لقد أجبرنا وباء كورونا على المكوث لفترات طويلة في المنزل، ما أحدث تغييراً جذرياً في روتيننا اليومي وقلّل من نشاطنا المعتاد.
فقد كشفت دراسة أجرتها جامعة لندن، أن 40% من الأشخاص باتوا يمارسون تمارين أقل بكثير ويشاهدون المزيد من التلفزيون، فكيف غيّرت جائحة كورونا أجسادنا المنهكة والقابعة خلف الأبواب المغلقة؟
تفكيك الجسد
يتصدّر العراق قائمة الدول العربية من حيث عدد الإصابات المسجّلة بفيروس كورونا، يليه الأردن في المركز الثاني بينما يحتل لبنان المرتبة الثالثة، بحسب ما ذكره موقع "آر تي".
ماذا يفعل هذا الفيروس في جسم الإنسان؟
رفعت صحيفة الإندبندنت البريطانية النقاب عن آثار فيروس كورونا على كل جزء من أجزاء أجسامنا، بدءاً من العقل وصولاً إلى نوعية النوم، مروراً بزيادة الوزن، فقدان العضلات والمعاناة من آلام الظهر والرقبة.
العقل: وجدت العديد من التقارير أن أكثر من نصف البالغين/ات وثلثي الشباب كشفوا أن صحتهم النفسية قد ساءت أثناء الإغلاق، كما خلص استطلاع أجرته مؤسسة الصحة العقلية إلى أن حوالي ربع البالغين/ات شعروا/ن بالوحدة أيضاً.
كيف غيّرت جائحة كورونا أجسادنا المنهكة والقابعة خلف الأبواب المغلقة؟
لقد كان للملل تأثير سلبي على أدمغة الشباب، بحيث وجدت دراسة أجرتها جامعة إمبريال في لندن، أن 30 % من الشباب في بريطانيا باتوا يعانون من تدهور في صحتهم النفسية، وكشفت الأبحاث التي نشرتها منظمة بلان إنترناشونال الخيرية العالمية للأطفال في المملكة المتحدة، أن 40% من الفتيات شعرن بأن صحتهنّ النفسية قد ساءت منذ فرض الإغلاق.
وفي هذا الصدد، تحدث ريتشارد موريس، أستاذ علم الأعصاب في جامعة إدنبرة، عن مدى تأثير الإغلاق على انتباهنا، مشيراً إلى أنه، ونتيجة الحياة الافتراضية، بتنا نضع ضغطاً كبيراً على أنظمة الإنتباه لدينا.
العيون: إذا كنتم من الأفراد الذين يقضون الكثير من الوقت أمام الشاشات قبل انتشار الوباء، فلا شك إن انتقال حياتكم الاجتماعية بأكملها إلى جهاز الكمبيوتر زاد الأمور سوءاً.
فقد لاحظت دراسة أجرتها Ofcom في آب 2020، أن الأشخاص في الولايات المتحدة باتوا يقضون حوالي ست ساعات في اليوم على شبكة الإنترنت، وتوصلت دراسات أخرى أجريت في أماكن أخرى في أوروبا إلى نتائج مماثلة.
وتعليقاً على هذه النقطة، قال البروفيسور كريس هاموند، رئيس قسم طب العيون في كينغز كوليدج لندن، إنه على الرغم من عدم وجود دليل على أن قضاء الكثير من الوقت وراء الشاشة سيلحق ضرراً ببصر البالغين/ات على المدى الطويل، إلا أنه اتضح أنه يسبب بالفعل مشاكل أخرى مثل جفاف العين.
ومع ذلك، أوضح هاموند أن هناك مخاوف أكبر بشأن تأثير الشاشة على الأطفال: "يرتبط خطر الإصابة بقصر النظر ارتباطاً وثيقاً بقضاء وقت أقل في الهواء الطلق والمزيد من الوقت على الأجهزة، ومن الواضح أن هذا هو الحال في الإغلاق"، وتابع بالقول: "أظهرت دراسة أجريت على أكثر من 100000 طفل في الصين في حزيران 2020، معدلات أعلى بكثير من قصر النظر لدى الأطفال الأصغر سناً، والذين تتراوح أعمارهم بين ستة وثمانية أعوام في هذه الدراسة".
البشرة: تسبب الإغلاق العام في بروز العديد من مشاكل الجلد المختلفة، ففي وقت مبكر كان الأطباء يشددون على ضرورة تناول مكملات فيتامين (د) بسبب قلّة التعرض لأشعة الشمس، كما عانى الكثيرون من جفاف الجلد نتيجة غسل اليدين بشكل متكرر واستخدام المعقّم بانتظام، هذا وكشف الكثير من الأفراد عن معاناتهم مع حَبّ الشباب الناجم عن ارتداء الأقنعة بشكل دائم.
إن التعرّض لأشعة الشمس بشكل أقل وإهمال العناية بالبشرة، بالإضافة إلى عدم الحفاظ على نظام غذائي صحي، كلها عوامل من شأنها أن تؤثر سلباً على الجلد.
وفي السياق نفسه، كشف الدكتور مارتن ويد، طبيب الأمراض الجلدية في لندن، أن التوتر يساهم في تفاقم مشاكل الجلد: "إن المرضى الذين يعانون من أمراض جلدية، مثل الأكزيما والصدفية إلى جانب ثعلبة الشعر، يمكن أن تتفاقم حالتهم جميعاً بسبب الإجهاد الناتج عن تأثير الإغلاق".
هذا ونصح مارتن بإزالة القناع كلما أمكن للسماح للجلد بالتنفس: "بالطبع من المهم اتباع الإرشادات ولكن من خلال ممارسات بسيطة، مثل منح البشرة استراحة كل بضع ساعات عندما لا نكون بالقرب من أشخاص آخرين، يمكن تجنب المشاكل. الجلد عضو ديناميكي بشكل لا يصدق، ويمكن أن يرتد بسرعة كبيرة".
الأسنان: وجدت دراسة أجريت في نوفمبر أن هناك ارتفاعاً ملحوظاً في آلام الفكّ وصرير الأسنان في النهار وصرير الأسنان في الليل، وهي أعراض غالباً ما تكون ناتجة عن القلق والتوتر.
وبحسب الباحثين، فقد أعربت النساء عن معاناتهن مع هذه الأعراض أكثر من الرجال، بخاصة اللواتي تتراوح أعمارهنّ بين 35 و55 عاماً.
الظهر والرقبة: يمكن لأي شخص يعمل في المكتب أن يدرك حجم الألم الذي يمكن أن يسببه الجلوس وراء شاشة الكمبيوتر لساعات طويلة.
في هذا الصدد، ألقى مدرب الحركة روجر فرامبتون، محاضرة على TED بعنوان "لماذا الجلوس يدمركم؟"، مشيراً إلى أن هناك مسألتين يسببهما الجلوس على الكرسي لفترات طويلة من الوقت.
المسألة الأولى التي تحدث عنها فرامبتون هي السكون: "لا يهم الموقع الذي نجلس فيه، إنما المدة الزمنية التي نقضيها... أجسادنا متطورة من أجل الحركة".
أما المسألة الثانية فهي الافتقار إلى التنوّع، بحسب قوله: "إذا رأيتم طفلاً صغيراً يلعب على الأرض، فستلاحظون أنه يتنقل بين مجموعة كبيرة ومتنوعة من المواقع بشكل متكرر. مفتاح الحركة الجيّدة والجسم الحرّ هو التنوع".
لا يهم الموقع الذي نجلس فيه، إنما المدة الزمنية التي نقضيها...أجسادنا متطورة من أجل الحركة
وعليه هناك تخوف من أن يفقد كبار السن جزءاً من الوظيفة البدنية الضرورية التي تساعدهم على الانخراط في الأنشطة المعتادة للحياة اليومية، وذلك بسبب المكوث طويلاً في المنزل من دون حركة.
الوزن والعضلات: بالنسبة للعديد من الأشخاص، فإن جائحة كورونا أجبرتهم على المكوث في المنزل من دون حركة أو رياضة بسبب إغلاق الصالات الرياضية، هذا بالإضافة إلى قضاء الوقت في أنشطة تسبب لهم زيادة في الوزن، كإعداد الأطباق والحلويات.
وفي هذا الصدد، وجدت دراسة من كينغز كوليدج لندن وإيبسوس موري، أن 48% من المشتركين أبلغوا عن زيادة وزنهم أثناء الإغلاق، ووجد مسح آخر شمل أكثر من 7700 بالغ في نيسان، أن 27% كشفوا عن زيادة الوزن مع بداية الوباء، وهي نسبة ارتفعت إلى 33% لدى الأفراد الذين يعانون أصلاً من السمنة.
والواقع، إن العمل من المنزل يعني أن الكثير من الناس باتوا يقضون وقتاً أطول في استخدام أجهزة الكمبيوتر، لأن الخطوط الفاصلة بين المنزل والعمل غير واضحة، الأمر الذي جعل الخبراء يقومون بصياغة مصطلح "متلازمة المؤخرة الميتة" للدلالة على قلة الحركة.
هذا وكشفت الدراسات التي فرضت الراحة في الفراش لفترات من الوقت ما يمكن أن يسببه نقص النشاط البدني، بحيث تبيّن أن الوظيفة العصبية العضلية تضيع بمعدل يزيد عن 3% يومياً بدءاً من الأيام القليلة الأولى.
النوم: أظهرت الدراسات أنه خلال فترة الإغلاق ننام لساعات أطول بشكل عام، لكن نوعية النوم تكون سيئة.
العمل من المنزل يعني أن الكثير من الناس باتوا يقضون وقتاً أطول في استخدام أجهزة الكمبيوتر، الأمر الذي جعل الخبراء يقومون بصياغة مصطلح "متلازمة المؤخرة الميتة" للدلالة على قلة الحركة
وتعليقاً على هذه النقطة، قالت ليزا أرتيس، نائبة الرئيس التنفيذي لـThe Sleep Charity: "لقد ترك التوتر والقلق حول الإغلاق العديد من الأشخاص يكافحون من أجل نومهم"، وأضافت: "يرجع ذلك إلى عدد من الأسباب، بما في ذلك العمل من المنزل، الأطفال الذين يتعلمون من المنزل، العزلة، محدودية التمارين، وقت الشاشة المفرط، المخاوف المالية والأمن الوظيفي، القلق الصحي وعدم اليقين العام. وقد أدى كل ذلك إلى معاناة الأشخاص من أجل النوم أو البقاء نائمين أو الاستيقاظ مبكراً"، مشيرة إلى أن الإغلاق أثّر أيضاً على أحلام الأفراد.
وفي حين أكدت أرتيس على أن العمل من المنزل لعب دوراً رئيسياً في بروز مشاكل واضطرابات النوم، شددت على ضرورة تخصيص مكان محدد في المنزل للعمل و"إبقاء غرفة النوم للنوم والجنس فقط"، على حدّ قولها.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ 9 ساعاتربما نشهد خلال السنوات القادمة بدء منافسة بين تلك المؤسسات التعليمية الاهلية للوصول الى المراتب...
مستخدم مجهول -
منذ 20 ساعةحرفيا هذا المقال قال كل اللي في قلبي
مستخدم مجهول -
منذ يومينبكيت كثيرا وانا اقرأ المقال وبالذات ان هذا تماما ماحصل معي واطفالي بعد الانفصال , بكيت كانه...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ أسبوعمقال رائع فعلا وواقعي