شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
كأن لا حقّ لي في الأورغازم كفتاة بدينة

كأن لا حقّ لي في الأورغازم كفتاة بدينة

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الاثنين 21 ديسمبر 202003:39 م
Read in English:

Do Big Girls Have a Right to Orgasm?


هل الأفضل أن نغلق الأضواء؟ لعله- شريكي-  يتخيل امرأة أكثر رشاقة مني – إذا كان هذا ما يطمح إليه- ، ولعلي أتخيل أنني امرأة أرشق، فهل هذا ما أطمح إليه؟

كان عليّ اختيار وضع جنسي لا يظهر دهون البطن، رؤية عين الشريك أثناء ممارسة الحب لم تعد متاحة، لأن العيون أحياناً تكون زائغة على تلك الكيلوغرامات التي تفصل بيننا، هل هي نظرات تأمل أم نفور من جانبه؟

 أعطيه ظهري تجنباً لتلك النظرات،  وتلك الطبقات المتكتلة من الوزن الزائد في الظهر ليست مثيرة أو جذابة أيضاً، ولكنها على الأقل يمكن التحايل عليها بالتمطي والتمطع كقطة، حتى تتمدد تلك الطبقات الدهنية ليبدو ظهراً مقبولاً وعادياً للحظات من ممارسة الجنس المليء بالأفكار والتشتت من جانبي.

تلك الفترة في حياتي تعتبر فترة اعتذار لجسدي، إذ حصرت أهميته في ممارسة الجنس، وقناعتي أنه إذا لم يستحق الجنس فهو لا يستحق الحياة.

 ربما تكون كل تلك الأفكار أوهاماً في ذهني، ربما شريكي الجنسي لا يبالي بأني "Big Girl" كما يقول المصطلح الأمريكي لتجميل الأمر، ولكن هذا لا يُسكت الصوت الذي يعلو في ذهني، ويحمل صدى أصوات الكثير من الأوصاف التي وصف بها جسدي على مدار أعوام طويلة من التنمر.

 ويتعاظم هذا الصوت ليتحول إلى حاجز غير مرئي بيني وبين المتعة الجنسية، وكأن الفتاة البدينة ليس لها حق في "الأورغازم"، وكأنها تخشى أن تجعلها تلك الرعشة تفقد السيطرة على جسدها؛ قد تظهر "عيوبه" أمام الشريك في تلك اللحظة الحميمية.

قدراتي على ممارسة فن الإغراء تشبه بالضبط قدرات القرد على قيادة السيارات، فهو معه آلة أضخم منه بكثير لا يعرف كيف يستخدمها، ولا يدرك آلية قيادتها لتصل به إلى وجهته. - في حالتي- قلوب الرجال وإعجابهم، وخبراتي في اختيار "اللانجيري" والملابس الداخلية لفترة طويلة من عمري ظلت مهارات ضعيفة يمكن وصفها بالمحزنة.

 وكأن هناك رفضاً بداخلي للتعامل مع هذا الجسد، أو حتى محاولة تجميله، لم أرِد شيئاً سوى أن أكون رشيقة وهي محاولات دائماً ما كانت تبوء بالفشل، وهذا ما جعلني أرى الأنظمة الغذائية الصحية وكأنها وحش يطرق على بابي، ينوي تناول طعامي بدلاً مني، ويتركني أتضور جوعاً. وبين الرغبة في فقدان الوزن ورفض التعامل مع جسدي الزائد الوزن عشت في عزلة اختيارية عن هذا الجسد، فكيف يمكن لهذا الجسد الذي لا يملك روحاً مثيرة أن يعيش حياة جنسية صحية، وأن يصل للأورغازم؟

بين الرغبة في فقدان الوزن ورفض التعامل مع جسدي الزائد الوزن عشت في عزلة اختيارية عن هذا الجسد، فكيف يمكن لهذا الجسد الذي لا يملك روحاً مثيرة أن يعيش حياة جنسية صحية، وأن يصل للأورغازم؟

"لماذا لا ترقصين لي؟"، "ألم تعودي تفكرين في الجنس؟"، والكثير من الأسئلة الأخرى التي أراها في عين شريكي، إن لم أسمعها منه، وحتى إن تقبلني هو كما أنا بوزني الزائد ورآني مثيرة وجذابة رغم كل شيء، كيف يمكن لي أن أتقبل أنا جسدي بعد سنوات أخبرني فيها العالم أن الفتاة الممتلئة ليست جذابة. كيف أرى نفسي جذابة رغم الكيلوغرامات التي تثقلني؟ وهذا هو السؤال الحقيقي الذي يفترض طرحه.

عشت صراعاً نفسياً داخلياً لسنوات طويلة، رحلة من المعاناة الذاتية الصامتة الخجولة مع هذا الجسد الذي طالما ظننت أنه لم يُخلق للجنس أو للحب، هذا الصراع الذي طالما تركني منهكة ومحبطة جنسياً وعاطفياً. 

شعوري أنني يجب أن أغير من شكلي حتى أحصل على المتعة التي أريدها كان يزيد في الصراع داخلي بين رغبة الحب غير المشروط، وبين النزول على أرض الواقع بعيداً عن الأحلام الرومانسية، والتفكير بعقلانية عن ضرورة ظهور المرأة في كامل رونقها وجاذبيتها أمام شريكها. كان فخاً عشت فريسة لبراثنه سنوات طويلة، كان يتغذى على طاقتي يومياً ولا يتبقى شيء للعمل، أو الطموح أو الأحلام، والمثير للدهشة أن كل تلك الأفكار كانت ترميني بين أحضان الطعام بدلاً من البعد عنه للسعي وراء رجل، وكأن الطعام أصبح الملاذ الآمن بالنسبة لي، وكأنه أصبح شريكي في الحياة الذي لا يعترض على مظهري.

ولكن هذا الوضع تغير خلال العام الماضي، وتلك ليست قصة تنمية ذاتية أو بشرية ملهمة، فهي على النقيض تماماً، فأنا على الرغم من استماعي للكثير من الكلام المحفز عن حب الذات، وتقبلها كما هي، وعن أهمية أن تحب نفسك حتى يحبك الآخرون، فشلت بكل صراحة في تقبل وزني الزائد، وتسبب هذا الإحباط الجنسي والعاطفي في زيادة القلق المزمن الذي أعانيه منذ صغري، وصودف أن كتب لي أحد الأطباء النفسيين عقاراً مهدئاً لمدة أسبوعين فقط، ولاحظت أن من أعراضه الجانبية انعدام الرغبة الجنسية تماماً.

ولذلك- ودون استشارة الطبيب- تناولت هذا العقار خمسة أشهر، خلالها تناسيت أن لي جسداً من الأساس، وشعرت أن الرغبة الجنسية كانت مجرد عبء على نفسي وتخلصت منه، لم أزُر مركز التجميل لشهور، ولم أنظر في المرآة، وقضيت كل هذا الوقت في القراءة والعزلة والتلوين أحياناً. وبالطبع في تناول الطعام. فقد أصبح حرفياً المتعة الجسدية الوحيدة التي افضلها، وأصابني زهد في الجنس لم أجربه من قبل في حياتي. 

واقع الأمر أن هذا العقار واستخدامه طوال تلك المدة كان يعبث بهرموناتي ويدمرها، وحتى عندما انقطعت دورتي الشهرية أربعة شهور لم أهتم، وجاءت اللحظة التي نظرت في المرآة لاكتشف أن وزني زاد أكثر، وأني تحولت إلى شخص آخر، ولم أذهب إلى طبيب النساء إلا بعد إلحاح أمي.

على الرغم من استماعي للكثير من الكلام المحفز عن حب الذات، وتقبلها كما هي، وعن أهمية أن تحب نفسك حتى يحبك الآخرون، فشلت بكل صراحة في تقبل وزني الزائد، وتسبب هذا الإحباط الجنسي والعاطفي في زيادة القلق المزمن الذي أعانيه منذ صغري

هرمون اللبن يجب أن يكون معدله الطبيعي في الدم خمسة، كان معدل الهرمون في دمي 150 وهذا بسبب العقار الذي كنت أتناوله فرحة أنه يقتل رغبتي الجنسية، فقد حولني إلى جسد امرأة خاضت الولادة للتو، حتى أن ثدي كان يدر لبناً في اللحظة التي أخبرني الطبيب أن زيادة هرمون اللبن بسبب العقار وبسبب التوتر؛ أدركت فداحة ما فعلته بجسدي، أدركت أني كرهته حتى بدأت في إيذائه، كان وقع الصدمة علي شديداً، خاصة بعد أخبرني الطبيب أني في حاجة إلى كورس كامل من الهرمونات حتى يعود جسدي إلى طبيعته مرة أخرى، وسؤال واحد كان يتكرر في ذهني: "هل فعلت في نفسي هذا فقط لأتحرر من الرغبة الجنسية؟"، لماذا تعاملت معها على أنها عبء لهذه الدرجة؟ ولماذا كرهت نفسي لهذا الحد؟

أكتب إليكم وإليكن هذا المقال وأنا أتناول عقار البروزاك للاكتئاب، وصفه الطبيب لي خوفاً من أن أفكر في إيذاء نفسي بهذا الشكل مرة أخرى، بينما أتبع حمية الصيام المتقطع، تلك الفترة لا تعتبر فترة حب للذات أو التقبل الذي يتحدث عنه الكثيرون، تلك الفترة في حياتي تعتبر فترة اعتذار لجسدي، إذ حصرت أهميته في ممارسة الجنس، وقناعتي أنه إذا لم يستحق الجنس فهو لا يستحق الحياة والصحة، وهذا ما جعلني اهتم بنفسي مرة أخرى، ليس بسبب  الكليشيهات التي نسمعها يومياً عن "تقبل نفسك كما أنت" ودائماً كنت أسخر منها، بل اهتمامي بنفسي الآن يحمل في طياته الكثير من الإحساس بالذنب والرغبة في الاعتذار لهذا الجسد، الذي حرمته في البداية من الأورغازم والحب، وكنت على وشك حرمانه من الحياة نفسها في النهاية.



رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel


* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard