شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
لماذا يقسو الناس على الشخص البدين؟

لماذا يقسو الناس على الشخص البدين؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الأربعاء 23 أغسطس 201703:53 م
"حديثاً، بدأت أعالج سيدة أقدمت على الانتحار للتخلص من سخرية زوجها وانتقاداته المستمرة بسبب وزنها، عقب إنجاب توأم، قال لها ذات مرة وركك شبه سيخ الشاورما، آلمني التشبيه المجحف ولا يغيب عن ذهني انهيار المرأة وبكاؤها الهستيري"، تقول هبة عيسوي، الأستاذة في الطب النفسي في جامعة عين شمس وزميلة الجمعية الأميركية للطب النفسي لرصيف22. تقول أنها عالجت أشخاصاً كثراً خسروا فرص عمل وزواج والتحاق ببعض الكليات العسكرية، وحتى أطفالاً عانوا من "التنمر" والسخرية من رفاقهم في مراحل عمرية متقدمة وغير متوقعة، حتى من المقربين.
في مجتمع نشأ أطفاله على أغنية "دبدوبة التخينة اللي تقل الطوبة"، يشبّه الشخص البدين ببعض الحيوانات السمينة أو البطيئة أو الكسولة، ويصفه صفات أخرى فيها كثير من الإهانة وتفترض أنه خمول وشره، وتكثر الأمثال الشعبية عن ذلك، فتقول عضة قرش ولا ست بكرش. لذلك، فليس من الصعب تخيل التحيز في المجتمع ضد أصحاب الوزن الثقيل.

تحيز عالمي ضد البُدُن يثبته العلم

الأزمة ليست عربية، بل أقر العلم بوجود تحيز على أساس الوزن قبل عقود، وغالباً ما يبدأ في مراحل الطفولة حتى قبل السنوات الثلاث، ابتداء من السخرية والتصرفات السلبية إلى التنمر والبلطجة وصولًا إلى التمييز العلني. أما الدراسات الحديثة التي أجراها الباحثون في جامعة ديوك Duke University، فتوصلت إلى أن "التحيز الضمني للوزن" بين المراهقين (9-11) عاماً، يعادل انتشار "التحيز الضمني العنصري" بين البالغين. يوضح آشلي سي سكينر Asheley C. Skinner، الباحث الرئيسي في الدراسات، لصحيفة النيويورك تايمز، أنها تتبعت نمو أشخاص في مراحل الطفولة والمراهقة والشباب داخل أسرهم وحتى انفتاحهم على ثقافة مجتمعية تعلي من شأن النحافة والرشاقة، وتلقي باللوم في المقابل على من يعانون من تراكم الدهون. MAIN_2Fat-BiasMAIN_2Fat-Bias أمر شائع ومعتاد أن يلفت الآباء نظر أبنائهم إلى ما يكسبون من كيلوات باستمرار، ويحذروهم دائماً من تناول أطعمة معينة أو تحديد كميات الطعام، يقول سكينر. ويقول سكوت خان Scott Kahan، مدير المركز الوطني للوزن والعافية في واشنطن، أن التحيز على أساس الوزن موثق ومنتشر على نطاق واسع في المجتمع الأميركي في مجالات العمل والتعليم والإعلام والرعاية الصحية وحتى بين أفراد الأسرة الواحدة، بحسب الصحيفة. ربما هذا ما دفع 3 ولايات أميركية، Maine وNew York وNew Hampshire، إلى سن قوانين تحظر التمييز على أساس الوزن، بحسب المقال. ولفت خان، في مدونة على هفينغتون بوست، إلى أن الأشخاص الذين يعانون من السمنة أو السمنة المفرطة معرضون "للوصم" حتى من أولئك المختصين بعلاجهم، إذ يهيئون سلوكات غير صحية تسبب زيادة الوزن بدلاً من فقده.
الأشخاص الذين يعانون من السمنة أو السمنة المفرطة معرضون "للوصم" حتى من أولئك المختصين بعلاجهم...
يوجد تحيز على أساس الوزن من قبل عقود، وغالباً ما يبدأ في مراحل الطفولة حتى قبل السنوات الثلاث...

أضرار نفسية وصحية توصل إلى الانتحار

تقول عيسوي: السمنة من أخطر الأمراض العضوية الوبائية، أي المنتشرة، ويجهل كثيرون أو يتجاهلون الجانب النفسي لها، إذ يصنفها الطب النفسي ضمن الأمراض النفسية المتجاهَلة، والتي يتطلب علاجها نظاماً شاملاً من الدواء والعلاج الطبيعي والجلسات النفسية ودعم المحيطين. الطبيبة التي تعمل في مركز الدمرداش للطب النفسي الخاص بعلاج اضطرابات الأكل النفسية، تؤكد أن وعيَ العالم خطورة تفاقم اضطرابات الأكل في تصاعد، وتلفت إلى انعقاد المؤتمر الأول لاضطرابات الأكل النفسية في الشرق الأوسط الشهر المقبل في القاهرة. يعاني الشخص البدين في مجتمعنا من تحيز مجحف ومؤلم، وتبدأ معاناته عندما ينظر إلى المرآة فيشعر بأنه مختلف عن الآخرين، وتتقلص صورة "الذات" داخله ويقلل من قدراته، بل ويشعر بأنه بلا مزايا، توضح المختصّة النفسية. وتتابع: سرعان ما يتطور الأمر ليصل إلى الشعور بالإحباط والاكتئاب وتجنب الآخرين والميل إلى العزلة، بخاصة مع التعليقات الساخرة والمهينة من المحيطين، وليس مستبعداً أن يتفاقم الضرر ويصل إلى محاولة الانتحار أو الانتحار الفعلي. عوضاً عن التعاطف والدعم كأي مريض، تميل الثقافة الشعبية إلى وصم البدين بالشراهة و "الطفاسة"، وتلقي باللوم عليه مع أن الأمر قد يكون خارج سيطرته كلياً، إذ تلعب اضطرابات الغدد والهرمونات وأحياناً العوامل الوراثية دوراً خطيراً في إصابة كثيرين بالسمنة المفرطة، تضيف عيسوي. أضرار هذا التحيز من صعوبة فقد الوزن أو اكتساب مزيد من الوزن والاتجاه إلى العزلة وكثير من الاضطرابات النفسية، خصوصاً "الاضطراب الثنائي القطبين"، لا جدال فيها وأثبتتها دراسات عدة، إلا أننا نبحث عن الأهم وهو العلاج، تقول عيسوي.

العلاج؟

لا بد من أن نثقف الأمهات للتخلص من فكرة "التزغيط" أو إطعام الطفل كثيراً، لمنحه طعاماً صحياً ومتوازناً، والاهتمام بالرياضة في المدارس منذ الصغر مع وضع برامج تدريب للطلاب الذين يعانون من السمنة، لعدم تعريضهم للسخرية من أقرانهم. ومنح البدين فرصاً عادلة في المنافسة والعمل أمر مهم جداً للتخلص من هذه العنصرية ضده، بحسب عيسوي. في سياق متصل، تتصاعد الدعوات إلى تقبل الجسم الضخم من مشاهير كثر حول العالم، منهم الفنانة ريبيل ويلسون، عارضتا الأزياء تيس هوليداي وآشلي غراهام. وتصنّف منظمة الصحة العالمية "السمنة" أحدَ أكثر الأمراض تسبباً في هلاك الأرواح، حتى أكثر من المجاعات ونقص التغذية وسوئها، وبدأت الأزمة تتفاقم منذ عام 1980. فبينما يعاني 39% من الشباب في عمر 18 عاماً من زيادة الوزن، فإن 41 مليون طفل، دون الخامسة، مصابون بالسمنة، بحسب أحدث إحصاء للمنظمة في 2014.

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image