أنفسهن، أن نعطيهن شعوراً بالتمكين والثقة في استحقاق الأمان، وتدريبهن على حماية أنفسهن في بيئة خطرة كهذه. ثم توجهنا إلى الآباء والأمهات ونفذنا عدد من ندوات التوعية ولقاءات أخرى مع ابنائهم وبناتهم في معسكرات لخلق حوار بين الأجيال لمناقشة مشاكلهم معاً، لتكون البنات أكثر قدرة وصراحة في التعبير عما يتعرضن إليه في الشارع. وحددنا المناطق التي تحتاج إلى إنارة، وقمنا بتطوير السلالم والشوارع وإنارتها والتقينا بالمسؤولين في الحي تحدثنا عن انتشار المخدرات والإدمان لعمل اللازم وتغلبنا عليها بتوفير أماكن تجمع للفتيات. وتم إنشاء جيم وكافيه وأماكن انتظار وجلوس ومكتبة ومساحات خضراء للفتيات بالعزبة".

باسنت العربي منسق مشروع مدن آمنة للفتيات بهيئة بلان إنترناشيونال إيجبت قالت لرصيف 22، تقول إن المشروع بدأ منذ 3 أعوام، وأن تدريب سائقي التوك توك تم في المرحلة الثانية من المشروع.

امتد تنفيذ الفكرة إلى حي الأسمرات إلى جانب عزبة خير الله ووصل عدد المستفيدين إلى 297 سائق من خلال الأنشطة الرياضية والفنية المتنوعة.


إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard